أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا) ].
يقول النسائي رحمه الله: السعي إلى الصلاة، أي: حكمه، وقد أورد النسائي فيه حديث: أبي هريرة الذي فيه النهي عن إتيان الصلاة والإنسان ساعياً، حيث قال: (فلا تأتوها وأنتم تسعون)، إذاً المراد بالترجمة هو: بيان حكم السعي الذي هو: الإسراع الشديد البليغ وأن ذلك غير سائغ؛ لنهي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والمراد بالسعي هو: الإسراع الشديد البليغ الذي يكون الإنسان كأنه شبيه بالذي يجري، وهذا العمل أو الهيئة بالإضافة إلى كونها غير لائقة فهي أيضاً إثارة النفس عندما يصل الإنسان إلى المسجد يكون نفسه ثائراً؛ بسبب ذلك السعي والجري، فيكون منشغلاً بنفسه، وقد ظهر نفسه وهو يصلي، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أن السعي إليها أو أن الذهاب إليها يكون بالمشي، والمشي فيه تكثير الخطى، وقد مر بنا قريباً أثر ابن مسعود الذي يقول: كنا نقارب بين الخطى؛ وذلك لتكثر الحسنات؛ لأن الإنسان لا يخطو خطوة إلا يرفع له بها درجة ويحط عنه بها خطيئة، فكانوا يقاربون بين الخطى، معناه: أنهم يمشون ولا يسعون، وقد جاء في القرآن قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة:9]، وليس المراد بالسعي المأمور به في قوله: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، هو هذا الذي نهى عنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله: (فلا تأتوها وأنتم تسعون)، وإنما المقصود من ذلك: الإسراع الخفيف الذي لا يترتب عليه مشقة، ولا يترتب عليه مضرة، هذا هو المراد بالسعي الذي جاء في الآية، وليس المراد به: العدو والجري الذي يترتب عليه ثوران النفس، فيأتي الإنسان مشغولاً بنفسه في أول صلاته، بل الأمر كما جاء في حديث أبي هريرة : (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون).
يعني: إذا أردتم الإتيان إليها، وقصدتم الإتيان إليها، فلا تأتوها وأنتم تسعون، إذا خرج الإنسان من منزله يريد الصلاة، وأراد الذهاب إليها، فيأتي إليها وهو يمشي، ولا يأتي إليها وهو يسعى، (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون)، فنهى عن إتيانها ساعياً، وأرشد إلى الإتيان إليها ماشياً.
وقد عرفنا الفرق بين السعي والمشي، وأن السعي يترتب عليه من المضرة ما يترتب عليه، والمشي يترتب عليه من الفوائد ما يترتب، فمن ذلك: كثرة الخطى، وكثرة الدرجات، ومن ذلك: كون الإنسان يمشي بسكينة ووقار، ويصل ونفسه هادئ ليس ثائر النفس، فيكون متشوشاً في صلاته مشغولاً بنفسه، فإن هذا مما يترتب على الإتيان ساعياً عادياً جارياً.
ثم قال: [(وعليكم السكينة)]، وهذا يؤكد الأمر في قوله: (وأتوها وأنتم تمشون)؛ لأن الإتيان والإنسان عليه السكينة، أي: كونه يمشي بهدوء، وعدم سعي وجري.
فقوله: (عليكم السكينة)، مؤكد للجملة التي قبلها وهي قوله: (وأتوها وأنتم تمشون).
ثم قال: [(فما أدركتم فصلوا)]، يعني: ليس معناه إذا كانت الصلاة مقامة فللإنسان أن يسرع ويجري من أجل أن يحصل الركعة الأولى، أو الركعة الأخيرة، يحصل الركوع، أو يحصل الدخول في الصلاة إذا أقيمت الصلاة، لا، وإنما الإنسان يمشي، فما أدركه صلى، وما فاته قضى، (وما أدركتم فصلوا)، أي: إذا مشيتم وعليكم السكينة، فإذا وصلتم صلوا ما أدركتم واقضوا ما فاتكم، وقد جاء في هذه الرواية (وما فاتكم فاقضوا)، وجاء في أكثر الروايات عن جماعة من الصحابة، (وما فاتكم فأتموا).
وقد اختلف العلماء في مسألة، وهي: ما يقضيه المسبوق، هل هو أول صلاته أو آخر صلاته؟
من العلماء من قال: إن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته؛ لأن هذا الذي أدركه مع الإمام هو آخر صلاة الإمام، فيكون آخر صلاة المأموم، ويتفق نية المأموم مع نية الإمام، هذا آخر صلاته وهذا آخر صلاته، وإذا سلم قام يقضي أول صلاته، وهذا القول يترتب عليه أن الإنسان يطيل الركعتين الفائتتين؛ لأنه ما دام أنها أول صلاته فإنه يطيل، ويقرأ الفاتحة وسورة، ويمكن أن يجهر أيضاً في الصلاة الجهرية، بحيث لا يؤذي أحداً، هذا على القول: بأن ما يقضيه هو أول صلاته.
وقال الآخر: إن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، فيكون الأول هو الأول، أي: أول الصلاة هو أولها، ما أدركه، هو أول صلاته، وما أتى به بعد سلام الإمام يكون هو آخر صلاته، فالأول هو الأول، والآخر هو الآخر، ولا يكون الآخر الذي أدركه مع الإمام هو الآخر، والذي يأتي به بعد ذلك هو الأول، بل ما فعله أولاً هو أول صلاته، وما فعله آخراً هو آخر صلاته، وإن اختلفت نية الإمام والمأموم هذا في أول صلاته وهذا في آخر صلاته، أي: الإمام في آخر صلاته، والمأموم في أول صلاته لا محظور في ذلك ولا مانع، وأكثر الروايات على: أتموا، وهي تؤيد، أو ترجح هذا القول؛ لأن قوله: (وما أدركتم فأتموا)، معناه: أن الذي يقضيه المسبوق هو آخر صلاته، أي: ما يقضيه المسبوق بعد سلامه إمامه هو آخر صلاته؛ لأن قوله: (وما أدركتم فأتموا)، وهي أكثر الروايات تدل على هذا.
ثم أيضاً الذين قالوا: بأن ما يقضيه المسبوق هو أول صلاته يستدلون بهذه الرواية: (وما فاتكم فاقضوا)؛ لأنه أدرك آخر الصلاة فيقضي أول الصلاة، لكن القضاء يمكن أن يفسر بمعنى الأداء، وهو يأتي بمعنى الأداء والإتمام، يأتي بمعنى الإتمام، (ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فتفسر اقضوا بمعنى: أتموا، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [فصلت:12]، أي: أتمهن، أو أتم خلقهن، فالقضاء يأتي بمعنى الإتمام، وعلى هذا فتكون رواية (أتموا)، دالةً على أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، ورواية: اقضوا، تفسر بمعنى الإتمام وهو سائغ في اللغة، وبه يتفق مع الروايات الكثيرة التي هي أرجح وأقوى من رواية: فاقضوا التي هي رواية: (فأتموا).
إذاً: فما يقضيه المسبوق وهو آخر صلاته، وما يدركه هو أول صلاته. وهذا هو القول الأظهر في هذه المسألة.
وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، صدوق، خرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا سفيان].
وهو ابن عيينة، وسفيان هنا مهمل، يحتمل الثوري، ويحتمل ابن عيينة، لكن كونه يروي عن الزهري في هذا الإسناد، تبين بأنه ابن عيينة؛ لأن ابن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري، وقد قال الحافظ ابن حجر: إن الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
إذاً: إذا جاء سفيان غير منسوب يروي عن الزهري، فالمراد به: ابن عيينة ؛ لأنه مكثر من الرواية عنه.
وهذه هي الطريقة التي يميز بها المهمل؛ لأن المهمل نوع من أنواع علوم الحديث، وهو: أن الرواة تتفق أسماؤهم، أو أسماؤهم وأسماء آبائهم، ولا يعرف لكونه يحتمل عدة أشخاص، فلتمييز هذا من هذا يسلك لذلك معرفة الشيوخ والتلاميذ، وإذا كانوا متفقين بالشيوخ والتلاميذ فينظر لمن يكون أكثر رواية، ولمن يكون من أهل بلده، ولمن يكون ملازماً له، فيتبين أنه أحد الاثنين بمعرفة كونه مكثراً للرواية عن ذلك الشيخ، أو ملازماً له، أو من أهل بلده، أو ما إلى ذلك، وأيضاً يمكن أن يعرف عن طريق النظر في الأسانيد الأخرى لهذا الحديث؛ لأنه قد يكون الحديث مثلاً عند أبي داود، والنسائي، وابن ماجه بإسناد واحد، فيكون في أحد الكتب ينسب المهمل فيقال: فلان بن فلان، فيتميز.
أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو أخبرنا ابن وهب حدثنا ابن جريج عن منبوذ عن الفضل بن عبيد الله عن أبي رافع رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل، فيتحدث عندهم حتى ينحدر للمغرب، قال
أورد النسائي باب: الإسراع إلى الصلاة من غير سعي، يعني: لما ذكر السعي إلى الصلاة، وأنه قد جاء النهي عنه، والمراد به: الإسراع الشديد البليغ، أتى بعده بهذه الترجمة، وهي: الإسراع إلى الصلاة من غير سعي، أي: الإسراع الخفيف الذي ليس فيه جري وعدو وركض، وإنما هو إسراع خفيف؛ لأن المشي منه ما هو بطيء، ومنه ما هو فوقه، ومنه ما هو شديد، وهنا يريد: الإسراع الخفيف، وأن ذلك سائغ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام فعله في هذا الحديث الذي أورده النسائي، وهو حديث: أبي رافع أن النبي عليه الصلاة والسلام: كان إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم، حتى يقرب المغرب، ثم ينحدر، أي: ينزل، وكأنه يأتي من مكان مرتفع مائل، يعني: يكون فيه شيء من الإسراع الخفيف بسبب الانحدار، وكون الإنسان ينزل من مكان عال، يكون فيه شيء من الحركة والإسراع الخفيف، قال أبو رافع: (فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يسرع إلى المغرب)، أي: يمشي مشياً سريعاً ليس بالشديد، وإنما هو إسراع خفيف، إذ مر بالبقيع، فقال: (أف لك أف لك)، فـأبو رافع ظن أنه يعنيه فتأخر، فلم يمش معه كالمشي الأول بل تأخر عنه، فقال: (ما لك امش، فقلت: أحدثت حدثاً؟ قال: ما ذاك؟).
والذي جعله يتأخر: ظن أنه يريده في قوله: (أف لك، أف لك)، يعني: هذا التأفيف ظن أنه هو المعني به فشق ذلك عليه، وضاق ذرعاً ولم يطق ذلك، وظن أنه حصل منه شيء استوجب هذا التأفيف، فقال: (امش ما لك)؛ لأنه تأخر، (فقال: أحدثت حدثاً؟)، هذا سؤال حذفت منه الهمزة، أأحدثت حدثاً، يعني: أحصل مني أن أحدثت حدثاً استوجب ذلك الذي حصل؟ قال: (وما ذاك؟ قال: إنك أففت بي)، أي: قلت: أف لك، أف لك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا، ولكن ذلك رجل بعثته ساعياً إلى بني فلان فغل نمرة، يعني: أخذها من الغنيمة وهي الخيانة، فخان في أمانته، وأخذ تلك النمرة التي هي: كساء أو ثوب، قال: (فدرع الآن مثلها من نار).
الآن مثل تلك النمرة، يعني: يعذب بها، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلعه الله عز وجل على هذا العذاب الذي حصل في قبر ذلك الرجل، وكذلك أعلم بالسبب الذي حصل فيه ذلك العذاب، وهو أنه قد غل.
وإن شاء عفى عنه، وعلى هذا فمن مات من المسلمين على كبيرة ولم يتب فإن أمره إلى الله عز وجل، إن شاء عذبه، وإن شاء تاب عليه فلم يعذبه.
ومحل الشاهد منه: (فبينما هو يسرع)، أي: محل الشاهد من الحديث، في باب الترجمة، وهي: الإسراع إلى الصلاة من غير سعي، المقصود منه: إسراعاً خفيفاً ليس بالشديد الذي جاء النهي عنه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: (فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة).
وهو عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو المصري، ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه .
[أخبرنا ابن وهب].
وهو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن جريج].
وهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، فاضل، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبته إلى جده عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، إذاً هو مشهور بالنسبة إلى جده جريج فيقال له: ابن جريج .
[عن منبوذ].
منبوذ، وهو المدني، من آل أبي رافع، وهو مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.
[عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع].
وهو أيضاً مقبول، خرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي رافع].
وهو أبو رافع القبطي مولى مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، اختلف في اسمه فقيل: اسمه إبراهيم، وقيل: غير ذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي إسناداً آخر، ولم يسق المتن، بل قال: نحوه، لما فرغ من ذكر الإسناد قال: نحوه، أي: أن متن الحديث بهذا الإسناد على النحو من المتن السابق، ليس مماثلاً له وإنما هو نحوه، ومن المعلوم: أن الفرق بين (مثل) و(نحو)، أن (مثل): تقتضي التماثل في المتن بين المحال والمحال إليه الذي لم يذكر متنه، ويقال: مثله، والذي أحيل إليه هو المتن السابق، فإذا كان المتنان متماثلين قيل: مثله، وإذا كان يختلف عنه فيقال: نحوه، أي: أنه ليس مماثلاً له، ولكنه نحوه.
قوله: [أخبرنا هارون بن عبد الله].
وهو هارون بن عبد الله البغدادي، ثقة، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا معاوية بن عمرو].
وهو معاوية بن عمرو البغدادي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو إسحاق].
وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري، ثقة، حافظ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج إلى آخره].
وعند هذا يتفق الإسناد، إلا أن في الإسناد الثاني كون ابن جريج يقول: أخبرني منبوذ، وفي الإسناد الأول يعنعن ابن جريج يقول: عن، إذاً: فالإسناد الثاني فيه فائدة، وهي: كون ابن جريج وهو مدلس صرح بالسماع في هذا الحديث عن منبوذ الذي روى عنه بالعنعنة في الإسناد الأول الذي قبله، يعني: في الأول يقول ابن جريج: عن، وهنا يقول: أخبرني منبوذ.
أخبرنا أحمد بن محمد بن المغيرة حدثنا عثمان عن شعيب عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر: أن أبا هريرة رضي الله عنهما حدثهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي البقرة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي الكبش، ثم الذي على إثره كالذي يهدي الدجاجة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي البيضة)].
أورد النسائي التهجير إلى الصلاة، يريد به: بيان فضله والحث عليه، والمراد بالتهجير: التبكير إلى الصلاة، يعني: يذهب إليها مبكراً، ثم أورد النسائي حديث: أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما مثل الذي يهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة)، أي: الذي يكون مبكراً قبل غيره، ويسبق غيره إلى الوصول إلى المسجد هذا كالمهدي بدنة، ثم الذي يكون على إثره كالمهدي بقرة، ثم الذي على إثره كالمهدي كبشاً، ثم الذي على إثره كالمهدي دجاجة، ثم الذي على إثره كالمهدي بيضة، وهذا يدل على فضل التبكير إلى الصلوات، وأن الإنسان إذا بكر إليها يكون بهذه المثابة وبهذه المنزلة، ومن المعلوم: أن الإنسان إذا بكر إلى الصلاة حصل الصف الأول الذي هو خير الصفوف، والذي يقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف والأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)، ثم أيضاً إذا جلس في المسجد، فهو في صلاة ما انتظر الصلاة، فكل ما زاد جلوسه في المسجد في انتظار الصلاة فهو في صلاة، وهذه زيادة في ثوابه وأجره، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم الذي يبكر إلى الصلاة قبل غيره بالمهدي بدنة.
والمراد بالإهداء، قيل: هو كونها تكون هدياً، وقيل: إن المراد بذلك التصدق، ومن المعلوم: أن الهدي أو الإهداء لا يكون بالدجاجة والبيضة؛ لأن الهدي والأضاحي إنما يكون في بهيمة الأنعام خاصة التي هي: الإبل، والبقر، والغنم، وليس بالدجاج والبيض، لكن الصدقة تكون في كل ما هو نافع، دجاج أو غير دجاج، لكن المقصود من هذا: هو بيان عظم ما تقرب به الإنسان إلى الله عز وجل، وأن الإنسان الذي تقرب إلى الله عز وجل بالبدنة، ثم بالبقرة، ثم بالكبش، ثم بالدجاجة، ثم بالبيضة، يعني: أنه فعل أمراً يقربه إلى الله عز جل، ويرجو من الله عز وجل الثواب، ولكن ليس المقصود من ذلك: الإهداء إلى الكعبة؛ لأن الهدي لا يكون إلا بالإبل، والبقر، والغنم، لا يكون بالدجاج، والبيض، ولكن بالنسبة للصدقة والتقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، والإحسان إلى الناس يكون بكل ما هو نافع.
وهو أحمد بن محمد بن المغيرة الحمصي، صدوق، خرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا عثمان].
وهو ابن سعيد بن كثير الحمصي، ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن شعيب].
وهو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من أثبت الناس في حديث الزهري، وهو يروي عن الزهري، والزهري سبق أن مر بنا قريباً.
[أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو عبد الله الأغر].
وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وأحد الفقهاء السبعة، على أحد الأقوال في السابع، الذين أشرت إليهم قريباً، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكذلك أيضاً أبو عبد الله الأغر، وهو: سلمان الأغر، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
أبو هريرة رضي الله عنه، وقد مر ذكره قريباً.
الجواب: المالك هو الذي يزكي، وما دام أنه هو الذي يخرج الزكاة عن زوجته، فهذا يعني: أنه شيء زائد عن حاجته بحيث يدفع الزكاة، فمن المعلوم: أن الزكاة تدفع للفقراء والمساكين، وإذا كان هو فقير فالزوجة لها أن تعطي الزكاة لزوجها، لكن الآن هو الذي يدفع الزكاة عنها؛ لأنه ما دام أنه هو الآن عنده زيادة مال، هو الآن يعطي من ماله زكاة.
الجواب: أقول: مثل هذا الكلام كلام سيئ، أي: كون الإنسان يلعن نفسه ويدعو على نفسه بالطرد عن رحمة الله؛ لأن معنى اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله عز وجل، فلا يجوز للإنسان أن يفعل ذلك، لكن هل هذه يمين أو ليست يمين تحتاج إلى تفكير؟ لا أدري، لكن كون الإنسان يتكلم بمثل هذا الكلام لا يجوز.
الجواب: يكفر عن يمينه بأن يطعم عشرة مساكين أو يكسوهم، أو يعتق رقبة، فإن لم يستطع لا العتق ولا الإطعام ولا الكسوة فإنه ينتقل إلى صيام ثلاثة أيام، وهذه هي كفارة اليمين، فيها ترتيب وتخيير، وليس في الكفارات تخيير وترتيب إلا كفارة الأيمان؛ لأن فيها تخيير بين العتق والكسوة والإطعام، وترتيب بين هذه الأمور وبين الصيام، يعني: الصيام ليس مخيراً فيه، وإنما التخيير بين الأمور الثلاثة التي هي: عتق، أو كسوة، أو إطعام، وإن لم يستطع هذه الأمور الثلاثة ينتقل إلى الصيام، ففيها تخيير وترتيب، تخيير بين الثلاثة، وترتيب بين الصيام وما قبله.
الجواب: نعم، الحلي تجب فيه الزكاة، ولو كان معداً للزينة؛ لأن عموم الأحاديث التي وردت في زكاة الذهب تشملها، (ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار)، فعموم هذا يشمله، ثم أيضاً ما جاء في الحديث الذي فيه: (أن امرأةً جاءت وعليها مسكتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أتحبين أن يسورك الله بسوارين من نار؟)، فهذه الأحاديث تدل على وجوب الزكاة في حلي النساء.
الجواب: الأفضل هو صلاتها في بيتها بلا شك، كما جاءت بذلك الأحاديث، يعني: جاءت الأحاديث تدل على أن أفضل صلاة المرأة إنما تكون في بيتها، لكن مجيئها إلى المسجد إذا طلبته أو أرادته سائغ، لكن بشرط أن تخرج بعيدة عن المحظور، فلا تظهر متجملة ولا متعطرة، ولا يحصل منها شيء يكون سبباً في فتنتها أو فتنة غيرها بها، وصلاتها في بيتها أفضل، في جميع الصلوات الجمعة وغير الجمعة، فصلاتها في البيت أفضل من صلاتها في المسجد، وخير من صلاتها في المسجد، لكن إذا أرادت المسجد لا بأس، لها أن تذهب إليه وليس لوليها أن يمنعها إلا إذا كان هناك محظور تمنع بسببه.
الشيخ: لا، تصلي ظهراً، الإنسان إذا ما أدرك الجمعة يصلي ظهراً، بل الذي يأتي إلى المسجد ولا يدرك الركعة الثانية، أي إذا فاته الركوع من الركعة الثانية يدخل مع الإمام وإذا قام يقضي ظهر لا يقضي ركعتين، أي: إذا دخل مع الإمام بعد رفعه من الركوع في الركعة الثانية، ثم سلم الإمام قام يقضي يصلي أربعاً، لا يصلي ثنتين.
الجواب: الأصل أنه للتحريم.
الجواب: لأنه لم يشترط الصحة، أقول: لم يلزم نفسه بالصحة حتى يعترض عليه بذلك، أو حتى يستدرك عليه؛ لأنه لم يقل عن كتابه هذا: هو كتاب صحيح، وأنه لا يرد فيه إلا أحاديث صحيحة، وإنما لما عقد التراجم وأتى بالتراجم، أتى بما يدل على هذه الترجمة، من ذلك ما هو صحيح، ومنه ما هو ضعيف فيغني عنه الصحيح، يعني: ضعيف وصحيح في موضع واحد وفي معنى واحد، وقد يكون أيضاً في معنى واحد؛ لأنه قد يكون هذا الذي وجده فيما يتعلق بهذا الموضوع أو بهذه الترجمة، لكن كونه يورد أحاديث ضعيفة، لا إشكال فيه؛ لأنه ما التزم ألا يأتي إلا بأحاديث صحيحة.
الجواب: تراجم الأبواب في صحيح مسلم هي من عمل النووي وغيره؛ لأن النووي ذكر: أن العلماء ذكروا تراجم لهذه الأبواب وأنه اعتنى بوضع تراجمه، أما الكتب فهي من وضع الإمام مسلم، والأبواب هي من وضع النووي وغير النووي، ولكن المشهور الموجود مع شرح النووي، وكذلك الذي طبع مع المتن الذي اعتنى به عبد الباقي، يعني: الأبواب هي أبواب النووي أدخلها في الصحيح، والنووي في الشرح، فالأبواب تأتي مع الشرح لا تأتي مع الكتاب في داخل المتن، فالمتن في الأعلى وليس فيه إلا الكتب، والأبواب تأتي في الشرح، ومسلم رحمه الله لما عمل كتابه جعله في حكم المبوب وإن لم يبوبه، يعني: يجمع الأحاديث الذي في موضوع واحد ويسوقها مساقاً واحداً، ثم ينتقل إلى موضوع آخر، فهو في حكم المبوب، وإن لم يكن فيه تسمية أبواب، أما الكتب فهي من عمل مسلم، وليست من عمل النووي ولا غيره، والدليل على هذا: أن الذين ألفوا في رجال مسلم قبل النووي، مثل: كتاب ابن منجويه في رجال مسلم، والجمع بين رجال الصحيحين للمقدسي، عندما يأتون بترجمة شخص يقولون: روى عنه مسلم في كتاب الإيمان، روى عنه مسلم في كتاب الزهد، هؤلاء قبل النووي، فذكروا في ترجمة الشخص: أنه روى عنه مسلم في كتاب كذا، وروى عنه في كتاب كذا، وروى عنه في كتاب كذا إذا كان مقلاً، وإلا يكتفوا بأن يقولوا: روى عن فلان وفلان عندهما، أو روى عن فلان وفلان عند غيره إذا كان مكثراً، فالكتب من عمل مسلم، والأبواب ليست من عمله.
الجواب: التبكير إلى الصلاة كما هو معلوم ليس مقصوراً على الأذان، بل يكون قبل الأذان، والإنسان يأتي إلى المسجد ويبكر ويصلي ما أمكنه ويجلس، وإذا أذن المؤذن قام يؤدي الرواتب إذا كانت الصلاة ذات رواتب كالظهر، وإذا كانت غير ذات رواتب يقوم يصلي ركعتين أو ما شاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة)، يعني: بين الأذان والإقامة، فالتبكير إلى الصلاة يكون ليس من حصول الأذان، بل يكون قبل ذلك؛ لأنه كلما طال جلوسه في المسجد وانتظاره الصلاة فهو يعتبر مبكراً، ويعتبر في صلاة ما انتظر الصلاة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر