أخبرنا عتبة بن عبد الله قرأت على مالك بن أنس، ح والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو علموا ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)].
يقول النسائي رحمه الله: باب: الرخصة في أن يقال للعشاء: العتمة، جاء في بعض الأحاديث ما يدل على كراهة أن يقال لها: العتمة، وجاء في بعضها - وقد مر -: (التي تدعونها العتمة) وهذا يشعر بكراهية ذلك اللفظ، لكن جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إطلاق العتمة على العشاء، وهذا يدل على أن إطلاقها سائغ، ولكن الأولى أن يقال لها: العشاء كما سماها الله عز وجل بذلك بقوله: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58]، فإطلاق العشاء عليها هو اللفظ الذي جاء في القرآن، فاستعماله والإتيان به أولى من الإتيان بالعتمة، وإذا قيل في بعض الأحيان: العتمة، فإنه لا بأس بذلك.
وهذه الترجمة عقدها المصنف النسائي رحمه الله لبيان جواز أن يقال لها: العتمة، وإن كان قول: العشاء، لها أولى.
وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الدال على فضل أمور متعددة، منها: الأذان، والصف الأول، ومنها: التهجير إلى الصلوات، ومنها: حضور الجماعة لصلاتي العشاء والفجر.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول) النداء المراد به: الأذان، وهذا يدل على فضيلة الأذان، وعلى استحباب أن يكون الإنسان مؤذناً إذا تيسر له ذلك؛ لأن فيه دعوة الناس إلى الخير، وفيه المحافظة على الصلاة، وحضور المساجد من أول أوائل أوقاتها، والمؤذن إذا أذن وجلس في المسجد ينتظر الصلاة، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، وهكذا كل من جاء مبكراً إلى المسجد، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، فالأذان فيه فوائد عدة، وفضيلته من أوجه متعددة:
أولاً: كونه فيه الدعوة إلى الخير، ونداء الناس إلى الصلاة والفلاح، ولأن فيه أيضاً: التبكير، وحضور الجماعة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، والمؤذن يحصل على الفضيلتين: يحصل على الأذان، ويحصل على الصف الأول، ومن لم يحصل له الأذان، وحصل له الصف الأول فهذا من أهم المهمات، وكل من الاثنين - الذي هو الأذان والصف الأول - قال عنهما رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول -يعني: من الأجر- ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، والاستهام: هو الاقتراع، يعني: يعملون قرعة، فكل واحد يقول: أنا السابق، وكل واحد يقول: أنا صاحب الحق، والطريقة الشرعية فيما إذا تساوى الناس، ولم يميز بعضهم على بعض، فإنه تستخدم القرعة، وهذا الحديث يدلنا على مشروعية القرعة، وأنها سائغة، وقد جاء في السنة أحاديث متعددة تدل على مشروعية القرعة، وهي: تمييز المتساوين في شيء، عندما يراد أن يميز بعضهم على بعض، فيميز من يكون الأول، ومن يكون متقدماً، ومن يكون وراءه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (لاستهموا عليه)، يعني: لو لم يفصل بينهم إلا القرعة لصاروا إليها، وهذا يدل على فضيلة الصف الأول، وعلى الحث على المبادرة إلى الصلاة؛ ليحصل الإنسان على الصف الأول، وتحصيل الصف الأول الذي جاءت النصوص ببيان فضله يكون في حق من يأتي مبكراً، لا من يأتي متأخراً، ثم إذا جاء وقد امتلأ المسجد يتخطى رقاب الناس ويشق الصفوف، يريد أن يكون في الصف الأول، وهو ممن تأخر، فإن هذا قد آذى الناس حيث يتخطى رقابهم، وآذاهم حيث يضيق عليهم، وآذى نفسه حيث تسبب في الإضرار بالناس، فتناله مغبة ذلك ومضرة ذلك، ( والرسول عليه الصلاة والسلام لما كان يخطب ورأى رجلاً يتخطى رقاب الناس، قال له: اجلس فقد آذيت )، يعني: كونه يشق الصفوف وينتقل من صف إلى صف، فهو يؤذي الناس.
قوله عليه الصلاة والسلام: ( ولو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه ) التهجير: هو التبكير إلى الصلوات، والمبادرة إليها، والمراد بذلك: الصلوات كلها، وقيل إن المراد به: المبادرة إلى صلاة الظهر؛ لأنها هي التي تكون في الهاجرة، التي هي عند منتصف النهار، لكن حمله على الصلوات كلها هو الأولى، وتكون صلاة الظهر كغيرها من الصلوات داخلة في هذا الذي حث عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام.
والحديث يدلنا أيضاً على فضل صلاة الجماعة؛ لأن التهجير هو التبكير إلى المساجد، ودال أيضاً على فضل التبكير إلى المساجد؛ لأن من بكر فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، كما جاء ذلك في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا يدل أيضاً على الحث على صلاة الجماعة، والحث على هاتين الصلاتين، وهما: العشاء والفجر، وقد جاء في حديث آخر: ( أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر )، أي: الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين، ولكن العشاء والفجر أثقل من غيرهما؛ لأن العشاء تكون في أول الليل، عندما يكدح الناس في النهار ويتعبون وينصبون، ثم يأتون وهم بحاجة إلى النوم، فإنهم ينامون عن صلاة العشاء، فهي تأتي في أول الليل، ولهذا جاء في الحديث: (وكان يكره النوم قبلها)، أي: صلاة العشاء، وقد مر بنا قريباً، وذلك لأنه يؤدي إلى تفويت صلاة العشاء والفجر، لأنها تأتي في الوقت الذي طاب فيه النوم، واستغرق الإنسان فيه، وتلذذ في الفراش، فيثقل عليه أن يقوم من هذا الفراش، ومن هذا المكان الدافئ، ويخرج إلى البرد، وهذا شأن المنافقين.
ثم قال: (ولو يعلمون ما فيهما من أجر، لأتوهما ولو حبواً)، وهذه طريقة المنافقين، أنها تثقل عليهم الصلوات، كما بين الله عز وجل ذلك عنهم في كتابه العزيز بقوله: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54].
وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا سباقين إلى كل خير وحريصين على كل خير، رضي الله عنهم وأرضاهم، فكان الواحد منهم يصيبه المرض، ولا تسمح له نفسه أن يصلي في بيته مع شدة مرضه؛ لأنهم يعلمون أن الأجر العظيم هو في حضور الجماعة، ولهذا جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف، يعني: أن الواحد منهم يؤتى به يهادى بين الرجلين لمرضه، حتى يقام في الصف أو يجلس في الصف؛ لأنه لا يستطيع أن يأتي مشياً بمفرده، بل يحتاج إلى من يعضده من يمينه ومن شماله، فهذا هو شأن الذين وفقهم الله عز وجل، ويعلمون ما لحضور الجماعة من الأجر، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً)، هذا من فضل الله عز وجل، أن الإنسان إذا كان محافظاً على الصلوات ومحافظاً على الأعمال، ثم حصل له مرض أو سفر، فإن الله تعالى يُجري له ذلك الثواب في حال مرضه وفي حال سفره، مثلما كان في حال إقامته وفي حال صحته وعافيته، وهذا من فضل الله وكرمه وجوده وإحسانه على عباده.
فقوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوهما ولو حبواً)، أي: أتوا إلى الصلاتين في المساجد ولو حبواً على ركبهم، و(حبواً) خبر لكان المحذوفة مع اسمها؛ لأن كان تحذف هي واسمها في بعض الأحيان، ومنها هذا الموضع، (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة لأتوهما) أي: ولو كان إتيانهما حبواً، فحذفت كان واسمها وبقي خبرها، وهذا سائغ في اللغة، ومنه ما جاء في هذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإن هذا فيه إبقاء خبر كان مع حذفها وحذف اسمها.
وقد جاء في ذلك الحديث الذي ذكرته: (أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، أي: لو كان هناك في المسجد شيء يقسم من أمور الدنيا، لحضروا إلى المساجد من أجل أن يأخذوا نصيبهم من الدنيا؛ لأن رغبتهم في الدنيا وليس رغبتهم في الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم -أي: المنافقون- أنه يجد عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)، أي: لو يعلم أحدهم أن في المسجد لحم يوزع، لجاء إلى المسجد، ليحصل هذه الدنيا، مع أن ثواب الآخرة خير وأبقى، والإنسان يأتي يرجو ما عند الله، ويرجو الثواب عند الله، هذا هو الباقي، وهذا هو الذي ينفع صاحبه، فهم ليس همهم الآخرة، وإنما همهم الدنيا، والعرق: هو العظم الذي عليه بقية لحم، أو مرماتين حسنتين يعني: ضلعين بينهما شيء من اللحم، أو ظلفين بينهما شيء من اللحم.
هو اليحمدي المروزي، وهو صدوق خرج له النسائي وحده.
[قرأت على مالك بن أنس].
وهو إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المعروفة المشهورة، التي كان لها أصحاب عنوا بتدوينها وبجمعها، وكما هو معلوم: هناك أئمة فقهاء غيرهم، لهم أقوال ولهم اجتهادات، لكن ما حصل لهم مثلما حصل لأصحاب المذاهب الأربعة، أصحاب يعنون بها وبتدوينها وبالتفريع عليها، وما إلى ذلك مما يلزم في خدمتها وتدوينها، وهؤلاء الأربعة ومنهم الإمام مالك رحمة الله عليه، حصل لمذاهبهم ولأقوالهم عناية من أصحابهم الذين عنوا بجمع كلامهم، وترتيبه، وتنظيمه، وتفصيله، وتوضيحه، وما إلى ذلك مما يتعلق بخدمته، وهو محدث فقيه، إمام مشهور، وكنيته أبو عبد الله، كما أن الشافعي كنيته أبو عبد الله، والإمام أحمد كنيته أبو عبد الله، فثلاثة من أصحاب المذاهب يكنون بأبي عبد الله، والشافعي يروي عنه الإمام أحمد، فـأحمد روى عن الشافعي، والشافعي روى عن مالك.
وقد جاء في بعض الأحاديث ذكر هؤلاء الثلاثة في إسناد، وهو حديث: (نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة)، وهو في مسند الإمام أحمد، وقد رواه عن الشافعي، والشافعي رواه عن الإمام مالك، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره عند قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، ثم قال: وهذا حديث عزيز اجتمع فيه - عزيز: يعني نادر، ليس عزيزاً في الاصطلاح الذي جاء من طريقين، وإنما أراد بالعزة: الندرة، وكذلك القوة من حيث قوة الإجازة - ثلاثة من أصحاب المذاهب المشهورة.
والإمام مالك خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد أفراد السلسلة التي قال عنها البخاري: إنها أصح الأسانيد، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر .
[ح والحارث بن مسكين].
هنا ما قال: وأخبرني الحارث بن مسكين، أي: وحدثني الحارث بن مسكين؛ لأن النسائي أحياناً يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، وأحياناً يقول: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، فقد قيل في هذا: أن للنسائي مع الحارث بن مسكين حالتين: حالة جرى بينه وبينه وحشة، فمنعه من أن يأخذ عنه، فكان يأتي من وراء الستار ويسمع، والحارث لا يدري، ثم يروي عنه بالإسناد، وفي هذه الحالة لا يقول: حدثني، ولا يقول: أخبرني؛ لأنه ما قصد تحديثه ولا إخباره، بل منعه، فكان يترك أن يعبر بـ(حدثني) و(أخبرني) وفي بعض الحالات كان قد أذن له، وزال ما بينه وبينه من الوحشة، فكان يأخذ عنه، وفي تلك الحال يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع، فهذا الفرق بين ما جاء فيه: أخبرني الحارث، وبين ما جاء فيه الحارث بن مسكين بدون أخبرنا.
والحارث بن مسكين هو المصري، وهو ثقة فقيه، خرج له أبو داود والنسائي .
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم، وهو صاحب الإمام مالك، وهو مصري، ثقة، فقيه، خرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي . ولم يخرج له مسلم، ولا الترمذي، ولا ابن ماجه، ولا أبو داود في السنن.
وهنا التقى الطريقان: طريق عتبة بن عبد الله عن مالك، وطريق الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم، التقت الطريقان في الإمام مالك رحمه الله، ثم اتحد الطريقان بعد ذلك.
وسمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
وهو ذكوان السمان، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره أحياناً باسمه، واسمه ذكوان السمان، قيل: إنه كان يبيع السمن، فقيل له: السمان، نسبة إلى بيع السمن، ويأتي ذكره كثيراً بكنيته، وهو كثير الرواية عن أبي هريرة، وذكوان السمان ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وأبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، واسمه عبد الرحمن بن صخر في أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو المعروف بكثرة الحديث عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا أبو داود هو الحفري عن سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه، فإنهم يُعتمون على الإبل وإنها العشاء) ].
أورد النسائي رحمه الله الترجمة، وهي: الكراهية في ذلك. يعني: كراهية إطلاق العتمة على العشاء.
والباب الأول يدل على جواز أن يقال لها: العتمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال عنها: العتمة، حيث قال: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة...) أي: في العشاء والفجر، فأطلق على العشاء أنها العتمة، وهذه الترجمة تدل على كراهة ذلك.
والمقصود من ذلك أن الأولى أن يطلق عليها العشاء؛ لأن الله تعالى أطلق عليها العشاء في كتابه، وكثيراً ما جاء ذكرها في السنة، وإن كان قد جاء ذكر العتمة في بعض الأحاديث، إلا أن ما أورده المصنف هنا، وما سبق أن مر في بعض الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام: (التي تدعونها العتمة) لأن قوله: (التي تدعونها العتمة)، يشعر بأن الأولى عدم التعبير بهذا، فهذا هو المقصود من الترجمة.
ثم أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه، فإنهم يعتمون على الإبل، وإنها العشاء)، يقال لها: العتمة؛ لأن العتم أو العتمة هي الظلام أو شدة الظلام، فقال: (لا تغلبنكم الأعراب) لأنهم يطلقون عليها العتمة، والله عز وجل أطلق عليها في كتابه العزيز: العشاء، فلا تغلبنكم الأعراب على أن تكثروا من استعمال هذا الاسم، وتتركوا الاسم الذي سماها الله عز وجل به في كتابه العزيز، بل الذي ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، وهو أن يكون الإكثار من إطلاق العشاء، وإطلاق العتمة يكون قليلاً كما جاء في بعض الأحاديث، منها الذي مر: (ولو يعلم الناس ما في الصبح والعتمة).
فإذاً: فإطلاق العتمة عليها جائز، ولكن الأولى أن يكون التعبير عنها بلفظ العشاء؛ لأنه اللفظ القرآني الذي جاء في الكتاب العزيز.
هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده.
وهو الحفري، وقوله بعدها: هو الحفري، القائل لها هو ممن دون تلميذه؛ لأن تلميذه وهو أحمد بن سليمان الرهاوي قال: أخبرنا أبو داود فقط، وما زاد على هذه الكلمة، لكن من دونه وهو النسائي، أو من دونه عندما أرادوا أن يوضحوا من هو أبو داود قالوا: هو الحفري.
والحفري نسبة إلى موضع بالكوفة، يقال لها: الحفر بالحاء والفاء المفتوحتين.
وهو عمر بن سعد بن عبيد الحفري، وأبو داود الحفري ثقة، خرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وفي طبقتهم أبو داود الطيالسي، يعني: النسائي روى عنه بواسطة، وهذا يروي عنه بواسطة، فقوله: (هو الحفري) حصل به التمييز والإيضاح.
[عن سفيان].
وهو الثوري، وأبو داود الحفري يروي عن سفيان الثوري، وهما من بلد واحد، يعني: من الكوفة.
وسفيان الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق، الإمام، المحدث، الفقيه، الحجة، الثبت، الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وكانوا يميزون بين الرجال في قوة الحفظ، والتمكن من الحفظ، بأن يعدوا أخطاءه وأغلاطه، يعني: إذا أرادوا أن يعرفوا أي الاثنين أشد تمكناً، وأشد تثبتاً، وأعظم حفظاً، يعرفون ذلك بِعدِّ أخطاء هذا وأخطاء هذا، فإذا جمعوا أخطاء هذا وأخطاء هذا، ووازنوا بينها، من كان أقل خطأً اعتبروه أثبت وأحفظ من الثاني، وسفيان الثوري هذا من الحفاظ المتقنين، الذي وصف بهذا الوصف الرفيع، واللقب العالي، وهو لقب أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي لبيد].
وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن أبي سلمة].
وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع؛ لأن السابع من الفقهاء السبعة في المدينة قيل فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف هذا، والثاني: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. فأبو سلمة هذا هو سابع الفقهاء السبعة في أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
قوله: [عن ابن عمر رضي الله عنهما].
وهو عبد الله بن عمر الصحابي الجليل المعروف بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه زيادة أن ذلك كان على المنبر، يعني: قال لهم هذه المقالة وهو على المنبر، وهو بمعنى الحديث الذي قبله وبلفظه تقريباً.
قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].
وهو سويد بن نصر المروزي، راوية عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا عبد الله بن المبارك].
وهو المروزي أيضاً، وهو: ثقة، إمام، حافظ، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من خصاله وصفاته، وقال بعدها: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عيينة].
وهو سفيان بن عيينة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي لبيد].
ثم بعد ذلك يتفق الإسناد مع الإسناد الذي قبل هذا.
أخبرنا إبراهيم بن هارون حدثنا حاتم بن إسماعيل حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح حين تبين له الصبح)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: باب أول صلاة الصبح. وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح حين تبين له الصبح)، يعني: تبين له ضوء الفجر، وهو الضوء الذي يأتي معترضاً في الأفق، ثم يتزايد حتى تطلع الشمس، فلما تبين له الصبح صلى الصبح التي هي الفجر، وهذا يدل على أنه صلاها في أول الوقت.
هو البلخي، وهو صدوق أخرج له الترمذي في الشمائل والنسائي.
[حدثنا حاتم بن إسماعيل].
وهو صدوق يهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين].
وهو المعروف بـالصادق، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يقدسونهم ويعظمونهم، بل يغلون فيهم، ويجعلون الواحد منهم أفضل من الملائكة والنبيين، وقد قال هذا كبيرهم الذين هلك قبل ثلاث سنوات، وهو الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية، وفي الصفحة الثانية والخمسين منه قال: (وإن من ضروريات مذهبنا، أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، وأهل السنة لا يغلون ولا يجفون، لا يتجاوزون الحدود ولا يقصرون، وإنما ينزلون الناس منازلهم، ولكن من يكون من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم يحبونه لتقواه ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـجعفر هذا رحمة الله عليه هو أحد أئمة أهل السنة، وهو صدوق، فقيه، خرج له البخاري في كتاب الأدب المفرد، وخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
وهو محمد بن علي بن الحسين المشهور بـالباقر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وأما الرافضة فإنهم يقولون في جعفر وأبيه محمد، وجده علي، وأبي علي الحسين، وأبي الحسين علي، يقولون: هؤلاء معصومون، لا يسهون، ولا يغفلون، ولا يخطئون، بل يعتبرونهم أفضل من الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وهذه الكلمة التي قلتها ليست مقالة جاهل من جهالهم، أو غير متمكن في مذهبهم، بل زعيمهم الأكبر، وآيتهم العظمى، فهو الذي يقول هذه المقالة الفاجرة الكاذبة، التي هي أبعد ما تكون عن الحق والصواب.
[أن جابر بن عبد الله].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة من الصحابة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
أورد النسائي رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الغداة) يعني: الفجر، فصلى في يوم من الأيام (حين انشق الفجر) يعني: حين طلع الفجر صلى ثم في اليوم التالي لما أسفر جداً صلى (ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة؟ ما بين الوقتين وقت) يعني: ما بين هذه البداية والنهاية وقت، يعني: أي وقت صليت من هذا الزمن إلى هذا الزمن فكل ذلك وقت لها.
هو السعدي المروزي، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي .
[حدثنا إسماعيل].
وهو ابن جعفر، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حميد].
وهو حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، يدلس، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته أنه مات وهو قائم يصلي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر