إسحاق بن إبراهيم، وقتيبة بن سعيد واللفظ له عن سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى
يقول النسائي رحمه الله: [ الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام ]. المراد من هذه الترجمة أن الكساء الذي له أعلام -وهي خطوط تكون فيه- فإنه لا بأس بالصلاة فيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى فيه، ولكنه اختار ما هو الأولى منه، وهو الأنبجانية التي ليس فيها شيء، وهي كساء من الصوف ليس فيه أعلام، والنسائي عقد الترجمة بناء على ما جاء في أول الحديث من حصول الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الخميصة التي لها أعلام، وقد أورد النسائي فيه حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، ثم قال: شغلتني هذه، اذهبوا بها إلى
ومن المعلوم أن الخميصة لا شك أنها أفضل، وأنها أولى، بخلاف الأنبجانية فإنها من الصوف، وفيها خشونة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم آثرها على تلك لما فيها من أعلام، ثم أيضاً لم يرد الخميصة عليه، ولا يأخذ مكانها شيئاً؛ لأن ذلك يؤثر في نفسه؛ حيث تكون هديته قد ردت إليه، لكن إذا ردت واعتيض عنها من عنده شيء آخر فإن ذلك يهون الأمر.
وفي الحديث أيضاً دليل على أن الإنسان عندما يهدى له الشيء ويكون نفيساً، أو يكون حسناً، ويريد أن يأخذ ما هو أقل منه فإنه يمكن أن يعتذر عنه ويأخذ ما هو دونه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رد الهدية لم يردها مطلقاً، ولكن أخذ ما هو دونها تطييباً لخاطر ذلك الذي أهداها، وهو أبو جهم رضي الله تعالى عنه.
أي: لـقتيبة.
و إسحاق بن إبراهيم هو ابن مخلد الحنظلي المشهور بـابن راهويه، المحدث، الفقيه، وصف بوصف رفيع من أعلى صيغ التعديل، ومن أعلى صفات التعديل، وهي قول بعض المحدثين عن الرجل: أمير المؤمنين في الحديث، فإنه قد وصف -أي: إسحاق بن راهويه- بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا يدل على علو منزلته، وعلى قوة ضبطه وإتقانه، وأنه في القمة حيث، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
وسبق أن ذكرت أن كلمة (راهويه) المشهور عند المحدثين أنهم يأتون بها على هذا اللفظ: (راهويه)، فتكون الواو ساكنة وما قبلها مضموم، والياء التي بعدها مفتوحة والهاء ساكنة، وأما اللغويون فإنهم يقولون راهويه، فيختمون بـ(ويه)، يعني: راهويه، فتكون الواو مفتوحة وما قبلها مفتوح، والياء ساكنة وليست مفتوحة كما هو عند المحدثين، يعني: يكون مختوماً بـ(ويه)، وأما عند المحدثين فمختوم بواو ساكنة، وبعدها ياء مفتوحة ثم هاء ساكنة.
وقتيبة بن سعيد هو ابن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ النسائي الذين أكثر من الرواية عنهم، ولهذا قل أن ينظر الإنسان في صفحات كتاب النسائي إلا ويجد فيه الرواية عن شيخه قتيبة بن سعيد، وأول شيخ أخرج له النسائي في سننه قتيبة بن سعيد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وقتيبة هذا من الأسماء المفردة التي ليس له مشارك فيها، التي قلت التسمية بها، أو ندرت التسمية بها، فإنه لا يوجد من يسمى قتيبة في الكتب الستة إلا هو.
وقوله: واللفظ له، أي: أن اللفظ المسوق واللفظ المذكور هو من لفظ قتيبة الذي هو الشيخ الثاني، وليس من لفظ إسحاق بن راهويه الذي هو الشيخ الأول؛ لأنه لما ذكر الاثنين وسياقهما يختلف ذكر سياقه على لفظ شيخه الثاني، ونص على ذلك، حيث قال: واللفظ له، أي: لـقتيبة بن سعيد، أي: ومعنى هذا أن سياق إسحاق بن راهويه ليس هذا المذكور، وإنما هو غيره، والمذكور إنما هو سياق شيخه الثاني قتيبة بن سعيد .
[ عن سفيان ].
وسفيان هو ابن عيينة، وهو هنا مهمل، وقتيبة معروف يروي عن سفيان بن عيينة، وسفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، وهو المعروف بالرواية عن الزهري، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن عيينة معروف بالرواية عن الزهري دون الثوري، قال في موضع آخر في فتح الباري: إن الثوري يروي عن الزهري بواسطة.
وسفيان بن عيينة ثقة حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، ومشهور بالنسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جد جده، وحديث الزهري أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وهو الذي قال فيه السيوطي في ألفيته:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهابٍ آمرٌ له عمر
أي: كلفه بذلك، وأمره بذلك عمر بن عبد العزيز الخليفة، ومن المعلوم أن الكتابة للسنة حصلت من كثيرين، ولكنها بجهود فردية، وأما التكليف من الوالي فإنما كان للزهري في زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
[ عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، المحدث، الفقيه، أحد الفقهاء المشهورين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة الذين اشتهروا في المدينة، والذين يأتي ذكرهم بهذا الوصف في بعض المسائل إذا اتفق رأيهم فيها، فيقولون: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة، أي: فقهاء المدينة السبعة، ومنهم عروة بن الزبير هذا، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، فهؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة في المدينة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .
والحاصل: أن عروة بن الزبير الذي معنا في الإسناد هو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين رحمة الله عليهم، وحديث عروة بن الزبير أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهو يروي عن خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي تعتبر من أوعية السنة والتي روت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأحاديث المتعلقة بالأمور البيتية، المتعلقة بالبيوت التي لا يعلمها إلا النساء، فإنها حفظت السنة، وحفظت للأمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وعائشة رضي الله تعالى عنهم، فهؤلاء السبعة مكثرون من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من الصحابة روى مثلما روى هؤلاء رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في حلة حمراء، فركز عنزة، فصلى إليها، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار) ].
وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي الصلاة في الثوب الأحمر. والمقصود من ذلك أنها سائغة وجائزة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وهو كذلك، أي: في حلة حمراء، وقد أورد النسائي حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه قال: ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء، ومعه عنزة )، وهي: العصا التي في طرفها حربة، أي: حديدة تثبت في الأرض، وتغوص في الأرض، فركزها وصلى إليها.
( يمر من ورائها المرأة والحمار والكلب )، أي: أن ما مر من وراء السترة فإنه لا يؤثر على المصلي ما دام أنه وضع السترة، ومن يمر إنما يمر من ورائها، فإن ذلك لا تأثير له على المصلي في صلاته، وإنما التأثير عندما يكون المرور بينه وبين سترته، فإنه يمنع من يمر بينه وبين سترته، وأما من يكون من وراء السترة فإنه لا علاقة له به.
محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو يعتبر من صغار شيوخ البخاري الذين قربت سنة وفاتهم من سنة وفاة البخاري ؛ وذلك أن البخاري توفي سنة: (256هـ)، ومحمد بن بشار توفي قبله بأربع سنوات، أي: سنة: (252هـ)، فهو يعتبر من صغار شيوخه الذين أدركهم من روى عن البخاري، أو من يكون بعد البخاري، ولهذا النسائي وغيره من الأئمة أصحاب الكتب الستة كلهم رووا عن محمد بن بشار مباشرة وبدون واسطة، وأما كبار شيوخ البخاري الذين لقيهم البخاري في صغره، وهم في أواخر حياتهم فهؤلاء ما أدركهم أصحاب الكتب الستة، وإنما أدركهم البخاري، وأما صغار شيوخ البخاري الذين قربت وفاتهم من وفاته فهؤلاء أدركهم من بعده، ولهذا فـمحمد بن بشار يعتبر من شيوخ أصحاب الكتب الستة؛ فهو شيخ للبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه ، فكلهم رووا عنه مباشرة، لقوه ورووا عنه وتحملوا عنه الحديث، ويماثل محمد بن بشار في هذا محمد بن المثنى أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، فإنه مثله -أي: محمد بن المثنى- مثل محمد بن بشار في كونه شيخاً لأصحاب الكتب الستة، وأيضاً وفاته هي سنة وفاة بندار الذي هو محمد بن بشار، وأيضاً ولادته مثل ولادته، وهو أيضاً معه من أهل البصرة، فهما بصريان ومتفقان في الشيوخ والتلاميذ، ولهذا قال عنهما الحافظ ابن حجر : وكانا كفرسي رهان، يعني: اللذين يتسابقان ولا يغلب بعضهم بعضاً؛ لأنهم اتفقوا في سنة الولادة، وسنة الوفاة، وكونهم من أهل البصرة، وكون شيوخهم متفقين، وتلاميذهم متفقين، فكانا كفرسي رهان، ووفاتهم في سنة: (252هـ)، ولأصحاب الكتب الستة أيضاً شيخ ثالث أيضاً توفي في هذه السنة؛ وهي سنة: (252هـ)، وهو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، فهو أيضاً ممن توفي في هذه السنة التي هي سنة: (252هـ)، وهؤلاء الثلاثة يعتبرون من صغار شيوخ البخاري، وقد روى عنهم أصحاب الكتب الستة جميعاً.
[ حدثنا عبد الرحمن ].
عبد الرحمن، هو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو ثقة، حافظ، عالم بالرجال والعلل، وهو من المتكلمين في الرجال في الجرح والتعديل، وهو الذي سبق أن ذكرت أن الذهبي رحمه الله ذكر في كتابه (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل): إذا اجتمع يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي على جرح شخص فإنه لا يكاد يندمل جرحه. يعني: معناه أنهما يصيبان الهدف، ولا يخطئان فيما يتفقان عليه، فكلامهما عمدة، وكلامهما حجة، ولهذا قال: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، أي: معناه أنه لا يبرأ ولا يسلم من مغبة أو معرة هذا الجرح، بل يكون فيه، ويكون من أهله.
و عبد الرحمن بن مهدي، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا سفيان ].
سفيان، هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الحجة، الحافظ، المحدث، الفقيه، وقد وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهذا اللقب من الألقاب الرفيعة التي لا يظفر بها، أو لم يظفر بها إلا القليل النادر من المحدثين، مثل سفيان هذا، وشعبة بن الحجاج، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني وغير هؤلاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن عون بن أبي جحيفة ].
عون بن أبي جحيفة، وأبوه أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي، وهو مشهور بكنيته أبو جحيفة.
وعون بن أبي جحيفة ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن أبيه أبي جحيفة، وهو من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
إذاً: فهذا الإسناد كل رجاله أخرج لهم أصحاب الكتب الستة، محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن مهدي، وسفيان الثوري، وعون بن أبي جحيفة وأبوه أبو جحيفة، فهؤلاء كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا هشام بن عبد الملك حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جابر بن صبح سمعت خلاس بن عمرو يقول: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: ( كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبو القاسم في الشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل ما أصابه لم يعده إلى غيره، وصلى فيه، ثم يعود معي، فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك لم يعده إلى غيره ) ].
وهنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: الصلاة في الشعار. يعني: الثوب الذي يلتحف فيه، ويواري الجسد أو يكون على الجسد مباشرة، فتقول عائشة رضي الله عنها: إنها كانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في شعار واحد، وكانت حائضاً، فإذا أصابه شيء -أي: ذلك الشعار- من حيضها فإنه يغسله ويصلي فيه، ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يبدله ويستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه، ثم يعود، فإذا أصابه شيء فعل مثلما في الأول، يعني: غسله وصلى فيه ولا يعدوه إلى غيره، يعني: في صلاة الليل، يعني: كونه يكون معها ثم يقوم يصلي، ويكون عليهما الثوب، ثم يقوم ويصلي فيه، فإن أصابه شيء منها، أي: من دمها، فإنه يغسله ولا يعدوه إلى غيره، يعني: لا يتجاوزه، أو يستعمل شيئاً آخر، وإنما يغسله ويصلي فيه.
هو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، خرج له النسائي وحده.
[ حدثنا هشام بن عبد الملك ].
وهو أبو الوليد الطيالسي، مشهور بكنيته ونسبته، وأيضاً مشهور باسمه، ولهذا هنا ذكره باسمه، ويأتي في بعض المواضع بكنيته ونسبته: أبي الوليد الطيالسي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
وهو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا جابر بن صبح ].
وهو جابر بن صبح، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي. يعني: لم يخرج له الشيخان، ولا خرج له ابن ماجه .
[ سمعت خلاس بن عمرو ].
هو خلاس بن عمرو الهجري البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وكان خلاس هذا من أصحاب علي رضي الله عنه، وهو صاحب شرطته.
[ سمعت عائشة ].
يحدث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد تقدم ذكرها قريباً.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن همام قال: ( رأيت
وهنا أورد النسائي الترجمة، وهي: الصلاة في الخفين، يعني: أن ذلك سائغ وجائز، وأن الصلاة في الخفين سائغة وجائزة، وأورد فيه حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه أنه بال وتوضأ، ومسح على خفيه ثم صلى، فسئل عن ذلك؟ فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا، وهذا يدل على جواز الصلاة في الخفين، وأيضاً على جواز ستر بعض أعضاء السجود؛ لأن الخف يستر الرجلين، وهما من أعضاء السجود؛ لأن أعضاء السجود سبعة: القدمان، والركبتان، واليدان، والجبهة مع الأنف، فهذه أعضاء السجود السبعة، يعني: يدل على حصول الستر لبعض السجود؛ لأن الخفين يكونان ساترين للرجلين، والحديث ليس فيه ذكر الصلاة في الخفين، يعني: أنه صلى في خفيه، ولكنه ذكر أنه بال، وتوضأ، ومسح على خفيه ثم صلى؛ لأنه لو كان نزعهما يحتاج إلى أن يتوضأ من جديد، ولم يذكر أنه نزعهما وتوضأ، وإنما ذكر أنه بال وتوضأ ومسح على خفيه ثم صلى، ولما سئل؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا، يعني: أنه صنع مثل هذا الذي صنعت، وهو الصلاة في الخفين، فهو دليل على جواز ذلك، وأنه لا بأس به، ومثل الخفين الشراريب التي هي الجوارب، فإنه كذلك يصلى فيها، ويمسح عليها.
محمد بن عبد الأعلى، هو الصنعاني، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه .
[ حدثنا خالد ].
وهو ابن الحارث، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
وهو: ابن الحجاج الذي وصف بصفة هي من أعلى صيغ التعديل، وهي أمير المؤمنين في الحديث، فإنه ممن ظفر بهذا اللقب، وممن وصف بهذا الوصف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن سليمان ].
سليمان، وهو الأعمش، وسليمان بن مهران الكاهلي، ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو يأتي ذكره باسمه كما هنا، ويأتي أحياناً ذكره بلقبه الأعمش، وكما ذكرت فائدة معرفة الألقاب ألقاب المحدثين هي أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه، فإن من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، ومن يعرف لا يلتبس عليه الأمر، بل يعلم أن هذا هو هذا، وأن هذا اسم صاحب اللقب، وأن هذا اللقب لقب لهذا المسمى الذي هو سليمان.
وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم ].
وهو ابن يزيد بن قيس النخعي، المحدث، الفقيه، الكوفي، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكرت فيما مضى أن ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، عندما جاء إلى حديث غمس الذباب في الإناء إذا وقع فيه، قال: واستنبط من الحديث أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، والمراد بالنفس الدم، يعني: ما لا نفس له، أي: لا دم له سائل، مثل الذباب، والجراد وما إلى ذلك من الأشياء التي لا دم فيها، قال: استدل على ذلك أن من لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، ووجه الاستدلال أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرشد إلى غمس الذباب بالماء، واستعماله بعد غمسه. وقال: من وجوه أو من أحوال ذلك أن يكون الماء حاراً، ويلزم من غمسه فيه أن تموت، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى استعماله بعد أن غمس فيه الذباب وهو حار، يعني: في بعض أحواله يكون حاراً، ويترتب على ذلك أن تموت، فموتها لا ينجس الماء، ومثلها كل ما لا نفس له سائلة، وكلمة: (ما لا نفس له سائلة)، قال ابن القيم : أول من عرف عنه في الإسلام أنه عبر بهذه العبارة، فقال: ما لا نفس له سائلة إبراهيم النخعي، وعنه تلقاها الفقهاء من بعده، يعني: عبارة عامة تشمل الذباب وغير الذباب، يعني: تعبير عام يشمل كل ما لا دم فيه، فما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه.
وإبراهيم النخعي محدث، فقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن همام ].
وهو همام بن الحارث بن قيس بن عمرو النخعي الكوفي، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ رأيت جريراً ].
هو جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من بجيلة، وكان كبيراً في قومه، وقد جاء عنه أنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم، وقيل فيه: إنه لمكانته في قومه، ولمنزلته الرفيعة فيهم كان فيما بايعه عليه النصح لكل مسلم؛ وذلك ليعم نفعه، ولتكثر الفوائد التي تحصل منه، حيث أنه زعيم وكبير في قومه، فإذا كانت البيعة له على النصح لكل مسلم، فإنه يترتب على ذلك الخير الكثير، والفوائد الجمة، وكان عليه الصلاة والسلام يبايع الناس على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم يضيف إلى ذلك أشياء على حسب ما يليق بالمبايعين، وقيل: إنه كان مما أضافه إلى جرير هذه الإضافة التي فيها عموم النفع فيما إذا بويع عليها ونفذها.
وجرير هذا كان من أجمل الرجال، ومن أحسنهم صورة، ولهذا قال عنه: إنه يوسف هذه الأمة، يعني: في جماله وحسنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا عمرو بن علي عن يزيد بن زريع وغسان بن مضر قالا: حدثنا أبو مسلمة واسمه سعيد بن يزيد بصري ثقة، قال: ( سألت
وهنا أورد النسائي الصلاة في النعلين، وفيه: أن أنس بن مالك رضي الله عنه ( سئل عن الرسول صلى الله عليه وسلم: هل كان يصلي في نعليه؟ فقال: نعم )، فهذا يدل على جواز الصلاة في النعلين، وعلى أن ذلك لا بأس به، ولكن ينبغي أن يعلم بأن الصلاة في النعلين تكون في الأمكنة المناسبة، بحيث لا يترتب على ذلك مضرة، وحتى لا يترتب على ذلك أمور لا تنبغي، أما إذا كانت المساجد مفروشة ونظيفة، فإن الدخول فيها بالنعال، والمشي عليها بالنعال يترتب عليه وصول الأتربة والأشياء التي علقت بالنعال، وأيضاً يكون لونه متغيراً، وتعلوه الأوساخ، وهذا لا ينبغي، وإنما يصلى في النعال في الأماكن التي فيها تراب، كأن يكون الإنسان في سفر، أو يكون المسجد فيه تراب، أو كان ترابياً فإنه لا بأس أن يفعل ذلك، ولا يفهم أنه على إطلاقه، وأن الإنسان مهما كان، ولو كان المكان الذي يصلي فيه من أحسن ما يكون في النظافة وحسن الفراش فيداس بالنعال وفيها ما فيها، فإن هذا لا ينبغي، ومن المعلوم أن الناس لا يفعلون هذا في بيوتهم، فالأماكن المفروشة يجعلون النعال خارج ذلك المكان المفروش؛ حتى لا يوسخوا تلك الأماكن المفروشة، والمساجد المفروشة من باب أولى أن لا تعرض لمثل الذي لا يرضاه الناس في أماكنهم التي هي مواضع جلوسهم، ومواضع استقبالهم الزائرين، فإذا كانوا لا يفعلون هذا في بيوتهم؛ لأن في ذلك ما لا يريدونه من حصول الوسخ، وعدم النظافة فإن المساجد أولى بأن يحرص على نظافتها، وعلى نزاهتها، وعدم تعريضها، والحديث يعمل به، ولكن حيث يناسب العمل به، فهذا ينبغي التنبه له، والتفطن له، فيعمل بما جاء في الحديث حيث يناسب العمل، ولا يعمل به حيث لا يناسب العمل؛ لأن دفع الأذى مطلوب، واللبس، إما جائز أو مستحب، ولا يفعل ما هو جائز أو مستحب إذا ترتب على ذلك مضرة ومفسدة، وأما إذا لم يترتب على ذلك شيء فإنه لا بأس به.
وهو الفلاس، المحدث، الناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن يزيد بن زريع ].
يزيد بن زريع، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة .
[ وغسان بن مضر ].
هو غسان بن مضر البصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا أبو مسلمة ].
هو أبو مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي البصري، وهو بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سألت أنساً ].
هو أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله، وهو أحد الصحابة الذين عمروا، وأدركهم التابعون الكبار والمتوسطون والصغار، وتلقوا عنه الحديث، وأيضاً هو من السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ
أخبرنا عبيد الله بن سعيد وشعيب بن يوسف عن يحيى عن ابن جريج أخبرني محمد بن عباد عن عبد الله بن سفيان عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه، أنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح فوضع نعليه عن يساره ) ].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: (أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس)، وأورد فيها حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح وجعل نعليه عن يساره )، يعني: معناه أنه لم يصل في نعليه، ولكنه جعلهما عن يساره وهو يصلي، والمقصود من الترجمة بيان موضع وضع النعلين إذا صلى، وأورد الحديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهما عن يساره )، فإذاً: موضعهما أنهما يكونان عن يساره.
هو عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[ وشعيب بن يوسف النسائي ].
وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ عن يحيى ].
وهو ابن سعيد القطان، وقد مر ذكره.
[ عن ابن جريج ].
وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني محمد بن عباد ].
وهو محمد بن عباد بن جعفر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن سفيان ].
هو أبو سلمة المخزومي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، ولم يخرج له الترمذي ولا البخاري.
[ عن عبد الله بن السائب ].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
الجواب: كل منهما جائزان. وسبب إيراد الترجمتين: لأن الخف غير النعل، والخف كما هو معلوم يستر القدم، والنعل لا يسترها وإنما يستر بعضها أو جزءاً منها، فالمغايرة لأن الخف غير النعل، ولأن هذا فعل، وهذا فعل، وفعل كل منهما سائغ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر