أخبرنا قتيبة قال: حدثنا مفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) ].
الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء جمع التأخير في وقت الثانية، وجمع التقديم في وقت الأولى، بحيث يؤخر الظهر إلى وقت العصر، والمغرب إلى وقت العشاء، أو يعجل العصر إلى وقت الظهر، والعشاء في وقت المغرب، جمع تقديم وجمع تأخير.
وقد أورد النسائي رحمه الله في ذلك أحاديث، أولها: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان سائراً وقد حصل الزوال، فإنه يؤخر الظهر إلى أن يأتي وقت العصر فيصليهما جميعاً، يصلي الظهر ثم يصلي العصر في وقت الثانية التي هي العصر، والجمع جمع تأخير، أما إذا كان نازلاً قبل أن تزول الشمس، فإنه إذا دخل وقت الظهر صلى الظهر ثم ركب، وليس في هذا الحديث ذكر جمع التقديم، ولكنه جاء في أحاديث أخرى: أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الظهر والعصر في وقت الأولى الذي هو جمع تقديم، وحديث أنس بن مالك هذا ليس فيه إلا جمع التأخير، وليس فيه جمع التقديم.
وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر عنه النسائي في سننه، بل هو أول شيخ روى عنه في سننه.
[حدثنا مفضل].
وهو ابن فضالة بن عبيد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عقيل].
عقيل بالتصغير، وهو عقيل بن خالد بن عقيل هو بالتصغير، وأما جده فهو على وزن عظيم، وهذا اللفظ عَقيل وعُقيل هي من الألفاظ التي تتفق في الرسم، ولكنها تختلف في النطق وتختلف فيهما الحركات، أما بالنسبة للحروف والشكل فهي متفقة، والفرق بينها إنما هو بالحركات، وعقيل بن خالد بن عقيل الأيلي ثم المصري، هو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو محدث، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا من تأخرت وفاتهم من الصحابة، مثل أنس بن مالك رضي الله عنه، فإن أنس بن مالك رضي الله عنه من صغار الصحابة الذين تأخرت وفاتهم حتى أدركه أناس كثيرون من التابعين، وابن شهاب يروي عن صغار الصحابة الذين عاشوا وعمّروا، وهنا يروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فهو من صغار التابعين؛ لأن التابعين فيهم كبار وأوساط وصغار.
[عن أنس].
وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وكان عمره حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة عشر سنوات، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنوات منذ هاجر إلى أن توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وقد عمّر حتى أدركه صغار التابعين، كما هنا حيث أدركه ابن شهاب الزهري المتوفى سنة (124هـ أو 125هـ). وأنس بن مالك هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين زادت أحاديثهم على ألف حديث.
هنا أورد النسائي رحمه الله حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لما كان في غزوة تبوك، وكانوا مقيمين في تبوك، أخر الظهر ثم خرج وجمع بين الظهر والعصر، ثم إنه خرج فجمع بين المغرب والعشاء، وذلك في حال الإقامة في تبوك، ومن المعلوم أن ذلك كان في سفر، ولكنه كان في حال إقامة في تبوك، وهو دليل على أن المقيم يجوز له أن يجمع، أي: المسافر المقيم في بلد، وهو له حق القصر والجمع، فإنه يجوز له أن يجمع، وإن كان الأولى ألا يجمع مادام مقيماً؛ لأن المعروف من عادته عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يجمع إذا كان مقيماً، كما كان يفعل في منى، فإنه كان يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها مقصورة بدون جمع، ولكنه فعل هذا لبيان الجواز، وأن ذلك جائز، وهو وإن كان جائزاً إلا أن الأولى عدمه، أي: في حال الإقامة، أما إذا جّد به السير وكان سائراً، ومن المصلحة له أن يجمع بين الصلاتين، فإن له أن يفعل ذلك، وقد جاء ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأما في حال الإقامة فالأولى عدم الجمع، وإذا جمع جاز كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام في تبوك وهو مقيم؛ لأن كونه يقول: خرج، يعني: خرج من مقر سكنه الذي هو ساكن فيه في تبوك، يعني: مع أصحابه، خرج من مكانه الذي هو نازل فيه، وصلى بهم جامعاً بين الظهر والعصر، ثم خرج من مكانه وصلى بهم جامعاً بين المغرب والعشاء، فهذا هو الدليل على جواز الجمع في حال الإقامة.
وهو المرادي المصري، وهو ثقة حافظ، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له]
وهو أيضاً مصري، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
قوله: (واللفظ له)، أي: للحارث بن مسكين؛ لأنه ذكر الشيخين وبيّن من له اللفظ منهما، وأنه للثاني من الشيخين، وهو الحارث بن مسكين المصري الثقة، وقد خرج عنه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
وهو عبد الرحمن بن القاسم المصري، وهو صاحب الإمام مالك، وحديثه أخرجه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[حدثني مالك].
وهو ابن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة، وهذه المذاهب الأربعة حصل لأصحابها أتباع عنوا بجمع فقههم وتدوينه والعناية به، وهناك فقهاء آخرون هم أئمة أجلة، ولكنه ما حصل أن اعتنى أحدٌ بأقوالهم واجتهاداتهم، وما أثر عنهم من الأقوال، وما حصل لهم مثلما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة، فلا يقال: إن الأئمة الأربعة هؤلاء هم أهل الفقه وغيرهم ليس كذلك، ففي زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أئمة فقهاء معروفون مشهورون، ومنهم إسحاق بن راهويه، ومنهم وكيع، ومنهم الثوري، ومنهم الأوزاعي، ومنهم الليث بن سعد، ومنهم أئمة كثيرون، وفقهاء أجلة، وأقوالهم امتلأت بها الكتب التي تنقل مذاهب وأقوال الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، لكن الأئمة الأربعة وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، حصل لهم أتباع عنوا بجمع أقوالهم وترتيبها وتنظيمها والعناية بها، فلهذا اشتهرت هذه المذاهب الأربعة، والإمام مالك هو أحد أصحاب هذه المذاهب.
[عن أبي الزبير المكي].
وهو محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق يدلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الطفيل عامر بن واثلة].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة الذين عمروا وعاشوا مدة طويلة، وذكر الإمام مسلم وغيره أنه آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، وقالوا: إنه توفي سنة مائة وعشرة من الهجرة، وكانت ولادته في عام أحد، وروى عن كبار الصحابة مثل أبي بكر ومن بعده، وهنا يروي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، وحديث أبي الطفيل عامر بن واثلة عند أصحاب الكتب الستة.
[أن معاذ بن جبل].
معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، وهو من فقهاء الصحابة، وقد روى الأحاديث الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس كالسبعة الذين رووا الكثير، وزادت أحاديثهم على ألف حديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرني محمد بن عبد الله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا كثير بن قاروندا (سألت
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب: بيان ذلك، يعني: بيان الجمع؛ لأنه في الترجمة السابقة ذكر الوقت الذي يجمع فيه بين الظهر والعصر، ثم هذه الترجمة فيها بيان لما تقدم، وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن زوجته صفية بنت أبي عبيد كتبت له وكانت مريضة، وقالت: (إنها في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة)، يعني: أنها كانت في مرض شديد، وأنها تحتضر؛ لأن قولها: كانت في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، معناه أنها بلغت الغاية في الشدة، فكتبت إليه، فلما بلغه ذلك اتجه إليها وأسرع، وكان في مكان بعيد، فلما حان وقت الظهر قال له المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فلم يلتفت إليه، يعني: ما استجاب له بأنه ينزل ويصلي، فلما كان بين الصلاتين، يعني: بين صلاة الظهر وصلاة العصر، فنزل وصلى، فجمع بين الظهر والعصر، ثم واصل السير، ولما دخل وقت المغرب قال المؤذن: الصلاة يا أبا عبد الرحمن، فقال مثلما كان بين الظهر والعصر، ثم إنه بعدما اشتبكت النجوم واشتد الظلام نزل وصلى وجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء.
قوله: (إذا حضر أحدكم الأمر الذي يخاف فوته فليصل هذه الصلاة)، يعني: كونه سائراً وجاداً به السير، ويريد الوصول إلى غاية بسرعة فإنه يجمع، وهذا الجمع إنما هو في حال السير، وكما عرفنا أن الجمع يكون في حال السير وفي حال الإقامة؛ يكون في حال السير كما في هذا الحديث وغيره من الأحاديث، ويكون في حال الإقامة كما حصل في غزوة تبوك في الحديث المتقدم الذي مر بنا قبل هذا.
قوله: (وسألناه: هل كان يجمع بين شيء من صلاته في سفره؟)، فذكر هذا الحديث الذي فيه أنه جاءه من زوجته أنها في مرض شديد، وأنه أسرع إليها، وكان يجمع في الطريق بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
وهو محمد بن عبد الله بن بزيع البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا يزيد بن زريع البصري].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا كثير بن قاروندا].
هنا ابن قاروندا، وفي التقريب قال: قاوند، بقاف ونون ساكنة قبلها واو مفتوحة، وكثير بن قاوند هذا كوفي سكن البصرة، وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مقبول، وتفرد النسائي بإخراج حديثه، فلم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي.
[سألت سالم بن عبد الله].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم هذا، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
أما أبوه عبد الله بن عمر.
رضي الله عنه فهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وهو من العبادلة الأربعة في الصحابة، وهو من المكثرين السبعة من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً، أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة: الوقت الذي يجمع فيه المقيم. المقيم المراد به هو: المقيم في بلده، وسبق أن عرفنا أن المقيم في حال سفره، يعني: الإقامة التي يقصر فيها أنه يجمع، والأولى عدم الجمع كما تقدم في الحديث الذي مضى، وهو حديث معاذ الذي فيه جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في تبوك، وهو مقيم في تبوك، فذاك جمع في السفر، وأما هذا فهو جمع في حال الإقامة في البلد الذي يسكن فيه الإنسان.
وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه، قال: (صليت مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً)، يعني: الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات جمع بينهما، (وسبعاً جميعاً)، أي: المغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات ولم يقصر؛ لأنه مقيم في بلده، ولكن الجمع حصل منه عليه الصلاة والسلام. وبعض العلماء قال: إن هذا يراد به الجمع الصوري، وهو أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها، وإذا فرغ منها يكون حينئذ قد دخل وقت العصر، فيصليها في أول وقتها، ويؤخر المغرب حتى يصليها في آخر وقتها، وإذا فرغ منها يكون حينئذ قد دخل وقت العشاء، فيصلي العشاء في أول وقتها. وقد جاء في بعض الروايات ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا حتى لا يحرج أمته، يعني: دفعاً للحرج والمشقة عنها، وليس ذلك جمعاً صورياً كما قاله بعض العلماء؛ لأن الجمع الصوري أولاً: تحقيقه وحصوله فيه مشقة، والأمر الثاني: أنه لا يقال له: جمع، إلا من حيث الصورة، وقد جاء في الحديث أنه قال: (أراد ألا يحرج أمته)، يعني: دفعاً للحرج عنها، ومعنى ذلك أنه جمع بين الصلاتين في وقت إحداهما، لكن هذا ليس متكرراً، وإنما حصل في يوم من الأيام، حصل أمرٌ يقتضي ذلك من العوارض التي طرأت، وفيها تيسير وتخفيف، ولم يكن هذا عمله دائماً، بل ولا كثيراً، وإنما كان فعله مرة واحدة، وقد بين ذلك في بعض الروايات أنه أراد ألا يحصل لها حرج ومشقة عندما يحصل ضرورة تلجئ إلى ذلك.
وأما ما جاء من قوله: (عجل وأخر)، فهذه قيل: إنها مدرجة، وقد ذكر هذا الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح النسائي اعتباراً بصحة أوله وذكره في ضعيف سنن النسائي اعتباراً بأن ذكر التعجيل والتأخير مدرج، والذي هو غير مدرج هو أول الحديث أنه صلى ثمانياً وصلى سبعاً، ثمانياً الظهر والعصر، وسبعاً المغرب والعشاء.
وهو ابن سعيد، وقد مر ذكره قريباً.
[حدثنا سفيان].
وهو ابن عيينة، وهو ثقة ثبت، وهو مكي، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو].
وهو ابن دينار المكي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن زيد].
وهو أبو الشعثاء، وهو ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
ابن عباس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه أنه فعل ذلك بالبصرة، وذكر أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة مثل هذه الصلاة، يعني: جمع بين الصلاتين، فعل ذلك ابن عباس وبين مستنده في ذلك، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا في المدينة، وكان لشغل حصل له، فاضطره إلى أن يجمع هذا الجمع، وذلك فيما أخبر به من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث جمع بين الصلاتين الظهر والعصر في المدينة، وهو جمع في حال إقامة، وجاء في بعض الروايات في الصحيح أنه ما كان ذلك من مطر، وما كان من خوف، ولكنه لأمر عارض طرأ عليه في ذلك اليوم، وأراد ألا يحرج أمته بأن يحصل لهم حرج ومشقة عندما يحصل لهم اضطرار إلى مثل هذا العمل.
قوله: (أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء).
الأولى هي الظهر، يقال لها: الأولى لأنها هي أول صلاة صلاها جبريل بالرسول صلى الله عليه وسلم لما فرضت عليه الصلوات الخمس، وقيل: إنها الأولى؛ لأنها الأولى من صلوات النهار، ليس المراد بذلك النهار الذي هو محل الصيام؛ لأن الفجر في محل الصيام، واليوم يبدأ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس كما يحصل الصيام، لكن في حال الضياء والنور، أو لأنها الأولى من صلاتي العشي؛ لأن الظهر والعصر يقال لهما: صلاة العشي، فهي الأولى من صلاتي العشي.
قوله: (والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء).
يعني: ما صلى كل صلاة في وقتها، بل جمع بينهما.
قوله: (وزعم ابن عباس رضي الله عنهما).
قوله: (زعم) هذه يراد بها الخبر المحقق؛ لأنها تأتي لمعان، ومنها الخبر المحقق، وهنا هذا هو معناها، وليس المراد بها معنى آخر غير هذا المعنى الذي هو الخبر المحقق.
قوله: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء).
أطلق في هذا الحديث السجدات على الركعات، وقد مر بنا أنه قد جاءت أحاديث كثيرة يطلق فيها على الركعة أنها سجدة، وهذا منها، أطلق على الثمان السجدات التي هي أربع الظهر وأربع العصر التي هي الركعات، أطلق عليها سجدات.
هو أبو عاصم خشيش بن أصرم، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[أخبرنا حبان بن هلال].
وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وحبان بفتح الحاء وليس بكسرها؛ لأن بعض الرواة يقال له: حبان، مثل حبان بن موسى بكسر الحاء، وأما هنا حبان بفتح الحاء.
[حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب ].
وابن أبي حبيب صدوق يخطئ، روى له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .
وكلمة (هو ابن أبي حبيب) هذه ليست من تلميذه الراوي عنه، وإنما هي ممن دونه كما عرفنا ذلك مراراً؛ لأن التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول: هو، بل ينسبه كما يريد، كما عرفنا ذلك قريباً عن النسائي، حيث ذكر شيخاً من شيوخه فذكر ستة أسماء، ذكر اسمه واسم خمسة من آبائه، فالتلميذ قد ينسب شيخه كما يريد، لكن إذا كان التلميذ قد اختصر اسم شيخه، وأراد من دونه أن يوضح، يأتي بكلمة (هو) أو (يعني) أو ما إلى ذلك من الألفاظ التي تدل على أن الكلام ليس من التلميذ، وإنما هو ممن هو دون التلميذ.
[عن عمرو بن هرم].
وهو ثقة، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
[عن جابر بن زيد].
وهو أبو الشعثاء وقد تقدم.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
هل الإمام ينصب إماماً بمبايعة العلماء والأمراء وأهل الحل والعقد، أم بكل أفراد الشعب؟
الجواب: تنصيب الإمام يكون باتفاق أهل الحل والعقد، وليس بكل أفراد الشعب، ولا بأكثرهم، ولا بالكثيرين منهم، وإنما يكفي أهل الحل والعقد أن يتولوا ذلك، ثم غيرهم تبعٌ لهم، وهذا هو الذي جرى في مبايعة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم، فإنه قد بايعهم الموجودون عندهم في المدينة، وغيرهم تبع لهم في ذلك، ثم أيضاً الذين لم يبايعوا هم مبايعون وإن لم يضعوا أيديهم في يد الإمام؛ لأنه لا يلزم أن كل واحد يضع يده في يد الإمام، وأن البيعة لا تتم إلا بوضع يده، بل إذا بايع أهل الحل والعقد فالجميع تبع لهم، وليس لأحد الخروج عليه، أو الامتناع من بيعته، وإنما عليه أن يكون مع الناس، وألا يخرج عما اتفق عليه أهل الحل والعقد، ومن المعلوم أن التولية تكون باتفاق أهل الحل والعقد، وتكون أيضاً بأن يعهد الخليفة الذي قبله إليه، كما حصل من أبي بكر لـعمر، وتكون أيضاً بأن يتغلب شخص ويقهر الناس ويغلبهم ويخضعون له، فأيضاً يكون توليه بذلك، ويجب السمع له والطاعة بذلك؛ لما في الخروج عليه من إزهاق النفوس وكثرة الفتن التي لا نهاية لها.
الجواب: أبو حنيفة رحمه الله من علماء السلف، وإن كان قد حصل منه في بعض الأمور مثل مسألة الإيمان في كون الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان كما ذكر ذلك الطحاوي في عقيدته، لكن هو من أئمة أهل السنة، ومن علماء السلف، وهو من الفقهاء، وليس معروفاً بكثرة الحديث والعناية به، ولكنه فقيه مشهور، وإمام من الأئمة الأربعة الذين حصل لمذاهبهم عناية خاصة من أتباعهم.
الجواب: حكم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم وبغيره إن كان في الحياة بأن يطلب منه الدعاء، أو يطلب الدعاء من الحي، فهذا قد جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يأتيه أصحابه ويسألونه الدعاء فيدعو لهم، كما جاء الرجل الذي دخل وهو يخطب، وسأله أن يستسقي لهم فاستسقى، ولما توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام ما كانوا يأتون قبره ويطلبون منه أشياء، وما كانوا يتوسلون به، بل الذي فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم إنا كنا نستسقي بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا، قم يا عباس فادع الله.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر