أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا مسجد الكعبة ) ].
يقول النسائي رحمه الله: باب فضل الصلاة في المسجد الحرام، هذه الترجمة التي عقدها النسائي رحمه الله لفضل الصلاة في المسجد الحرام، أورد تحتها حديث ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وذلك أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى في هذا المسجد -أي: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم- فإن الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة)، فمقصود النسائي ما جاء في آخره من قوله: (إلا مسجد الكعبة)، والحديث يدل على فضل الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل على فضل الصلاة في المسجد الحرام على ما فهمه النسائي وغيره من أن الاستثناء في قوله: (إلا مسجد الكعبة)، أي: فإن الصلاة فيه أفضل من المسجد النبوي، أو الصلاة فيه أفضل من هذا المسجد، وهذا هو الذي فهمه جمهور العلماء، واستدلوا به على تفضيل مكة على المدينة، وكذلك تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء عن مالك رحمه الله أنه يرى أن المدينة أفضل من مكة، وأن الحديث لا يدل على تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، بل قيل عنه أنه قال: إلا مسجد الكعبة فإنه ليس أفضل منه بألف صلاة، وإنما هو أفضل منه بأقل من الألف، وهذا على القول بتفضيل الصلاة في المسجد النبوي على الصلاة في المسجد الحرام، يعني: معناه: أن الاستثناء إلا مسجد الكعبة، فإنه لا يفضله بألف كغيره من المساجد، وإنما يفضله بدون الألف.
ولكن الذي فهمه النسائي، وأورد الحديث بالاستدلال على فضله فهمه جمهور العلماء؛ على أن المقصود من ذلك هو تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك مبيناً في بعض الروايات، أن الاستثناء الذي جاء عنه عليه الصلاة والسلام جاء تفسيره وبيانه بأن المسجد الحرام الصلاة فيه أفضل من مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة، وعلى هذا فتكون الصلاة في المسجد الحرام أفضل من غيره من المساجد بمائة ألف؛ لأن المائة بألف، فتكون مائة ألف.
ومما يدل على تفضيل مكة على المدينة قول الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخرج منها ونظر إليها وقال: ( إنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا إني أخرجت لما خرجت )، يعني: أنه إنما خرج بإيذاء الكفار له، وأن سببه إيذاء الكفار له، وأنه خرج منها مهاجراً إلى المدينة؛ لأنه أخرج ولأن الكفار آذوه، ولا يعني: أن المدينة أفضل من مكة، فإن التفضيل إنما المعول عليه ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء الحديث واضحاً بأن مكة أحب بلاد الله إلى الله، وكذلك أيضاً تفضيل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف على غيره من المساجد، وأما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره بألف ضعف: ( الصلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ).
وهذا الحديث كذلك عن ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، والحديث جاء بلفظ: (من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيحتمل أن يكون المقصود به استفهام، يعني: من صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ تستفهم وتبين الفضل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة)، وقد جاء هذا الحديث في بعض الكتب الأخرى، مثل مسند الإمام أحمد أن ميمونة قالته تخاطب امرأة كانت قد نذرت؛ حصل لها مرض إن شفاها الله عز وجل أن تذهب إلى المسجد الأقصى وتصلي فيه، فقالت لها: صل في هذا المسجد؛ في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة).
فيكون على هذا احتمال أن يكون فيه شيء من التصحيف أو التحريف، أي: اللفظ، وأن الحديث أصله أن ميمونة قالت لامرأة: صلي، ويحتمل أن يكون على ما جاء هنا: من صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني: استفهام، وتبين أو تريد أن تبين الفضل لمن صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
والمسجد الحرام اختلف العلماء في المراد به، هل يراد به المسجد المحيط بالكعبة؟ أو يراد به مكة كلها، وأنها يقال لها: المسجد الحرام، وأن التضعيف يكون لمن صلى في أي مكان منها؛ لأن مكة كلها يقال لها: المسجد الحرام؟ وقد قال بهذا جماعة من أهل العلم، وقال بعضهم بأن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد المحيط بالكعبة.
وإطلاق المسجد الحرام على مكة كلها جاء في القرآن، ومن ذلك قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فإن المسجد الحرام ليس المراد به المسجد المحيط بالكعبة، وإنما يراد به مكة كلها، فالكفار لا يجوز أن يدخلوا مكة، والله عز وجل يقول: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [الإسراء:1]، وهو إنما أسري به من بيت من بيوت مكة، فأطلق على مكة كلها أنها المسجد الحرام، فلهذا فإن بعض أهل العلم يقولون: إن قوله: (إلا المسجد الحرام)، يراد به مكة كلها، وأن الصلاة فيها بمائة ألف صلاة.
أما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه جاء تقييده، وعلى هذا فلا يتعدى إلى المدينة، وعلى غير مسجده صلى الله عليه وسلم، بل يكون التضعيف خاصاً في مسجده صلى الله عليه وسلم، وأما المساجد الأخرى والأماكن الأخرى التي هي خارج مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنها لا تكون داخلة ضمن مسجده عليه الصلاة والسلام، والتضعيف الذي ورد في الحديث إنما هو لمسجده خاصة، ولكن ليس المراد بالمسجد هو المسجد الذي كان في زمنه فقط، وأن الزيادات التي زيدت عليه بعد ذلك لا يكون لها هذا الفضل، نعم، قال بهذا بعض أهل العلم: أن التضعيف خاص بالمسجد الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وأن الزيادات التي زيدت عليه يختلف حكمها عما كان في زمنه، ولكن القول الواضح الجلي: أن الزيادات لها حكم المزيد، وأن الإضافات التي تضاف إلى المسجد مهما وسع المسجد، ومهما زيد في مساحته، سواء كان مغطىً أو مكشوفاً ما دام أن الجدران والأبواب تحيط به، فإن ذلك يشمله التضعيف، وأن الصلاة في الجميع بألف صلاة، والدليل على هذا أن الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما زادا في المسجد من جهة الأمام؛ من الجهة القبلية، ومعلوم أن عمر وعثمان خليفتان راشدان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي )، والصحابة أقروهما على ذلك، ولم ينكروا عليهما، والإمام يصلي في الزيادة، والصفوف الأول تكون في الزيادة، فلولا أن الزيادة لها حكم المزيد ما كان عمر وعثمان يزيدان المسجد من جهة الأمام، ويحرمان الإمام والصفوف الأُول من ألف صلاة، ويكون التضعيف إنما هو للصف العاشر، أو ما وراء ذلك، لكن لما زاداه من جهة الأمام، والصحابة متوافرون ولم ينكروا ذلك، والإمام يصلي في الزيادة، والصفوف الأول في الزيادة دل هذا على أن الزيادة لها حكم المزيد، وأن المسجد مهما وسع، ومهما أضيف إليه من التوسعات، ما دام أن الجدران والأبواب تحيط به، سواء كان مغطى أو مكشوفاً فإن كل ذلك يدخل تحت اسم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة في الجميع بألف صلاة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ).
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد أكثر عنه النسائي، واسمه من الأسماء المفردة التي لم يشاركه أحد في هذه التسمية، يعني: من رجال الكتب الستة فليس له مشارك فيقال لمثل هذا النوع الأسماء المفردة، يعني: التي هي قليلة الاستعمال أو نادرة الاستعمال، وهو ثقة ، إمام ، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
وهو ابن سعد المصري ، الفقيه، المحدث، فقيه مصر، ومحدثها، وهو ثقة، إمام، مشهور بالحديث والفقه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن نافع ].
وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد ].
وهو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، وهو صدوق، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وفي هذه النسخة أنه يروي عن ميمونة، وفي بعض النسخ أنه يروي عن ابن عباس، وهو يروي عن عم أبيه عبد الله بن عباس ؛ لأن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، فـعبد الله بن عباس هو عم أبيه؛ لأنه عم عبد الله بن معبد ؛ لأن معبد هو أخو عبد الله بن عباس، وهو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب، فهو يروي عن عم أبيه عبد الله بن عباس، وعلى هذا فيكون ابن عباس يروي عن خالته ميمونة أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها وعن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.
وذكر أن إبراهيم بن عبد الله بن معبد روى عن ميمونة مباشرة وبدون واسطة، وعلى هذا فيكون ما جاء في هذه النسخة أنه من قبيل المتصل، وما جاء في بعض النسخ أنه عن ابن عباس، فيكون بينه وبينها واسطة، وميمونة بنت الحارث الهلالية هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو و
وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي باب الصلاة في الكعبة، أي: في داخل الكعبة، وأورد فيها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، يعني: حاجب الكعبة، فأغلقوا عليهم الباب، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج، قال ابن عمر : كنت أول من ولج، أو في أول من ولج، يعني: أول من دخل البيت، فسألت بلالاً، وكان بلال ممن دخل معه في الكعبة، ومن المعلوم أن الذين معه هم الذين يعرفون ماذا فعل، وهل صلى أو لم يصل، فسأل عن الصلاة: هل صلى فيه؟ يعني: بادر ابن عمر وسأل بلالاً : هل صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين.
فالصلاة في الكعبة الدليل عليها هو هذا الحديث الذي يقول فيه بلال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى فيها، أي: في الكعبة، بين العمودين اليمانيين، والصلاة إنما هي نافلة، وقد ثبتت السنة بذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه تنفل بها، وأما بالنسبة للفرض فلم يأتِ عنه أنه صلى فيها، والعلماء اختلفوا في الفرض: هل تصلى في الكعبة في داخلها أو لا تصلى؟ فمنهم من قال: إنها لا تصلى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صلى فيها، وإنما صلى نافلة فقط، ومنهم من قال: يصلى فيها؛ لأن ما جاء في النفل يسري على الفرض.
والنفل الحديث الذي ساقه المصنف هو دال عليه، وأما بالنسبة للفرض فلم يأتِ شيء يدل عليه، فالأولى من الأقوال هو عدم الصلاة في الكعبة، يعني: الفريضة.
ومن المعلوم أن الحجر هو من الكعبة، وكان على قواعد إبراهيم، ولكن قريشاً لما قصرت بهم النفقة أخرجوا مكان الحجر منها، فكان جزءاً من الكعبة، فالطواف يجب أن يكون من ورائه ولا يجوز أن يكون من داخله، ومن طاف من داخل الحجر فإن طوافه غير صحيح؛ لأنه يعتبر ما طاف بالبيت، ومن صلى في الحجر كأنه صلى في البيت؛ لأنه من الكعبة.
ثم أيضاً يدل الحديث على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم من الحرص الشديد، والتتبع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وأغلق عليه الباب حرص الذين لم يكونوا معه على أن يعرفوا ماذا فعل في داخلها، هل صلى أو لم يصل؟ فـ ابن عمر رضي الله عنه سأل بلالاً: هل صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهذا يدلنا على حرص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على معرفة السنن، وعلى معرفة الحق والهدى الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنهم تحملوا السنن وأخذوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأخذها بعضهم عن بعض، وأدوها وبلغوها لغيرهم كما تحملوها وكما تلقوها، فكان لهم هذا الفضل العظيم، الذي هو كونهم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن كل حق وهدى وصل إلى الناس إنما جاء عن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فإن ما حصل من ابن عمر من مبادرته إلى سؤال بلال: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ دال على ما ذكرت.
وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا.
[ حدثنا الليث ]،
وقد مر في الإسناد الذي قبل هذا أيضاً.
[ عن ابن شهاب ].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، كما أنه مشهور بالنسبة إلى جده الأعلى زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري نسبة إلى جده زهرة بن كلاب، الذي هو أخو قصي بن كلاب، ويلتقي مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي بن كلاب أخوه زهرة بن كلاب، وجده شهاب هو جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فهو جد جده.
وهو أي: الزهري إمام، جليل، من الفقهاء، ومن المحدثين، ومن أوعية العلم، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز في زمن خلافته بأن يجمع السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيره كان قد اشتغل بجمعها بجهود خاصة، إلا أنه كلف من الخليفة ومن الإمام في وقته عمر بن عبد العزيز بجمع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا يقول السيوطي في ألفيته:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهابٍ آمراً له عمر
يعني: أول من قام بجمعه بتكليف من الدولة، وأما جمعه وكتابته فقد كانت موجودة في الصحابة، وموجودة في غير الصحابة، ولكن كونه يتم عن طريق تكليف من الدولة، إنما كان من عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، للزهري رحمة الله تعالى عليه، وحديثه خرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم ].
وهو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عن عبد الله وأبيه وعن الصحابة أجمعين، ورحم الله سالماً وسائر علماء المسلمين.
وسالم هذا هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن ستة منهم اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر هذا، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأما الستة الباقون الذين هم لا خلاف في عدهم، فهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب.
[ عن أبيه ].
وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد الصحابة المشهورين، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن العبادلة الأربعة المشهورين بهذا اللقب أربعة، هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير؛ لأنهم من صغار الصحابة، وعاشوا واستفاد الناس منهم، والذين يسمون عبد الله كثير، ومن أشهر من يسمى عبد الله: عبد الله بن مسعود، وليس من العبادلة الأربعة؛ لأنه متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنه، وأما هؤلاء فقد عاشوا، وكانوا من صغار الصحابة وعمروا وأدركهم الكثير من التابعين، ورووا عنهم، ولهذا اشتهروا بلقب العبادلة الأربعة.
وهو أيضاً أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة أم المؤمنين، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
وحديثه عند أصحاب الكتب الستة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن ابن الديلمي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه ) ].
وهنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه.
والمسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، كما ثبت بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ).
وقد عقد النسائي هذه الترجمة، وأورد تحتها هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة؛ سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه فأوتيه، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وحين فرغ من بناء المسجد سأل الله عز وجل أن من أتاه لا ينهزه إلا الصلاة أن يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).
والنسائي رحمه الله أورد الحديث من أجل الجملة الأخيرة التي فيه، وهي: أن سليمان سأل هذه المسألة؛ أن من أتى هذا المسجد لا ينهزه إلا الصلاة فيه، يعني: لا يخرجه ولا يحركه ولا يجعله يتجه إلى هذا المسجد إلا لهذا الغرض، وهو الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، والحديث رواه ابن ماجه، وفي آخره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وقد أوتي الخصلتان الأوليان، وأرجو أن يكون أوتي الثلاثة )، والنسائي رحمه الله، أورده للاستدلال به على فضل المسجد الأقصى، وفضل الصلاة فيه من أجل الجملة الأخيرة التي فيه، وقد عرفنا في حديث قريب: ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله
والحديث فيه: أن سليمان سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه، يعني: حكماً يوافق حكمه، أنه إذا اجتهد في مسألة من المسائل يوافق اجتهاده حكم الله عز وجل، وقد أوتي ذلك.
ومن الأفراد الدالة على هذا المعنى العام ما جاء في سورة الأنبياء: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:78-79]، يعني: كلاً من داود وسليمان، ففيه تفهيمه للحكم وإصابته في اجتهاده، وهو من أفراد ما يدل عليه هذا الحديث أنه سأل الله حكماً يصادف حكمه، وسأل الله عز وجل أن يؤتيه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وقد حصل ذلك، فإنه حصل له ملك ما يحصل لأحد من بعده، ولا ينبغي لأحد من بعده، وقد جاء في القرآن وجاء في السنة النصوص الواضحة الجلية في تمكين الله عز وجل له، وتسخير الطير، وتسخير الجن والإنس، وتسخير الحيوانات لتنفيذ ما يريده، كما جاء ذلك مبيناً في القرآن، ومن المعلوم أن قصة إحضار عرش بلقيس من اليمن، وكان ذلك في وقت يسير، كما جاء مبيناً في سورة النمل، هذا الذي حصل له ما حصل لأحد من بعده، حتى في هذا العصر الذي حصلت فيه هذه الحضارة المادية، وحصل فيه ما حصل، فالذي حصل لسليمان عليه الصلاة والسلام هو فوق هذه الأشياء التي حصلت في هذا الزمان، فأعطي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، حيث سخرت له الطير، وسخرت له الريح، وسخرت له الجن والإنس، وكما جاء في القرآن الشياطين منهم البناء ومنهم الغواص، فمنهم الذي يبني البنيان، ومنهم الذي يغوص في البحار؛ كل ذلك تسخيراً لسليمان بن داود عليه الصلاة والسلام.
وهو النسائي، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه النسائي وحده، وهو نسائي؛ من بلد النسائي.
[ حدثنا أبو مسهر ].
وهو عبد الأعلى بن مسهر، يعني: كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وهذا من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن من لا يعرف أن كنيته توافق اسم أبيه، وكان يعرفه مشهوراً بنسبه، فإذا سمع عبد الأعلى بن مسهر، وهذا مشهور عنده، ثم رآه مرة أخرى: عبد الأعلى أبا مسهر، يظن أن (أبا) تصحيف من (ابن)، وهو ليس بتصحيف، بل هو صواب؛ لأنه أبو مسهر وهو ابن مسهر، فإذا قال: أبو مسهر فهو صواب، والكل صواب؛ لأنه هو أبو مسهر وهو ابن مسهر؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه، وعبد الأعلى بن مسهر هذا ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سعيد بن عبد العزيز ].
وهو سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، وذاك دمشقي أيضاً الذي هو عبد الأعلى بن مسهر، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي هو أيضاً ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن ربيعة بن يزيد ].
وهو الدمشقي أيضاً، وهو أيضاً ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي إدريس الخولاني].
واسمه عائذ الله بن عبد الله، وهو ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن كبار الصحابة، وقال عنه سعيد بن عبد العزيز التنوخي الذي جاء في الإسناد: عالم الشام بعد أبي الدرداء ، مشهور بكنيته، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن الديلمي ].
هو عبد الله بن فيروز، وهو ثقة من كبار التابعين، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[ عن عبد الله بن عمرو ].
وهو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين مر ذكرهم قريباً عند ذكر عبد الله بن عمرو، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا كثير بن عبيد حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر مولى الجهنيين، وكانا من أصحاب أبي هريرة : أنهما سمعا أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ( صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد، قال أبو سلمة أبو عبد الله أبا هريرة أبا هريرة أبو هريرة أبا هريرة عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أبي هريرة عبد الله بن إبراهيم أبا هريرة
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وقد أورد النسائي رحمه الله حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر، وكانا من أصحاب أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: (صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد)، يعني: هذا اللفظ الذي ساقاه يشعر بأنه من كلام أبي هريرة وأنه لفظ أبي هريرة؛ لأنه قال: (فإنه آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد)، فهذا يشعر بأن اللفظ هو لفظ أبي هريرة وليس لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول أبو سلمة وأبو عبد الله الأغر: إننا لم نشك أن أبا هريرة يقول من حديث رسول الله، لكنهم ما ضبطوا النص، فمضت الأيام دون أن يستثبتوا من أبي هريرة، وأن يسألوه حتى يتثبتوا من كون أبي هريرة صرح بأنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن هذا لو لم يصرح فيه أبو هريرة بأنه مضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكان له حكم الرفع؛ لأن هذا من الأمور التي ليس للرأي فيها مجال، فله حكم الرفع، وهم قالوا: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يستثبتوا، ومضت الأيام دون أن يستثبتوا.
فلما مات أبو هريرة تلاوموا فيما بينهم كيف أنهم لم يستثبتوا من أبي هريرة، ثم جالسوا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكروا ما حصل لهما من عدم استثباتهما، ومن تفريطهما في عدم سؤال أبي هريرة للتثبت، فقال: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فإني آخر الأنبياء، ومسجدي آخر المساجد )، يعني: الآن الضمير يرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الكلام هو كلام الرسول صلى الله عليه وسلم: ( فإني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد )، ولفظ أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر : فإنه آخر الأنبياء، ومسجده آخر المساجد، معناه أنه من كلام أبي هريرة، لكن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ يقول: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فإني آخر الأنبياء، ومسجدي آخر المساجد )، يعني: فالذي فات أبا سلمة وأبا عبد الله الأغر أدركاه بواسطة عبد الله بن قارظ، حيث روى لهما، وحيث شهد بأنه سمع من أبي هريرة أنه يصرح بإضافة ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكر الحديث بالضمائر، حيث قال: ( فإني آخر الأنبياء، وإنه آخر المساجد )، يعني: مسجده عليه الصلاة والسلام.
والأحاديث جاءت بالتنصيص على تفضيل الصلاة في مسجده، وأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، في أحاديث أخرى صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً حديث أبي هريرة هذا ثابت من جهة أن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ سمع من أبي هريرة إسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافته الحديث إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو دال على ما ترجم له المصنف من جهة إثبات فضل هذا المسجد وفضل الصلاة فيه، وأن الصلاة الواحدة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد، والإطلاق الذي فيه يشمل الفرض والنفل، فالفريضة بألف فريضة، والنافلة بألف نافلة.
وهو الحمصي , وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[ حدثنا محمد بن حرب].
وهو أيضاً الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبيدي].
وهو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة, ثبت، وهو من كبار أصحاب الزهري .
[ عن الزهري ].
وقد تقدم ذكره قريباً، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، يعني: يأتي مرة منسوباً إلى جده زهرة كما هنا، ويأتي منسوباً إلى جده شهاب كما مر.
[ عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر ].
أبو سلمة هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أيضاً أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع كما مر قريباً في سالم بن عبد الله بن عمر؛ لأننا ذكرنا أن السابع قيل: هو سالم، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .
اسمه سلمان أبو عبد الله الأغر، وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة.
[عن عبد الله بن إبراهيم بن قارظ أو إبراهيم بن عبد الله بن قارظ ].
يعني: جاء هكذا وهكذا، وقال ابن حجر : وهم من ظن أنهما اثنان، بل هو واحد يقال فيه: إبراهيم بن عبد الله بن قارظ، ويقال فيه: عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، وهو صدوق, خرج له البخاري في الأدب المفرد , ومسلم ,وأبو داود , والترمذي , والنسائي، ولم يخرج له ابن ماجه .
[ عن أبي هريرة] .
وأبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً , الذين عرفوا بكثرة الحديث، وهم الذين ذكرتُ أن السيوطي قال فيهم:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
الجواب: الحديث: ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة )، قيل في معناه: أن هذا قاله لمن كان موجوداً في زمانه ولم يكن رآه، فإنه من رآه في المنام فسيراه في اليقظة، فيطابق بين ما رآه في اليقظة وبين ما رآه في المنام، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يتشبه الشيطان به على هيئته التي هو عليها، فمن رآه على الهيئة التي هو عليها فإنما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل في معناه: أن هذا محمول على ما كان في زمانه، وقيل: إنه محمول على أن من رآه في المنام فسيراه في اليقظة، يعني: في الدار الآخرة، وأنه يكون هذا الذي رآه، يعني: في اليقظة، مطابقاً لهذا الذي رآه في منامه، هذا هو المقصود منه, وهذا إذا كان الذي رآه مطابقاً للهيئة التي هي معروفة عن أصحابه، والتي ذكرها أصحابه، أما إذا رآه على هيئة غير الهيئة التي وصفها أصحابه فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في شمائل الترمذي : أن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال له رجل من التابعين: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: صف لنا هذا الرجل الذي رأيت، فوصفه، فلما وصفه، قال: لو كنت رأيته كما رأيناه ما زدت على هذا الوصف شيئاً، معناه: أن هذا الذي رآه مطابق للذي يعرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن رآه في المنام على الهيئة التي وصفها أصحابه فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الشيطان لا يتمثل به، ولكن من رآه على هيئة أخرى ليست هي هيئة الرسول صلى الله عليه وسلم التي يعرفها أصحابه، بأن رأى رجلاً قزماً صغيراً فهذا ليس رسول الله؛ لأن الرسول متوسط، ومن رآه عملاقاً فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول متوسط؛ ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، فهذا هو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رأى أحد رسول الله ما عليه لحية فهذا ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب لحية، وكان كث اللحية عليه الصلاة والسلام.
الحاصل: أن من رآه على هيئته التي يعرفها أصحابه فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن رآه على هيئة أخرى فليس هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الجواب: على كلٍ ما كان ينبغي له هذا، ولو كان من البيت، يعني: عليه أن يستقبل البناء الأكثر الموجود.
وعلى كل: الصلاة صحيحة، ما دام أنه في ذات الكعبة، مثلما لو صلى في الكعبة، وهو مستقبل الباب، ولكن لا ينبغي هذا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر