أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه، ما لم يحدث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)].
هنا أوردالنسائي رحمه الله: باب الترغيب في الجلوس في المسجد وانتظار الصلاة.
هذه الترجمة معقودة لبيان: أن الجلوس في المسجد، وذكر الله عز وجل فيه، وانتظار الصلاة بعد الصلاة أمر مرغب فيه، وفيه أجر عظيم، وثواب جزيل من الله سبحانه وتعالى، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ).
وقوله: (إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه)، هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث هنا؛ وذلك أن: جلوس الإنسان في المكان الذي صلى فيه، وذكره لله عز وجل، وانتظاره الصلاة أن ذلك يكتب له حسنات، والملائكة تدعو له، وتستغفر له، وتطلب من الله الرحمة له والمغفرة، وهذا يدل على فضل هذا العمل، وقد جاء في الأحاديث الأخرى، ومنها حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق في المساجد)؛ لأنه مشغول في المسجد، واهتمامه بالبقاء في المسجد، والذهاب إلى المسجد، فكأنه معلق بالمسجد من شدة ارتباطه به، وحرصه على الجلوس فيه، وإذا خرج منه فهو يفكر في العودة إليه والرجوع إليه.
وقوله: (إن الملائكة تصلي على أحدكم)، يعني: تدعو له، وتطلب له الرحمة والمغفرة، وهذا هو معنى صلاة الملائكة؛ لأن صلاة الملائكة معناها: الدعاء للذي تصلي عليه، ولهذا جاء مفسراً بنفس الحديث بيان مراد الصلاة، وأنها تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، فهذا هو معنى صلاتها عليه، فصلاة الملائكة على العباد الاستغفار والدعاء لهم، وهذا دليل على محبة هذا العمل إلى الله عز وجل، وأنه محبوب له سبحانه وتعالى، ولهذا فإن الملائكة تدعو لمن حصل منه ذلك، وفيه ترغيب لهذا العمل، وحث على إيجاده وعلى حصوله.
وقوله: (في مصلاه الذي صلى فيه)، المصلى يحتمل أن يكون المكان الذي حصلت منه الصلاة فيه، ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك عموم المسجد، وأنه هو المصلى الذي يصلي فيه الناس، ولا شك أن البقاء في المكان الذي صلى فيه الإنسان، والاستمرار فيه، أو الذهاب إلى مكان أقرب، أو إذا كان في صف متأخر، ثم بعدما فرغت الصلاة ذهب للصف الأول، فإن هذا يرجى له هذا الخير، وكذلك يرجى الخير لمن كان في أي مكان في المسجد، لكن إذا كان بقي في مصلاه فهو أولى.
قوله: (ما لم يحدث)، قيل: المراد به: ما لم يحصل منه حدث، الذي هو انتقاض الوضوء، وقيل: إن المراد بالإحداث هو حصول أمر سيئ، أو أمر محرم، أو إيذاء لأحد كما جاء في الحديث الذي بعده.
وفيه أيضاً التحذير من إيذاء الناس، ومن حصول الأمور التي لا تصلح، وحصول الأمور المنكرة في المسجد من الإنسان، وكذلك أيضاً الترغيب في أن يبقى الإنسان على طهارة؛ لأنه إذا كان على طهارة، فإنه يتمكن من أن يقرأ القرآن في المصحف إذا شاء، وكذلك أيضاً يتمكن من الصلاة على جنازة لو جاءت جنازة يصلي عليها، بخلاف المحدث الذي على غير طهارة، فإنه لا يتمكن من القراءة في المصحف، ولا يتمكن أيضاً من الصلاة؛ لأن صلاة الجنازة تحتاج إلى طهارة.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك ].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، والإمام المشهور، وصاحب المذهب المعروف، وأحد المذاهب الأربعة التي هي من مذاهب أهل السنة، وقد حصل لهذه المذاهب الأربعة الظهور والانتشار والبقاء؛ لأن هؤلاء لهم أصحاب عنوا بجمع فقههم وتنظيمه وتدوينه والعناية به، فصار لهم شهرة لم تحصل لغيرهم، ومن المعلوم أن في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أئمة أجلة، ومحدثون وفقهاء، وأهل علم، وأهل اجتهاد، ولكنه ما حصل لهؤلاء مثلما حصل لهؤلاء الأئمة الأربعة من وجود أصحاب وأتباع يعنون بفقههم بجمعه وتدوينه وتنظيمه والعناية به، وحديث مالك بن أنس رحمة الله عليه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
هو: عبد الله بن ذكوان المدني، كنيته أبو عبد الرحمن، وهو مشهور بـأبي الزناد، ويقال: أن أبا الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو: عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، والأعرج لقب اشتهر به عبد الرحمن بن هرمز، وقد ذكرت -مراراً وتكراراً- أن معرفة ألقاب المحدثين لها أهمية، وتظهر هذه الأهمية بأن لا يظن أن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف أن الأعرج لقب لـعبد الرحمن بن هرمز يظن أن الأعرج شخص، وأن عبد الرحمن بن هرمز شخص آخر، ولكن من عرف هذا لا يلتبس عليه الأمر، ولا يحصل له الالتباس، وإنما يعرف أنه إن جاء الأعرج في إسناد، أو جاء عبد الرحمن بن هرمز في إسناد، فهو شخص واحد، ولكن ذكر مرة باسمه، وذكر مرة بلقبه.
[ عن أبي هريرة ].
وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فإنه لم يرو صحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلما روى أبو هريرة في كثرة الأحاديث رضي الله تعالى عنه.
أورد النسائي رحمه الله حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان في المسجد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة )، وهذا فيه حث على الجلوس في المساجد وانتظار الصلاة، وأن في ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل من الله؛ لأن الإنسان في صلاة ما دام أنه في المسجد ينتظر الصلاة، ففيه ما ترجم له المصنف من حصول الترغيب في المسجد، وانتظار الصلاة.
قوله: [ أخبرنا قتيبة ].
وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[ حدثنا بكر بن مضر ].
هو المصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[ عن عياش بن عقبة ].
هو الحضرمي، وهو صدوق، وخرج له أبو داود، والنسائي .
[ أن يحيى بن ميمون حدثه].
هو الحضرمي، وهو صدوق أيضاً، وخرج له أبو داود، والنسائي .
[ سمعت سهلاً بن سعد ].
هو سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو العباس، ويقال: إن المعروفين بالتكنية بأبي العباس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان، وهما: سهل بن سعد الساعدي، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وسهل بن سعد الساعدي حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى عن أشعث عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أعطان الإبل ) ].
ثم أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة وهي: باب النهي عن الصلاة في أعطان الإبل.
أعطان الإبل هي: أماكن بروكها قريباً من الماء، يعني: عندما تشرب، ثم تبرك، ثم ترجع وتشرب، فهذه يقال لها أعطان، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة فيها، لكن ليس ذلك لنجاستها؛ لأنه علم أن أبوال الإبل، وأرواثها طاهرة من جهة أن النبي عليه الصلاة والسلام أذن بشرب أبوالها للاستشفاء، وذلك في قصة العرنيين الذين نزلوا المدينة، ثم أصابهم الوباء، فأمرهم أن يخرجوا إلى إبل له عليه الصلاة والسلام، ويشربوا من أبوالها وألبانها؛ حتى صحوا وحصل لهم الشفاء، وحصل ما حصل منهم كما جاء مبيناً في الحديث، فإذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بشرب أبوالها، فذلك يدل على طهارة أبوالها، وكذلك أيضاً إدخال الرسول صلى الله عليه وسلم البعير ليطوف عليه في المسجد الحرام، فإنه يدل على ذلك، وهنا النهي عن الصلاة في أعطان الإبل لعل ذلك لشدة نفارها، وأنها قد تزعج الإنسان، وقد يحصل له ضرر عندما يصلي في تلك الأماكن التي يحصل عليه فيها تشويش، ويحصل مضرة.
ولهذا أورد النسائي بعد ذلك الرخصة في الصلاة فيها؛ أخذاً من عموم الحديث الذي ورد بأن الأرض كلها مسجد، وأن الإنسان يصلي في أي مكان إلا ما جاء فيه نص يخصه لكونه نجساً أو لأمر خاص، وهنا نهى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الصلاة، فيبتعد عنها، لكن لو حصلت الصلاة في ذلك المكان، فإن الصلاة صحيحة؛ لأن الأرض طاهرة وليست بنجسة، وإنما لعل المحذور في ذلك ما فيها من النفار، ومن الشدة التي قد تلحق بالإنسان ضرراً، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم وأبوال الغنم، وأبوال الإبل كلها طاهرة، ولكن الفرق بين الاثنين هو: ما في الإبل من النفار والشدة، والتشويش على الإنسان، بخلاف الغنم فإن أمرها هين، ولا يحصل منها ما يحصل من الإبل.
هو الفلاس المحدث، الناقد، ويأتي ذكره كثيراً في كتب الرجال في الجرح والتعديل، يقال: قال الفلاس كذا، والفلاس هو عمرو بن علي هذا، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو: ابن سعيد القطان، المحدث، الناقد، والمعروف كلامه كثيراً في الجرح والتعديل، وهو ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أشعث ].
وأشعث هذا يحتمل أن يكون: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني البصري، ويحتمل أن يكون: أشعث بن عبد الملك الحمراني البصري ؛ لأن كلاً من هذين روى عن الحسن البصري، وروى عنه يحيى بن سعيد القطان، وكل منهما من البصرة، ويحيى بن القطان والحسن البصري من أهل البصرة، فيحتمل هذا ويحتمل هذا، وأشعث بن عبد الله بن جابر هذا صدوق، وخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
وأشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة، وخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، وسواء كان هذا أو هذا، فإن كلاً منهما يحتج بحديثه، ويعتمد على حديثه؛ لأن أحدهما صدوق، والثاني ثقة، والأمر -كما قلت- محتمل لهذا ولهذا، وسواء كان هذا أو هذا، فإن الإسناد صحيح، والإسناد يعتمد عليه ويعتد به .
[عن الحسن ].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، المحدث، الفقيه المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن مغفل ].
هو عبد الله بن مغفل المزني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان حدثنا هشيم حدثنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى ) ].
هنا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: باب الرخصة في ذلك.
يعني: الصلاة في أعطان الإبل، فيكون على هذا: النهي محمول على الكراهة، ويحتمل أن يكون محمولاً على التحريم، وأن يكون هذا العموم الذي جاء في حديث جابر مخصص منه معاطن الإبل، وإن لم تكن لنجاستها، لكن لما يترتب عليها من المفاسد، ولما يترتب عليها من مضرة نهي عن ذلك، والصلاة إذا وجدت على هذا تكون صحيحة، ولكن على القول بأنه للتحريم فإنه يحصل الإثم وإن صحت الصلاة، وأما على كونه للتنزيه، فإنه لا يحصل إثم، والصلاة بكل حال صحيحة.
وحديث جابر هذا هو قطعة من الحديث الذي فيه: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي)، وفيه هذه الخصلة التي هي جعل الأرض كلها له ولأمته مسجداً، وأن الصلاة أينما تدرك إنساناً، فإنه عنده مسجده وطهوره؛ يعني: يصلي في أي مكان، فـالنسائي أخذ بعموم الحديث، لكن ما ذكره يحتمل أن يكون هذا العموم مخصص، أو استثني منه هذا الذي جاء في حديث أعطان الإبل، وأنه لا يصلى فيها .
قوله: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى)، هذه خصيصة من خصائص هذه الأمة التي أكرم الله تعالى بها هذه الأمة، وأكرم نبيها بأن جعلها من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وقوله: (رجل) في الحديث لا مفهوم له، فالمرأة كذلك؛ لأن المرأة أيضاً إذا أدركتها الصلاة فإنها تصلي، وليس هذا من الأحكام الخاصة بالرجال، وإنما هو عام للرجال والنساء، ولكن جاء ذكر الرجل أو ذكر الرجال؛ لأن غالباً الحديث معهم والكلام معهم، وإلا فإنه لا مفهوم له من حيث أن المرأة بخلاف ذلك، بل لا فرق بين الرجل والمرأة، وهذا من جنس حديث: ( لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه )، وكذلك المرأة التي تصوم الخميس أو الإثنين إذا وافق يوم ثلاثين فإنها تفعل كما يفعل الرجل؛ لأن ذكر الرجل ليس له مفهوم، وإنما جاء لكونه غالب الخطاب يكون مع الرجال، فهذا هو السبب في ذكر الرجل، لا أن هذا حكم يخص الرجال وأن النساء بخلافه، بل الحكم عام شامل للرجال والنساء.
هو المصيصي، وهو ثقة، وخرج له النسائي .
[ حدثنا هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، ثبت، وكثير التدليس والإرسال الخفي، والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، يعني: يروي عن شيخ من شيوخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع، كعن أو قال، أما الإرسال الخفي فهو أن يروي عمن عاصره ولم يلقه؛ لأن هذا يعتبر إرسالاً خفياً؛ لأنه ليس من شيوخه، وهو ممن عاصره، ولكنه لم يلقه، فهو إرسال خفي، بخلاف إذا روى عمن لم يعاصره، فإن هذا هو الإرسال الواضح، فـهشيم بن بشير قال عنه الحافظ في التقريب: إنه كثير التدليس والإرسال الخفي، وهذا على اعتبار أن المرسل بالمعنى العام الذي هو ليس مشهوراً عند المحدثين، وأما المشهور عند المحدثين: المرسل ما قال فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فهذا هو المرسل الذي اشتهر عند المحدثين، لكن عند الفقهاء، وكذلك أيضاً هو في استعمال المحدثين أنه كون الإنسان يروي عمن لم يدركه أو لم يلقه، يعني: إذا كان مدركاً له ومعاصراً له، فيكون فيه انقطاع .
وحديث هشيم عند أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سيار ].
هو أبو الحكم العنزي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد الفقير ].
هو يزيد بن صهيب الكوفي، ويقال له: الفقير لأنه كان يشكو فقار ظهره، وهذه من النسب التي لغير ما يتبادر إلى الذهن؛ لأن الذي يتبادر إلى الذهن من كلمة الفقير؛ أي: فقير المال، لكن كونه يشكو فقار ظهره فقيل له: الفقير فهذه نسبة ليست مما يسبق إلى الذهن، بل هي بعيدة من السبق إلى الذهن، وإنما الذي يسبق إلى الذهن نسبة الفقر فقر المال، هذا هو القريب في المعنى الذي يسبق إلى الذهن عندما يأتي إطلاق مثل هذا اللفظ، ومثل هذا: خالد الحذاء، فالحذاء الذي يسبق إلى الذهن كونه يصنع الأحذية أو يبيعها، ولكن كونه يأتي ويجالس الحذائين، ويقال له: الحذاء؛ بسبب مجالسته الحذائين، فهذه لا تسبق إلى الذهن، ويزيد بن صهيب الفقير ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أو الترمذي .
[ عن جابر بن عبد الله ].
رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
فـجابر رضي الله عنه هو أحد هؤلاء السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أخبرنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي حدثنا يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن
هنا أورد النسائي رحمة الله هذه الترجمة وهي: باب الصلاة على الحصير.
يعني: كون الإنسان يصلي وبينه وبين الأرض حاجز أو ساتر، مثل الحصير، فلا بأس بذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم صلى على هذا الحائل الذي بينه وبين الأرض وهو الحصير، والحصير هو: الذي يتخذ من خوص النخل، وأورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أم سليم -وهي أم أنس بن مالك - طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليها في منزلها، وأن يصلي في مكان في منزلها حتى تتخذ هذا المكان الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلى لها تصلي فيه، وتجعله موضعاً للصلاة إذا أرادت أن تصلي، فجاء رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخذت حصيراً له، فنضحته بالماء، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصلوا معه .
وهذا يدل على ما ترجم له النسائي من حيث الصلاة على الحصير، أو الصلاة على حائل بينه وبين الأرض، وأن ذلك لا بأس، ومثله السجادة وغير السجادة، أو أي شيء يكون بين المصلي وبين الأرض، فإن ذلك سائغ وجائز، ولا بأس به، وقد فعل ذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وأنه لا يلزم أن تكون الصلاة على الأرض مباشرة وبدون حائل، بل يمكن أن تكون بحائل كالحصير، كما في هذا الحديث الذي معنا، حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وهذا النضح الذي حصل قيل: إما أنه لتليينه، أو أنه لتنظيفه، يعني: مما علقه من أوساخ أو شيء مما حصل، فتريد أن يكون نظيفاً يصلي عليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهو: ثقة ربما أخطأ، وأخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
أما أبوه يحيى بن سعيد الأموي فهو صدوق يغرب، وأخرج له أصحاب الكتب الستة كلهم.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ].
هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو ثقة، حجة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهو يروي عن عمه أنس بن مالك ؛ لأن عبد الله بن أبي طلحة أخو أنس بن مالك لأمه؛ لأن أبو طلحة هو زوج أم سليم، فقد ولدت أم سليم لـأبي طلحة عبد الله، فإسحاق يروي عن عمه لأمه، أي: عمه أخي أبيه لأمه، وهو ثقة حجة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
الجواب: أولاً: التي عمرها في الخمسين إذا كان ما حصل لها أمراض، ولا حصل لها كذا، فلا يقال لها: كبيرة، فهي تستطيع أن تخدم نفسها، ثم قضية التوسع في استقدام الخدم فيه محاذير كثيرة، فمنها: المجيء بدون محرم، ومنها ما نسمع كثيراً من المشاكل، والبلاء الذي يحصل هو بسبب هذا التوسع، وما لم يظهر أكثر وهو خفي لا ينشر ولا يذكر، فكون الإنسان يستغني عن استقدام الخدم، فهذا هو الذي ينبغي، وإذا احتاج إلى ذلك يبحث عن أحد موجود في البلد لا تحتاج إلى سفر، ولا تحتاج إلى محرم، وإنما تأتي وتذهب، وإذا كان أيضاً اضطر ولم يجد، فيمكن أن يأتي بامرأة مع زوجها، بحيث تكون معه ويكون معها، ويكون أدعى إلى السلامة والبعد عن الريبة والمحذور.
ومن المعلوم أن الاحتكاك والاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب بعضهم من بعض لا شك أن فيه محاذير، والشيطان -كما هو معلوم- عدو الإنسان، (وما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)، وقد تحصل الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبية إذا ذهب أهل البيت ولم يبق إلا صاحب البيت، أو بعض أهل البيت، أو واحد من أهل البيت ليس صاحبه، ولكن بعض أولاده، فتكون حالة حضرها الشيطان، وإذا حضر الشيطان لا تسأل عن البلاء والشر، وإذا كان قد وجد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك بسبب مثل هذا الاختلاط، فلا شك أن هذا يدل على خطورة الأمر، وقصة العسيف الذي يقول: ( إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنا بامرأته )؛ يعني: أجيراً يشتغل عنده، لكن بسبب هذا الاحتكاك حصل هذا الزنا والعياذ بالله، فنصيحتي أن الكل يحرص على الاستغناء عن الخدم، وإذا اضطر فليكن من داخل البلد؛ بحيث تأتي وتذهب، وتكون أيضاً بعيدة عن الرجال، وإذا كان أيضاً مضطر إلى الاستقدام، فليستقدمها ومعها زوجها؛ حتى يكون المحرم موجود، وحتى أيضاً تبيت معه ويبيت معها، ويحصل البعد من أن يقع الأمر المحرم.
الجواب: لا يخص أحداً، بل هو عام يشمل الإمام والمأموم.
مدخلة: وهل تدخل المرأة في ذلك؟
الشيخ: لا شك أنه كلما بقيت بعد الصلاة مدة تذكر الله، فهي على خير، لكن ليس معنى ذلك أنها تجلس في مصلاها تنتظر الصلاة وتهمل بيتها، لكنها إذا جلست بعد الصلاة فترة فهي على خير.
الجواب: الإنسان لا يحمل الحصير معه يأتي به المسجد يصلي عليه، لكنه إذا كان في بيته وصلى على الحصير فلا بأس أن يصلي على الحصير، أو على السجادة، أو على أي مكان، أما كونه يحضر معه حصيراً إلى المسجد يحمله بيده ثم يصلي عليه، فلا يفعل هذا في المسجد، سواء صلى على الفراش أو على البلاط، فكل ذلك يحصل به المطلوب.
أما إذا كان هناك شيء يشغل فهذا ينبغي تجنبه، مثل: فراش سجادة يحملها معه وهي مزخرفة، فهذا ما يصلح، لكن إذا كان المسجد مفروشاً بشيء فيه نقش، صلى فيه فلا يؤثر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر