إسلام ويب

شرح سنن النسائي - كتاب المواقيت - باب آخر وقت المغربللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذه الصلوات الخمس التي يكون بها تكفير الخطايا ورفعة المنزلة عند الله، ومن هذه الصلوات صلاة المغرب التي يكون آخر وقتها عند سقوط الشفق.

    1.   

    آخر وقت المغرب

    شرح حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...)

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب آخر وقت المغرب.

    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا أيوب الأزدي يحدث عن عبد الله بن عمرو قال شعبة: كان قتادة يرفعه أحياناً وأحياناً لا يرفعه، قال: (وقت صلاة الظهر ما لم تحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل، ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس) ].

    هنا أورد النسائي رحمه الله: باب آخر وقت المغرب.

    هذه الترجمة لبيان آخر وقت المغرب، وقد سبق أن مرت التراجم السابقة، وهي باب: أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تقابل تلك الترجمة؛ لأن تلك الترجمة تعني أول وقت المغرب، وهذه الترجمة تعني آخر وقت المغرب.

    وأورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما الذي بين فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام أواخر أوقات الصلوات الخمس، والمراد من ذلك الوقت الاختياري؛ لأن صلاة العصر لها وقت اضطراري واختياري، والعشاء لها وقت اختياري واضطراري، والذي جاء في هذا الحديث هو بيان الوقت الاختياري، على أن بعض الصلوات ليس لها إلا وقت اختياري، وليس لها وقت اضطراري، فيقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: (وقت صلاة الظهر)، أي: آخره، أي: الوقت الاختياري، ثم قال: (ما لم تحضر العصر)، يعني: ما لم يدخل وقت العصر، وذلك أن وقت العصر متصل بوقت الظهر، ليس هناك فجوة بينهما، وليس هناك وقت لا يعتبر لا للظهر ولا للعصر؛ لأن بانتهاء وقت الظهر يبدأ وقت العصر.

    فقوله هنا: (ما لم تحضر العصر). معناه: ما لم يدخل وقت العصر؛ لأن آخر وقت الظهر يليه أول وقت العصر، وقوله: (ما لم تحضر العصر)، يفهم منه أن وقت العصر كان معلوماً، ولهذا ربط الحكم به، وأناط الحكم به، وجعل وقت الظهر ينتهي بدخول وقت العصر.

    وقوله: (ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس).

    يعني: ما لم يتغير لونها من القوة، والشدة، والبياض، والحرارة إلى الاصفرار متجهة إلى الغروب، فهذا هو وقت العصر، والمراد به: الوقت الاختياري، أما الاضطراري فإنه يمتد إلى غروب الشمس، وأما الوقت الاختياري فهو ما لم تصفر الشمس، معناه: أنها مادامت حية، وما دامت قوية، ولا زالت حرارتها موجودة، فهذا هو وقت العصر الاختياري، وقد جاء في بعض الروايات التحديد بالظل والفيء، وأنه إذا كان ظل الشيء مثليه، وكان ظل الرجل مثليه، فإنه عند ذلك ينتهي الوقت الاختياري، وبعد ذلك يبدأ الوقت الاضطراري.

    قوله: (ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق).

    المراد بثور الشفق: انتشاره، أي: ما لم يذهب هذا الضياء وهذا النور الذي هو ضوء الشفق، وما لم يسقط، فهذا هو وقت صلاة المغرب؛ أي: آخر وقتها، وآخر وقت المغرب متصل بأول وقت العشاء، وليس هناك فجوة بينهما، والحال في ذلك كالحال فيما بين الظهر والعصر، لأنه لا فجوة في الوقت بين الظهر والعصر، فكذلك أيضاً لا فجوة بين المغرب والعشاء، بل بانتهاء وقت المغرب يبدأ وقت العشاء.

    وليس للمغرب وقت اضطراري وإنما هو وقت اختياري فقط، لكن من المعلوم أن الصلوات تصلى في أول وقتها، وأن التساهل في تأخيرها قد يترتب عليه الفوات، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن حام حول الوقت وقارب الوقت يمكن أن يقع فيه، فالذي ينبغي للإنسان المبادرة بالصلاة، وأن لا يؤخرها إلى آخر وقتها، وإن كان ذلك سائغاً وجائزاً وهو وقتها، خشية أن يقع في المحذور، وخشية أن يفوت الوقت ويحصل ما يترتب عليه فواتها، ولكنه إذا أخرها فكل ذلك يكون وقتها، ولكن المبادرة إلى الصلوات في أول أوقاتها هذا هو المطلوب، وهذا هو المستحب إلا في حال شدة الحر، فإن الإبراد مستحب، أي: تأخير الصلاة عن أول وقت الظهر، وكذلك صلاة العشاء أيضاً تأخيرها مستحب، إلا إذا كان يترتب على ذلك نوم الناس، وحصول المشقة عليهم، فإنها تصلى في أول وقتها، كما هو الغالب على فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    قوله: (ووقت العشاء ما لم ينتصف الليل).

    يعني: إلى نصف الليل، هذا هو وقت العشاء، والمراد بانتصاف الليل؛ من حين غروب الشمس إلى طلوع الفجر، هذا هو الليل، فمنتصفه من الزمان ومن الوقت فهذا هو نهاية وقت العشاء الاختياري، أما الاضطراري فإنه يستمر إلى طلوع الفجر، والعشاء لها وقت اختياري ووقت اضطراري، والعصر -كما عرفنا- لها وقت اختياري ووقت اضطراري، وقد دل ذلك على أن كل صلاة تتصل بالتي بعدها إما اختياراً وإما اضطراراً إلا الفجر؛ فإنها لا تتصل بالتي بعدها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ليس في النوم في التفريط، وإنما التفريط على من أخر الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة التي بعدها)، فهذا يدل على أن كل صلاة يستمر وقتها إلى وقت التي تليها إما اختياراً كالظهر والمغرب، وإما اضطراراً كالعصر والعشاء.

    وأما الفجر فإنها لا تصل إلى وقت التي بعدها؛ لأن آخر وقتها طلوع الشمس، والمدة التي بين طلوع الشمس وزوالها ليس من أوقات الصلوات، وليس وقتاً لصلاة الظهر، فلا يجوز تقديمها عن الزوال، وليس وقتاً للفجر، فلا يجوز تأخيرها عن طلوع الشمس؛ لأنها لو أخرت عن طلوع الشمس لكان قضاء ولا يكون أداءً، فلا يجوز تأخيرها عن ذلك.

    قوله: (ووقت الصبح ما لم تطلع الشمس).

    يعني: إلى وقت طلوع الشمس، وقد جاء في بعض الأحاديث التي مرت: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته)، معناه: أنه أدرك وقتها، فإذا أدرك ركعة واحدة من ركعتي الفجر، أي: من الصلاة المكتوبة فإنه يدرك الوقت، ويأتي بما بقي من صلاته، لكن إذا لم يدرك ركعة فإنه يكون الوقت قد انتهى، ويكون فعله بعد طلوع الشمس قضاء وليس أداء، أما إذا أدرك ركعة واحدة قبل طلوع الشمس، وركعة أتى بها بعد ذلك، فإن الصلاة مؤداة وليست مقضية.

    تراجم رجال إسناد حديث: (... ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ...)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا أبو داود].

    هو سليمان بن داود الطيالسي، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو داود واسم أبيه داود، وسليمان بن داود أبو داود، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا شعبة].

    هو ابن الحجاج المحدث، الناقد، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكما ذكرت أن هذا وصف رفيع، ولقب عال، ولم يظفر به إلا عدد قليل من المحدثين، ومنهم: شعبة بن الحجاج هذا، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مدلس، لكن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما أمن تدليسهم فيه، وهذا من رواية شعبة عن قتادة، فإذا روى شعبة عن مدلس فإنه مأمون تدليس ذلك المدلس الذي هو شيخه؛ لأن المعروف عن شعبة أنه لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وما أمن تدليسهم فيه.

    [سمعت أبا أيوب الأزدي].

    أبو أيوب الأزدي قيل: اسمه يحيى، وقيل: حبيب بن مالك، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

    [عن عبد الله بن عمرو].

    هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعروف بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بين ذلك أبو هريرة رضي الله عنه وقال: إنه كان يكتب، وأبو هريرة لا يكتب، وبيّن كثرة حديثه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    [قال شعبة: إن قتادة أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه].

    يعني: أحياناً يقول فيه: عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحياناً لا يرفعه، يعني: يقفه على عبد الله بن عمرو بن العاص، أي: أنه أحياناً يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً، وأحياناً لا يذكر فيه النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما يكتفي بذكر عبد الله بن عمرو بن العاص فيكون موقوفاً.

    وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص خرجه أصحاب الكتب الستة، وعبد الله بن عمرو بن العاص هو أكبر أولاد أبيه عمرو بن العاص، وقد ذكروا في ترجمته وترجمة أبيه أنه ولد لأبيه وعمره اثنتا عشرة سنة، معناه: أن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه تزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله وعمره اثنتا عشرة سنة، أي: أن عمر عمرو بن العاص لما ولد له ابنه عبد الله كان اثنتا عشرة سنة، وهذا فيه أن الإنسان قد يحتلم في زمن مبكر، وأن البلوغ يحصل بحصول الاحتلام والإنزال، ولو كان في سن مبكر، وإذا لم يحصل أسباب البلوغ أو علامات البلوغ؛ فإنه يكون ببلوغه خمس عشرة سنة، لكنه إذا وجد قبل ذلك ما يقتضي البلوغ، فيكون بالغاً قبل الخمس عشرة سنة.

    شرح حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له، قالا: حدثنا أبو داود عن بدر بن عثمان قال: إملاء على حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: (أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق، ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس، ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس، ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: الوقت فيما بين هذين) ].

    ثم أورد النسائي رحمه الله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقت؟ أي: أوقات الصلاة، فلم يرد عليه شيئاً؛ يعني: بالكلام، وما قال: الوقت هو كذا وكذا وكذا، يعني: ما أجابه قولاً، ولكن أمره بأن يصلي معه يومين، وينظر ويشاهد ويعاين البداية والنهاية، وهذا فيه التعليم بالفعل، ثم أيضاً التعليم بالقول؛ لأنه قال بعد ذلك: (وقت الصلاة ما بين هذين الوقتين) يعني: بعد أن أراه وأطلعه ووقفه مشاهداً ومعياناً الأوقات بالفعل، قال بعد ذلك: (الوقت فيما بين هذين).

    ففيه: التعليم بالفعل، وهذا من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل، حيث يشاهد الإنسان الوقت ويعرفه بالحالة الراهنة، والوقت الحاضر، فصلى في اليوم الأول الصلوات في أول وقتها، وصلى في اليوم الثاني الصلوات في آخر وقتها، وقال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين).

    ثم فيه: ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على التفقه في الدين، وسؤالهم عن أمور دينهم، وعن عباداتهم -كيفياتها وأوقاتها- وما إلى ذلك مما هم بحاجة إلى معرفته، وهذا يدل على فضلهم وعلى نبلهم وحرصهم على معرفة الحق والهدى؛ ليتعبدوا الله عز وجل على بصيرة، وليرشدوا غيرهم، وليدلوا غيرهم، وليبينوا للناس الحق والهدى الذي جاء به المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فرضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.

    قوله: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل يسأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرد عليه شيئاً، فأمر بلالاً فأقام بالفجر حين انشق).

    لأن هذا اليوم الأول، وقوله: (أمر بلالاً فأقام في الفجر حين انشق)، أي: حينما طلع الصبح وبدأ الوقت أمره فأقام، فهذا بيان أن أول وقت الفجر عندما ينشق الصبح، ويبدأ ويظهر الوقت.

    قوله: (ثم أمره فأقام بالظهر حين زالت الشمس).

    أي: حصل زوالها واتجاهها إلى جهة المغرب بعد أن كانت جاءت من جهة المشرق، ثم صارت على الرءوس، ثم اتجهت إلى جهة المغرب، وحصل الزوال؛ لأن الزوال هو الفيء، يعني: بدل ما كان الفيء إلى جهة الغرب؛ لأن الشمس في جهة الشرق، ولما اتجهت إلى الغرب حصل الفيء إلى جهة الشرق؛ أي: وجد الشيء اليسير الذي يدل على أن الشمس ذهبت عن وسط الرءوس، وأنها مالت إلى جهة الغرب.

    قوله: (والقائل يقول: انتصف النهار، وهو أعلم).

    أي: القائل من الناس الذين صلوا معه يقول: (انتصف النهار) يعني: هل انتصف النهار؟ يعني: هذه كناية عن التبكير بها جداً؛ قال: (وهو أعلم)، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره بأن يقيم كذلك بعد زوال الشمس، هو أعلم بأنه قد انتصف النهار، وإن كان غيره يقول: هل انتصف؟ ويستفهم: هل انتصف النهار؟ وذلك إشارة إلى شدة التبكير بها، ومعنى هذا: أن أول وقت الظهر هو عندما تزول الشمس.

    قوله: (ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة).

    معناه: أنه لما خرج وقت الظهر والشمس حية، وكان ظل كل شيء مثله أمره فأقام العصر، يعني: في أول وقتها، والشمس مرتفعة في السماء ما مالت إلى جهة الغروب كثيراً، وإنما هي مرتفعة في السماء.

    قوله: (ثم أمره فأقام بالمغرب حين غربت الشمس).

    وهذا هو أول وقتها، إذا غربت الشمس وغاب قرصها، وذهب حاجبها الذي هو طرف قرصها الآخر الذي يبقى منه ويذهب أكثره، فعند ذلك يبدأ وقت المغرب، فأمره أن يقيم المغرب حين غابت الشمس.

    (ثم أمره فأقام بالعشاء حين غاب الشفق).

    وهذا هو أول وقتها وذلك حين غاب الشفق وهو الضياء الذي يكون بعد غروب الشمس، وقد كان بعد ذلك اشتداد الظلام وشدته وقوته، ولم يبق أي أثر للشفق أو للنور وصار المغرب مثل المشرق، وكله سواء في الظلام الدامس، وبهذه الصلوات انتهى اليوم الأول الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الصلوات في أول وقتها، ثم بعد ذلك صلى في اليوم الثاني مع آخر الوقت.

    قوله: (ثم أخر الفجر من الغد حين انصرف، والقائل يقول: طلعت الشمس).

    أي: من شدة الضياء؛ معناه: أن الشمس أوشكت أن تطلع، وهذا هو آخر وقتها الذي هو طلوع الشمس، معناه أنه صلاها في آخر وقتها، أو قريباً من آخر وقتها.

    قوله: (ثم أخر الظهر إلى قريب من وقت العصر بالأمس).

    أي: حين كان ظل الشيء مثله، فأخرها إلى آخر وقتها.

    قوله: (ثم أخر العصر حتى انصرف، والقائل يقول: احمرت الشمس).

    يعني: تغير لونها، وبدل ما كانت بيضاء واضحة تغيرت إلى الاصفرار والاحمرار متجهة إلى الغروب، وهذا هو نهاية الوقت الاختياري، وأما الوقت الاضطراري فإنه إلى غروب الشمس، بل إن الإنسان إذا اضطر وأدرك ركعة قبل الغروب يضيف إليها ركعة ويكون أدرك الصلاة في وقتها، مثل الفجر فإنه إذا أدرك ركعة قبل طلوع الشمس فإنه يضيف إليها أخرى ويكون قد أدرك الصلاة في وقتها، والمراد بذلك أنه ما لم تحمر الشمس؛ يعني: الوقت الاختياري، أما الوقت الاضطراري فإنه يستمر إلى غروب الشمس.

    قوله: (ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق).

    يعني: عند نهاية وقت المغرب، وقرب دخول وقت العشاء، وحيث سقط الشفق، يعني: ذهب البياض الذي يكون بعد الغروب، ويكون -كما هو واضح- المشرق والمغرب كله سواء في الظلام الدامس.

    قوله: (ثم أخر العشاء إلى ثلث الليل).

    وقد جاء في بعض الروايات: (نصف الليل)، والمعتبر هو النصف، والثلث داخل في النصف، والأحاديث ثبتت في النصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري والذي هو النصف.

    قوله: (ثم قال: الوقت فيما بين هذين).

    ثم لما صلى في هذين اليومين، اليوم الأول يصلي الصلوات الخمس في أوائل أوقاتها، واليوم الثاني يصلي الصلوات الخمس في أواخر أوقاتها، فيما كان له وقت اختياري واضطراري، قال: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)، وفي هذا بيان بالقول بالإضافة إلى البيان بالفعل؛ لأن البيان بالفعل هو كونه يصلي والشمس ترى، وهذه العلامات التي نصبها الله عز وجل يشاهدها الإنسان ويعاينها، ثم قال له: (الصلاة ما بين هذين الوقتين)؛ يعني: إذا فعلت بين هذين الوقتين، فهذا هو وقتها.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى في آخر وقت المغرب

    قوله: [أخبرنا عبدة بن عبد الله وأحمد بن سليمان واللفظ له ].

    عبدة بن عبد الله هو الصفار، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، ولم يخرج له مسلم شيئاً.

    أما أحمد بن سليمان فهو الرهاوي، وهو ثقة، عابد، خرج له النسائي وحده، قال: [واللفظ له]، أي: لـأحمد بن سليمان؛ لأنه ذكر الشيخين، فأشار إلى من له اللفظ منهما، وأنه الثاني من شيخيه، وهو أحمد بن سليمان، وليس سياق لفظ شيخه الأول: عبدة بن عبد الله .

    [ قالا: حدثنا أبو داود].

    هو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، والحفري نسبة إلى موطن أو موضع بالكوفة يقال لها: الحفر، فنسبة إليها يقال: الحفري، وهو ثقة عابد، وخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن بدر بن عثمان].

    هو بدر بن عثمان الأموي الكوفي، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه في التفسير، وما خرج له البخاري، وما خرج له أبو داود، ولا الترمذي.

    [قال: إملاء علي].

    يعني: أن شيخه، وهو أبو بكر بن أبي موسى يملي عليه إملاء، يعني: من حالة التحمل أنه يملى عليه، قال: (إملاء علي)، يعني: هذه طريقة التحمل من شيخه، والإملاء هي من أحسن أو أعلى صيغ التحمل؛ لأنه يسمع من لفظ شيخه إملاء، يعني: يملي عليه وهو يكتب، فهي تكون من أعلى ما يكون من صيغ التحمل.

    [حدثنا أبو بكر بن أبي موسى].

    هو أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، وأبو بكر هذا قيل اسمه: عمرو، وقيل: عامر، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    هو عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث جابر في آخر وقت المغرب

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا زيد بن الحباب حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه قال: (دخلت أنا ومحمد بن علي على جابر بن عبد الله الأنصاري، فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاك زمن الحجاج بن يوسف، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس، وكان الفيء قدر الشراك، ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين طلع الفجر، ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل، ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه، قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد، ثم صلى الفجر فأسفر) ].

    هنا أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن بشير بن سلام دخل هو ومحمد بن علي بن الحسين وهو ابن علي بن أبي طالب المعروف بـالباقر، فدخلوا على جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، فسألوه عن أوقات الصلوات، وهذا أيضاً فيه أن التابعين كانوا يحرصون على سؤال الصحابة عن أمور الدين، وعن أفعال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، والحديث الذي مضى رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوقات، وهؤلاء تابعون سألوا الصحابة عن الأوقات، فالصحابة يسألون النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون يسألون الصحابة، فهي سلسلة متصلة، والكل معني في أمور دينه، والكل حريص على أمور دينه، وهذا يدلنا على أن سلف هذه الأمة تلقوا الحق والهدى عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأعطاه بعضهم لبعض، وحمله بعضهم لبعض.

    فإن في هذا الحديث أن بشير بن سلام ومحمد بن علي بن الحسين الباقر سألا جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.

    قوله: (فقلنا له: أخبرنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاك زمن الحجاج بن يوسف).

    يعني: ذاك الوقت الذي سألوه في زمن الحجاج بن يوسف.

    قوله: (قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر حين زالت الشمس).

    أي: أن جابراً رضي الله عنه يحكي فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنها كانت في أول وقتها.

    قوله: (وكان الفيء قدر الشراك).

    الشراك هو: شراك النعل الذي يكون على وجهها وعلى ظهرها، يعني: هذا كناية عن صغر أو عن قلة الفيء، وأنه بمجرد ما حصل الفيء دخل وقت الظهر، فصلاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه إشارة إلى التقليل، وأنه بمجرد ما انكسر الفيء ووجد ظل يسير جداً إلى جهة المشرق بعد أن زالت الشمس إلى جهة المغرب، عند ذلك تحقق الزوال، وذهبت الشمس عن الرءوس، واتجهت إلى جهة المغرب.

    قوله: (ثم صلى العصر حين كان الفيء قدر الشراك، وظل الرجل).

    معناه: بعدما صار ظل الشيء مثله بعد دخول وقت الظهر عند ذلك يدخل وقت العصر، إذا كان ظل الشيء مثله بدأ وقت العصر، وإلى أن يكون ظل الشيء مثله فهذا هو نهاية وقت الظهر.

    قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).

    يعني: أول وقتها.

    قوله: (ثم صلى العشاء حين غاب الشفق).

    يعني: في أول وقتها.

    قوله: (ثم صلى الفجر حين طلع الفجر).

    يعني: في أول وقتها، فهو أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في يوم من الأيام صلى الصلوات في أوائل أوقاتها.

    قوله: (ثم صلى من الغد الظهر حين كان الظل طول الرجل).

    يعني: في اليوم الثاني؛ حيث كان ظل الرجل مثله، هذا هو الوقت الذي ينتهي فيه وقت الظهر، فعندما يكون ظل الشيء مثله معناه: أنه يصليها في آخر وقتها، وبعده مباشرة يدخل وقت العصر.

    قوله: (ثم صلى العصر حين كان ظل الرجل مثليه).

    يعني: مثله مرتين؛ وهذا يفيد تساوي وقت الظهر مع وقت العصر الاختياري؛ لأنه من الزوال إلى أن يكون ظل الشيء مثله، فهذا هو وقت الظهر، ثم من أن يكون مثله إلى مثليه فهذا وقت العصر الاختياري، يعني: أنه متساوي مع وقت الظهر، لكن بعد أن يكون ظل الشيء مثليه، فهو وقت اضطراري إلى غروب الشمس.

    قوله: (قدر ما يسير الراكب سير العنق إلى ذي الحليفة).

    والعنق هو السير المتوسط؛ لأن أنواع السير له أسماء، وقد جاء في الحديث في حجة الوداع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص)، يعني: أسرع، (كان يسير العنق)، معناه: أن السير متوسط معتدل، فإذا وجد فجوة أمامه، أي: لا يوجد زحام أمامه أسرع في هذه الفجوة، فهذا يسمى النص، يعني: نوع من أنواع السير اسمه النص، وهو السريع، وكان يوصي أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهو في تلك الحال فيقول: (أيها الناس! السكينة السكينة، فليس البر بالإيضاع)، وقوله: (الإيضاع) أي: الإسراع؛ لأنهم إذا حصل منهم الإسراع يضر بعضهم ببعض، وكان عليه الصلاة والسلام لا يسرع إلا إذا كان أمامه متسع، ولا يتضرر به أحد، فكان يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، وكان يقول لأصحابه: (أيها الناس! السكينة السكينة)؛ يعني: عليكم بالسكينة في المشي، (فإنه ليس البر بالإيضاع)، يعني: ليس البر بأن تسرعوا، وإنما عليكم بالسكينة، وهو المشي الهين الذي لا يترتب عليه مضرة.

    قوله: (ثم صلى المغرب حين غابت الشمس).

    معناه: أنه في أول الوقت، وأنه في الأول حين غابت الشمس، يعني: ليس فيه تحديد، والوقت بالنسبة للآخر.

    قوله: (ثم صلى العشاء إلى ثلث الليل أو نصف الليل، شك زيد).

    هل قال النصف أو قال الثلث؟ لكن -كما ذكرت فيما مضى- صحت الأحاديث بالنصف، فيكون هو نهاية الوقت الاختياري، والثلث داخل في النصف، وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر الثلث بدون النصف، وهنا الشك بين الثلث والنصف.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في آخر وقت المغرب

    قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان.]

    هو الرهاوي شيخه في الإسناد الأول، والذي هو شيخه الثاني في الإسناد الماضي، وهو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، عابد، وخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا زيد بن الحباب].

    وهو صدوق، يخطئ في حديث الثوري، وقد خرج حديثه مسلم، والأربعة.

    [حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت].

    وهو صدوق له أوهام، وقد خرج حديثه الترمذي والنسائي.

    [حدثني الحسين بن بشير بن سلام عن أبيه].

    الحسين بن بشير مقبول عند ابن حجر، روى عن أبيه عن جابر هذا الحديث، ولم يرو له النسائي حديثاً غيره.

    وأبوه هو بشير بن سلام، وهو تابعي صدوق، وقد خرج حديثه النسائي من أصحاب الكتب الستة.

    [جابر بن عبد الله الأنصاري].

    صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767970722