أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت عن يساره، فأخذني بيده اليسرى فأقامني عن يمينه) ].
يقول النسائي رحمه الله: الجماعة إذا كانوا اثنين، الجماعة أقلها اثنان: إمام، ومأموم، والمأموم في هذه الحال يكون عن يمين الإمام، ولا يكون عن يساره، وقد أورد النسائي في هذا حديث: ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أنه صلى مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الليلة التي بات فيها عند خالته
وفيه أيضاً: أن الإنسان إذا دخل وحده، ثم جاءه غيره ودخل معه، فإنه يتحول، أو يصير إماماً لوجود هذا الذي جاء، ودخل معه في الصلاة، فهو دخل في الصلاة على أنه منفرد، وفي أثنائها صار إماماً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قام من الليل، ودخل في الصلاة، ثم إن ابن عباس قام وتوضأ، ثم جاء ووقف عن يساره، فأداره إلى يمينه، ففيه الدلالة على أن الذي يصلي وحده، إذا جاء غيره، ودخل معه في الصلاة، فيصير إماماً، وذلك الداخل يصير مأموماً، وفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه ابن عباس في هذه الواقعة يدل على هذا الشيء، ويدل على أن موقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، وعلى أنه لو صلى عن يساره، فإن الصلاة صحيحة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقره على ما بدأه من الصلاة، ولم ينبهه إلى أنه لابد من استئنافها عن يمينه، بل اعتبر ما كان عن يساره، وإنما أداره إلى يمينه حيث تحول إلى جهة اليمين، وأقره على الفعل السابق الذي كان على جهة اليسار، فلو حصلت الصلاة عن جهة اليسار صحت، ولكن فيها مخالفة للسنة، واعتبار ما مضى قبل الإدارة من ورائه يدل على صحة ذلك، وعلى حصول ذلك.
وهو المروزي، راوية عبد الله بن المبارك، ولقبه الشاه، وهو ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله بن المبارك المروزي].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو أيضاً مروزي، وهو ثقة، جواد، مجاهد، ذكر الحافظ ابن حجر في التقريب جملة من خصاله وصفاته الحميدة، وعقبها بقوله: جمعت فيه خصال الخير.
فهو من العباد، المجاهدين، الثقات، الأثبات، وقال عنه بعض العلماء: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، أي: أكبر من أن يقال فيه: ثقة، ثقة قليلة عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
وهو ابن أبي سلمان، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عطاء].
وهو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، فقيه، فاضل، كثير الإرسال، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، قيل: إن الذين عرفوا بالتلقيب بأبي العباس شخصان، أحدهما: عبد الله بن عباس، والثاني: سهل بن سعد الساعدي، فهذان الاثنان من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، قيل عنهما: إنهما هما اللذان يكنيان بهذه الكنية، وهي: أبو العباس، وعبد الله بن عباس هو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم؛ لأن الذين يسمون بعبد الله من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام كثيرون، ولكن الذين اشتهروا بهذا اللقب، وهو العبادلة الأربعة، هؤلاء الصحابة الأربعة من صغار الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وهم من صغار الصحابة، وسبق أن مر في ترجمة سابقة قريباً قول النسائي: [الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل، وصبي، وامرأة]، والمراد بالصبي عبد الله بن عباس ؛ وذلك أنه في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام، وقارب البلوغ، فهو من صغار أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
والأربعة متقاربون، وليس منهم عبد الله بن مسعود ؛ لأن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ممن تقدمت وفاته، وهو من كبار الصحابة، وأما الأربعة فهم متقاربون في السن، وعاشوا وأدركهم الكثير ممن لم يدرك ابن مسعود ؛ لأن ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وأيضاً عبد الله بن عباس هو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم ستة من الرجال، وامرأة واحدة، الستة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، هؤلاء الستة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، والسابع امرأة، وهي: أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
أورد النسائي في هذه الترجمة، وهي: (الجماعة إذا كانوا اثنين) حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالناس الصبح، فقال: (أشهد فلان الصلاة؟ قالوا: لا، قال: ففلان؟ قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين)، يريد الصبح ويريد العشاء، الصبح التي هي الحاضرة، والعشاء التي هي قبلها، وهي فيها شبه بها من حيث أنها تقع في الليل، والعشاء تقع في أول الليل، حيث يكون الناس بحاجة إلى النوم، ولهذا جاء في الحديث: (وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها)، يكره النوم قبلها؛ لأنه يؤدي إلى النوم عن صلاة العشاء وفواتها جماعة، وكذلك أيضاً صلاة الفجر تقع عندما يطيب الفراش، وعندما يتلذذ النائم بالنوم، ويطيب له النوم، فيجد في منامه الراحة واللذة، ولهذا يأتي في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم، يعني: هذا النوم الذي تدركون لذته، وتدركون حسنه، والارتياح إليه، ما تدعون إليه وهو الصلاة خير من هذا الذي طاب لكم، ولذ لكم، وأنستم به، وارتحتم إليه، فصلاة العشاء تقع في أول الليل بعدما يكون الناس في تعب ونصب في النهار، يحتاجون إلى النوم فينام المنافقون عن الصلاة، وكذلك في آخر الليل يكون الفراش قد طاب ولذ وصار النوم لذيذاً؛ لأن الإنسان مغرق في النوم، ومتمكن من النوم، فلهذا كانت هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، وكل الصلوات ثقيلة؛ لأن قوله: [ن هاتين الصلاتين من أثقل]يدل على أن غيرهما ثقيل، ولكن هاتان الصلاتان فيهما زيادة ثقل، وفيها كثرة الثقل على المنافقين، ففيه أفعل تفضيل، أثقل الصلاة على المنافقين هاتان الصلاتان، إشارة إلى الحاضرة، وإشارة إلى الصلاة التي قبلها، والتي هي متصلة بها من حيث الوقت الذي هو الاضطراري، وكون هذه تقع في أول الليل، وهذه تقع في آخر الليل عندما يطلع الفجر، ويحسن النوم في هاتين الصلاتين.
وقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه بالنفاق؛ لأن صلاة العشاء، وصلاة الفجر هي أثقل الصلاة على المنافقين كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ثم بين عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء المنافقين لو يعلمون ما فيهما من الأجر، أي: هاتين الصلاتين، لأتوهما، ولو حبواً: ولو كانوا يحبون على الركب، وعلى الأيدي من شدة المرض، لو كانوا يعلمون الأجر الذي فيهما لحرصوا على الإتيان جماعة، وهذا الحديث يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لأنها لو لم تكن واجبة لما حصل فيها هذا الوعيد، وبيان أن هذا من صفات المنافقين، لو كان الأمر سهلاً، وهيناً، الذي يصلي يصلي، والذي يتأخر يتأخر، ما جاء فيها هذا الذي جاء، لكن لما جاء علم بأنها واجبة؛ لأن كونها أثقل الصلاة على المنافقين يعني أن الصلوات ثقيلة على المنافقين، ثم أيضاً كون أنهم لو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما، ولو حبواً.
وأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا يعلمون ما فيهما من الأجر، ويعلمون ما في صلاة الجماعة من أجر، ولهذا كان الواحد يصيبه المرض ويشتد به وهو معذور، فله أن يصلي في بيته، ولكن نفوسهم لا تسمح لهم أن يبقوا ويصلوا في بيوتهم، وإنما يأتون إلى المساجد، وفيهم من المشقة ما فيهم، حتى أن الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، كما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى لهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.
وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال كما أسلفت: كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه، أي: اتهمناه بالنفاق، هذا إذا فقدوه في المسجد، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة واجبة؛ لأنها لو لم تكن واجبة ما كان هذا الترهيب، وهذا والوعيد، وبيان أن هذه أحوال المنافقين، ثم أيضاً أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم كونهم يتهمون بالنفاق من يرونه متخلفاً عن صلاة العشاء، وكون الواحد منهم يصيبه المرض، ثم لا تسمح نفسه أن يصلي في بيته، بل يؤتى به يهادى بين الرجلين.
وفي أول الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟)، وهذا يدلنا على جواز عد الناس في صلاة الصبح؛ ليعرف من حضر ومن تخلف، كما هو معمول به في بعض البلاد، حيث أنه بعد أن ينتهى من صلاة الصبح ينادى الناس بأسمائهم؛ لأن من يخشى عليهم التخلف هم إما لكونهم مثلاً شباباً، أو ممن يغلب النوم عليهم، فيكون ذلك دافعاً وحافزاً لهم إلى أن يحضروا المساجد؛ لأن هذا الحديث يدل على جواز هذا العدد الذي يكون في المساجد بعد الصلوات، قول الرسول: (أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟)، معناه: تسمية الناس بعد الصلاة، ومعرفة من حضر ومن لم يحضر، وفيه حفز للهمم، وابتعاد عن التخلف، ومن المعلوم أن الإنسان يستحي من الله، ويستحي من خلق الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
قوله: [(والصف الأول على مثل صف الملائكة) ].
المراد بذلك أن الملائكة تصف عند الله عز وجل، ويكملون الصف الأول فالأول، وخير الصفوف وأفضل الصفوف هو الأول منها التي هي صفوف الملائكة، وكذلك صفوف المصلين، والرسول عليه الصلاة والسلام كما مر بنا في الحديث، قال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قالوا: وكيف تصف؟ قال: يتمون الصف الأول فالأول، ويتراصون في الصفوف)، فالصف الأول الذي يلي الإمام هو مثل الصف الأول من صفوف الملائكة الذي هو أولها، فإن هذا فيه مشابهة ومماثلة، وفيه بيان عظم الأجر لمن يصلي في الصف الأول؛ لأنه مماثل لأول صفوف الملائكة عند الله عز وجل.
قوله: [(ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه)].
أي: لو يعلم الناس فضيلته لسارعوا إليه، وبادروا إليه، وهذا مثل الحديث الآخر الذي في معناه، ويدل على ما دل عليه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، أي: يعملون قرعة، أي: كونهم يصلون دفعة واحدة، وكل واحد ما يسمح للثاني، فتفصل بينهم القرعة.
قوله: [(وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده) ].
وهذا هو محل الشاهد من إيراد هذا الحديث الطويل في الترجمة: الجماعة إذا كانوا اثنين، هذا محل الشاهد من هذا الحديث الطويل، قوله: (وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته وحده)، أزكى، يعني: أفضل، وأعظم أجراً من صلاته وحده، وصلاته مع الاثنين أزكى من صلاته مع الواحد.
قوله: [(وما كان أكثر فهو أحب إلى الله)].
كلما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل، وهذا يدلنا على أن الجماعة كلما كثرت كلما كان أفضل، المسجد الذي تكثر فيه الجماعة، هذا يدل على فضيلته، وهذا فيه أيضاً دليل على اتصاف الله تعالى بالمحبة، وأن الله تعالى يحب من شاء من عباده، ويحب ما شاء من الأفعال والأعمال، فإن هذه الصلاة التي يكثر العدد فيها، كلما كان العدد أكثر فإنه أحب إلى الله عز وجل، وفيه أيضاً حصول التفاوت في محبة الله تعالى؛ لأن قوله: أحب إلى الله، أي: معناه أن الأعمال المحبوبة عند الله متفاوتة، وبعضها أحب إليه من بعض.
ومن المعلوم أن إثبات المحبة لله عز وجل، وغيرها من الصفات، كله على نسق واحد، وعلى طريقة واحدة، كل ما ثبت به الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل يجب الإيمان به على الوجه اللائق بكمال الله، وجلاله دون تشبيه لله بخلقه، ودون تعطيل للصفات، أو نفي، أو تأويل لها، بل يجب إثباتها، وعدم التعرض لها بتشبيه، أو تكييف، أو تحريف، أو تعطيل، بل كلها تثبت على حد قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فأثبت لنفسه السمع، والبصر، ونفى المشابهة، ونفى مشابهته لشيء من خلقه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
هو البصري، وكنيته أبو مسعود، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، وقد ذكرت فيما مضى: أن من أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بكنيته مع اسمه، فإن من يعرف اسمه، ونسبه، ولا يعرف كنيته، يظن أنه لو جاء بالاسم، والكنية، أن هناك تصحيف بين (ابن)، و(أبو)، وأن (ابن) صحفت، وتحولت إلى (أبو)، ومن يعرف أن الكنية مطابقة لاسم الأب لا يلتبس عليه الأمر، ولا يظن هذا الظن: أن في اللفظ تصحيفاً.
[عن خالد بن الحارث].
وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وهو ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، الهمداني نسبة عامة، والسبيعي نسبة خاصة؛ لأن سبيع هم بطن من همدان، وجزء من همدان، ولكنه مشهور بالنسبة الخاصة، وهي السبيعي، ومشهور بكنيته، فهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بصير].
وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن أبيه].
هو أبو بصير العبدي الكوفي الأعمى، وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، وهو: كابنه، ويذكر شعبة عن أبي إسحاق: أن أبا إسحاق رواه عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه، ورواه عن أبيه، معناه أن الحديث يرويه أبو إسحاق من طريقين: من طريق عالية، ومن طريق نازلة، من طريق نازلة، وهي أن بينه وبين أبي بصير واسطة وهو ابنه، ومن طريق عالية، وهي أنه يروي عن أبي بصير مباشرة وبدون واسطة.
إذاً: هو بإسناد عالٍ، وبإسناد نازل، وهذا يحصل فالمحدث قد يسمع الحديث بطريق نازلة، ثم يظفر بالطريق العالية فيروي بها، فيجيء عنه مروياً بالطريق النازلة، ويجيء مروياً بالطريق العالية، ولكن الرواية النازلة عنه غالباً ما تكون في الأول، ولكنه بعد ذلك، أي: الذي رواه نازلاً، يظفر به عالياً، فيرويه بدون واسطة، ويرويه بالواسطة اعتباراً بالحالين اللتين حصل بهما الرواية، كونه حصله نازلاً فرواه نازلاً، ثم بعد ذلك ظفر به عالياً فرواه عالياً.
[عن أبي بن كعب].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي وصف بأنه سيد القراء، وهو من فضلاء الصحابة، وهو الذي جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1]، قال: وسماني لك؟ قال: نعم، فبكى أبي من الفرح)، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذه منقبة من مناقبه؛ كون الله عز وجل أمر نبيه أن يقرأ على أبي سورة: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا [البينة:1].
أخبرنا نصر بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن محمود عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله، إن السيول لتحول بيني وبين مسجد قومي، فأحب أن تأتيني فتصلي في مكان من بيتي أتخذه مسجداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنفعل، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أين تريد؟ فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه، فصلى بنا ركعتين) ].
أورد النسائي: الجماعة في النافلة، والمقصود من ذلك أن النافلة يجوز أن تصلى جماعة، ولكن هذا في بعض الأحيان؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يداوم على هذا، وإنما يفعله في بعض الأحيان، فهذا يدل على أنه إذا وجدت النافلة في بعض الأحيان من غير ملازمة فإن ذلك سائغ، ويدل عليه هذا الحديث الذي هو حديث عتبان بن مالك، ويدل أيضاً على هذا حديث ابن عباس المتقدم قريباً، حيث بات عند خالته ميمونة، وقام الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، وقام ابن عباس وتوضأ، وصف عن يساره فأداره عن يمينه، فهذه صلاة الجماعة في النافلة، فهذا يدل على جواز ذلك في بعض الأحيان، دون أن يتخذ سنة، وطريقة، وأن يلازم، وأن يداوم عليه؛ لأنه لم يعرف ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، أنه جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إن السيول تحول بيني، وبين مسجد قومي، وكان يصلي بقومه، وهو أعمى، قد سبق أن مر في إمامة الأعمى، فطلب منه أن يأتي ليصلي في مكان في بيته يتخذه مصلى، يعني: يتبرك بكون الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في موضع من بيته، ويبدأ الصلاة فيه، فيتخذ ذلك مسجداً يصلي فيه، وهذا التبرك وهذا العمل هو خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يفعل هذا مع غيره، كأن يطلب من أحد أن يأتي، ويصلي في مكان ليتبرك بصلاته، وبمكان صلاته؛ لأن هذا التبرك خاص بشخصه عليه الصلاة والسلام، مثل التحنيك، وكذلك تبركهم بعرقه، وبصاقه، وشعره، وما إلى ذلك من بعض الأشياء التي يمسها جسده عليه الصلاة والسلام، فهذه من خصائصه، فلا تفعل مع أحد سواه عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر الشاطبي في (الاعتصام): أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما لم يفعلوا هذا مع أحد من بعده، علم أن هذا خاص به، أي: التبرك بجسده، وما لمس جسده، وما مس جسده عليه الصلاة والسلام، هذا من خصائصه، فهو طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي، ويصلي في مكان يتخذه مصلى، فيما إذا حصل مجيء السيول، وحالت بينه، وبين المسجد، إذا سال الوادي، ولم يتمكن من الذهاب إلى المسجد بسبب السيل، فإنه يصلي في بيته، وفي هذا المكان الذي صلى فيه رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فقال: سنفعل، أي: وافق وأنه سيأتي إليه، ونفذ رسول الله عليه الصلاة والسلام ما وعد به، ولما جاء إليه قال له: أي مكان تريد؟ فأشار إلى المكان الذي يريد أن يصلي فيه، فصلى وصلوا وراءه، وهذا هو محل الشاهد، كونهم صلوا وراءه في هذه المكان، وهي صلاة نافلة، ففيه الجماعة في النافلة، وهو دال على جوازها في بعض الأحيان، وليس دائماً، ولا يتخذ سنة، وطريقة؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذي هو المداومة، والملازمة.
وهو نصر بن علي، أي: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده واسم أبي جده، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه، مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، كل هؤلاء شيوخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة، وهذان الاثنان، أو هذا الرجل مما جاء فيه اسمه، واسم أبيه مكرراً مع اسم جده، وأبي جده؛ لأنه نصر بن علي بن نصر بن علي، الاثنان مكرران، ومثل هذا خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، أي: يتكرر الاسم واسم الأب مع اسم الجد، واسم أبيه.
[حدثنا عبد الأعلى].
وهو عبد الأعلى بن عبد الأعلى اسمه يوافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
وهو ابن راشد الأزدي البصري، وهو شيخ عبد الرزاق بن همام، وهو الذي يأتي، وهو الذي يروي عنه عبد الرزاق صحيفة همام بن منبه، وهي من طريق معمر عن همام، فـمعمر هذا هو معمر بن راشد، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، وهو منسوب إلى جده زهرة بن كلاب يقال له: الزهري، كما أنه ينسب إلى شهاب فيقال ابن شهاب، وهو محدث، فقيه، وإمام جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله، وهو من صغار التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمود].
هو محمود بن الربيع الأنصاري، وهو من صغار الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عتبان بن مالك].
وهو الأنصاري الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود في مسند مالك، وأخرجه أيضاً النسائي، وابن ماجه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر