أخبرنا مجاهد بن موسى حدثنا ابن عيينة عن ضمرة بن سعيد أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى الطلوع، وعن الصلاة بعد العصر حتى الغروب)].
يقول النسائي رحمه الله: (باب النهي عن الصلاة بعد العصر). سبق في التراجم السابقة النهي عن الصلاة بعد الفجر، والنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند قيامها في وسط النهار، وهذه الترجمة من جملة هذه التراجم المتعلقة ببيان أوقات النهي عن الصلاة فيها، وهي ثلاثة أوقات قصيرة، ووقتان طويلان يضافان إلى هذه الثلاثة الأوقات، وهما متصلان بوقتين من هذه الأوقات الثلاثة، وهو النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وأما الترجمة فيها النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس.
وقد أورد النسائي في هذا الباب أحاديث، أولها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى الطلوع-أي: طلوع الشمس-وبعد صلاة العصر حتى الغروب)، أي: غروب الشمس، والحديث مطابق للترجمة، وهو مشتمل على النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فيكون هذا الوقت الطويل متصلاً بالوقت القصير الذي هو عند غروبها، وقد جاء فيه، وفي الوقتين الآخرين أحاديث تخصها، مثل حديث عقبة بن عامر المتقدم: (ثلاثة أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، ومنها هذا الوقت الذي هو غروب الشمس).
فإذاً: فوقتان طويلان متصلان بوقتين من هذه الأوقات الثلاثة، فيكون التحريم أو النهي مستمراً من حين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس.
وهو مجاهد بن موسى الخوارزمي، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا ابن عيينة].
وهو سفيان بن عيينة المحدث، الفقيه، المشهور، الثقة، الذي خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ضمرة بن سعيد].
هو ضمرة بن سعيد وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع أبا سعيد].
هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسمه سعد بن مالك بن سنان، وهو مشهور بكنيته أبو سعيد، ونسبته الخدري، أو لا يكاد يذكر إلا هكذا: أبو سعيد الخدري، وهو أحد السبعة الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
والإسناد من رباعيات النسائي التي هي أعلى الأسانيد عنده؛ وليس عنده ثلاثيات، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات، وذلك بأن يكون بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
وأما البخاري فعنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً في صحيحه، والترمذي عنده حديث واحد، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث بإسناد واحد.
وأما مسلم، والنسائي، وأبو داود فليس عندهم ثلاثيات، وأعلى ما عندهم الرباعيات، وهذا الإسناد الذي معنا من أعلى الأسانيد عند الإمام النسائي رحمه الله.
وكلمة (الطلوع) و(الغروب) المراد بها طلوع الشمس وغروبها، و(أل) فيها عوضٌ عن المضاف إليه، يعني: طلوع الشمس، وغروب الشمس، فيحذف أحياناً المضاف إليه ويؤتى بأل في أول المضاف فتكون مغنية عنه، وهذا يكون على سبيل الاختصار، وهذا يوجد كثيراً في الكلمات، ويستعمل في أسماء الكتب كثيراً من أجل الاختصار، مثلما يقال: الفتح، والبلوغ، والعمدة، والروضة، وما إلى ذلك من أسماء الكتب، فيذكرون المضاف مسبوقاً بأل، ويحذفون المضاف إليه، يعني: تأتي أسماء كتب مختصرة يحذف المضاف إليه، ويؤتى بأل في أول المضاف، فتكون مغنية، وعوضاً عن المضاف إليه.
وهنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري من طريق أخرى، ويقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس)، يعني: حتى تطلع، (ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، فالحديث مطابق أو شاهد أو دال على ما ترجم له النسائي، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر، أي: حتى تغرب الشمس.
هو أبو عمر عبد الحميد بن محمد الحراني، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[حدثنا مخلد].
هو مخلد بن يزيد، وهو صدوق له أوهام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
[عن ابن جريج].
وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، كثير التدليس، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام، محدث، فقيه، مكثر من الرواية، هو من صغار التابعين، وهو الذي كلفه، أو أسند إليه الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه أن يقوم بتدوين السنة، وهو الذي قال فيه السيوطي:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن يزيد].
هو عطاء بن يزيد الليثي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أبا سعيد الخدري].
وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
وهنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري من طريق أخرى، ولم يسق المتن، بل قال: بنحوه، أي: بنحو المتن الذي قبل هذا، فالضمير في نحوه يرجع إلى المتن الذي قبل هذا، وهو قول أبي سعيد: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الفجر حتى تبزغ الشمس، وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)، هذا هو المتن الذي ذكر قبل هذا، والذي يرجع إليه الضمير في قوله نحوه، والمقصود بنحوه، أنه مثله في المعنى وليس باللفظ؛ لأنه إذا كان المتن المحال إليه يماثله المتن المحال يقال: بمثله أو مثله، أما إذا كان ليس مطابقاً في اللفظ، وإنما هو موافقٌ في المعنى مع اختلاف في الألفاظ، فالتعبير عنه يقال: بنحوه، هذا هو الفرق بين: بمثله، ونحوه.
قوله: [أخبرني محمود بن غيلان].
هو محمود بن غيلان المروزي، وقد جاء في بعض النسخ: محمود بن خالد السلمي، وكل منهما روى عن الوليد بن مسلم، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا، وكل منهما ثقة، أعني: محمود بن غيلان المروزي، ومحمود بن خالد السلمي، ولكن اختلفوا في الذين خرجوا لهم، فـمحمود بن غيلان خرج له أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
وأما محمود بن خالد السلمي فقد خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وفي ترجمة الوليد بن مسلم أنه روى عنه هذا وهذا، فسواء كان هذا، أو هذا فالمؤدى واحد، والنتيجة واحدة، وهما ثقتان، وهما جميعاً من شيوخ النسائي.
[حدثنا الوليد بن مسلم].
هو الوليد بن مسلم، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، والتدليس: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، وإذا جاء عنه سمعت، وحدثني، وأخبرني وأنبأني فلا مجال للتدليس؛ لأنه إذا صرح بالسماع في موضع آخر انتهى، فلا إشكال، وإنما الإشكال فيما إذا لم يوجد عنه التصريح بالسماع، فيحتمل الاتصال، ويحتمل الانقطاع.
وأما التسوية فهو نوع آخر من التدليس، وهو أسوأ أنواع التدليس، وهو أن يأتي إلى إسناد فيه ثقات وضعفاء، فيحذف الضعفاء الذين في أثناء الإسناد، ويذكر الثقات فيروي بعضهم عن بعض، ولكن ليس بلفظ سمعت، ولا حدثني، وأخبرني، وإنما يأتي به بعنعنة أو قال، فيسوي الإسناد، حتى يصير كأنه ثقات، مع أن فيه ضعفاء قد حذفوا، وهذا أسوأ أنواع التدليس، وليس الأمر مقصوراً على الشخص المدلس، بل يضاف الحذف إلى غيره، فيحذف شيخ شيخه، أو من فوقه، ثم يأتي بثقتين متصل بعضهما ببعض، وقد حذف بينهما ضعيفاً، فهذا يسمونه تدليس التسوية، وهو أسوأ أنواع التدليس؛ لأن التدليس ليس خاصاً بالمدلس، بل أضيف الحذف إلى من فوق المدلس، أي: شيوخ شيوخه، ومن فوقهم.
والوليد بن مسلم أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
قوله: [أخبرني عبد الرحمن بن نمر].
هو عبد الرحمن بن نمر، وهو ثقة، قيل: إنه لم يرو عنه إلا الوليد بن مسلم، وقد أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
قوله: [عن ابن شهاب عن عطاء عن أبي سعيد].
وقد مر ذكر الثلاثة في الإسناد الذي قبل هذا.
وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر)، يعني: إلى أن تغرب الشمس، فهو دالٌ على ما ترجم له المصنف من النهي عن الصلاة بعد العصر.
قوله: [أخبرنا أحمد بن حرب].
هو أحمد بن حرب النسائي، وهو من بلد النسائي، فنسبته كنسبة النسائي، وقد خرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا سفيان].
وهو سفيان بن عيينة وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن حجير].
هو هشام بن حجير، صدوق له أوهام، خرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن طاوس].
هو طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، والعبادلة الأربعة هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، فهؤلاء يقال لهم: العبادلة من الصحابة، وهم من صغار الصحابة، وكانوا في سن متقارب، وفي عصر واحد، فلهذا يطلق عليهم العبادلة، وأما عبد الله بن مسعود فإنه ليس منهم؛ لأنه متقدم عليهم بكثير، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه.
وعبد الله بن عباس أيضاً هو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين ذكرهم السيوطي في ألفيته، والذين أشرت إليهم عند ذكر أبي سعيد الخدري في الحديث المتقدم.
وهنا أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، قالت: (أوهم
وقول عائشة: (أوهم عمر)، قيل: إن المراد بها أنه ذهب وهمه، وقالت: (إنما قال رسول الله: لا تتحروا)، نعم الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه هذا، وجاء عنه ذاك، فهذا الإطلاق الذي جاء عن عمر أيضاً وافقه غيره عليه من الصحابة، فكثيرون الذين رووا الحديث مطلقاً عن النهي بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وليس الأمر مقصوراً على النهي عن الصلاة عند الغروب، بل جاء فيه أحاديث النهي عن الصلاة عند الغروب، وجاء أحاديث تدل على المنع من صلاة العصر حتى الغروب، فيكون الوقتان متصلين بعضهما ببعض؛ الوقت الطويل مع الوقت القصير؛ والوقت القصير الذي هو عند غروب الشمس، والوقت الطويل الذي هو بعد العصر حتى تغرب.
وأما فيما يتعلق بقرني الشيطان، فإن هذا إنما هو خاص بالغروب كما جاء فيه هذا الحديث، وفي غيره من الأحاديث؛ أنهم لا يتحروا، ويقصدوا الصلاة في ذلك الوقت؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان، والشيطان يعترض حتى يكون الساجدون للشمس، والعابدون لها ساجدين له وعابدين له.
هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا الفضل بن عنبسة].
هو الفضل بن عنبسة، وهو ثقة، خرج له البخاري، والنسائي مثل الذي قبله، إلا أن الذي قبله عنده زيادة أبي داود.
[حدثنا وهيب].
وهو وهيب بن خالد، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن طاوس].
وهو عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[قالت عائشة].
وهي الصديقة بنت الصديق، وهي من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ستة من الرجال، وواحدة من النساء، هذه الواحدة من النساء هي أم المؤمنين عائشة، وهي التي قال فيها السيوطي:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
وزوجة النبي يعني بذلك عائشة رضي الله عنها، فهي الصحابية الوحيدة التي كثر حديثها، ولم يقاربها أحد من الصحابيات، وقد زاد حديثها على ألف حديث.
وهنا أورد النسائي حديث ابن عمر: (إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تطلع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب)، حاجب الشمس هو إذا طلع طرفها فإنها تؤخر الصلاة حتى يتم الطلوع وترتفع، وإذا غاب حاجبها -أي: ذهب جزء منها، يعني: الذي هو مقدمها، أولها أو طرفها- فإنها تؤخر حتى تغرب كلها، والمقصود من ذلك الإشارة للوقتين القصيرين.
ومن المعلوم أن الوقتين الطويلين متصلان بهذين الوقتين القصيرين (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس)، ولكن هذا إشارة إلى الوقت القصير الذي يعترض فيه الشيطان عند طلوع الشمس، وعند الغروب حتى تكون العبادة له من الكفار الذين يعبدون الشمس، فيكون سجودهم له؛ لأنهم يسجدون للشمس حال كونه معترضاً.
هو عمرو بن علي الفلاس، المحدث، الناقد، الثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو المحدث، الثقة، الثبت، الناقد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبي].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة المشهورين المعروفين في عصر التابعين، فعندما تأتي بعض المسائل التي اتفقوا عليها يقال: قال بها الفقهاء السبعة، أو اتفق عليها الفقهاء السبعة.
[أخبرني ابن عمر].
وهو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهو الذي قال: (عرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق فأجازني)، يعني: يريد أن يكون من المجاهدين، ولكن الرسول لم يجزه لصغره، ولما كان في غزوة الخندق أجازه، وهذا يدل على حرص الصحابة، وصغارهم على الجهاد في سبيل الله، وأن الواحد منهم يأتي يعرض نفسه وهو صغير يريد أن يكون من المجاهدين، ولكن لصغره لم يظفر بالإذن له، وفي السنة التي بعدها وفي غزوة الخندق أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا أورد النسائي حديث عمرو بن عبسة رضي الله تعالى عنه الذي يرويه عنه أبو أمامة الباهلي صدي بن عجلان، وهو من رواية صحابي عن صحابي؛ لأن الاثنين من رواية الصحابة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، والحديث يتعلق بالأوقات المنهي عنها، لكنه ليس واضحاً فيما ترجم له، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، فيقول: (قلت: يا رسول الله! هل من ساعة أقرب من الأخرى؟ أو هل من ساعة يبتغى ذكرها؟ قال: نعم، إن أقرب ما يكون الرب عز وجل من العبد جوف الليل الآخر).
هذا من الأحاديث الدالة على نزول الرب سبحانه وتعالى كما جاء في الأحاديث الأخرى: (أنه في الثلث الآخر ينزل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟).. الحديث.
قوله: (فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكن).
أي: في الثلث الآخر من الليل.
قوله: (فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس).
يعني: تحضرها الملائكة وتشهدها إلى طلوع الشمس، والمقصود من ذلك أن الصلاة في آخر الليل -أي: في الثلث الآخر من الليل- من الأوقات التي لها مزية ولها فضيلة؛ لأنه الثلث الذي ينزل فيه الرب، ثم بعد ذلك صلاة الفجر وهي مشهودة، ووقتها إلى طلوع الشمس، ولكنه إذا صلي الصبح فقد جاءت الأحاديث بالنهي عن الصلاة بعد الفجر حتى طلوع الشمس.
قوله: (فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار).
فإنها تطلع، يعني: أي الشمس بين قرني الشيطان؛ لأن الشيطان يعترض ليكون العابدون للشمس عابدين له، والحديث واضح الدلالة على النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس؛ لأنها تغرب بين قرني شيطان، ولكن ما ترجم له النسائي فليس واضحاً في الدلالة على ما ترجم له، وهو النهي عن الصلاة بعد العصر، وبعد الفجر.
قوله: (فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رمح ويذهب شعاعها).
يعني: إذا ذهب وقت النهي بعد ذلك يبدأ وقت صلاة الضحى، ويستمر إلى أن تكون الشمس فوق الرءوس، أي: قبل الزوال، حيث يقوم قائم الظهيرة، وعند ذلك يمتنع من الصلاة في ذلك الوقت.
قوله: (ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح بنصف النهار).
يعني: فتكون الشمس على الرأس، وليس هناك ظل لا من جهة المغرب، ولا من جهة المشرق، ففي هذه الحالة نهي عن الصلاة، فإذا انكسر الفيء ووجد الظل، وبدأ إلى جهة المشرق حيث ذهبت الشمس إلى جهة المغرب عند ذلك يبدأ وقت صلاة الظهر.
قوله: (فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر، فدع الصلاة حتى يفيء الفيء).
يفيء الفيء، يعني: ينكسر الظل ويوجد الظل إلى جهة الشرق، حيث انحرفت الشمس إلى جهة الغرب فوجد الظل من جهة المشرق.
قوله: (ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس).
(ثم الصلاة محضورة مشهودة)، يعني: من ذلك الوقت إلى غروب الشمس، ولكن ليس المقصود من ذلك أن الإنسان يصلي كيفما يشاء، ولكن صلاة العصر تستمر في وقت الاضطرار إلى غروب الشمس، ولكن إذا صليت العصر فقد جاءت الأحاديث النهي عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، وهذا هو الذي ترجم له المصنف؛ النهي عن الصلاة، ولكن الحديث الذي معنا لا دلالة فيه على نفس الترجمة، ولكن فيه الدلالة على النهي عن الصلاة عند الغروب، وعند الزوال وعند طلوع الشمس.
هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.
[أنبأنا آدم بن أبي إياس].
هو آدم بن أبي إياس، وهو ثقة، وهو من شيوخ البخاري، والنسائي يروي عنه بواسطة، وهو ثقة، خرج له البخاري، وأبو داود في الناسخ.
[حدثنا الليث بن سعد].
هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، الثقة، الثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاوية بن صالح].
هو معاوية بن صالح بن حدير، وهو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر].
هو أبو يحيى سليم بن عامر، ثقة خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[و ضمرة بن حبيب].
هو ضمرة بن حبيب، ثقة، خرج له أصحاب السنن الأربعة.
[و أبو طلحة].
هو أبو طلحة نعيم بن زياد، وهو ثقة، يرسل، خرج له النسائي، وأبو داود في التفرد.
[قالوا: سمعنا أبا أمامة الباهلي].
وهو أبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي مشهور، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عمرو بن عبسة].
وهو أيضاً صحابي مشهور، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر