أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا يحيى عن ابن جريج حدثنا عطاء عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أكل من هذه الشجرة، قال أول يوم: الثوم، ثم قال: الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس ) ].
يقول النسائي رحمه الله: من يمنع من دخول المسجد، وهذه الترجمة عقدها النسائي رحمه الله لبيان أن جماعة من الناس اتصفوا بوصف من الأوصاف، ففي حال اتصافهم بهذا الوصف فهم منهيون عن دخول المسجد أو دخول المساجد؛ وذلك لما يترتب على دخولهم في مواضع العبادة من إيذاء الناس بروائحهم الكريهة، بل وإيذاء الملائكة الذين يتأذون مما يتأذى منه الإنسان.
وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، والذي يقول فيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أكل من هذه الشجرة، قال في أول يوم: الثوم ) يعني: هذا بيان للشجرة، وأنه قال في أول الأمر: الثوم، ثم قال بعد ذلك: ( الثوم، والبصل، والكراث ) يعني: أن هذه الأنواع الثلاثة التي هي: الثوم، والبصل، والكراث، من أكل منها فلا يقربنا في مساجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما تتأذى منه الإنس، فهذا نهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أكل الثوم والبصل والكراث أن يدخل المسجد؛ لأنه يؤذي الناس برائحته، ونهيه عن دخول المسجد فيه حرمان له، وحيلولة دون حصوله على هذا الخير الذي يفوته لمنعه من دخوله المسجد، وفيه أيضاً إراحة للناس وإراحة للملائكة؛ حيث يسلمون من الأذى بهذه الرائحة الكريهة.
وهذا النهي المراد منه ومقتضاه: أن الإنسان إذا أراد أن يأكل الثوم، أو البصل، أو الكراث، فإنه يأكله مطبوخاً، ويأكله وقد ذهبت رائحته، وكذلك أيضاً إذا أكله نيئاً لا يأكله قرب وقت الصلاة وقرب وقت الذهاب إلى المسجد، بل يأكله في وقت مبكر، ثم إذا جاء الوقت الذي هو وقت الصلاة فتكون قد ذهبت تلك الرائحة، أو يأكل بعده شيئاً يزيل هذه الرائحة إذا كان يقضي عليها ويزيلها، فإذاً: هو ليس ترخيصاً، ليس رخصة، وإنما هو حرمان، ليس رخصة لمن أكل الثوم والبصل، وأن الإنسان له أن يأكل الثوم والبصل ويترك المسجد، ويقول: بحجة أن الرسول قال: ( لا يقربن مساجدنا )، بل عليه أن لا يفعل ذلك؛ حتى لا يحصل له هذا الحرمان، فليست القضية قضية ترخيص، بل القضية قضية حرمان من حصول خير لما يترتب على المجيء، وعدم المنع من دخول المسجد، وذلك لما يترتب عليه من الضرر، وما يترتب عليه من الأذى للملائكة وللناس، ثم أيضاً فيه دليل على الابتعاد عن كل ما يؤذي الناس، وعن إلحاق ضرر بالناس.
ومن المعلوم أن الاجتماع بالناس قد يكون في الأسواق، وفيه هذه الرائحة، لكن الأسواق ليست كالمساجد؛ لأن الأسواق ليست لها حرمة المساجد، ثم أيضاً يمكن للإنسان إذا وجد الرائحة أن يذهب إلى مكان آخر، لكن المسجد.. ما يترك الإنسان المسجد، بل يبقى في المسجد، لكن الذي يتسبب في الإيذاء عليه أن لا يقصد ولا يعمد إلى فعل شيء يؤذي الناس، وإذا كان قد أكله وحصل منه الأكل ووجدت منه الرائحة، فإنه يتعين عليه أن يتأخر، وأن لا يأتي المسجد في ذلك الوقت الذي أكل فيه الثوم والبصل والكراث، ولكن عليه أن لا يفعل ذلك في المستقبل؛ حتى لا يتسبب في حرمان نفسه من هذا الخير، وذلك لكونه يؤذي الناس إذا أتى المسجد وهو على هذه الحالة.
ثم أيضاً فيه دليل على أن الملائكة تتأذى من الروائح الكريهة، وتتأذى مما يتأذى منه الإنسان، ومن ذلك التأذي بالروائح؛ لأن الحديث إنما جاء في التأذي من الرائحة، وإذاً: فالملائكة تتأذى من الرائحة الكريهة كما أن الإنس يتأذون من الرائحة الكريهة، وإذا كان هذا الحديث جاء في المنع من دخول المسجد لمن أكل من هذه الأنواع الثلاثة لما فيها من رائحة كريهة، إلا أن الأصل يبقى فيها أنها طيبة، وأنها من الطيبات، ولكن المحذور إنما هو بالرائحة التي تكون عند الأكل أو بعد الأكل بوقت ليس بالطويل، فإنه يجب على الإنسان أن يعلم.
أيضاً يجب على من ابتلي بشرب الدخان أن يعلم بأنه قد آذى نفسه وآذى غيره، وكذلك إيذاؤه لنفسه يكون بأنواع من الأذى وليس بنوع واحد؛ فإنه يؤذي نفسه بإضرار جسده، وبإقدامه على إهلاكه وإلى إمراضه وحصول المرض له، وكذلك أيضاً الأذى الذي فيه يرجع إلى إضاعة ماله، وإلى إتلاف ماله في أمر يعود عليه بالمضرة، ثم أيضاً قد يكون في ذلك إضرار بمن يعولهم وبمن تجب عليه نفقتهم؛ حيث يصرف جملة من المال الذي يحتاج إليه في مصالح الأهل ومن يعوله، فيصرفه في أمر محرم، أو يعود عليه بالمضرة والخسران.
ثم كذلك أيضاً فيه إيذاء للناس، وإيذاء للملائكة؛ وإذا كانت الملائكة والإنس يتأذون من رائحة البصل والثوم والكراث -مع أنها من الطيبات، وقد منع من أكلها أن يأتي إلى المسجد- فإن امتناع الإنسان من الدخان وابتعاده عنه، والحيلولة بين نفسه وبين أن تبتلى فيه، فإن هذا من آكد الأمور المطلوبة التي يتعين على الإنسان أن يكون على علم بها، وأن يكون حذراً، وأن يكون يقظاً بأن لا يبتلى بشرب هذا البلاء الذي ابتلي به كثير من الناس.
وشرب الدخان حرام من وجوه كثيرة؛ من جهة أن فيه إيذاء للناس وإيذاء للملائكة، ومن جهة أن فيه إضرار بالجسد وإمراض للنفس، وقد يكون سبباً للهلاك، وقد يكون سبباً للقضاء على الإنسان، ثم أيضاً فيه إضاعة للمال، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، ثم إضاعة المال بماذا؟ هل إضاعة المال بأمر يعود عليه بمنفعة؟ بل بأمر يعود عليه بالمضرة.
ومن المعلوم أن الذي يقضي على ماله بإتلافه أن ذلك يعتبر سفهاً منه، ولا شك أن هذا أحسن حالاً ممن يضيع المال في شرب الدخان؛ لأن من أضاع المال بدون أن يلحق بنفسه ضرراً في استعماله في الدخان الذي يشربه فإن المال هو الذي ضاع، والجسم ما حصل له شيء نتيجة لاستعماله، ولكن إذا كان يضيع المال في إتلاف الجسم وفي إضعافه، فإنه يكون جمع بين مضرتين وبين خطرين كبيرين، هما: تضييع المال، وتضيعه بأي شيء؟ بقتل الإنسان نفسه، وبإهلاك الإنسان نفسه، وإذا كان من يضيع ماله ومن يتلف ماله من غير أن يستفيد منه شيئاً أصلاً، فإن ذلك يعتبر سفهاً منه، ومن يستعمله في شرب الدخان أشد سفهاً من هذا السفيه الذي يضيع المال في غير طائل وفي غير فائدة؛ لأن هذا ضيعه وأضاف إلى تضييعه أنه يكون بما فيه قتل النفس، فلو رأيت إنساناً معه نقود يمزقها ويرميها في الهواء، لاعتبرته سفيهاً؛ لأنه ضيع ماله وأتلف ماله، وهذا السفيه أحسن حالاً ممن يشتري به دخان ويشربه، هذا أحسن حالاً من هذا إذا كانت النفوس تعتبر، أو الناس يعتبرون أن مثل هذا هو غاية السفه، فإن هذا أحسن حالاً من ذاك، وهذا يبين لنا ويوضح لنا خطورة الوقوع في هذا الأمر، وفي هذا الإثم، وفي هذا الأمر الضار بالإنسان، والذي يعود على الإنسان بالمضرة.
والحاصل أن الحديث الذي معنا فيه نهي الرسول صلى الله عليه وسلم من أكل بصلاً أو ثوماً أو كراثاً من قربان المسجد؛ وذلك لما يترتب عليه من إيذاء الناس وإيذاء الملائكة، مع أن هذان في الأصل من الطيبات، ولكن المحذور إنما هو من الرائحة الكريهة، وكذلك الدخان والتحذير من إيذاء الناس منه داخل فيه، ويكون من باب أولى وأحرى.
إسحاق بن منصور، وإسحاق بن منصور يلقب بـ: الكوسج، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود .
[ حدثنا يحيى ].
يحيى، وهو: ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الإمام في الجرح والتعديل، وهو الذي قال عنه الإمام الذهبي في كتابه: من يعتمد قوله في الجرح والتعديل، عنه وعن عبد الرحمن بن مهدي، يقول عن هذين الرجلين: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: معناه أنهما يصيبان الهدف، وأن كلامهما مصيب، وأنهما مصيبان فيما قالا، فإنه يعول على تجريحهما وعلى حصول التجريح منهما إذا جرحا أحداً.
فإنه يعول عليه؛ فهو إمام في الجرح والتعديل، وكلامه في الرجال كثير، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن جريج ].
ابن جريج هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو: ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عطاء ].
حدثنا عطاء وهو ابن أبي رباح عطاء بن أبي رباح المكي وهو: ثقة، فقيه، يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن جابر ].
وهو ابن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، وجابر بن عبد الله الأنصاري أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في بيتين من ألفيته، حيث قال:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
فـجابر رضي الله عنه هو أحد هؤلاء السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهو صحابي ابن صحابي، وأبوه عبد الله بن حرام استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
أورد النسائي حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، الذي يقول فيه، وهو يخاطب الناس: (إنكم أيها الناس، تأكلون من شجرتين ما أُراهما إلا خبيثتين؛ هذا البصل، والثوم، ولقد رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخاً)، يعني: حتى تذهب هذه الرائحة؛ لأنه إذا حصل الطبخ تذهب الرائحة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يخرج الرجل من المسجد، وذلك تأديباً له لما حصل منه من الأذى للناس، وهو أيضاً حرمان له بسبب فعلٍ اقترفه، وهو كونه ارتكب أمراً يلحق ضرراً بالناس، ويلحق ضرراً بالملائكة، وذلك بالتأذي من هذه الرائحة الكريهة، ولكن عندما يريد الإنسان أكلهما، فيمتهما طبخاً، بمعنى: أنهما يكونان مطبوخين، وأكلهما وهما مطبوخان، غير أكلهما وهما نيئان؛ وذلك لخبث الرائحة.
وقوله: (ما أُراهما إلا خبيثتين)، يعني: معناه الخبث خبث الرائحة، وإلا فإن الأصل فهما من الطيبات التي أحلها الله عز وجل، ولكن المنع إنما هو في الرائحة، أو في إيذاء الناس بالرائحة، فإذا ذهب المحذور، وزال المحذور الذي هو هذه الرائحة الخبيثة، فللإنسان أن يأكلهما، لاسيما إذا كان ذلك عن طريق الطبخ، فإن ذلك يذهب الرائحة، أو يخففها كثيراً.
والحديث دال على ما ترجم له المصنف من حيث الإخراج.. من يخرج من المسجد، يعني: الترجمة الأولى من يمنع من المسجد، وهذه من يخرج من المسجد، يعني: معناه يمنع من الدخول، وهنا إذا وجد الدخول يخرج من المسجد، إذا وجد الدخول يؤمر بالخروج، والمقصود من ذلك كله: هو التوجيه الكريم من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن الإنسان عندما يكون وقت الصلاة قريباً، وعندما يكون الوقت الذي يأتي وقت الصلاة، والرائحة موجودة معه، فإنه لا يأكله في ذلك الوقت، وإنما يأكله في وقت مبكر تذهب الرائحة قبل أن يأتي الوقت، أو يكون ذلك بإماتتهما طبخاً؛ بحيث لا تكون الرائحة، التي تؤذي الناس.
محمد بن المثنى العنزي الملقب بـ: الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، فـالبخاري رحمه الله هو أول أصحاب الكتب الستة، وهو أقدمهم، والمتقدم فيهم ولادة ووفاة، ولهذا فإن محمد بن المثنى هو من صغار شيوخه، والذي أدركه من بعد البخاري من هو متأخر عن البخاري، مثل: النسائي الذي توفي سنة: (303هـ)، ومحمد بن المثنى توفي سنة: (252هـ)، والبخاري مات سنة: (256هـ)، أي: بعد وفاة محمد بن المثنى بأربع سنوات، فهو من صغار الشيوخ للبخاري الذين أدركهم من تأخر عن البخاري، بخلاف كبار الشيوخ الذين ماتوا والبخاري عمره خمسة عشر سنة، أو عمره عشر سنين أو قريباً من ذلك، فهؤلاء من كبار الشيوخ الذين ما أدركهم النسائي ولا أدركهم غيره، ولهذا يقال للمتقدمين أو الذين أدركهم البخاري في صغره، وكانوا في أواخر حياتهم، فهؤلاء يقال لهم: كبار شيوخ البخاري، والذين أدركهم وعايشهم، وكان زمن وفاته قريباً من وفاتهم، وأدركهم من كان بعد البخاري، هؤلاء يعتبرون من صغار شيوخ البخاري، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، هؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وكلهم ماتوا في سنة واحدة، وهي سنة: (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري رحمه الله بأربع سنوات.
و محمد بن المثنى يماثله تماماً محمد بن بشار، فيوافقه في سنة الولادة وسنة الوفاة، والاتفاق في التلاميذ والشيوخ، وكون كل واحد منهما من أهل البصرة، ولهذا قال عنهما ابن حجر : وكان هو ومحمد بن بشار كفرسي رهان؛ لأنهم في عصر واحد، وفي زمن واحد، وعمرهما متفق، فهما كفرسي رهان، يعني: المتسابقين الذي أحدهما لا يسبق الثاني، أي: متساويان كفرسي رهان.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
يحيى بن سعيد، وهو: القطان الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[ حدثنا هشام ].
وهو ابن عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام الدستوائي ].
وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا قتادة ].
وهو ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سالم بن أبي الجعد ].
و سالم بن أبي الجعد ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن معدان بن أبي طلحة ].
هو معدان بن أبي طلحة اليعمري، وهو: شامي ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن عمر ].
هو: عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين، وصاحب المناقب الجمة الكثيرة، التي منها قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم له: ( إنك ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجك )، أي: معناه أنه لا يجتمع عمر والشيطان في طريق واحد، فإما عمر وإما الشيطان، فيهرب الشيطان من الطريق الذي يكون فيه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا من أجل مناقبه، ومن خير مناقبه، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره عن قصر رآه له في الجنة، وأنه قيل: هذا لـعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه؛ فهو صاحب المناقب الكثيرة، وهو الذي حصل في زمن خلافته الفتوحات العظيمة، حيث قُضي على الدولتين العظميين في ذلك الزمان، وهما دولتا فارس والروم، فإنه قُضي عليهما وانتهت في زمن خلافته، وأنفقت كنوزهما في سبيل الله على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وتحقق بذلك ما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من إنفاق كنوزهما في سبيل الله، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي رحمه الله، ضرب الأخبية بالمسجد، وهي الخيمة أو المكان الذي يوضع في المسجد ليختص به الإنسان ليعتكف به، وكذلك لغير هذا كما يأتي في الحديث الآخر الذي بعد هذا، فأورد النسائي هذه الترجمة وأورد تحتها حديثين: حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف العشر دخل معتكفه بعد صلاة الصبح، فأراد أن يعتكف، فأمر بضرب الخباء، ثم أمرت أو استأذنت بعض نساء الرسول صلى الله عليه وسلم أن تضرب خباء وأن تعتكف، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن أمهات المؤمنين تتابعن على ذلك وتبع بعضهن بعضاً، يعني: من غير استئذان، ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الأخبية في المسجد قال: (آلبر تردن؟)، ثم إنه ترك الاعتكاف، وأمر بالخباء فنقض، ثم اعتكف عشراً من شوال، يعني: بدلاً من هذه العشر في رمضان التي تركها من تتابع أمهات المؤمنين على أن يعتكفن معه.
وهذا الذي قاله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: (آلبر تردن؟)؛ لأنه خشي أن يكون الذي دفعهن على ذلك هو الغيرة، والتنافس على القرب منه، وأنه ليس المقصود من ذلك العبادة التي هي الاعتكاف، فيكون هناك أمر دنيوي أو حظ من الحظوظ التي هي تتعلق بصلتهن بالرسول صلى الله عليه وسلم، فتكون تلك الرغبة أو تلك النية طغت على المقصود من الاعتكاف الذي هو الخلوة، يعني: كون الإنسان يخلو بنفسه، ويتقرب إلى الله عز وجل، ويذكر الله عز وجل، ويقرأ القرآن، ويبتعد عن مشاغل الدنيا، ومتاعها، فخشي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون هذا هو الذي دفعهن، وهو الغيرة والتنافس الذي يكون بينهن أو منهن للقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم والاتصال به.
ثم أيضاً قالوا: إن ذلك إذا حصل -أي: اعتكافهن معه جميعاً ويكون بينهن- كأنه ما حصل الاعتكاف كما ينبغي، من جهة أن وجودهن معه في المسجد كأنه موجود معهن في البيت؛ فيكثر الاتصال والقرب منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل شيئاً أثبته وداوم عليه، فاعتكف بدلاً من ذلك عشراً من شوال لما ترك الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان بسبب هذا الذي حصل من أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن، ومن ذلك أيضاً جاء أنه ترك سنة الظهر وقضاها بعد العصر في يوم من الأيام، وداوم عليها واستمر على ذلك بعد العصر، وهذا من خصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
[عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح، ثم دخل في المكان الذي يريد أن يعتكف فيه، فأراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فأمر فضرب له خباء، وأمرت
ودخول المعتكف يكون من أول المدة التي يراد اعتكافها؛ فإذا كان يريد أن يعتكف الأيام فإنه يبدأ من أول اليوم، وإذا كان يعتكف الليالي، فإنه يبدأ من أول ليلة من الليالي، والأيام تكون تبعاً لها، فالعبرة بالبداية فيما يريده الإنسان، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وكان يتحرى ليلة القدر، وليلة القدر هي ليلة من ليالي العشر، فكان يعتكف ويتحرى ليلة القدر، ويطلبها في تلك الليالي.
ومن المعلوم أن ليالي العشر أولها ليلة إحدى وعشرين، وعلى هذا فيكون الاعتكاف قبل غروب الشمس من ليلة واحد وعشرين؛ لأن الليلة هي التي تسبق اليوم، ليلة اليوم هي التي تسبقه، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح، فمن العلماء من قال: إن المقصود من ذلك أن اعتكاف العشر إنما يكون بعد صلاة الصبح من يوم واحد وعشرين، ومنهم من قال: إن المراد بالدخول في المعتكف، يعني: المكان الذي كان لاعتكافه، وقبل ذلك كان في المسجد وليس في المعتكف، وهو موجود في المسجد في تلك الفترة التي هي ليلة واحدٍ وعشرين، ومنهم من قال: إن المقصود من ذلك هو كونه يكون في صبيحة عشرين، يعني: بمعنى أنها تكون ليلة واحد وعشرين موجودة، ويضاف إليها بياض النهار الذي يكون قبلها، وجمهور العلماء على أن اعتكاف العشر إنما يكون عند غروب الشمس في يوم عشرين، بمعنى أن ليلة إحدى وعشرين تبدأ من غروب الشمس يوم عشرين، حينئذ تبدأ ليلة إحدى وعشرين، وجمهور العلماء على هذا، ويقولون: إن دخول الرسول صلى الله عليه وسلم يكون محمولاً على أنه بعد صلاة الصبح في اليوم الذي قبل تلك الليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ويتحرى ليلة القدر، وليلة القدر إنما هي في العشر، وليلة واحد وعشرين هي منها، وقد وافق أنها كانت ليلة إحدى وعشرين في ليلة من الليالي في سنة من السنوات كما في حديث أبي سعيد الخدري في كونه يسجد على ماء وطين، وكان ذلك في صبيحة إحدى وعشرين، فمن العلماء من أخذ بظاهر الحديث وقال: إن اعتكاف العشر يكون بعد صلاة الصبح من ليلة واحد وعشرين، ومنهم من قال: إن ليلة واحد وعشرين داخلة في الاعتكاف، وهي من جملة ليالي العشر، واعتكاف ليالي العشر إنما يكون بفعلها من أولها، وأولها يكون بغروب الشمس يوم عشرين حيث تبدأ ليلة واحد وعشرين، وقالوا: إن دخوله يكون في صبيحة عشرين، وعلى هذا فيكون ليلة واحد وعشرين من ضمن المعتكف، وقد قال بعض العلماء: إن هذا هو أقرب الاحتمالات التي يحمل عليها الحديث.
قالت: [( وأمرت
فلما ترك تركن أيضاً معه، ولكنه إذا فعل شيئاً أثبته وداوم عليه وقضاه، فقضى بدلاً من هذه العشر عشراً من شوال صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، ثبت، وخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا يعلى ].
وهو ابن عبيد الطنافسي، يعلى بن عبيد الطنافسي، وهو ثقة، وخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
وهو: الأنصاري المدني، هذا من صغار التابعين، يروي عن مالك، ويروي عنه يعلى بن عبيد، فهو غير يحيى بن سعيد الذي تكرر في الأسانيد السابقة، والذي يروي عنه النسائي بواسطة شخص واحد، وهنا يروي عنه بواسطة شخصين، وهذا الشخص يروي عن عمرة، يعني: بنت عبد الرحمن التي تروي عن عائشة، وهي من التابعين، فهو من صغار التابعين، يحيى بن سعيد الأنصاري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عمرة ].
وهي بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية، وهي ثقة، وخرج حديثها أصحاب الكتب الستة، وهي مكثرة من الرواية عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله تعالى براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ترو عنه امرأة من الحديث مثلما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهي من أوعية السنة، وهي من حفاظها الذين حفظوها، لا سيما في الأمور التي تتعلق في البيوت، والتي لا يراها إلا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن وأرضاهن، فقد روت الكثير، وهي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين ذكرتهم آنفاً عند ذكر جابر بن عبد الله، والسيوطي قال فيهم:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
زوجة النبي: عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن سعداً، وهو: سعد بن معاذ سيد الأوس رضي الله تعالى عنه، كان قد رمي على أكحله -وهو عرق- رماه رجل من قريش فأصيب، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم له خيمة ليكون قريباً منه ليعوده من قرب، والمقصود من الحديث هو ذكر بناء الخيمة في المسجد؛ ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب، فهذا هو الشاهد في الترجمة، وأن جواز مثل ذلك عند الحاجة كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذاً: بالنسبة للاعتكاف، وبالنسبة لهذا الصحابي الجليل الذي هو سيد الأوس، والذي ضرب له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وسعد بن معاذ هو سيد الأوس، وأما سعد بن عبادة هو سيد الخزرج، وقد مات سعد بن معاذ بسبب هذا الجرح الذي أصابه بعد مدة، يعني: انفجر جرحه، وسأل الله عز وجل أن تكون وفاته بذلك، فانفجر الجرح، فكان موته بسبب ذلك وكان شهيداً، أما سعد بن عبادة فقد عاش بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أراد الأنصار أن يجعلوه أميراً كما يوم سقيفة بني ساعدة، حتى جاءهم أبو بكر رضي الله عنه وأخبرهم بما أخبرهم به، فجرى ما جرى، واتفقوا على بيعة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فـسعد بن معاذ سيد الأوس متقدم الوفاة، وكان ذلك بعد الخندق، وأما سعد بن عبادة سيد الخزرج، فعاش بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهو اليشكري السرخسي، وقد قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة مأمون سني، وقال عنه: سني؛ لأنه أظهر السنة في بلده، وقد خرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي.
[ حدثنا عبد الله بن نمير ].
وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا هشام بن عروة ].
وهو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
عروة بن الزبير، وهو ثقة، فقيه، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب في عصر التابعين، ومنهم عروة بن الزبير بن العوام هذا، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة رضي الله عنها ].
يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
الجواب: ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم سكتات إلا السكتة التي تكون قبل القراءة، وهي للاستفتاح، وهذا هو الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من السكتات، ولكن قراءة الفاتحة من المأموم في حالة الصلاة الجهرية تكون أثناء قراءة الإمام للسورة بعد الفاتحة، يعني: بعدما ينتهي من قراءة الفاتحة ويبدأ بقراءة السورة، ففي ذلك الوقت يقرأ المأموم الفاتحة والإمام يقرأ السورة، لكن لا يقرأ غيرها.
الجواب: يوفق بينهما بأن تحمل الآية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الأعراف:204] على غير الفاتحة، وأما الفاتحة فإنه يقرؤها لما جاء في الحديث: ( لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ).
الجواب: الرائحة الكريهة لا تمنعها العمامة، وإنما على الإنسان أن لا يشرب الدخان مطلقاً، وإذا ابتلي به لا يشربه قرب وقت الصلاة، بل لا يجوز له أن يشربه مطلقاً؛ لأن شربه حرام، وإيذاء الناس في المسجد زيادة شر على شر، وزيادة أمر منكر؛ لكونه فعل المحرم بشربه، وأيضاً كونه تسبب في إيذاء الناس.
الجواب: الوعيد الذي جاء في النهي عن اتخاذ القبور مساجد لا شك أنه واضح الدلالة على حرمة هذا العمل، لكن هذا الذي ذكره بعض الشراح، وهو أن الإنسان إذا لم يسجد على القبر أو لم يتخذ القبر مسجداً، ولكنه قصد أن يبني المسجد بقرب رجل صالح تبركاً أن هذا لا يدخل في الوعيد، فهذا كلام ليس بصحيح؛ لأن المنع من اتخاذ القبور مساجد هو التحذير من الغلو في الصالحين الذي يؤدي إلى عبادتهم وإلى صرف شيء من حق الله لهم، ومن المعلوم أنه إذا قصد التبرك بالقبر أن المحذور موجود، ولو قال الإنسان: إنه لا يريد التعظيم إلا أنه يئول الأمر إلى التعظيم، ولو لم يحصل من الإنسان الذي بنى ، لكن من الناس الذين يبتلون بذلك فيما بعد، فالواجب هو الحذر من هذا والابتعاد عنه، وأن لا تقصد القبور، لا بأن يبنى عليها، ولا أن يبنى عندها مسجد، فلا تبنى المساجد على القبور، ولا تبنى عند القبور قصداً للبركة بالقرب من هذا الرجل.
الجواب: لا، نهي تحريم؛ لأن المقصود هو منع إيذاء الناس، والإنسان الذي يفعل هذا يأثم.
الجواب: كما هو معلوم، إذا حصل العفو والتجاوز فإنه لا يرآه، فهو يراه إذا شاء الله أن يعاقبه عليه أو شاء أن يناله ضرر، أما إذا تجاوز عنه وعفا فإنه يسلم من مغبته ولا يناله ضرره، ويمكن أن يقال: إنه يراه، لكن يتذكر، أو يكون الله قد عفا عنه وحصل له فضل الله عز وجل مع كونه رأى ما هو سبب في عذابه لو لم يعف الله عنه، فيكون ذلك فيه ظهور فضل الله عز وجل عليه؛ حيث رأى سبب الهلاك والله تعالى قد عفا عنه وتجاوز عنه من الهلاك.
فهو إما أن يكون أنه ما رآه وأنه ما حصل، أو رأى هذا الذي فعله ولكن الله سبحانه وتعالى تجاوز عنه ، فلا تناله مضرته ومغبته، فلا تنافي بين الآيتين.
الجواب: قضية الخبث الذي في الحديث بهذا اللفظ أنا لا أعرف، لكن الذي جاء عن عمر : (ما أُراهما إلا خبيثتين)، والخبث إنما هو خبث الرائحة كما هو معلوم.
الجواب: لا، ما يفتح عليه بكلام يقول: سورة كذا، وإنما يفتح عليه بالآية، والغلط الذي وجد يأتي به على الصواب، فما يقول له: سورة كذا؛ لأن هذا من كلام الناس وليس قرآناً، وإنما يأتي به على هيئته، فيأتي بالآية ويقرأها ويسمعها الإمام، لكن لا يقول: سورة كذا، فهذا لا يجوز؛ لأن (سورة كذا) من كلام الناس، والصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس.
الجواب: لا.. تشمل خليفة كل قطر من الأقطار إذا وجد، إذا ما وجد خليفة عام وما وجد خليفة يتولى أمر المسلمين، ولكن وجد أئمة يتولون أمور المسلمين في أقطار، وهم يحكمونهم بكتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يسمع ويطيع لذلك الذي تولى عليه، وليس معنى ذلك أن الإنسان ما يسمع ويطيع إلا إذا وجد إمام أعظم، وإذا ما وجد إمام أعظم يبقى بدون سمع وطاعة، لا .. يا ليت المسلمين مع تفرقهم يحكمهم حكامهم بكتاب الله عز وجل وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويستحقون السمع والطاعة لهم فيما يأمرونهم به ويستحقون أن تلزم إمامتهم، لكن التفرق موجود، والبعد عن الدين موجود.
الجواب: الأصل أن يكون إمام المسلمين واحداً، لكن إذا ما وجد هذا، فلا مانع من وجود أئمة ويبايعون، وكل قطر يبايعون من يحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بأس بذلك، مثلما كان موجوداً في زمن ابن الزبير، وزمن عبد الملك بن مروان، كان هذا في الشام يسمع له ويطاع، وهذا في الحجاز يسمع له ويطاع، فليس فيه بأس؛ إذا ما حصل الشيء الأحسن، فالحسن الذي يليه أحسن من الضياع والظلام، يعني: مثلما يقال في المثل: إما سراجان وإما ظلماء، يعني: حتى سراج واحد أحسن من الظلماء، يعني: إذا كان إمام يلي أمر المسلمين يسمع ويطاع، وإذا كان أئمة للمسلمين يحكمونهم بكتاب الله، وكل واحد يحكم له قطر من الأقطار، فكلٌ يسمع ويطيع لذلك الذي يحكمه.
الجواب: المشهور عن أهل السنة والجماعة والمعروف هو أنه لم يره، فلم ير ربه بعيني رأسه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا هو الذي دلت عليه الأحاديث؛ فإنه لما سئل: ( أرأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه )، فلو كان رآه لقال: نعم، أو قال: رأيت ربي، وإنما قال: (نور أنى أراه)، فقوله: (نور أنى أراه) يدل على عدم الرؤية، وفي بعض الأحاديث قال: ( رأيت نوراً )، والذي رآه هو النور الذي قال: (نور أنى أراه)، في الحديث الذي قال فيه: (رأيت نوراً)، واللفظ الذي يقول: (نور أنى أراه)، يعني: رأى النور الذي هو نور الحجاب، كما جاء في الحديث: ( حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه )، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه عندما عرج به إلى السماء، ولم يثبت ذلك عنه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ولو كان ذلك حصل لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا شيء عظيم ليس بالهين ولا بالسهل.
ثم إن الله عز وجل لم يشأ أن يرى في الدنيا، بل شاء أن تكون رؤيته في الدار الآخرة؛ لأن رؤيته أكمل نعيم يحصل في الجنة، فلو رؤي في الدنيا لحصل نعيم الآخرة قبل الآخرة، والله تعالى ادخر نعيم الآخرة حتى يكون غيباً، وحتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه لن يرى أحد ربه حتى يموت )، في صحيح مسلم؛ لأن الله تعالى شاء أن تكون رؤيته في الدار الآخرة ولا تكون في الدنيا؛ لأنه لو رؤي في الدنيا أو حصلت رؤيته في الدنيا لكان حصل هذا النعيم في الدنيا قبل الآخرة، فلا يكون للآخرة ميزة على الدنيا، والرسول صلى الله عليه وسلم لما عرضت عليه الجنة والنار وهو في صلاة الكسوف، ورأى عناقيد العنب متدلية، ومد يده ليأخذ عنقوداً، وترك، فهو رأى الجنة، ورأى العناقيد، والصحابة وراءه يرون اليد الممدودة، ولا يرون الذي مدت إليه، فسألوه، قالوا: ( رأيناك مددت يدك كأنك تأخذ شيئاً؟ فقال: إنها عرضت علي الجنة فرأيت عناقيد العنب متدلية، فمددت يدي لأخذ عنقوداً منه، ثم تركت، قال: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا )، لكن الله شاء أن يكون نعيم الآخرة في الآخرة، ولا يأتي في الدنيا، وحتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب.
الحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، وإنما رؤيته ادخرها الله عز وجل في الدار الآخرة؛ لأنها أكمل نعيم يحصل لأهل دار النعيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إنه لن يرى أحد ربه حتى يموت )، والحديث في صحيح مسلم.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام في أحسن صورة في حديث اختصام الملأ الأعلى، يعني: هذا ثابت، وأما رؤية غيره فما أعلم شيئاً يدل عليه، والله تعالى أعلم.
الجواب: أولياء الله حقاً هم الذين إذا حصلت لهم الكرامة لا ينشرونها ولا يشيدون بها ولا يفخرون بها، وإنما يخفونها ويحبون أن لا يدري عنها أحد، وهذا هو شأن أولياء الله عز وجل، أما أدعياء الولاية فهم الذين يحبون إظهار ذلك حتى يقدسهم الناس، وحتى يعظمهم الناس، وحتى يبجلهم الناس، وأما أولياء الله حقاً فهم الذين إذا حصل منهم شيء يخفونه؛ كما حصل لـأويس القرني، وهو خير التابعين كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم، فإنه قال: ( إن خير التابعين رجل يقال له:
وكذلك أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها عائشة، أنزل الله تعالى براءتها في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، ثم تقول: وكنت أتمنى أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيَّ آيات تتلى، يعني: يحصل لها الشرف ويحصل لها الفضل، وتتواضع لله عز وجل، وتقول: لا أستحق أن ينزل في قرآن، ولشأني في نفسي أهون من هذا، هذا هو شأن أولياء الله عز وجل، فحصول المكاشفة أو الكشف، فقد يكشف للإنسان ويرى شيء بعيد، مثلما جاء في قصة عمر رضي الله عنه في قوله: يا سارية الجبل! حيث كشف له عما حصل في الميدان في بلاد الشام، وتكلم والصوت وصل، والله تعالى على كل شيء قدير، لكن ليس كل ما يزعم يصدق به، ولكن ما يثبت عن أولياء الله حقاً فإنه من إكرام الله عز وجل لأوليائه، لكن من شأن الله عز وجل أنهم لا يتبجحون، ولا يحصل منهم الاغترار لما يحصل لهم من الكرامة، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بكرامات الأولياء ويصدقون بها، ولكن ليس كل ما يزعم وكل ما يقال يصدق به، لكن ما ثبت أنه يصدق به، ومن حصل له هذا لا يغتر به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر