أخبرنا محمد بن سلمة حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (أقيمت الصلاة فقمنا، فعدلت الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر فانصرف، فقال لنا: مكانكم، فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا قد اغتسل ينطف رأسه ماء، فكبر وصلى)].
يقول النسائي رحمه الله: إقامة الصفوف قبل خروج الإمام، يعني: تسويتها وتعديلها، واستواؤها قبل أن يخرج الإمام، وقد أورد فيه حديث: أبي هريرة -الذي تقدم ذكره في الأبواب الماضية- في قصة مجيئه عليه الصلاة والسلام ووقوفه في مصلاه، ثم تذكر أنه جنب فقال: مكانكم، ثم رجع إلى بيته فاغتسل، وخرج يقطر رأسه ماء، ثم جاء وصلى بهم، وهنا أورد الحديث تحت هذه الترجمة لما جاء في أوله من قوله..
(أقيمت الصلاة فقمنا، فعدلت الصفوف)، ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مطابق لما ترجم له، لكن جاء في بعض الأحاديث: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قيامهم إذا نودي للصلاة حتى يروه، وذلك لئلا يحصل عليهم شيء من المشقة في طول القيام، ولئلا يعرض له عارض، فيقومون وهو لم يقف في مصلاه، فلعل هذا الذي جاء في هذا الحديث هو سبب نهيهم عن القيام حتى يروه؛ لقوله: (إذا نودي للصلاة فلا تقوموا حتى تروني)؛ لئلا يحصل عليهم شيئاً من المشقة في طول القيام قبل دخوله في الصلاة، وقد يعرض له عارض فيشغله عن الدخول فيها، فيطول قيامهم، فيلحقهم بذلك مشقة، ولهذا نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيام حتى يروه.
وأما إذا كان الإمام في المسجد، ثم إنه أقيمت الصلاة وهم يرونه معهم، فإن ذلك -كما هو معلوم- يحصل به المقصود من جهة عدم طول مدة انتظاره، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يكون في بيته، فيؤذنه بلال بالصلاة وهو في بيته، ثم يأتي ويقيم بلال الصلاة، فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي بهم، وحديث: (لا تقوموا حتى تروني) يدل على أن القيام عندما يأتي الإمام للصلاة، ثم أيضاً: الإمام هو الذي يسوي الصفوف كما جاءت بذلك الأحاديث الكثيرة المتعددة التي ستأتي، ويتخلل الصفوف، ويتخلل من ناحية إلى ناحية، ويسويها بقوله وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
إذاً: هذا من فعل الإمام، ولا يفعل هذا قبل أن يأتي الإمام، ولعل هذا كان في أول الأمر، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم عن القيام حتى يروه، وكان يسوي الصفوف بنفسه وبقوله وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والحديث الذي معنا سبق أن مر في باب سابق، فيما إذا وقف الإمام في مصلاه ثم تذكر أنه على غير طهارة، فأورد الحديث هناك، ثم أورده هنا لما جاء في أوله.
وهذه الرواية تبين الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة: فخرج عليهم فاغتسل وهم صفوف، وهنا: خرج عليهم وقد اغتسل، وهناك: خرج عليهم فاغتسل، وهذه الرواية هي التي توضح تلك الرواية السابقة، وهي المطابقة أيضاً أو الموافقة لما جاء في البخاري: خرج عليهم وقد اغتسل.
وهو المرادي المصري، وهو ثقة، وخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي.
[حدثنا ابن وهب].
وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
وهو يونس بن يزيد الأيلي، وهو أيضاً ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو إمام جليل، ومحدث، فقيه، ومكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن].
وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، من التابعين، ومن فقهاء التابعين في المدينة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأنه كما تكرر مراراً: أن الفقهاء السبعة في المدينة، ستة منهم لا خلاف في عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع منهم فيه ثلاثة أقوال، وأبو سلمة هو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم، وقيل: إن السابع هو: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: إن السابع هو: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع أبا هريرة].
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والذين عرفوا بكثرة الحديث سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة هو أكثرهم حديثاً، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
إذاً: فرجال هذا الإسناد كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ النسائي، الذي هو محمد بن سلمة المرادي المصري، فلم يخرج له البخاري ولا الترمذي، وإنما خرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم الصفوف كما تقوم القداح، فأبصر رجلاً خارجاً صدره من الصف، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)].
أورد النسائي: كيف يقوم الإمام الصفوف، يعني: يسويها ويجعلها على سمت واحد، لا تقدم ولا تأخر، وتسوية الصفوف وإقامتها تكون بكونها معتدلة متساوية، لا تقدم ولا تأخر ولا اعوجاج، وإنما استقامة وعدم تقدم وتأخر، وكذلك التقارب فيما بينها، وأن لا يكون فيها فرج وخلل، فإن هذا هو المراد بتسوية الصفوف، فيقرب كل واحد من جاره إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام من جهة اليسار يقرب إلى جهة اليسار، ثم الذي يكون بجواره من جهة اليمين يقرب منه، حتى يكون كل واحد ملتحم بالثاني وملتصق بالثاني، وكذلك الذين على يسار الإمام، يقربون إلى جهة اليمين، وإذا كان هناك فجوة، فالذي بجوار الإنسان يقرب منه، ولا تكون سد الفجوة بأن يمد الإنسان رجليه حتى يلحق بمن على يمينه وعلى شماله، وإذا تأخر عليه إنسان لحقه، بل يجره إليه حتى تقرب الصفوف بعضها من بعض؛ فإن التساوي ليس بتقارب الرجلين، بل بتقارب الرجلين والركبتين والمنكبين، كلها تتقارب ويتصل بعضها ببعض، فهذه تسوية الصفوف.
وتسوية الصفوف واجبة، ولهذا جاء التحذير من المخالفة فيها وعدم تسويتها، وأنه إذا حصل خلاف التسوية فيكون ذلك سبباً في اختلاف الوجوه والقلوب، وهذه عقوبة ووعيد شديد على عدم تسويتها، وهو يدل على وجوب تسويتها.
وقد أورد النسائي حديث: النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقوم الصفوف كما تقوم القداح)، وهي السهام، حيث تكون متساوية، ويسوى بينها بحيث لا تتقدم ولا تتأخر، وإنما هي على نسق واحد، وعلى سمت واحد مستوية، لا تقدم فيها ولا تأخر في بعضها، فكذلك الصفوف، ويضيف إلى تسويته بفعله التسوية بقوله، وكذلك يعني بفعله: بحيث يقدم هذا ويؤخر هذا، ويجعل هذا على سمت هذا، ويضيف إلى ذلك بفعله، ثم يقول: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، يعني: إذا لم تسووها تحصل هذه العقوبة، وهي: المخالفة، وهذه المخالفة فسرت: بأن يكون هناك مخالفة في الهيئة والخلقة، أو أن المراد: أن ذلك اختلاف القلوب، وما يترتب على الوجه تبعاً لاختلاف القلوب من التنافر، وكراهية بعضهم لبعض، وأن يكون في وجه الآخر على الآخر ما يدل على الكراهية؛ وذلك نتيجة لما حصل في القلوب، ويوضح هذا أنه جاء في أحاديث كثيرة: (ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وجاء في بعض الروايات في الحديث نفسه: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، والروايات الأخرى الكثيرة تطابق هذه الرواية، ثم أيضاً اختلاف القلوب يتبعه اختلاف الوجوه، ويظهر على الوجه التأثر، وظهور المخالفة نتيجة لما يكون في القلب، وقد جاء في حديث النعمان بن بشير المتفق على صحته، والذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، فنتيجة لاختلاف القلوب يكون من وراء ذلك اختلاف الوجوه، ويظهر على الوجوه المحبة والبغض لمن يراه الإنسان نتيجة لما يكون في القلوب من الاختلاف، ولهذا يقول الشاعر:
والنفس تعلم من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها
فالقلوب إذا كانت متفاوتة فيظهر ذلك على الوجه، ولا يخفى ذلك إلا إذا كان عن طريق النفاق أو عن طريق إظهار شيء دفعاً للشر، ودفعاً للمحذور، ودفعاً للمضرة التي تحصل بدون إظهار شيء في الوجه، فيسلم الإنسان فيه من الشر أو شر صاحب الشر.
ثم إن هذه المخالفة يعاقب عليها بهذه العقوبة، ومن العقوبة على الذنب الوقوع في مصيبة أخرى، يعني: عقوبة عليه، كما جاء عن بعض السلف: من ثواب الحسنة على الحسنة: الحسنة بعدها، ومن العقوبة على السيئة: السيئة بعدها، فالإنسان يبتلى ويعاقب بأن يحصل منه سيئة.
ومن المعلوم أن اختلاف القلوب عقوبة كبيرة؛ فالله عز وجل يقول: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5]، ففي الآية: أن الإزاغة نتيجة للزيغ، وأنه يعاقب على الزيغ بالإزاغة، وأنه إذا حصل الانحراف والميل عن الحق فيعاقب على ذلك بعقوبة من جنسه، فيكون في ذلك زيادة شر، وزيادة بلاء على الإنسان، والذي معنا هو من هذا القبيل؛ فلأنه عمل محرم عوقب عليه باختلاف القلوب وما يكون بينها من التنافر، والرواية التي معنا ذكر الوجوه، وجاء في بعض الروايات: القلوب، وقد عرفنا أن اختلاف القلوب ينتج عنه اختلاف الوجوه.
وهو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي الأحوص].
أبو الأحوص، وهي: كنية اشتهر بها سلام بن سليم الكوفي، وهو ثقة، متقن، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سماك].
وهو سماك بن حرب، وهو صدوق، وروايته عن عكرمة مضطربة، والحديث هذا ليس من الرواية عن عكرمة، وإنما هو عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن النعمان بن بشير].
والنعمان بن بشير صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد صغار الصحابة، وهو صاحب القصة في الهبة التي أرادت أمه من أبيه أن يشهد على هبته، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألكل ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: لا تشهدني على جور، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) يقوله لأبيه، وهو وأبوه صحابيان، وكما قلت: هو من صغار الصحابة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات، وهذا مما يستدل به على أن الصغير إذا تحمل في حال صغره وأدى في حال كبره، فإن ذلك معتبر عند العلماء، وهذا هو الذي حصل، أو الذي جرى من صغار الصحابة، حيث يتلقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يخبرون عن ذلك في حال كبرهم، فرواية من تحمل في حال صغره، وروايته بعد بلوغه، وكذلك تحمل الكافر في حال كفره وإخباره عن ذلك بعد إسلامه، فكل هذا معتبر عن العلماء.
وكثير من روايات صغار الصحابة هي عن الصحابة، وهي من مراسيل الصحابة، وهي معتبرة وحجة، والحديث الذي معنا هو من قبيل ما شاهده وعاينه؛ لأنه قال:
ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، فهذا مما تحمله وشاهده وحضره، وحديث الحلال بين والحرام بين المتفق عليه، صرح بسماعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات).. إلى آخر الحديث، فهذا مما تحمله في حال صغره وأداه في حال كبره رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وحديث النعمان عند أصحاب الكتب الستة، والإسناد رباعي، فـقتيبة بن سعيد، وأبو الأحوص، وسماك، والنعمان بن بشير، هؤلاء الأربعة هم رجال الإسناد، وهو الإسناد الرباعي، وهو أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه ليس عنده شيء من الثلاثيات كما ذكرت ذلك مراراً.
أورد النسائي حديث: البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يخلل الصفوف، فيتحول من ناحية إلى ناحية، أي: جهة اليمين إلى جهة الشمال، يمسح مناكبنا وصدورنا، أي: تكون المناكب متعالية، والصدور كذلك، لا تقدم ولا تأخر، ولا بروز من بعضهم على بعض، ولا تأخر من بعضهم على بعض، بل تكون على سمت واحد، وعلى نسق واحد، فهذه هي تسوية الصفوف، وكان يسوي ذلك بنفسه وبيده صلى الله عليه وسلم، ويتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية، ينتقل من هنا إلى هنا ويسوي.
ثم بعد ذلك يقول: (لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، وهو يوضح الرواية السابقة، (لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)، وفي بعض الروايات: (بين قلوبكم)، أي: أن الاختلاف في الظاهر قد يترتب ويعاقب عليه في الاختلاف في الباطن، بأن يكون ذلك اختلاف القلوب، ثم إذا حصل اختلاف القلوب كثر الاختلاف في الظاهر نتيجة لاختلاف القلوب، فتكون المعاقبة من جنس السيئة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في حديث النعمان: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
ثم يقول: (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة)، وهذا يدل على فضل الصفوف الأول، وأنها أفضل من غيرها، وقد جاء في الحديث الآخر الذي سيأتي: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)، فكل صف هو خير من الذي يليه، وهذا الحديث يقول: (إن الله وملائكته يصلون على الصفوف المتقدمة)، وهو يدل على فضل الصفوف الأول، والمبادرة إليها، وصلاة الله عز وجل على العباد هي: ثناؤه عليهم، وصلاة الملائكة هي: الدعاء لهم والاستغفار.
وقد مر ذكرهما.
[عن منصور].
وهو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن مصرف].
وهو طلحة بن مصرف، وهو أيضاً ثقة، قارئ، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن عوسجة].
وهو عبد الرحمن بن عوسجة، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن البراء].
وهو البراء بن عازب، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الصحابي ابن الصحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا غندر عن شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عواتقنا ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)].
أورد النسائي الترجمة، وهي: ما يقول الإمام إذا تقدم في تسوية الصفوف، يعني إذا تقدم أمامهم ماذا يقول في تسوية الصفوف؟ هنا أراد أن يبين ما يقوله، وفي التراجم السابقة بين ما يفعله، وفيها أيضاً ما يقوله، وفيها أيضاً شيء مما يقوله مرغباً في تسويتها، ومحذراً من التساهل في تسويتها، وما يترتب عليه من العقوبة بمخالفة القلوب؛ وذلك نتيجة المخالفة في الصفوف وعدم تسويتها.
أورد النسائي حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يمسح عواتقنا)، أي: بحيث تكون متساوية، يعني: لا يتقدم منكب على منكب، والعاتق هو: أصل المنكب، كما مر في الحديث: (لا يصلين أحد في الثوب الواحد ليس على عاتقه شيء)، يعني: هو المسافة التي بين المنكب والرقبة، فهذا هو العاتق، فمعناه: أن تكون المناكب متساوية، وأيضاً مع تسويته يقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليليني منكم أولوا الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، والمقصود من ذلك أن الإمام يقول: استووا، كما أنه يفعل التسوية بفعله، فكذلك ينبه عليها بقوله، ويرشد إليها بقوله بأن يقول لهم: استووا، والفعل من الإمام إنما يكون فيمن يكون حوله، ومن يكون قريباً منه، أما الصفوف المتباعدة إذا كثرت الصفوف، فإن الذي يفيدهم، ويصل إليهم استووا، هي التي لهم جميعاً، وتصل إلى القريب والبعيد، وأما التسوية بالفعل فإنها لا تتأتى مع كثرة الصفوف، ولكن (استووا) هذه تذهب إلى من يسمع من الصفوف، ومن تصل إليه من الصفوف، فيكون مطلوباً منه أن يحصل منه القيام بالتسوية، التي هي القرب من جاره إلى الجهة التي يكون فيها الإمام، ودون أن يتقدم أحد على أحد، ودون أن يكون هناك فرج وفجوات بين المأمومين، بل كل واحد يقترب من الثاني بحيث لا يكون هناك خلل وفرج، وأيضاً مع الاقتراب لا يكون تقدم ولا تأخر، بل يكون هناك التساوي.
وهو العسكري، وهو ثقة، خرج له مسلم وأبو داود والنسائي، ولم يخرج له الترمذي ولا ابن ماجه .
[حدثنا غندر].
وهو محمد بن جعفر، وهي لقب لـمحمد بن جعفر، ويأتي ذكره أحياناً باسمه وأحياناً بلقبه كما هو هنا، ويأتي ذكره أحياناً يروي عن شعبة غير منسوب، ومحمد بن بشار عن محمد غير منسوب، ومحمد يروي عن شعبة، فالمراد به: محمد بن جعفر الذي هو غندر هذا، وأحياناً يأتي باسمه واسم أبيه: محمد بن جعفر، وأحياناً يأتي بلقبه فقط كما هو هنا، والذي هو غندر، ومحمد بن جعفر ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها كما ذكرنا سابقاً: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن من لا يعرف أن محمد بن جعفر لقبه غندر يظن أن غندر شخص، وأن محمد بن جعفر شخص آخر.
[عن شعبة].
وهو شعبة بن الحجاج الواسطي، الثقة، الثبت، المحدث، الناقد، إمام في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، لقبه الأعمش، ويأتي ذكره باسمه أحياناً كما هو هنا، ويأتي ذكره بلقبه في بعض الأحيان، والحديث هذا سبق أن مر قريباً، وجاء فيه ذكره بلقبه، وهنا جاء ذكره باسمه، وقد مر ذكره بلقبه. وسليمان بن مهران الكاهلي ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عمارة بن عمير].
وهو عمارة بن عمير، وهو أيضاً ثقة، ثبت، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معمر].
وهو عبد الله بن سخبرة، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن أبي مسعود].
وهو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، صحابي جليل، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والحديث سبق أن مر ذكره قريباً.
أخبرنا أبو بكر بن نافع حدثنا بهز بن أسد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: استووا، استووا، استووا؛ فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي)].
إن النسائي أورد هذه الترجمة، يعني: كم مرة يقول: استووا، وأورد فيه حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: استووا، استووا، استووا)، وهذا مطابق لما جاء عنه: ( أنه كان إذا تكلم يعيد الكلمة ثلاثاً لتفهم )، فهذا فيه تكرار هذه الكلمة -التي هي استووا- ثلاث مرات، فيكررها ثلاث مرات، (استووا، استووا، استووا؛ فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري كما أراكم من بين يدي)، وهذا فيه تنبيههم إلى أن حصول اختلافهم أنه يطلع عليه، وأنه يراه، أي: إذا حصل منهم عدم استواء، وعدم تقارب فإنه يراهم من وراء ظهره كما يراهم من أمامه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
الحاصل أن ما ترجم له النسائي -وهو: كم مرة يقول: استووا- أورد الحديث الذي فيه يقول: استووا ثلاث مرات، وهو كما قلت: مطابق لما عرف عنه من تكراره الكلمة ثلاث مرات لتفهم ولتعلم، وقوله: (فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي)، اختلف العلماء في معناه على أقوال عديدة، ومما قيل فيها: إن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى يطلعه على ما لم يطلع عليه غيره، ولهذا أورد البخاري الحديث الذي فيه هذه اللفظة في معجزاته وفي علامات النبوة؛ للدلالة على أن هذه من خصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكيفية ذلك؟ الله تعالى أعلم بالواقع، ومن العلماء من قال: أن الرؤية تحصل بعينه، ومنهم من قال: إنه ينطبع في الجدار صورهم، ومنهم من قال: أنه يكون له عينان من ورائه، أقوال متعددة قيلت في ذلك، ولكن الشيء الواضح البين أن الله تعالى أطلعه، وخصه بما لم يخص به غيره، من اطلاعه ومشاهدته ورؤيته لما يحصل وراءه عليه الصلاة والسلام من الخلل ومن عدم تسوية الصفوف، وقوله هذا فيه بيان لهم بأنهم إذا لم يحصل منهم الامتثال فإنه يراهم ويطلع على ما يحصل منهم من التقصير وعدم تسوية الصفوف.
أبو بكر بن نافع، وهو: محمد بن أحمد، مشهور بكنيته، وهو صدوق، خرج له مسلم والترمذي، والنسائي.
[حدثنا بهز بن أسد].
وهو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد بن سلمة].
وهو حماد بن سلمة بن دينار البصري، وهو ثقة، عابد، أثبت الناس في ثابت البناني، وهنا يروي عن ثابت البناني، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ثابت].
وهو ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو من المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو صحابي خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين منذ قدم المدينة، وقد عمر طويلاً.
الجواب: الحديث الضعيف الذي لا يعمل به: هو الحديث الذي لا ينجبر ولا يعتضد بغيره؛ لأن من الضعف ما هو يسير فيمكن أن يعضد بما هو مثله أو أحسن منه، لكن إذا كان الضعف شديداً فإنه لا يثبت به حكم ولا يعول على ما فيه؛ لأن فيه من وصف بأنه متروك أو فاحش الغلط أو ما إلى ذلك من الصفات التي يرد حديث من جاءت عن طريقه، أما إذا كان الضعف يسيراً؛ بأن يكون عنده شيء من سوء الحفظ، فيأتي ما يجبره ويعضده ويآزره، فعند ذلك يرتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه معمولاً به، وهو الذي يقال له: الحسن لغيره، أي: هو الحديث الذي يتوقف فيه، فلا يجزم بضعفه؛ لأن ضعفه يسير، أو الكلام الذي فيه يسير، أو معه سوء حفظ، لكن إذا وجد ما يسانده ويؤيده فيرتفع من كونه متوقفاً فيه إلى كونه حسناً، لكن حسنه لغيره لا لذاته.
الجواب: لا يشترط، أو ليس بلازم الجمع بينهما، بل إن جمع بينهما فحسن، وإن أتى باللفظ الذي هو ثابت أو ما يؤدي ذلك، مثلما جاء في بعض الآثار: (سووا صفوفكم، وتراصوا فيها)، يعني: جاء بألفاظ ستأتي، فإذا حصل الكلام الذي يؤدي هذا المعنى حصل به المقصود، وإذا جمع بينهما فهو أحسن.
الجواب: أقول: لا أعلم في هذا شيئاً، لا علم لي.
الجواب: الإنسان إذا أتى بما يكفر وبما هو كفر أو واضح أنه كفر يكون كفراً بعد أن يبين له أو ينبه؛ لأنه قد يكون سبق لسان، أو قد يكون من غير قصد؛ فقد يحصل منه سبق لسان، وسبق اللسان كما هو معلوم لا يترتب عليه حكم، مثل قصة الرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، فهذا سبق لسان، فمثل هذا ما يضره ولا يؤثر عليه، وإنما الذي يضر ويؤثر أن يعرض هذا بقلبه، ويعقد عليه بقلبه، ويكون قاصداً إياه، وليس سبق لسان وليس خطأً.
الجواب: إذا كان لا يريد عمرة ولا حجاً فيدخلها بدون إحرام؛ لأن دخول مكة يجوز أن يكون بدون إحرام إذا ما أراد حجاً ولا عمرة؛ لأنه ليس من شرط دخول مكة أن يكون الإنسان محرماً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر المواقيت، قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجاً أو عمرة).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر