أخبرنا حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن زياد الأعلم حدثنا الحسن : أن أبا بكرة رضي الله عنه حدثه: (أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصاً ولا تعد)].
يقول النسائي رحمه الله: الركوع دون الصف، أي: ليدرك الركعة قبل أن يصل إلى الصف فيركع وحده، ثم بعد ذلك يدب ويقف في الصف وهو راكع، وقد أورد النسائي فيه حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أنه ركع دون الصف، ثم دخل فيه، ولما سلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال لـأبي بكرة : (زادك الله حرصاً ولا تعد)، يعني: لا تعد إلى مثل هذا العمل، الذي هو الركوع دون الصف، وإنما الذي يأتي إلى الصلاة يمشي وعليه السكينة والوقار، فإذا وصل في الصف ودخل في الصلاة وكبر تكبيرة الإحرام ثم ركع واستقر راكعاً قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فإنه يكون مدركاً للركعة بذلك، وإذا لم يتمكن من الوصول إلى الصف إلا بعدما يرفع الإمام فإنه يدخل في الصلاة ويوافق الإمام في بقية الركعة، وإذا قام يقضي ما فاته فلا يعتد بالركعة التي لم يدرك ركوعها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما فعل أبو بكرة رضي الله عنه هذا العمل، الذي هو ركوعه دون الصف ثم دخوله في الصف قال له صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً)؛ لأن الذي حمله على هذا هو الحرص على إدراك الجماعة، وإدراك فضل الجماعة، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بأن يزيده الله حرصاً، ولكنه أرشده إلى عدم العود، وأن الحرص ينبغي أن يكون على وفق ما هو مشروع، وعلى الوجه المشروع، فلا يحصل من الإنسان الحرص ولكن يحصل منه مخالفة أو فعل شيء غير مشروع، وإنما يكون الحرص في حدود المشروع، وعلى ما هو مشروع، ويكون الإنسان يقدم إلى صلاة الجماعة يمشي، وعليه السكينة والوقار، فما أدرك صلى وما فاته أتم، كما جاء ذلك مبيناً في الحديث الآخر، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام: (فامشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، والحديث الذي مر بنا: (إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا)، أي: أن عمل أبي بكرة رضي الله عنه نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العود إليه، فدل ذلك على أنه غير سائغ، وأن الإنسان لا يركع إلا إذا وصل في الصف وكان في الصف، فعند ذلك يركع، فإذا استقر راكعاً والإمام لم يرفع رأسه من الركوع يكون قد أدرك الركعة بإدراكه الركوع مع الإمام، وإذا فاته إدراك الركوع تكون قد فاتته الركعة، لكنه يدخل مع الإمام ويقضي ما فاته بعد ذلك.
وهو حميد بن مسعدة البصري، صدوق، خرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يزيد بن زريع].
وهو يزيد بن زريع البصري، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
وهو ابن أبي عروبة، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زياد الأعلم].
وهو زياد بن حسان بن قرة الأعلم، المعروف بـالأعلم، وهو ثقة، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا الحسن].
وهو ابن أبي الحسن البصري، المحدث، الفقيه، المشهور، وهو: ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي بكرة].
وهو أبو بكرة رضي الله تعالى عنه، نفيع بن الحارث، صحابي مشهور بكنيته أبي بكرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث أبي هريرة، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بأصحابه فلما انصرف قال: [(يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر أحدكم كيف يصلي لنفسه؟)]، والحديث جاء في صحيح مسلم، وفيه: (ألا ينظر كيف يصلي، فإنما يصلي لنفسه)، يعني: أن العاقل صلاته نفعها يعود عليه، فعليه أن يعنى بها وأن يأتي بها على الوجه المشروع، وألا يحصل منه إخلال بها؛ لأن فائدة ذلك ومنفعته تعود عليه، والعاقل هو الذي يفعل ما يعود عليه بالخير، ويحذر مما يعود عليه بالشر، أو يعود عليه بنقصٍ في صلاته التي يصليها ويرجو ثوابها برها ويرجو الجزاء عليها عند الله عز وجل.
قال: [(فإني أراكم من ورائي كما أراكم بين يدي)]، الحديث ليس واضح الدلالة على الترجمة؛ لأن الترجمة هي الركوع خلف الصف، وهذا ليس فيه شيء يدل على الركوع خلف الصف، ولكنه يتعلق بتحسين الصلاة والعناية بها والإتيان بها على وجه الإحسان والإتقان وعدم الإخلال، هذا هو الذي يدل عليه الحديث، وفيه: أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطلعه الله عز وجل فيرى من ورائه كما يرى من أمامه، ولهذا فقد رأى هذا الشخص الذي كان يصلي وراءه، والذي نبهه هذا التنبيه، وأرشده هذا الإرشاد؛ لأنه يرى من ورائه كما يرى من أمامه، وهذا من معجزاته وخصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وسبق أن مر بنا ما يدل على ذلك، وهنا جاء يتعلق بتحسين الصلاة.
وهو محمد بن عبد الله بن المبارك، المخرمي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثني أبو أسامة].
وهو حماد بن أسامة، مشهور بكنيته أبو أسامة، وكنيته توافق اسم أبيه؛ لأن أباه أسامة، وكنيته أبو أسامة، وهذا النوع من أنواع علوم الحديث التي نبهت مراراً عليه، وهو: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك: دفع توهم التصحيف فيما لو قيل: حماد أبو أسامة بدل حماد بن أسامة، فمن لا يعرف يظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، والذي يعرف يقول كل ذلك صواب، أي: إن قيل: حماد بن أسامة فهو حماد بن أسامة، وإن قيل: حماد أبو أسامة، فهو حماد أبو أسامة؛ لأن الكنية مطابقة لاسم الأب، وحماد أبو أسامة، ثقة، ثبت، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني الوليد بن كثير].
وهو الوليد بن كثير المخزومي، صدوق، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
وهو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبوه اسمه كيسان، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو كيسان أبو سعيد المقبري، ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة]
وهو أبو هريرة، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، والذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، أكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة رضي الله عنه، والسبعة هم الذين ذكرهم السيوطي في الألفية في قوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
والبحر هو ابن عباس .
فـأبو هريرة رضي الله عنه هو أول هؤلاء السبعة، وهو أكثر هؤلاء السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وسبق أن ذكرت في دروس مضت سبب هذا الإكثار مع أنه متأخر في الإسلام؛ لأن إسلامه عام خيبر في السنة السابعة، ومع ذلك فهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق، ولهذا بعض المضلين الحاقدين على الصحابة وعلى أهل السنة والجماعة يتكلمون في رواية أبي هريرة، ويقولون: إن أبا هريرة حديثه بالآلاف مع أنه متأخر الإسلام، والذين هم ملازمون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل: الخلفاء الراشدين أحاديثهم دون ذلك بكثير، فهذا يدل على ماذا؟! يعني: يريدون أن يلمزوا، وأن يقدحوا، وأن يشككوا، ومن المعلوم: أن هناك أموراً هي السبب في هذه الكثرة، منها: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالحفظ، ومنها: أنه لازم الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أسلم، فقد بين ذلك أن المهاجرين والأنصار يشتغلون بالأسواق والبيع والشراء والزروع والحرث، وأما هو يلازم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأكل مما يأكل، ثم أيضاً مما كان سبباً في كثرة حديثه: كونه بقي في المدينة وعاش بها وطالت مدته، ومعلوم أن المدينة يفد إليها الناس صادرين وواردين ويلتقون بأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيأخذون منهم، ويتلقون عنهم، ثم الصحابة يأخذ بعضهم من بعض، ويروي بعضهم عن بعض، وإن كان ذلك الصحابي المتأخر إسلاماً لم يدرك هذا الذي يرويه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه يكون أخذها عن الصحابة، ومراسيل الصحابة حجة، فهذه من أسباب كثرة حديثه مع تأخر إسلامه، ولا يقدح في روايته ولا يعاب على كثرة روايته، وإنما الذين يعيبون ذلك ويتكلمون في ذلك بعض أهل الزيغ، وبعض الفرق الضالة الذين في قلوبهم غل وحقد على الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وكان يصلي بعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [الصلاة بعد الظهر]، يعني: النافلة الراتبة التي تكون بعد الظهر، والرواتب: الصلوات الراتبة التي هي متعلقة بالفرائض قبلها أو بعدها ثبت فيها اثنتا عشرة ركعة، جاء في حديث: عائشة اثنتا عشرة ركعة، وكذلك في حديث علي رضي الله تعالى عنه: (وأن قبل الظهر أربعاً)، وفي حديث ابن عمر أنها عشر، يعني: ثنتين قبل الظهر وثنتين بعدها، وحديث عائشة، هي أربعاً قبل الظهر وثنتين بعدها، ولا تنافي بين ما جاء في حديث الأربع والثنتين وأن ذلك يحصل منه أحياناً هذا، وأحياناً هذا، وجاء الحث على الإتيان بتلك الرواتب والترغيب فيها، وبيان فضلها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وحديث ابن عمر الذي ثبت عنه أنها عشر: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، والحديث الذي معنا هنا في هذه الرواية ذكر ثمان ركعات ولم يذكر الركعتين قبل الفجر، لكنها ثابتة عنه، أي: عن ابن عمر في بعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها عشر ركعات، وهنا فيه ذكر ثمان ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، هذه ثمان، وليس فيه تعارض لذكر ركعتي الفجر، لكن جاء الحديث عنه من رواية أخرى صحيحة ثابتة، وفيها ذكر العشر وتفصيلها، وأن منها ركعتي الفجر، بل ركعتي الفجر هي آكد الرواتب، وآكد السنن، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على شيء في الحضر والسفر مثل ما كان يحافظ على ركعتي الفجر والوتر، لكن هذه الرواية التي أوردها المصنف هنا هي من أجل ما بعد صلاة الظهر، وهي مشتملة على ما ترجم له المصنف.
قوله: [(لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ..)].
يعني: يصلي في بيته، وجاء ما يدل على أنه يصلى أربع بعد الجمعة، فجاء أربع، وجاء ركعتان بعد الجمعة، لكن الذي جاء هنا من الرواتب هو ثمان، ومحل الشاهد منه: أن الصلاة بعد الظهر، أي: الراتبة، ركعتان.
وهو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبتٌ، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
وهو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة المشهورة، التي حصل لأصحابها أتباع عنوا بجمع أقوالهم، والتأليف فيها، والعناية بها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
وهو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر]
وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، الذين هم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وهم من صغار الصحابة، وأحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين ذكرهم السيوطي في ألفيته، والذين أشرت إليهم آنفاً عند ذكر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.
وهذا الإسناد من رباعيات النسائي، وهي أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن النسائي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة، ومالك، ونافع، وابن عمر، ثم هذا الإسناد الذي هو مالك عن نافع عن ابن عمر، يعتبر أصح الأسانيد عند البخاري، إذاً: أصح الأسانيد عند البخاري هو: مالك عن نافع عن ابن عمر، ويسمى السلسلة الذهبية، أي: رجال هذه السلسلة هم في غاية الإتقان، وغاية الحفظ، ويروي بعضهم عن بعض، مالك عن نافع عن ابن عمر، فالإسناد رباعي، ورجاله جميعاً أخرج لهم أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا يزيد بن زريع حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة : (قال: سألنا
أورد النسائي: الصلاة قبل العصر، واختلاف الناقلين عن أبي إسحاق، والمراد من ذلك: السنة أو ما يستحب للإنسان أن يفعله قبل صلاة العصر، وهي ليست من الرواتب ولكنها من الأمور المستحبة، والرواتب هي: إما اثنتي عشرة ركعة كما في حديث عائشة، وإما عشر كما في حديث ابن عمر، وأما الركعات التي تكون قبل الصلوات، مثل: ما قبل العصر، وما قبل المغرب، وما قبل العشاء فإن ذلك مستحب، ولكنه ليس من الأشياء الراتبة التي يحرص الإنسان عليها ويداوم عليها ويكون فعلها دائماً وأبداً يحرص عليه، فلم يأت ذكر ركعات قبل العصر، أو قبل المغرب، أو قبل العشاء في الرواتب التي يداوم عليها، لكن جاء ما يدل على الصلاة بين كل أذان وإقامة الذي فيه راتبة، والذي ليس فيه راتبة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: [(بين كل أذانين صلاة)]، يعني: بين الأذان والإقامة، يصلي الإنسان ما شاء من الصلوات، ركعتين، أو أكثر، وهذا شيء مستحب ولكنه ليس براتب، إلا أن السنن بعضها آكد من بعض، والسنن الرواتب العشر، أو الاثنتا عشر هي آكد من غيرها، فالعشر جاء فيها أحاديث تدل على ذلك، منها: هذا الحديث الذي أورده النسائي هنا، ويتعلق بصلاة العصر وأنه يصلي أربعاً، كما يشتمل على عدة صلوات، اشتمل على صلاة الضحى، وكذلك الصلاة عند ارتفاع الضحى عند ارتفاع الشمس، وكذلك قبل الظهر وبعدها، وقبل العصر، هذا الحديث اشتمل على هذه الأمور.
فـعاصم بن ضمرة يقول: سألنا علياً عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهار؟ فقال: إنكم لا تطيقون ذلك، يعني: المداومة على هذا، والملازمة لذلك، قالوا: إن لم نطق سمعنا، وفي بعض الروايات: [(نفعل ما استطعنا)]، فعند ذلك بين لهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهار، فقال: إذا كانت الشمس من هاهنا وأشار إلى جهة المشرق، مثلها من هاهنا، أي: عند العصر، بمعنى: أنها عندما تطلع وترتفع فإنه يصلي في ذلك الوقت، فإذا كانت الشمس من جهة المغرب، يعني: مرتفعة لم تصل إلى الغروب، مثلها من جهة المشرق إذا طلعت وارتفعت وصار ارتفاعها من جهة المشرق كارتفاعها من جهة المغرب الذي هو في وقت العصر فإنه يصلي ركعتين، وإذا كانت الشمس من هاهنا، أي: من المشرق كهيئتها من هاهنا، معناه: أنها ارتفعت حتى صارت قريبة من الزوال، مثل ما إذا كانت الشمس من جهة المغرب قد زالت الشمس، ومضى شيء من وقت الظهر، يعني: أن هيئتها من المشرق قريبة من الزوال، كهيئتها من المغرب، يعني: بعد الظهر، حيث تكون قريبة من الزوال، وذلك في شدة الحر، وفي شدة الظهيرة قبل الزوال صلى أربعاً.
وقد جاء في صحيح مسلم تسمية هذه الصلاة: صلاة الأوابين، قال عليه الصلاة والسلام: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)، والفصال هي: أولاد البهائم، أولاد الإبل، عندما تشتد الحرارة تصيبها الرمضاء وتتألم من شدة الحرارة، فصلاة الأوابين حين ترمض الفصال، يعني: في وقت شدة حرارة الشمس، أي: قبل الزوال، فذكر أنه يصلي بعد طلوع الشمس إذا ارتفعت ركعتين، وعند اشتداد الحر قبل الظهر يصلي أربعاً، ويصلي ركعتين بعدها، ويصلي أربعاً قبل العصر، وهذا هو محل الشاهد، الصلاة قبل العصر أربعاً، هذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا.
قال: [(ويصلي قبل العصر أربعاً، يفصل بين كل ركعتين بتسليم على الملائكة)].
قوله: يفصل بين كل ركعتين من تلك الركعات التي هي أربع، يعني: التي هي قبل الظهر، والتي قبل الزوال، والتي قبل العصر، (يفصل بين كل ركعتين بتسليم على الملائكة، والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين).
والمقصود بذلك التشهد، معناه: أنه يتشهد بين كل ركعتين، يفصل بين كل ركعتين بتشهد، يسلم فيه على الملائكة، والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين، والمقصود من ذلك: ما جاء في التشهد: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)؛ لأن معنى السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: أن الإنسان يسلم على كل عبد صالح في السماء والأرض، ولهذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، في شروط الصلاة وبيان أركانها وما إلى ذلك، ذكر تفسير التحيات، وقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، تسلم على كل عبد صالح في السماء والأرض، وهنا الحديث يقول: على الملائكة والنبيين الذين هم في السماء وفي الأرض، الملائكة في السماء، والنبيين في الأرض، الملائكة والنبيين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين، فكون الإنسان يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، سلم على هؤلاء جميعاً.
المقصود من ذلك: بالتشهد هذا، هو التسليم الذي يفصل فيه، يعني بالتسليم، ليس التسليم بالخروج من الصلاة، وإنما المقصود من ذلك التشهد، أي: أنه يفصل بين كل ركعتين بتشهد وتسليم، ويسلم كل ركعتين ويتشهد، والتشهد مشتمل على السلام على عباد الله الصالحين الذين هم الملائكة، والنبيون، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين.
وهو إسماعيل بن مسعود، وكنيته أبو مسعود البصري، ثقة، خرج حديثه النسائي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه، مثل: حماد بن أسامة أبو أسامة، الذي مر قريباً، ومثل: هناد بن السري أبو السري، ومثل: أبو عمرو الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو، كثير من المحدثين توافق كناهم أسماء آبائهم.
[حدثنا يزيد بن زريع].
وهو يزيد بن زريع، وقد مر ذكره قريباً، وهو ثقة، ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
وهو ابن الحجاج، أمير المؤمنين في الحديث، وهو بصري واسطي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو قد وصف بوصف رفيع، من أعلى صيغ التعديل، وهو الوصف بأمير المؤمنين في الحديث، وقد حصل هذا الوصف لعددٍ قليل من المحدثين، منهم: شعبة، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والبخاري، والدارقطني.
وشعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وكونه بصرياً بعد كونه واسطياً، أي: أنه كان في واسط أولاً ثم كان في البصرة آخراً.
[عن أبي إسحاق].
وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وسبيع هم جزء من همدان، وهمدان نسبة عامة وسبيع نسبة خاصة، وهو مشهور بالنسبة الخاصة، يقال: أبو إسحاق السبيعي، ومشهور بكنيته، ولهذا يأتي ذكره مع النسبة فيقال: أبو إسحاق السبيعي، وأحياناً يأتي أبو إسحاق بدون النسبة؛ لأنه مشهور بالكنية، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم بن ضمرة].
وهو عاصم بن ضمرة السلولي، صدوق، خرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن علي].
وهو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، بل هو أفضل الصحابة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عن الجميع، وهو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصهره زوج ابنته فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد حديث: علي رضي الله عنه من طريق أخرى وهو مختصر مشتمل على شيئين: أحدهما: أنه يصلي بعد أن تزيغ الشمس ركعتين، يعني: أن السنة أو الراتبة قبل الظهر اثنتان والروايات السابقة أربع قبل الظهر، أي: بعد الزوال قبل الظهر أربع ركعات، وفي هذه الرواية: ركعتين بعد الزوال التي هي راتبة الظهر قبلها وقبل نصف النهار أربع ركعات، وهذا مطابق لما تقدم في الروايات السابقة؛ لأن قبل نصف النهار، أي: إذا كانت الشمس من ها هنا، يعني: من جهة المشرق، مثلها من هاهنا في وقت الظهر، معناه: في وقت شدة الحرارة، فإنه يصلي أربعاً، وهذا مطابق لما تقدم من ذكر الأربع قبل الظهر، ولكنه غير موافق أو غير مطابق لما تقدم في الرواية السابقة من كونه قبل الظهر يصلي أربعاً وإنما هنا يصلي ركعتين، لكن ليس فيه ذكر ما يتعلق بالعصر التي هي موضوع الترجمة، وهي الصلاة قبل العصر؛ لأن الصلاة قبل العصر ليس فيها إلا ذكر الرواية الأولى، وهو أنه يصلي قبل العصر أربعاً، وقد ذكر في الرواية السابقة أنه يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة، والنبيين، وعلى من تبعهم من المؤمنين والمسلمين.
وهنا قال: يجعل التسليم في آخره، وهذه الرواية مخالفة للروايات السابقة، ففيها: ذكر التسليم في الآخر، والروايات السابقة: أنه يفصل بين كل ركعتين بالسلام على الملائكة، والنبيين، وعلى من تبعهم من المؤمنين والمسلمين، وهنا يقول: التسليم في آخره، فيحتمل أن المراد به: الخروج من الصلاة، أي: أن التسليم يكون المراد به الخروج من الصلاة، وهذا هو الذي يظهر من هذه الرواية، لكنها تختلف مع الراويات السابقة المتقدمة التي فيها الفصل بين كل ركعتين بالتشهد، ومن المعلوم: أن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل وكذلك في النهار مثنى مثنى، يعني: صلاته التي كان يداوم عليها والتي هي ثابتةٌ عنه أنه كان يصلي ركعتين ركعتين، يعني: في الليل وفي النهار، وهنا يقول: إن التسليم في آخره، فإن كان ثابتاً ومحفوظاً، فهو يدل على أن الأربع تصلى ويكون التسليم في آخرها.
وهو محمد بن المثنى العنزي، الملقب بـالزمن، وكنيته أبو موسى، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[أخبرنا محمد بن عبد الرحمن]
وهو محمد بن عبد الرحمن، صدوق يهم خرج له البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا حصين بن عبد الرحمن].
وهو حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق وهو السبيعي، وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا. عن عاصم بن ضمرة عن علي].
الجواب: ليس للإنسان أن يؤخر دفع الزكاة عن وقت وجوبها إذا كان الفقراء موجودين، بل عليه أن يبادر إلى إيصالها إليهم؛ لأن هذا حق ثبت لهم، فيجب عليه أن يوصله إليهم ولا يؤخره، أما إذا كان المكان الذي هو فيه ليس فيه فقراء وأخر من أجل أن يأتوا أو أن يذهب إليهم ويوصل ذلك إليهم، إذا كان هذا من أجل أمر يدعو إليه وهو عدم وجود الفقراء يمكن أن تؤخر؛ لأنه دفعها لهم، أما إذا كانوا موجودين فلا يؤخر دفع الزكاة عن وقت وجوبها.
الجواب: الإيمان في اللغة: هو التصديق، وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا [يوسف:17]، يعني: بمصدق لنا، هذا هو المراد بالإيمان في اللغة الذي هو التصديق.
الجواب: لا فرق بينهما، أهل السنة والجماعة هم سلف هذه الأمة، ومن سار على منهاجهم وعلى دربهم، لكن كلمة السنة والجماعة كل يدعيها المحق والمبطل، لكن السلفية، أو الانتساب للسلف، أو أنه سلفي، هذا لا يقدم عليه الكثيرون الذين يقدمون على أن يكون من أهل السنة والجماعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر