أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن زائدة بن قدامة حدثنا السائب بن حبيش الكلاعي عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال لي أبو الدرداء رضي الله عنه: أين مسكنك؟ قلت: في قرية دوين حمص، فقال أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)، قال السائب: يعني بالجماعة: الجماعة في الصلاة].
يقول النسائي رحمه الله: التشديد في ترك الجماعة.
عقد النسائي هذه الترجمة يريد بها التنبيه على عظم شأن صلاة الجماعة والاهتمام بها، وأن المسلم يحرص على أداء الصلاة في جماعة، ولا يتخلف عن الصلاة في جماعة؛ لأن شأنها عظيم، والنصوص جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان أهميتها، وفي عقوبة المتخلف عنها.
وقد أورد النسائي حديث أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال معدان بن أبي طلحة: قال لي أبو الدرداء: أين مسكنك؟ فقلت: قرية دوين حمص، يعني: قريبة منها، ودوين: تصغير دون؛ لأنها قريبة جداً من حمص، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأخذ الذئب من الغنم القاصية).
فـأبو الدرداء سأل معدان بن أبي طلحة عن مسكنه، فأخبره أنه في قرية قريبة جداً من حمص، فأرشده إلى أن الجماعة واجبة ولازمة، وأن على كل أهل قرية وكذلك كل بدو يرتحلون وينتقلون من مكان إلى مكان وينزلون في مكانٍ معين من الفلاة، أن يصلوا جماعة، ولا يصلي كل واحد وحده، وقد أسند إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما من ثلاثةٍ في قرية ولا بدو)، أي: سواء كانوا من أهل القرى، أو من أهل البادية، يعني: إذا كانوا ثلاثة ولا تقام فيهم الجماعة استحوذ عليهم الشيطان، يعني: استولى عليهم، وتغلب عليهم، وصاروا من أوليائه، وممن يكونون حوله، فحصل لهم الضرر، وصاروا منقادين له، أو أتوا بما يريده الشيطان من الفرقة وترك الجماعة، وعدم الإتيان بالصلاة في جماعة.
ثم إنه قال: (فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، قوله: (عليكم بالجماعة)، هذه يمكن أن يكون المراد بها: جماعة المسلمين عموماً، وأن الإنسان يكون مع أهل السنة والجماعة، ويلزم جماعة المسلمين، ويحتمل أن يكون المراد بها: الجماعة الصغرى، التي تكون في بلد، أو في مكان، أو في منزل، فإنهم يصلون جماعة، ولا يصلي كل واحد على حدة، وإن الإنسان إذا خرج عن جماعة المسلمين فإنه يشذ عنهم، ويكون عرضة لاستيلاء الشيطان عليه، وتغلب الشيطان عليه، وكذلك أيضاً إذا تعود أن يصلي منفرداً ولا يصلي مع غيره جماعة فإن ذلك أيضاً يكون مما يحبه الشيطان، ومما يحرص على حصوله.
ثم قال: قال السائب، وهو: السائب بن حبيش، أراد بالجماعة: جماعة الصلاة، وهذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب؛ لأنه أورده في جماعة الصلاة، وإن كان الحديث يحتمل أن يراد به جماعة المسلمين، وأن يكون من أهل السنة والجماعة، لا من أهل البدعة والفرقة، وقد جاءت النصوص تدل على لزوم الجماعة، والمراد بها: جماعة المسلمين، ولكن النسائي عندما عقد هذه الترجمة، وأراد في قوله: التشديد في ترك الجماعة، أي: الجماعة في الصلاة، والسائب بن حبيش قال: أراد بقوله الجماعة: جماعة الصلاة، فهذا هو وجه إيراده في كتاب الصلاة، وفيما يتعلق بوجوب صلاة الجماعة.
وهو المروزي، ثقة، خرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو رواية عبد الله بن المبارك .
[عن عبد الله بن المبارك].
وهو المروزي أيضاً، ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي].
وهو أبو الصلت، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن السائب بن حبيش الكلاعي].
وهو مقبول، خرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن معدان بن أبي طلحة].
وهو شامي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أبو الدرداء].
وهو عويمر بن زيد الأنصاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا قتيبة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطبٍ فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: التشديد في التخلف عن صلاة الجماعة، والفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة: التشديد في عدم إقامة الجماعة، وأنها هنا تصلى، ولكن يتخلف بعض الناس عنها، هي مقامة، والمساجد قائمة، ويصلى فيها، لكن هناك من يتخلف عن صلاة الجماعة.
وأورد النسائي في هذه الترجمة حديث: أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطبٍ فيحطب)، يعني: أنه يكلف من يجمع حطباً ويهيئه ويعده، ثم يأمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم يأمر رجلاً فيؤم الناس، ثم يذهب إلى أناس لا يشهدون الصلاة، فيحرق عليهم بيوتهم، في الوقت الذي هم متلبسون بالمعصية، وهي التخلف عن صلاة الجماعة، الجماعة قائمة وهي تصلى، والرسول صلى الله عليه وسلم هم بالتخلف عن الجماعة؛ ليذهب إلى أولئك الناس الذين لا يحضرون الجماعة، أو يتخلفون عنها، فيحرق عليهم بيوتهم بالنار، وذلك في الوقت الذي يكونون فيه مرتكبين للمعصية، لا يحرقها عليهم في غير الصلاة، وإنما في نفس الوقت الذي الناس يصلون وهم جلوس في بيوتهم لا يخرجون منها.
فهذا الهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن كونه يهم بهذه العقوبة التي هي التحريق بالنار فهو وإن لم يفعل إلا أن مجرد همه يدل على عظم الذنب، وعلى خطورته، وقد جاء في بعض الروايات: أنه منعه ما فيها من النساء والذرية الذين فيها وليسوا مكلفين بالجماعة؛ لأن الجماعة لا تجب عليهم، فلولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقها عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فكونه يقول هذا الكلام وإن لم ينفذ فهذا كافٍ في بيان خطورة هذه المعصية، وبيان شدتها، وأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قد هم بهذا الهم، فدل على أن الجماعة واجبة، وعلى أن تاركها عرض نفسه للعقوبة.
والتخلف عن صلاة الجماعة من علامات النفاق، هكذا كان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، يتهمون من يتخلف عن الجماعة بالنفاق، وكان عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: (كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه)، وعبد الله بن مسعود كما سيأتي في الأثر أنه قال: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي: الصلاة- إلا منافق معلوم النفاق)، ثم بين عليه الصلاة والسلام أن شأن المنافقين الذين يتخلفون عن الصلاة أنهم همهم الدنيا، وليس همهم الآخرة، وأن الواحد منهم لو علم بأن هناك لحم في المسجد يؤكل ولو كان ذلك اللحم هزيلاً، ولو كان يسيراً، ولو كان قليلاً، فإنه يأتي إلى المسجد من أجل أن يظفر بنصيب من الدنيا، فقال: (والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً)، يعني: عظماً عليه لحم، واللحم سمين، (أو مرماتين حسنتين)، قيل: هما ظلف الشاة وما بينهما من اللحم، وذلك كناية عن حقارة هذا الشيء الذي يحرص عليه المنافقون ولو كانوا يعلمون أن في المسجد مثل هذا اللحم الذي هذا وصفه لحضروا لصلاة العشاء من أجل أن يحصلوا نصيباً من هذا المتاع الدنيوي، ويتركون ما أعده الله عز وجل من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ولهذا قال: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما -أي: صلاة العشاء، والفجر- ولو حبواً).
وقوله: (يشهد العشاء) أي: لحضر صلاة العشاء، ومن المعلوم: أن صلاة العشاء هي إحدى الصلاتين الثقيلتين على المنافقين كما مر بنا سابقاً.
وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، وصاحب المذهب المشهور، أحد المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
وهو عبد الله بن ذكوان، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
وهو عبد الرحمن بن هرمز، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وهو عبد الرحمن بن صخر، على أصح الأقوال في اسمه واسم أبيه، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديثه من أصحابه، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
والحديث الذي مر يدل على أن الصلاة في البيوت لا تقام جماعة، وإنما الجماعة في المساجد؛ لأنها لو كان إقامتها جماعة في البيوت كافياً لما استحقوا هذه العقوبة، ويمكن أنهم يصلون جماعة في البيوت، لأن البيوت ليست محلاً لإقامة صلاة الجماعة، وإنما محل إقامة صلاة الجماعة هي المساجد، كما جاء ذلك موضحاً في أثر عبد الله بن مسعود الآتي.
أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يقول: ( من سره أن يلقى الله عز وجل غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله عز وجل شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، وإني لا أحسب منكم أحداً إلا له مسجد يصلي فيه في بيته، فلو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من عبد مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يمشي إلى الصلاة إلا كتب الله عز وجل له بكل خطوةٍ يخطوها حسنة، أو يرفع له بها درجة، أو يكفر عنه بها خطيئة، ولقد رأيتنا نقارب بين الخطى، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه، ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: المحافظة على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، النداء هو: الأذان، ويكون في المساجد، ويدعى الناس للصلاة في المساجد، والمؤذن يقول في أذانه: حي على الصلاة، حي على الفلاح، معناه: هلموا وأقبلوا تعالوا، لا يقول: صلوا في بيوتكم، وإنما يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، تعالوا، فإن المساجد إنما بنيت لذكر الله عز وجل، وبنيت لاجتماع الناس للصلاة فيها، يجتمعون فيها في اليوم والليلة خمس مرات لأداء الصلوات الخمس التي فرضهن الله عز وجل، وهي لا تقام في البيوت، والذي يصليها في بيته يأثم لتخلفه عن الجماعة، ويكون ترك أمراً واجباً عليه، والواجب على كل مسلم إذا سمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أن يبادر إلى الإتيان إلى الصلاة، وأن يصلي مع المسلمين، وهذه الاجتماعات التي تكون منهم في اليوم والليلة خمس مرات، هذه من أعظم المكاسب والفوائد التي يستفيدونها من صلاتهم: وهي التقاء بعضهم ببعض، واستئناس بعضهم ببعض، واطلاع بعضهم على أحوال بعض، وما إلى ذلك من الأمور التي تحصل بهذه اللقاءات اللازمة، التي يجب على كل مسلم أن يأتي إلى المساجد، وأن يؤدي تلك الصلوات الخمس التي فرضهن الله عز وجل على عباده.
يقول عبد الله بن مسعود: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيه سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى. يعني: مطلوب من الناس الذين هم الرجال أن يحضروا إلى المساجد وأن يؤدوا الصلاة، وليس المقصود أن يصلوا في بيوتهم، فمن سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، أي: يحافظ عليهن جماعة، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولا أحسب أحداً منكم إلا وله مسجد في بيته، معناه: كل واحد له مسجد في بيته أو مكان في بيته يصلي فيه، لكن يصلي فيه النوافل، ولو أنها صليت الفرائض والصلوات الخمس في البيوت كما تصلى النوافل لتركت المساجد، وإذا تركت المساجد ترك الناس سنة نبيهم، وإذا تركوا سنة نبيهم ضلوا.
ثم بين ما يترتب على صلاة الجماعة من الفضل والأجر، وأن الصلاة في البيوت لا يحصل فيها هذا الأجر، وهو أن الإنسان إذا خرج من بيته إلى الصلاة لا يخطو خطوة إلا يرفع الله له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا لا يحصله من صلى في بيته، ولو صلى مع غيره جماعة، فإنه لا يحصل هذا الأجر، بل يأثم؛ لأن الجماعة واجبة على الناس في المساجد، وليس المقصود أنها واجبة عليهم في البيوت، بل يجب على كل مسلم يسمع: حي الصلاة، حي على الفلاح، أن يخرج إلى المسجد، وأن يأتي إلى المسجد، ويؤدي صلاة الجماعة.
قوله: [(ولقد رأيتنا نقارب بين الخطى)]، معناه: حتى تكثر الخطى، ولا يسرعون، يعني: يمشون مشياً وئيداً، أي: بسكينة ووقار، وبدون استعجال، وبذلك تكثر الخطى، ويحصلون الأجر في كل خطوة يخطوها ويحطها، فإن الله تعالى يكتب له بها حسنة، ويحط عنه بها خطيئة.
وقوله: [(ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها)].
(ولقد رأيتنا)، يعني: أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، (وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق)، يعني: علامة المنافق عند الصحابة: أن يكون متخلفاً عن صلاة الجماعة، وأنه لا يأتي إلى المساجد، هذه علامة النفاق عند أصحاب رسول الله، (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق)، ومثل هذا قول عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه الذي أشرت إليه: (كنا إذا افتقدنا الرجل في صلاة العشاء اتهمناه).
وقوله: (ولقد رأيت الرجل يهادى بين الرجلين؛ حتى يقام في الصف)، يعني: من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم، يعني: يصيب الواحد منهم المرض، ويكون معذوراً لو صلى في بيته، ولكن من أجل حرصه على الجماعة، وعلى الإتيان إلى المسجد، فإنه يحرص على ذلك، مع ما يتحمل من المشقة، وإن كان لا يستطيع أن يأتي مشياً على رجليه، وإنما يأتي يهادى بين رجلين، أي: واحد يمسك عضده اليمنى، والثاني يمسك عضده اليسرى، ورجلاه تخط في الأرض، لا يستطيع المشي حتى يقام في الصف؛ حرصاً على صلاة الجماعة؛ لأن أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم الذين يعلمون الأجر الذي أعده الله لمن يصلي جماعة؛ ولهذا يأتون وهم مرضى، ويحرصون على الإتيان إلى المساجد وهم مرضى، مع أنهم معذورون لو صلوا في بيوتهم، والمنافقون بعكس ذلك، وقد قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبواً)، ولكن همهم الدنيا، وليس همهم الآخرة، أما أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم فهمهم الآخرة، ولهذا يتجشم الواحد منهم المشاق، ويأتي إلى المسجد وهو مريض، لا يمشي على رجليه، وإنما يأتي يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وقد مر ذكرهما قريباً.
[عن المسعودي].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المسعودي صدوق اختلط قبل موته، قال الحافظ ابن حجر: علامة ذلك: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، وما كان قبل ذلك فإنه لا ضير فيه؛ لأن المحذور هو ما كان بعد الاختلاط، وأما ما كان قبل الاختلاط فهذا هو الذي لا يؤثر على الرواية عن المختلط، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن علي بن الأقمر].
وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الأحوص].
وهو عوف بن مالك الكوفي، ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وأبو الأحوص يطلق على جماعة، وقد مر بنا أبو الأحوص وهو سلام بن سليم الحنفي، وهو متأخر عن هذا، وأما هذا فهو في طبقة متقدمة يروي عن الصحابة.
[عن عبد الله].
وهو عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد فقهاء الصحابة، وهو من المهاجرين رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ليس أحد العبادلة الأربعة المشهورين بهذا اللقب؛ لأن ابن مسعود متقدم، والعبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة، وهم متأخرون عنه في الوفاة، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عن الجميع.
أورد النسائي: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً أعمى، وهو عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه، جاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال: إنه رجلٌ أعمى، وليس له قائد يلائمه، فهل له رخصة أن يصلي في بيته؟ فأذن له، فلما ولى ناداه، وقال له: (أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب)، يعني: لم يرخص له، وكأنه في الأول رخص له لعله ظن أنه لا يسمع النداء، فلما علم بأنه يسمع النداء قال له: (أجب)، أو أنه أوحي إليه، أو أنه حصل منه أولاً باجتهاده، وكان على ما يقوله بعض أهل العلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد، لكنه لا يقر إلا على حق صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والحديث دال على وجوب صلاة الجماعة، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يعذر رجلاً أعمى جاء في بعض الروايات الأخرى: أنه شاسع الدار -أي: بعيد الدار- وليس له قائد يلائمه إلى المسجد، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يرخص له مع وجود هذا الوصف فيه، الذي هو العمى، وبعد الدار، وليس له من يلائمه في الذهاب والإياب من وإلى المسجد، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يرخص له، بل قال: (هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب)، أي: أجب النداء واحضر الصلاة ولا تتخلف عنها، دل ذلك على وجوبها، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتخلف عنها، إذا كان هذا رجل أعمى داره بعيدة ولم يرخص له الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بمن يكون صحيح الجسد، سليم العينين، عنده القدرة وعنده النشاط؟! فهذا يدل على وجوب الجماعة.
وهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المشهور بـابن راهويه، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، وفقيه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا مروان بن معاوية].
وهو ثقة، خرج حديثه الجماعة، وقيل: إنه يدلس أسماء الشيوخ، وذلك أن التدليس قسمان: تدليس في الإسناد، وهو: أن يروي عن شيخه، ما لم يسمع منه، وهذا فيه احتمال سقط، يعني: فيه احتمال سقط راو، وأما تدليس الشيوخ، فهو بأن يذكر شيوخه بغير ما اشتهروا به، هذا يسمى تدليس الشيوخ، وهذا فيه تعمية؛ لأنه لا يذكر الشخص بما اشتهر به، وإنما يذكره بشيء صحيح، كأن ينسبه إلى جده، أو يذكره بكنية أبيه، أو ما إلى ذلك من الأمور التي هي حقيقة وواقعة، ولكنها خلاف ما اشتهر به الإنسان، هذا يسمى تدليس الشيوخ، ومن المعروفين بهذا الخطيب البغدادي، فإنه يستعمل ذلك كثيراً، يعني: كونه يدلس في أسماء شيوخه ويذكرهم بغير ما اشتهروا به، وقد يحكم بجهالته مع أنه معروف؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به.
[حدثنا عبيد الله بن عبد الله].
وهو عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، مقبول، خرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن عمه].
وهو يزيد بن الأصم، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري في الأدب، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي هريرة].
وهو: صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد مر ذكره قريباً.
أورد النسائي حديث: عبد الله بن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه الذي فيه، أنه قال للرسول عليه الصلاة والسلام: إن المدينة كثيرة السباع والهوام، وطلب منه أن يرخص له أن يصلي في بيته، فقال له: (هل تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فأجب، ولم يرخص له)، وهو بمعنى الحديث الذي قبله عن أبي هريرة، وهو دال على وجوب صلاة الجماعة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يعذر هذا الرجل الأعمى، وقد أبدى هذا العذر لكونه أعمى، وشاسع الدار، ويخشى من السباع والهوام، وكذلك ليس له من يلائمه، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال له: (أتسمع حي على الصلاة حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فأجب)، ذلك واضح الدلالة على وجوب صلاة الجماعة.
وهو صدوق، خرج له أبو داود، والنسائي.
[عن أبيه].
وهو زيد بن أبي الزرقاء، ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي أيضاً.
يعني: كل منهما موصلي هارون وأبوه زيد.
[عن سفيان].
وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، المحدث، الفقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم حول النسائي الإسناد وانتقل إلى إسناد آخر، فأتى بلفظ: (ح) الدالة على التحويل، والتحول هو: التحويل من إسناد إلى إسناد، ثم بعدها بدأ بإسناد جديد، وذكر واحداً من شيوخه يروي عنه بإسناد آخر، وقال:
[أخبرنا عبد الله بن محمد بن إسحاق].
وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا القاسم بن يزيد].
هو قاسم بن يزيد الموصلي، ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا سفيان].
وهو الثوري، وهنا التقى الإسنادان من النسائي يلتقيان بـسفيان الثوري، حدثنا عبد الرحمن بن عابس.
وهو: عبد الرحمن بن عابس بن ربيعة، وهو النخعي الكوفي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
وهو تابعي، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أم مكتوم].
وهو عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم، مشهور بهذه النسبة، حيث يقال له: ابن أم مكتوم، وهو صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
الجواب: كما هو معلوم: الرسول نهى عن التحريق بالنار، وأنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، ولعل هذا كان قبل أن يحصل منه النهي عن التحريق بالنار، لكن مجرد همه يدل على وجوب صلاة الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان أرسل رجلين من أصحابه، وقال لهما: إذا لقيتم فلان وفلان فحرقوهما بالنار، ثم دعاهما، وقال: (إنه لا يعذب بالنار إلا رب النار، فإذا لقيتموهما فاقتلوهما).
الجواب: ما كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يزورون القبر، وذلك أنهم يصلون ويسلمون عليه، وصلاتهم وسلامهم عليه تبلغه بواسطة الملائكة، لكن جاء عن عبد الله بن عمر، أنه إذا كان قدم من سفر، جاء وسلم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعلى أبي بكر، وعلى أبيه رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين، وإذا جاء وسلم يخاطب، فيقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، وإذا قال: صلى الله وسلم وبارك عليك، وجزاك أفضل ما جزا نبي عن أمته، لا بأس، وكذلك يخاطب أبو بكر يقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنك وأرضاك، وكذلك عن عمر، فإنه يسلم عن عمر ويخاطبهما؛ لأن السلام فيه خطاب.
الجواب: الأولى أو الواجب على كل مسلم أن يأتي إلى المسجد لأداء الصلاة، فإذا فاتت الصلاة وجاءوا إلى المسجد وقد صلى الناس، فإنهم يصلون في المسجد، أما إذا كان مضى الوقت وقد فاتت الصلاة فإنهم يصلون في بيوتهم جماعة، لكن الواجب عليهم أن يحرصوا على الذهاب إلى المسجد، ويصلوا في المسجد إذا جاء وقد فاتت الصلاة، وقد قضيت الصلاة، لكن إذا كان قضيت الصلاة، وخرج الوقت، وخرج الناس، فيصلون في بيوتهم يعني: جماعة، لكن يحذروا من أن يتكرر منهم ذلك؛ لأن الإنسان إذا تعود على التخلف عن الجماعة، يسهل عليه ذلك، فيكون ذلك سبباً في ابتلائه بترك الجماعة والعياذ بالله.
الجواب: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يعتبرون ذلك من علامات النفاق، والإنسان الذي لا يصلي في المسجد ويصلي في بيته ما الذي لا يجعله منافقاً أو متصفاً بعلامات النفاق؟! إذا كان الصحابة في زمنهم يعتبرون من يتخلف عن الصلاة أنه منافق، فلماذا الذي يحصل منه ذلك، أن يكون متصفاً بهذا الوصف؟
الجواب: الإنسان في التشهد يأتي باللفظ الوارد: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فلا يقول في اللفظ: لا سيدنا ولا نبينا؛ لأن اللفظ ورد بهذه الصيغة: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، فيأتي به كما جاء لا يزيد ولا ينقص، يأتي بالنص كما علم رسول الله عليه السلام أصحابه، لا يزيد على ذلك ولا ينقص، لكن في غير الصلاة، فيقول: اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وعلى سيدنا، وعلى إمامنا، وعلى قدوتنا، وما إلى ذلك من أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام، لا بأس بذلك، لكن ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم الواردة يؤتى بها كما جاءت دون أن يضاف إليها شيء، ودون أن ينقص منها شيء.
الجواب: نعم، صلاة الجماعة واجبة في الحضر والسفر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بالجماعة في السفر، كان يصلي جماعة بأصحابه وهم مسافرون، بل في الخوف، وفي شدة الخوف كانت صلاة الجماعة تقام، وهذا من أوضح الأدلة على وجوبها، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها حتى في الخوف يقسم الناس قسمين، فهذا يدل على وجوب الجماعة، وعلى أن الجماعة لازمة.
الجواب: نعم، بعض العلماء يقول: إن خروج الدم الكثير، يحصل به نقض الوضوء، ومنهم من يقول: بأنه لا يحصل نقض، وأما كون الدم على الجسد أو على الثوب، فإذا كان يسيراً فإنهم يقولون: إنه لا يؤثر، وأما إذا كان كثيراً فيتعين غسله.
الجواب: لا أعلم شئاً يدل على هذا المصافحة، يعني: يد تمسك باليد، ثم يطلق كل يده، ولا نعلم أنها يذهب بها إلى الصدر، ولا أنها تقبل.
الجواب: الذي أعرف أن هذا الحديث ضعيف ليس بصحيح، لكن لا شك أن بعض الناس يكون له فراسة في الأشخاص، مثل ما يقول الشاعر:
والنفس تعلم من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها
يعني: وهذا عن طريق الفراسة، لكن الحديث لم يثبت.
الجواب: صلاة الجماعة واجبة على الحاضر والمسافر، لكن المسافر الذي هو جاد به السير، إذا مر في مسجد تقام فيه الصلاة، فيلزمه أن ينزل، لكن المسافرين مع بعض يصلونها جماعة مع بعضهم وإن كان لهم رخصة الجمع في السفر إلا أن هذا لا يعفيهم عن صلاة الجماعة، مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مع أصحابه جماعة.
الجواب: لا، فكما هو معلوم، أنه ليس بلازم أن كل محدث يروي عن كل راوي، بل لا يروي عن كل ثقة، فلا يقال: إن كل ثقة يروي عنه مثلاً شخص، والمسعودي كما هو معلوم فيه كلام من حيث الاختلاط، لكن هناك ثقات لم يرو عنهم مسلم، وعدم الرواية عن الثقة لا يدل على تضعيفه عنده، لكن الحديث يكون رواه مسلم ما دام أن المسعودي ليس من رجاله، معناه: أنه من طريق آخر غير طريق ابن مسعود .
الجواب: نعم، جاء في بعض الأحاديث ما يدل على هذا، يعني: في حال ذهابه وإيابه، يرفع له حسنة ويحط عنه خطيئة بكل خطوة يخطوها، ورد فيه حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن رجلاً قال له: (إنني أرجو أن يكتب الله لي في ذهابي وإيابي إلى المسجد، فقال له رسول الله: إن الله كتب لك ذلك كله)، وهذا فيه ذكر الإياب كما أن فيه ذكر الذهاب.
الجواب: أقول: لا يؤذن الإنسان إذا صلى في بيته منفرداً؛ لأن الأذان هو نداء، وإعلام لدخول الوقت، نعم الإنسان إذا كان في سفر يؤذن، ولو كان وحده، ويرفع صوته، ولا يسمعه شجر ولا حجر ولا إنس ولا جن إلا شهد له يوم القيامة.
الجواب: تكبيرة الانتقال واجبة، يجب على الإنسان أن يأتي بها، وإذا تركها سهواً يجبرها بسجود السهو.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر