إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب الإمامة- (باب خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد) إلى (باب اختلاف نية الإمام والمأموم)

شرح سنن النسائي - كتاب الإمامة- (باب خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد) إلى (باب اختلاف نية الإمام والمأموم)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لا يشرع للإمام التطويل في الصلاة حتى يشق على الناس؛ لأن في ذلك فتنة لهم، وإذا صلى الإمام قاعداً صلى خلفه المأمومون قعوداً، ولا يضر اختلاف نية المأموم ونية الإمام.

    1.   

    خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد

    شرح حديث جابر في خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد.

    أخبرنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن محارب بن دثار، وأبي صالح، عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: (جاء رجل من الأنصار، وقد أقيمت الصلاة، فدخل المسجد، فصلى خلف معاذ رضي الله عنه، فطول بهم، فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد، ثم انطلق، فلما قضى معاذ الصلاة قيل له: إن فلاناً فعل كذا وكذا، فقال معاذ : لئن أصبحت لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى معاذ النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فقال: ما حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله، عملت على ناضحي من النهار، فجئت، وقد أقيمت الصلاة، فدخلت المسجد فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا فطول، فانصرفت فصليت في ناحية المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ)].

    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد.

    المقصود من هذه الترجمة: أنه إذا حصل التطويل الشديد، الذي لا يستطيع معه بعض المأمومين أن يواصل مع الإمام، ثم انفصل عن الإمام وأكمل صلاته وذهب، فقد جاء في حديث جابر بن عبد الله: أن معاذاً رضي الله عنه صلى بالناس، وقد جاء رجل ودخل المسجد، وصلى معه، ثم إنه انفصل عنه في صلاته وأكمل صلاته وانصرف، فأخبر معاذ بما فعل ذلك الرجل، فأخبر معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب ذلك الرجل الذي خرج من الصلاة وسأله: ما الذي حمله على ذلك؟ فقال: إنه كان يعمل على ناضحه، يعني: طول النهار وهو يعمل واقف؛ لأن النواضح هي: الإبل التي يستنبط الماء من البئر عليها، فهو وراءها يسوقها لإخراج الماء، فطول نهاره وهو يسوقها، ثم جاء ودخل، وإذا معاذ يصلي فصلى معه، وقد جاء في بعض الروايات: أنه قرأ بالبقرة، فقال: إنه كان طول النهار وهو يشتغل بالنواضح وأنه طول، يعني: وذلك يشق عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما أخبره، وقال: (أفتان يا معاذ)، يعني: أنكر عليه هذا التطويل الذي حصل منه، وكرر ذلك عليه: أفتان يا معاذ ، يعني: تكون سبباً في فتنة الناس في صلاتهم، وتشق عليهم، وتحملهم ما لا قبل لهم به، ثم أرشده وكان هذا في صلاة العشاء إلى أن يقرأ في بعض السور من قصار المفصل، أو أواسط المفصل، بالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى، وفي هذا دليل على أن مثل هذا العمل إذا حصل من بعض المأمومين عندما يكون هناك التطويل؛ فإن ذلك صحيح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقر هذا الرجل وأنكر على معاذ هذا التطويل الذي قد حصل منه.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في خروج الرجل من صلاة الإمام وفراغه من صلاته في ناحية المسجد

    قوله: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى].

    واصل بن عبد الأعلى، هو: ثقة، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا ابن فضيل].

    ابن فضيل، وهو: محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة.

    وقد ذكرت فيما مضى أنه رمي بالتشيع، وذكرت أن الحافظ ابن حجر ذكر في ترجمته في مقدمة الفتح، أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان ، ومثل هذا لا يقوله الرافضة، بل هم يسبون عثمان، ولا يترحمون عليه، ولا رحم الله من لا يترحم عليه، فهذا يدل على سلامته، يعني: كونه يقول: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان . يدل على سلامته، لكن التشيع الذي يضاف إلى بعض العلماء، منه تقديم أو تفضيل علي على عثمان في الفضل لا في الخلافة، أما الخلافة، فمن قال: إن علياً أولى منه بالخلافة، فإن عمله هذا من أعمال أهل البدع، ويبدع من يفعل ذلك؛ لأن هذا اعتراض على اتفاق الصحابة على تقديمه عليه، لكن كونه يقال: إن علياً أفضل من عثمان، هذا قال به بعض السلف، مثل ابن جرير، ومثل الأعمش، ومثل عبد الرزاق، ومثل عبد الرحمن بن أبي حاتم قالوا: إن علياً أفضل من عثمان، وإن كان جمهور أهل السنة على أن عثمان أفضل، لكن مثل هذه لا يبدع بها، ولا تؤثر، والذهبي رحمه الله في كتابه الميزان أورد أسماء أشخاص ثقات ليس إيراده إياهم لضعف فيهم، بل ليدافع عنهم، وأن يبين أن ما أضيف إليهم ليس عيباً، ولا يستحقون أن يعابوا بهم، وكان من جملة ما ذكر في ترجمة عبد الرحمن بن أبي حاتم في الميزان، قال: أورده أبو الفضل السليماني في كتابه الضعفاء، فبئس ما صنع، عبد الرحمن بن أبي حاتم إمام ابن إمام، والكلام الذي فيه، قالوا: إنه من جهة تفضيل علي على عثمان، وهذا أيضاً لا يؤثر، يعني: هذا معروف عن بعض أهل السنة، وذلك لا يقدح، قد يكون التشيع من هذا القبيل، ولهذا يقول رحمة الله عليه: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان .

    فهذا نسب إليه التشيع، وهذه كلمته، ومثلها الكلمة التي ذكرتها أيضاً عن أبي نعيم الفضل بن دكين، أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية ، فسب معاوية من أسهل ما يكون عند الرافضة، بل الذين هم أخف الشيعة وأعقل الشيعة كما قال شيخ الإسلامابن تيمية الذين هم الزيدية يسبون معاوية، ولا يسبون الشيخين ويسبون معاوية ويتكلمون فيه، وهذا يقول: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية، يقوله الفضل بن دكين أبو نعيم: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية . يعني: معنى هذا أنه سليم مما أضيف إليه، والتشيع الذي فيه هو من قبيل تقديم علي على عثمان رضي الله تعالى عن الجميع.

    و محمد بن فضيل بن غزوان صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الأعمش].

    وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً، وهو مشهور بلقبه الأعمش، واسمه سليمان بن مهران، يأتي ذكره بالاسم، ويأتي ذكره باللقب، وقد ذكرت مراراً: أن من الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة ألقاب المحدثين، وفائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر باسمه ومرة بلقبه، من لا يعرف يظن أن هذا غير هذا، ومن يعلم أن هذا لقب لا يلتبس عليه الأمر.

    [عن محارب بن دثار].

    محارب بن دثار، وهو: ثقة، إمام، زاهد، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    أبو صالح].

    أبو صالح هو: ذكوان السمان، مشهور بالرواية عن أبي هريرة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن جابر]

    هو جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، صحابي ابن صحابي، والده استشهد يوم أحد رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن الصحابة أجمعين، وجابر بن عبد الله أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وهم الذين قال فيهم السيوطي في ألفيته:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر

    وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ

    1.   

    الائتمام بالإمام يصلي قاعداً

    شرح حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الائتمام بالإمام يصلي قاعداً.

    أخبرنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرساً فصرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، فصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)].

    يقول النسائي رحمه الله: باب الائتمام بالإمام يصلي قاعداً، هذه الترجمة المراد بها أن المأموم يوافق الإمام، وأنه في حال كون الإمام يصلي قائماً فهو مثله، وإذا صلى قاعداً، أي: الإمام، فإن المأموم يصلي قاعداً، ولو كان قادراً على القيام للموافقة بين الإمام والمأموم.

    وقد أورد النسائي في هذا حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ركب فرساً فصرع)، يعني: سقط منه، وقع منه (فجحش شقه الأيمن)، يعني: تأثر شقه الأيمن بأن تأثر الجلد، وخرجت القشرة من الجلد، فأصابه ألم من ذلك صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فلم يستطع أن يقوم، فصلى جالساً، وصلى الحاضرون معه وراءه قياماً، فأشار إليهم أن يجلسوا، فجلسوا، وصلوا وراءه جلوساً، ولما فرغ من الصلاة وانصرف إليهم، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، ثم ذكر بعد ذلك الأحوال التي يتابع فيها المأموم الإمام، ثم قال في آخره: (وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون).

    والمقصود من ذلك: أن الإمام إذا صلى قاعداً، فإن المأموم يصلي وراءه قاعداً، وهذا الذي جاء في هذا الحديث من الدلالة على موافقة المأموم الإمام إذا كان صلى قاعداً، بأن يصلي المأموم قاعداً، كان هذا في أول الأمر، يعني: قبل مدة، ولكنه في مرض موته صلى الله عليه وسلم صلى قاعداً، وصلى الناس وراءه قياماً كما سيأتي، فالعلماء اختلفوا في هذا الحكم: هل المأموم يصلي وراء الإمام القاعد قائماً أو قاعداً؟

    فمن العلماء من قال: إن صلاة المأموم قاعداً وراء الإمام القاعد، هذا نسخ بما كان، أو بما حصل في مرض موته صلى الله عليه وسلم، حيث صلى جالساً وأبو بكر على يمينه، وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صلى قاعداً، وصلوا وراءه قياماً، قالوا: فيكون هذا الذي حصل في مرض موته من صلاة المأمومين قائمين وراء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قاعد، يكون ناسخاً لما كان من قبل.

    ومن العلماء من قال: إنه لا نسخ؛ لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن الجمع، والجمع يصار إليه أولاً؛ لأن الجمع فيه إعمال للدليلين، بخلاف النسخ، فإن فيه إعمال للأخير، وإهمال للأول، وعدم الأخذ به، والجمع يكون فيه أخذ بالدليلين، قالوا: فيجمع بينهما بأن الإمام إذا بدأ الصلاة قاعداً، فإنهم يوافقونه ويبدءون الصلاة معه قعوداً، وهذا هو الذي حصل في قصة كونه سقط من فرس، وجحش شقه الأيمن، وصلى بهم جالساً وابتدأ الصلاة جالساً، وهم أرادوا أن يقوموا فأشار إليهم بأن يجلسوا؛ لأنه بدأ الصلاة بهم قاعداً فيبدءون معه قاعدين، وأما في مرض موته عليه الصلاة والسلام، فقد كان إمامهم أبو بكر رضي الله عنه، وقد دخل في الصلاة، والنبي عليه الصلاة والسلام جاء بعدما دخل أبو بكر في الصلاة، فجلس على يسار أبي بكر، فتحول أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأموماً، يعني: إمامه رسول الله عليه الصلاة والسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً، فابتدءوا الصلاة وهم قيام، وإمامهم بدأ بهم الصلاة وهو قائم، الذي هو أبو بكر رضي الله عنه؛ والقعود إنما حصل في أثناء الصلاة بعد أن دخلوا فيها قياماً، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وتحول أبو بكر من كونه إماماً إلى كونه مأموماً، استمروا على صلاتهم قياماً؛ لأنهم بدءوها قياماً.

    قالوا: فيجمع بين الواقعتين التي كانت أولاً، والتي كانت في مرض موته، بحمل الواقعة الأولى على ما إذا ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً، فالمأمومون يصلون وراءه قعوداً، وإذا كان حصل الابتداء قياماً، ثم حصل أمر طارئ، أو حصل كما حصل مجيء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وصلاته بهم إماماً بعد أن بدءوا مع إمامهم أبي بكر قياماً، فإنه يستمر على الصلاة عن قيام؛ لأنهم بدءوا الصلاة قائمين، فيستمر المأمومون وراء إمامهم القاعد الذي وجد منه ذلك بعد أن بدءوا بالصلاة، فإنهم يصلون قياماً، فيكون في ذلك جمع بين الدليلين.

    ثم من العلماء من قال: إن مما يضعف النسخ أن قصة مرض موته عليه الصلاة والسلام كانت مختلفاً فيها، فبعض الأحاديث وهي صحيحة تقول: إن أبا بكر أمام النبي عليه الصلاة والسلام بين يديه، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي خلفه، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم مأموماً، وليس إماماً، ومعنى هذا أن أبا بكر هو الإمام، وقد بدأ الصلاة قائماً وهم معه، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء وجلس وصلى وهو جالس عليه الصلاة والسلام، وبعض الروايات الأخرى وهي صحيحة كما في الكتاب الذي معنا؛ أنه جاء وجلس على يسار أبي بكر، وأنه كان يصلي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، قالوا: فهذا الاختلاف يشعر بالاضطراب، ومثل ذلك لا يقال: إنه ناسخ لحكم ثابت، الذي هو كونهم صلوا جلوساً وراءه صلى الله عليه وسلم لما صرعه الفرس، وصلى قاعداً وصلوا وراءه قعوداً، لكن كما هو معلوم قضية الاضطراب، أولاً لا يصار إليه إلا إذا لم يمكن ترجيح بعض الروايات على بعض.

    وقد ذكر بعض العلماء أن كونه إماماً عليه الصلاة والسلام هي الراجحة، وأنها أرجح من كونه مأموماً، ومنهم من قال: إن القصة متعددة، وأنه حصل في مرض موته أكثر من مرة، وأنه في بعضها كان إماماً، وفي بعضها كان مأموماً. فحاصل الحديث الذي معنا، حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم صلوا وراءه قعوداً، وأنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)، ثم في آخره قال: (وإذا صلى قاعداً صلوا وراءه قعوداً)، فهذا يدل على أن المأموم يأتم بالإمام، إن كان قائماً يصلي قائماً، وإن كان قاعداً يصلي قاعداً، وعرفنا القصة التي حصلت في مرض موته، وعرفنا أن من العلماء من قال بالنسخ، وأن منهم من قال: بالجمع وعدم النسخ.

    تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به...)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    قتيبة هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن مالك].

    مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، المشهور، صاحب المذهب المعروف، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن شهاب].

    وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، يلتقي مع الرسول صلى الله عليه وسلم بجده كلاب، وزهرة أخو قصي بن كلاب، ينسب إلى جده زهرة فيقال: الزهري، وينسب إلى جده شهاب ويقال: ابن شهاب، وجده شهاب هو جد جده الأدنى، وهو إمام، فقيه ومحدث، جليل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.

    [عن أنس].

    هو: أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    وهذا الإسناد إسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي ؛ لأن أعلى ما عنده الرباعيات وليس عنده شيء من الثلاثيات.

    شرح حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: قلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم في مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر ؟ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لـحفصة : قولي له، فقالت له، فقال: إنكن لأنتن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، قالت: فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه، فذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عن يسار أبي بكر جالساً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه)].

    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها في قصة صلاته في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى جالساً، وأن الناس بقوا قياماً كما كانوا قبل أن يأتي إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا ما قيل في التوفيق أو فيما يتعلق بهذا الحديث، والحديث الذي قبله، وأن من العلماء من قال: إن ما في مرض موته ناسخ لما كان في أول الأمر، ومنهم من قال: إنه لا نسخ، وإنما يوفق بينهما بحمل هذا على حالة، وهذا على حالة كما ذكرت ذلك آنفاً، وعائشة رضي الله عنها تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ثقل، وجاءه بلال يؤذنه بالصلاة، قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقالت عائشة : إن أبا بكر رجل أسيف)، يعني: إنه عندما يقرأ يكون عنده رقة ويبكي، فلا يكاد يسمع الناس، وكان قصد عائشة رضي الله عنها من وراء ذلك غير هذا الذي أبدته، يعني: أمر آخر، وهو أن من يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجد الناس ارتياحاً؛ لأن يقوم مقامه أحد لحزنهم على تخلفه عنهم وفقدهم وقوفه أمامهم صلى الله عليه وسلم، فكانت أرادت أن لا يكون أبوها هو الذي يقوم هذا المقام، فأتت بعذر غير هذا الذي أرادته، وهو أيضاً موجود فيه، وهو كونه كثير البكاء، وأنه لا يكاد يسمع الناس من البكاء، والنبي عليه الصلاة والسلام أكد بأن يصلي بالناس.

    قوله: [(إنكن صواحب يوسف)]، المقصود من ذلك يعني: مثل صواحب يوسف اللاتي يظهرن شيء وهن يبطن شيئاً آخر، فـعائشة رضي الله عنها وأرضاها أظهرت شيء، وهو واقع وحاصل، لكن غيره هو الذي يدفعها أكثر، وهو أن من يقوم مقام الرسول عليه الصلاة والسلام لا يرتاح الناس إلى أن يقوم مقامه أحد؛ لحزنهم على فقده وعدم وقوفه أمامهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    فصلى أبو بكر بالناس، (ولما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة)، يعني: وجد شيئاً من النشاط، فأراد أن يذهب، فأتي به (يهادى بين رجلين)، حتى أجلس على يسار أبي بكر، ولما (سمع أبو بكر حسه)، يعني: سمع صوت نفسه، يعني: من شدة المرض، أراد أن يتأخر، فأشار إليه الرسول أن يبقى مكانه، وأمر الذين أتوا به يهادى بينهم أن يجلسوه على يسار أبي بكر، فجلس على يساره، وصلى بهم، وصلى بالناس وأبو بكر يبلغهم، وهم يصلون بصلاة أبي بكر، وأبو بكر يصلي بصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام، بمعنى: أنه يبلغهم، وإمامهم جميعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الرواية واضحة بأن النبي عليه الصلاة والسلام هو الإمام، وليس المأموم، وقد سبق أن مر بعض الروايات التي فيها ما يشعر بأنه مأموم، وقد جمع العلماء بينهما: بأن بعضهم قال: إن فيها تعدد، ومنها من قال: إن القصة واحدة، ولكن من الناس من ظن أنه مأموم، والواقع أنه هو الإمام، والرواية الراجحة أو التي هي أرجح من غيرها، وإن كانت تلك صحيحة: أنه صلى الله عليه وسلم هو الإمام كما جاء في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات.

    عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس).

    وهذا فيه فضل أبي بكر رضي الله عنه، وتقديمه على غيره، وفي هذا إشارة إلى أنه الأحق بالأمر من بعده، وهذا هو الذي فهمه الصحابة، كما سبق أن مر في أول باب من أبواب الإمامة، وهي إمامة أهل العلم، والفضل، وأن أبا بكر رضي الله عنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة، ذهبوا إليهم، وقال لهم عمر رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على من قدمه رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ وقال عمر له: رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر ديننا، أفلا نرتضيك لأمر دنيانا؟ وسبق أن مر بنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قدمه، أو أمر بتقديمه في غير مرض الموت، في قصة ذهابه ليصلح بين بني عمرو بن عوف، وأنه قال النبي صلى الله عليه وسلم لـبلال: أنه إذا جاء وقت الصلاة ولم يحضر، فيصلي بالناس أبو بكر، وهذا في حال صحته، وهو دال على تقديمه، ودال على فضله، وما حصل من تقديمه في مرض الموت دال على أنه الأحق بالأمر من بعده، وهذا هو الذي تم ووقع، واجتمع المسلمون على خيرهم، وأفضلهم أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    فقال صلى الله عليه وسلم: (مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: قلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم في مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر . فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقلت لـحفصة : قولي له، فقالت له، فقال: إنكن لأنتن صواحبات يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمروا أبا بكر، فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة، قالت: فقام يهادي بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه، فذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن قم كما أنت، قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام عن يسار أبي بكر جالساً، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه).

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر

    قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].

    محمد بن العلاء، وهو: أبو كريب الهمداني الكوفي، وهو: ثقة، حافظ، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو: مشهور بكنيته أبو كريب، ومسلم يروي عنه كثيراً، ويذكره بكنيته، وباسمه وكنيته أيضاً، والبخاري يروي عنه، لكنه يذكره باسمه، ويكنيه قليلاً.

    [حدثنا أبو معاوية].

    أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو: ثقة، وهو أثبت الناس في حديث الأعمش أحفظ الناس في حديث الأعمش، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو هنا يروي عن الأعمش .

    [عن الأعمش].

    هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو: ثقة أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والأعمش مشهور بلقبه، ومحمد بن خازم مشهور بكنيته، ومعرفة ألقاب المحدثين وكناهم من الأنواع المهمة في علوم الحديث، وفائدتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، إذا ذكر باسمه مرة وبلقبه أخرى، أو ذكر باسمه مرة وبكنيته أخرى، من لا يعرف يظن أن هذا شخص وهذا شخص، مع أن الذي ذكر باللقب والاسم شخص واحد، والذي ذكر بالكنية والاسم شخص واحد، فهذه فائدة معرفة هذين النوعين من أنواع علوم الحديث، وهي: معرفة الكنى ومعرفة الألقاب.

    [عن إبراهيم].

    إبراهيم، وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، محدث، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن الأسود].

    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو: خال إبراهيم الذي يروي عنه، وهو: ثقة، مخضرم، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق أكثر الصحابيات حديثاً، وهي المرأة التي هي مع ستة من الرجال من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر

    وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ

    فزوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

    شرح حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله قال: (دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب، ففعلنا فاغتسل، ثم ذهب لينوء، ثم أغمى عليه، ثم قال في الثالثة مثل قوله، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر : أن صل بالناس، فجاءه الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً، فقال يا عمر صل بالناس، فقال: أنت أحق بذلك، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فجاء يهادي بين رجلينا، أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعداً، فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فحدثته، فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس ؟ قلت: لا، قال: هو علي كرم الله وجهه)].

    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وسياقه مثل سياق الذي قبله، إلا أن فيه: أنه صلى الله عليه وسلم أغمي عليه، وأفاق، وطلب أن يوضع له ماء في وعاء اسمه المخضب، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، يعني: يقوم، فلم يستطع فأغمي عليه، ثم لما أفاق طلب أن يوضع له ماء في ذلك الوعاء، فوضع له فاغتسل، وعندما فعل ذلك ثلاث مرات، وهو يقول: (أصلى الناس؟ فقالوا: لا، وهم عكوف ينتظرونك)، فأمرهم بأن يبلغوا أبا بكر بأن يصلي بالناس، فصلى بهم ودخل في الصلاة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي به يهادى بين الرجلين، حتى جلس على يسار أبي بكر، وصلى بالناس وأبو بكر يصلي قائماً يبلغ الناس صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

    عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود سأل عائشة أن تخبره عن مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحدثته بهذا الحديث، ثم إنه لقي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقال: ألا أعرض عليك ما حدثتني به عائشة من مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، فعرضه عليه، فلم ينكر منه شيئاً، يعني: معناه أنه أقر هذا الذي ذكره عن عائشة، إلا أنه أضاف إلى ذلك شيئاً، وهو أنه قال: (أسمت لك الرجل الثاني الذي كان مع العباس ؟ قال: لا، قال: هو علي كرم الله وجهه)، هكذا في هذه العبارة كرم الله وجهه، والحديث في صحيح البخاري وفي غيره، هو مثل هذا السياق، وليس فيه ذكر: كرم الله وجهه، وهذه العبارة كثيراً ما يأتي ذكرها عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وكذلك أيضاً جملة: عليه السلام، يؤتى بها عند ذكره، وعند ذكر الحسن، والحسين، وفاطمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وليس هذا من عمل الصحابة، أو من كلام الصحابة، أو من كلام التابعين، وإنما هذا من نساخ الكتب كما ذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، فإنه قال: إنه يأتي عند ذكر علي رضي الله عنه: عليه السلام، وأحياناً يأتي كرم الله وجهه، قال: وهذا من عمل النساخ، نساخ الكتب، عندما يأتي ينسخ ويأتي الاسم يضيف إليه هذه الكلمة أو هذه الجملة: كرم الله وجهه، أو عليه السلام، قال: لا يخصص أحد من الصحابة بشيء دون غيره، وإنما الصحابة يعاملون معاملة واحدة، والذي جرت عليه عادة السلف أنهم يترضون عن الصحابة جميعاً، ويترحمون على من بعدهم، فصار العرف السائد عند السلف في الدعاء للصحابة عندما يذكر الصحابي أن يقال: رضي الله تعالى عنه، أما: (كرم الله وجهه) في حق علي رضي الله تعالى عنه، وكذلك عليه السلام الذي يأتي ذكره في كثير من الكتب، هذا كما قال ابن كثير: من عمل النساخ، وليس من أصل الحديث، أو رواية الراوي، والحديث في البخاري وفي غيره ليس فيه ذكر كرم الله وجهه، وإنما ذكر علي أو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة النبي بأبي بكر وصلاة الناس بصلاة أبي بكر من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا العباس بن عبد العظيم العنبري].

    العباس بن عبد العظيم العنبري، البصري، وهو: ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].

    وهو بصري ثقة، ثبت، عالم بالرجال والحديث. حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الرجلين اللذين قال فيهما الذهبي يعنيه ويعني يحيى بن سعيد القطان: إذا اجتمعا على جرح شخص فهو لا يكاد يندمل جرحه، يعني: أنهما يصيبان، وأنهما لا يخطئان.

    [حدثنا زائدة].

    زائدة، هو: زائدة بن قدامة أبو الصلت، وهو: ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن موسى].

    هو موسى بن أبي عائشة، وهو: ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبيد الله بن عبد الله].

    هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وهو: أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    والحديث يرويه عن عائشة، وعن ابن عباس ؛ لأنه رواه عن عائشة، ثم إنه ذكره وما أنكر منه شيئاً، إلا أنه قال: أسمت لك الرجل الثاني؟ فقال: لا، قال: هو علي، ثم إن عدم ذكر عائشة لـعلي رضي الله تعالى عنه ؛ لأن في نفسها عليه شيء، ولعل من أسباب ذلك أنه في قصة الإفك كما جاء في الصحيح، عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وعلي بن أبي طالب، أسامة بن زيد أشار عليه بأن يبقي عليها؛ وأنهم أهلك وما ذكر عنهم إلا الخير، أما علي رضي الله عنه فإنه قال: النساء غيرها كثير، يعني: أشار عليه بأن يطلقها، والنساء كثير، فلعلها وجدت في نفسها عليه، يعني: بسبب ذلك، مع أنها رضي الله تعالى عنها وأرضاها ذكرته بخير، وأثنت عليه في بعض المواضع كما جاء في حديث المسح على الخفين في السفر، عندما سألها رجل عن مسح رسول الله أو مدة المسح، قالت: اذهب إلى علي فإنه أعلم مني بذلك؛ لأنه يصاحبه في السفر، فهي أثنت عليه، وأرشدت الذي سألها أن يذهب إليه رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فعدم ذكرها إياه، وذكرها للعباس وقالت: ورجل آخر، لعل ذلك بسبب ما أشار به على الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يطلقها لما استشاره، وأسامة بن زيد أمره بأن يبقي عليها، وقال: إنه ما يعلم عنها إلا الخير، وعلي رضي الله عنه أشار بأن يطلقها رضي الله تعالى عن الجميع.

    1.   

    اختلاف نية الإمام والمأموم

    شرح حديث: (يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [اختلاف نية الإمام والمأموم.

    أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع إلى قومه يؤمهم، فأخر ذات ليلة الصلاة، وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى قومه يؤمهم، فقرأ سورة البقرة، فلما سمع رجل من القوم تأخر فصلى ثم خرج، فقالوا: نافقت يا فلان، فقال: والله ما نافقت، ولآتين النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، إن معاذاً يصلي معك، ثم يأتينا فيؤمنا، وإنك أخرت الصلاة البارحة فصلى معك، ثم رجع فأمنا، فاستفتح بسورة البقرة، فلما سمعت ذلك تأخرت فصليت، وإنما نحن أصحاب نواضح نعمل بأيدينا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ، أفتان أنت اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: اختلاف نية الإمام والمأموم، ومقصوده: أن هذا نيته أنه متنفل، وهذا نيته أنه مفترض، فهناك اختلاف في النية بين الإمام، والمأموم، الإمام يصلي متنفلاً، والمأموم يصلي مفترضاً، وهو أطلق الترجمة، وهي: تحتمل العكس، وهي المتنفل بالمفترض، لكن ما أورد تحت هذه الترجمة إلا حديثين، هما في صلاة المفترض خلف المتنفل، لكن جاءت أحاديث تدل على العكس، وهو أن المتنفل يصلي خلف المفترض، ومن ذلك الحديث: (في صلاته صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف في منى، فلما فرغ من صلاته وإذا برجلين قد جلسا لم يصليا، فدعا بهما، فأتي بهما ترتعد فرائصهما، فقال: ما لكما لم تصليا؟ قالا: إنا صلينا في رحالنا، قال: إذا صليتما وأتيتما والإمام لم يصل فصليا معه تكون لكما نافلة)، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن المتنفل يصلي وراء المفترض، بل وفي وقت النهي؛ لأن هذه صلاة الفجر، وأمرهم بأن يصلوا نافلة، يعيدوا الصلاة يعني: جماعة نافلة، وكان ذلك يعتبر وقت نهي بالنسبة لهما؛ لأنهما صليا الفجر، لكن هذا يدل على أن ذلك سائغ، ومن ذلك أيضاً قصة الأحاديث التي مرت: (في الصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة، فقال: صلوها في وقتها، ثم صلوا معهم تكن لكما نافلة)، يعني: هذا متنفل خلف المفترض، يعني: صلاة هؤلاء الذين يصلون معهم متنفلون خلف مفترضين، فاختلاف نية الإمام والمأموم؛ بأن يصلي المفترض خلف المتنفل جاءت به السنة، كما ذكره المصنف، وعكس ذلك أيضاً جاءت به السنة كما ذكرت في هذه الأحاديث.

    وقد أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه في قصة صلاة معاذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجوعه إلى قومه وصلاته بهم، وأنه طول بهم يوماً، وقرأ بهم سورة البقرة، فجاء رجل وصلى وراءه، ثم إنه لما طول تأخر وصلى، وقيل له: إنك نافقت، فقال: إنه سيخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما أخبره بذلك قال لـمعاذ: (أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وبسورة كذا)، أرشده إلى سورة يقرأ بها، جاء في بعض الروايات: أنها (سبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، وسور من المفصل)، والحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن هؤلاء الذين يصلي بهم معاذ هم مفترضون وهو متنفل، هو متنفل وهم مفترضون، والنية مختلفة بين الإمام والمأموم.

    تراجم رجال إسناد حديث: (يا معاذ أفتان أنت؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)

    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

    محمد بن منصور، وهو الجواز المكي، ثقة، خرج حديثه النسائي .

    قوله: [حدثنا سفيان].

    وهو ابن عيينة، وهو ثقة، ثبت، حجة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عمرو بن دينار ].

    هو عمرو بن دينار ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [ سمعت جابر بن عبد الله ].

    جابر بن عبد الله الأنصاري.

    صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    الأسئلة

    المقصود بالبحر في البيت الذي يعدد المكثرين من رواية الحديث النبوي

    السؤال: وأنس والبحر كالخدريِ وجابر وزوجة النبيِ، فمن المراد بقوله: والبحر؟

    الجواب: البحر والحبر المراد به ابن عباس .

    مسخ من يسابق الإمام في الصلاة بين عقوبة عاجل الدنيا وآجل الآخرة

    السؤال: لماذا لا نقول: أن يحول رأس من رفع رأسه قبل الإمام رأس حمار على حقيقته في يوم القيامة؟

    الجواب: العلماء ذكروا أن هذا في الدنيا، وأن هذا يكون مسخ، وهذه عقوبة عاجلة تحصل في الدنيا، فيكون فيه خزي عاجل.

    حكم تأخير الجنازة ليكثر المصلون

    السؤال: جهز ميت في الساعة التاسعة صباحاً، فهل الأفضل أن يصلى عليه ويدفن في الحال أو ينتظر لصلاة الظهر ثم يصلى عليه؟

    الجواب: الأمر في ذلك واسع، الساعة التاسعة قريبة من الظهر، يعني: إذا ذهب به وعجل فذلك خير، وإن أخر ليكثر المصلون عليه، ففي ذلك خير إن شاء الله.

    مدى ثبوت رواية مسلم في تسليم الذي انفصل عن معاذ في الصلاة لطولها

    السؤال: في صحيح مسلم: أن الرجل الذي صلى خلف معاذ سلم من صلاته، فهل إذا خرج الإنسان من الصلاة يسلم أو بدون سلام؟

    الجواب: لا، أنا ما أعلم أنه سلم من صلاته، يعني: معناه أنه قطعها ثم صلى من جديد، إذا سلم معناه أنه يصلي من جديد، وهو انصرف وصلى في ناحية المسجد، يعني: انفصل منه وأكمل صلاته، فإذا كان هو سلم، معناه أنه يستأنفها من جديد، ومن المعلوم أن الدخول في الصلاة هو صحيح، ويبنى عليه، إذا لم يستطع أن يواصل ينفصل ويكمل، لكن أنا لا أدري أن في صحيح مسلم في غير هذا الحديث إذا كان في حديث من طريق آخر، أما هذا الحديث الذي ذكرته في صحيح مسلم الذي فيه حطان بن عبد الله الحديث الطويل، ليس فيه أنه سلم، إلا أن يكون في رواية أخرى وأنا لا أدري.

    معنى العبارة: إن أحببت أن تستمتع ببصرك فلا تنظر بعد العصر في كتاب

    السؤال: روى الذهبي في التذكرة عن قتيبة قال: كتب لي علي بن حجر: إن أحببت أن تستمتع ببصرك فلا تنظر بعد العصر في كتاب، يقول: ماذا يقصد الإمام في هذه العبارة؟

    الجواب: معناه واضح، يعني: كونه يخصص في الأصل أنه ما يطالع الإنسان، ما أعرف لذلك وجهاً، يعني: معناه أنه لا يقرأ أو ينظر في كتاب بعد العصر، يعني: معناه أن هذا سبب في بقاء البصر وسلامته واستمراره، ولكن مثل هذا يحتاج أولاً: إلى ثبوته عن قتيبة، وعلي بن حجر، وعلي بن حجر هو الذي كتب إلى قتيبة، ثم الأمر الثاني: هذا من الأمور التي ما تقال من قبل الرأي، يعني: ما أعرف له وجهاً.

    اسم أبي سلمة

    السؤال: يقول: ما اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن ؟

    الجواب: قيل عبد الله، وقيل إسماعيل.

    فضل الصحابة على غيرهم

    السؤال: هل جنس الصحابة أفضل مثلاً من الأئمة الأربعة أو غيرهم، أم أفرادهم أفضل من بعض، مثلاً الإمام أحمد هل يكون أفضل من بعض الصحابة؟

    الجواب: لا أبداً، المعروف عن أهل السنة أن أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد سواه، يعني: معناه أن التفضيل إنما هو للجميع، يعني: معناه أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد ممن بعدهم، ونقل عن ابن عبد البر أنه قال بخلاف هذا القول، وهو أن التفضيل للمجموع لا للجميع، وأنه قد يكون في غير الصحابة من هو أفضل من من واحد من الصحابة، لكن هذا خلاف المشهور من مذهب أهل السنة، الذي هو أن أي واحد من الصحابة أفضل من أي واحد سواهم.

    مدى ثبوت رواية الأعرج عن غير أبي هريرة

    السؤال: هل روى الأعرج عن غير أبي هريرة من الصحابة؟

    الجواب: ما أذكر، لكن يمكن أنه يعرف هذا بترجمة الأعرج، يعني: يذكر في ترجمته روى عن فلان وفلان وفلان، إذا كان روى عن غير أبي هريرة يقال: روى عن فلان من الصحابة، ينظر يعني: السائل يرجع إلى ترجمته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985743