أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري والوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (أقيمت الصلاة فصف الناس صفوفهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مصلاه ذكر أنه لم يغتسل، فقال للناس: مكانكم، ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رأسه، فاغتسل ونحن صفوف)].
يقول النسائي رحمه الله: باب الإمام يذكر بعد أن يقف في مصلاه أنه على غير طهارة، أي: أنه يذهب ويغتسل أو يتوضأ، ثم يأتي، ويصلي بالناس.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنها أقيمت الصلاة فصف الناس صفوفهم)، أي: أنهم انتظموا في الصفوف، وتراصوا فيها، (فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف في مصلاه)، أي: أمامهم في المكان الذي يصلي فيه إماماً لهم، (وعندما وقف تذكر أن عليه غسلاً، فقال لهم: مكانكم، فذهب، واغتسل، ثم خرج عليهم ينطف رأسه)، أي: يقطر من أثر الاغتسال، والحديث دال على ما ترجم له؛ من أن الإمام إذا ذكر قبل أن يدخل في الصلاة، فإنه يخبرهم بأنهم ينتظرونه، ويذهب، وهذا فيما إذا لم يكن هناك مشقة عليهم، أما إذا كان الذهاب للوضوء في مكان بعيد، وأنه يشق عليهم، فالذي ينبغي أن يأمرهم بالصلاة، أما إذا لم يكن هناك مشقة فإنهم ينتظرونه، ولا يلزم أن يكون انتظارهم له وهم قيام، بل يمكن أن يجلسوا، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قال لهم: مكانكم، ليس ظاهراً أنه أراد أن يكونوا قائمين حتى يعود، وإنما أراد أن يمكثوا في أماكنهم، وكل يبقى في مكانه في انتظار مجيئه ليصلي بهم، وسواء كان ذلك وهم قيام، أو وهم قعود إذا أرادوا أن يقعدوا.
والحديث يدل على حصول النسيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يحط من شأنه، بل هذا شأن البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحاديث كثيرة أنه ينسى، وأنه يحصل منه النسيان، وأما فيما يتعلق بالتشريع، وبيان أحكام الشريعة، وبيان الوحي فلا يحصل منه نسيان شيء من ذلك، وإنما النسيان يحصل في الأفعال التي تحصل من الإنسان، فيحصل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في أحكام الصلاة فيما يتعلق بالسهو، وأحكام السهو، وحصول السهو من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضايا عديدة، وفي مسائل متعددة في حالات مختلفة، وهي موجودة في كتاب السهو، أو باب السهو في كتب الأحاديث، وما جاء من أن النبي عليه الصلاة والسلام لا ينسى، ولكنه ينسى ليسن فهذا لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا دليل على أن دخول الجنب للمسجد إذا كان عن نسيان، أو حتى لو كان لمرور -يكون ماراً دون أن يمكث- فإنه لا بأس بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام لما كان في المسجد، وتذكر أنه عليه اغتسال، خرج عليه الصلاة والسلام، واغتسل، ورجع، وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وما جاء في الحديث من قوله: (فاغتسل، ونحن صفوف)، جاء في صحيح البخاري : (فخرج، وقد اغتسل)، أي: أن اغتساله متقدم على الخروج، وإنما خرج وقد اغتسل، والحال أنه قد اغتسل، وإنما خرج وهم صفوف على صفوفهم التي أشار عليهم بأن يكونوا عليها، وأن يمكثوا، فصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، ومن المعلوم أن الإمام لو دخل في الصلاة وهو على غير طهارة، ثم تذكر فإنه يجب عليه أن يقطعها، وهم يستأنفون الصلاة فيما إذا كان الإمام على غير طهارة، وأما إذا كان على طهارة، ولكن الحدث غلبه، واضطر إلى أن يخرج فإنه ينيب قبل أن ينصرف من يقوم مقامه ويكمل بهم الصلاة، ينيب بعض المأمومين الذين وراءه، يرجع القهقرى، ويطلب من يشير إلى بعض المأمومين أن يكمل بهم الصلاة.
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، وهو حمصي، صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[حدثنا محمد بن حرب].
وهذا فيه مثال لما سبق أن ذكرت: أن الراوي أو أن التلميذ ينسب شيخه كما يريد، إن أراد أن يطيل في نسبه أطال، وإن أراد أن يختصر اختصر، وهنا نسب شيخه، وأطال في نسبته، فقال: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ، ولكن من دون التلميذ لا يزيد على ما ذكره التلميذ، وإنما يأتي به أي: كما أتى به، وإذا أراد أن يضيف ما يوضح به ذلك المهمل الذي قد يكون فيه خفاء فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، أو ما إلى ذلك من الألفاظ التي تبين أن ما وراءه ليس من التلميذ، وإنما هو ممن دون التلميذ.
[حدثنا محمد بن حرب].
محمد بن حرب، وهو الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزبيدي].
وهو محمد بن الوليد الحمصي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجده كلاب، وقصي بن كلاب أخو زهرة بن كلاب، فهو ينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب الذي هو جد جده، فهو مشهور بهاتين النسبتين، نسبة إلى جده شهاب يقال: ابن شهاب، ونسبة إلى جده زهرة بن كلاب يقال: الزهري، وقد اشتهر بهاتين النسبتين، وهو محدث، فقيه، إمام، جليل، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وهذا إسناد آخر عطف على محمد بن حرب، يعني: يقول ذلك عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير؛ لأنه يقول: أخبرني محمد بن حرب ثم ساق الإسناد، ثم قال: والوليد، أي: عن الزهري أي: لما وصل إلى الزهري رجع من جديد، وعطف على شيخه الذي هو عمرو بن عثمان، يقول: أخبرني فلان، ثم قال: وفلان؛ لأن عمرو بن عثمان له فيه شيخان، الشيخ الأول: محمد بن حرب، والشيخ الثاني: الوليد بن مسلم .
و النسائي رواه عن شيخ واحد، وشيخه رواه عن شيخين، واستمر الإسنادان حتى تلاقيا عند الزهري، فالإسنادان فيهما توحد في الآخر، وتوحد في الأول، توحد في الأول من جهة أن النسائي روى عن شيخه عمرو بن عثمان، ثم افترقت الطريقان بعد عمرو بن عثمان، ثم التقت الطريقان عند الزهري .
قال: والوليد، أي: أن عمراً بن عثمان قال: وأخبرني الوليد، والوليد هو: ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة كثير التدليس والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي].
وهو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي الشامي، وهو إمام، جليل، ومحدث، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأن كنيته أبو عمرو، واسم أبيه عمرو، وفائدة معرفة ذلك كما ذكرت سابقاً: أن لا يظن فيه تصحف لو ذكر بكنيته في بعض الأحيان، فإن من لا يعرف تلك الكنية يظن أنه تصحف عن (ابن)، فبدلاً من أن يقول: عبد الرحمن بن عمرو، لو قال: عبد الرحمن أبو عمرو الأوزاعي يظن أن (أبا) مصحفة عن (ابن)، وهي ليست مصحفة، بل هذا صحيح، وهذا صحيح، وهذا صواب، وهذا صواب ولا تصحيف؛ لأن كنيته توافق اسم أبيه، فهذه فائدة معرفة هذا النوع من أنواع علوم الحديث.
وقد مر بنا عدد من الرواة من هذا القبيل، مثل هناد بن السري، وغيره من شيوخ النسائي الذين مر عدد منهم، توافق كنية الراوي اسم أبيه، وهنا أبو عمرو الأوزاعي هو من هذا القبيل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وهنا يلتقي الإسنادان بـالزهري.
[عن أبي سلمة].
وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين على أحد الأقوال في السابع؛ لأن المدينة اشتهر فيها في عصر التابعين سبعة يطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة، فإذا اتفقوا على مسألة من المسائل، فبدلاً من أن تسرد أسماؤهم تعزى إليهم القول بها، ويكتفى بلفظ: قال بها الفقهاء السبعة، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وخارجة بن زيد بن ثابت، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قول يقول: السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الذي معنا، وقول يقول: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقول يقول: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، والمكثرون من الصحابة سبعة، وأبو هريرة رضي الله عنه أكثر السبعة على الإطلاق، والسبعة جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
الجواب: الأبكم لا يتكلم، ولا يقرأ ولا يسمع منه قراءة، فلا يكون إماماً.
الجواب: نعم، يجوز إذا حصل ضرورة فيجوز للإنسان أن يلتفت.
الجواب: نعم، هذا صحيح، والتبرك بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم، وبملامسة جسده كان يفعله الصحابة؛ كانوا يتبركون بفضل وضوئه، وببصاقه، وبعرقه، وبشعره، وما مسه جسده عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا من خصائصه، ولا يجوز أن يفعل مع أحد غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما فعلوا ذلك مع أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وقال الشاطبي في الاعتصام: أجمع الصحابة على ذلك، فدل على أن هذا من خصائصه، فلا يجوز لأحد أن يفعل هذا مع غيره، ولا شك أن عتبان أراد أن يتبرك، والتبرك بما مسه جسده كان فعل أصحابه، ولكن أين الذي مسه جسده في هذا الزمان؟! لا يوجد عند الناس شيء من هذا، وإنما الناس عليهم أن يطلبوا البركة بالاقتداء به، والسير على نهجه، وامتثال ما جاء عنه، والانتهاء عما نهى عنه، وأن يعبد الله طبقاً لشريعته، وفي هذا الخير كل الخير، والبركة كل البركة.
الجواب: الملتزم الذي يكون بين الباب وبين الحجر الأسود، هذا يقال له: الملتزم، وورد فيه أحاديث بعض العلماء صححها، وبعضهم تكلم فيها، ولا أدري الثابت في ذلك، ولكن المسألة فيها أحاديث -كما قلت- صححها بعض العلماء، وضعفها بعضهم، والله تعالى أعلم.
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يمشي بين الصفوف إلا إذا كان هناك فرجة، ومن المعلوم أن الصف الأول هو أول ما يكمل من الصفوف، والرسول صلى الله عليه وسلم ذهب حتى وقف في الصف الأول، فإذا كان هناك فرجة فيجوز للإنسان؛ فالإنسان إذا كان في الصف الأول فرجة لا يصل إليها إلا بأن يمشي بين الصفوف لا بأس أن يمشي إليها، أما إذا كان يتخطى الرقاب، أو يفعل ذلك وليس أمامه فرجة، فهذا ليس له أن يفعل ذلك.
الجواب: نعم، يجوز له، فابنها وليها، ويكون ذلك من الإحسان إليها إذا رغبت في ذلك، فهو وليها بعد أبيها، فالأب هو الأول ثم بعده الابن.
الجواب: لا ينبغي هذا، فقد ورد فيه حديث ما أتذكره فكونه يخصص له مكاناً لا يصلي فرضه إلا فيه قد ورد في هذا حديث، لا أذكر الآن ما درجته.
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: ما بين قبري، بل قال: (ما بين بيتي ومنبري)، وهذا هو الذي جاء في الصحيحين وفي غيرهما، وهذا هو الذي ثبت، ولكن قيل: إن هذا لعله مروي بالمعنى، وإلا فإن الثابت في الصحيحين وفي غيرهما: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، والله تعالى أعلم بمعناه أو المراد به، والعلماء لهم كلام فيه، قيل: إن هذا المكان يئول إلى الجنة، وإنه ينقل إلى الجنة، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.
مداخلة: ما هي المزية؟
الشيخ: المزية للروضة هي أن هذا الحديث يدل على ميزتها على المسجد، ولكن هذه الميزة لا تكن في صلاة الفرض في حق من يتمكن من أن يصلي في الصفوف الأول، أو في الصفوف التي عن يمين الروضة؛ لأن الصفوف التي أمامها والتي عن يمينها، أفضل منها وأولى منها؛ لأنه جاءت أحاديث تدل على أوائل الصفوف، وعلى ميامين الصفوف، فالصفوف التي أمامها والتي عن يمينها أفضل منها، وأما في النافلة فإن الصلاة في الروضة لا شك أن لها ميزة على غيرها لهذا الحديث، والمسجد كله جاء فيه أن الصلاة فيه بألف صلاة، ولكن جاء في هذه البقعة هذا الكلام، وهذا الحديث فيدل على ميزتها، فإذاً صلاة النافلة فيها لها ميزة؛ لهذا الحديث.
الجواب: مثل الوقت هذا لا ينبغي له أن يصلي؛ لأن الوقت قصير، بل يقف قليلاً، ويصلي إذا أذن للصلاة.
الجواب: المضاجعة قبل الجماع يدعو بالدعاء المأثور، ويذكر الإنسان ربه، ولا بأس بذلك، وأما في حال الجماع يمتنع من هذا.
الجواب: لا، أقول: الحديث ثابت، وموجود في الصحيح.
الجواب: الإنسان إذا كان عنده مبلغ من المال، ينفق منه، فالزكاة تجب على المال الذي حال عليه الحول، وهو مستغن عنه، فإذا كان يسحب منه ويأكل فإن ما يسحبه لا علاقة له بالحول، وما يضيفه فيما بعد يحسب، فيمكن له أن يعرف تاريخ وصوله إليه، ثم يزكي هذا المبلغ الإضافي عندما يحول الحول، وإذا أراد أن يتخذ لنفسه طريقة يسلم فيها من كتابة التواريخ، وأنه وصل إليه في الشهر الفلاني حصل كذا، وفي الشهر الثاني حصل كذا، ثم إذا حال الحول هذا الشهر الفلاني زكى يتخذ شهراً من السنة يزكي فيه الموجود، سواء حال عليه الحول أو ما حال عليه الحول، فهذا يحصل به المطلوب، مثلاً في رمضان يزكي الموجود عنده، سواء حال عليه الحول أو ما حال عليه الحول، وبهذا يسلم من كتابة التواريخ، وإذا كان يريد أن يكتب التواريخ فكل مبلغ يحصله عليه أن يكتب تاريخه ويزكيه إذا حال حوله.
الجواب: نعم، إذا كانت الأرض معدة للبيع ثم باعها، فالزكاة في قيمتها كلها، سواء الذي سئل عنه، كونه حج به أو غيره، فما دام أنه حال الحول عليه، وهي معروضة للبيع، وباعها فإنه يزكي قيمتها، التي بيعت بها والذي سحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر