أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة حدثني عمي الماجشون بن أبي سلمة عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنا عبدك ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)].
يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة بين التكبير للدخول في الصلاة -الذي هو الإحرام- والقراءة التي هي قراءة الفاتحة، وقد سبق أن مر في حديث أبي هريرة: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت هنيهة، فقلت: بأبي أنت وأمي ماذا تقول؟ يعني: بين التكبير والقراءة، فقال: أقول كذا) الحديث.
وقد مر أيضاً بعد حديث أبي هريرة نوع آخر من أنواع الذكر أو من أنواع الدعاء، وهنا قال: نوع آخر من أنواع الذكر والدعاء، قال: الذكر والدعاء، جمع بينهما لأن هذا الاستفتاح أو هذا الدعاء والذكر مشتمل على ذكر ودعاء، ليس ذكراً فقط وليس دعاءً فقط، وإنما هو جامع بين الذكر والدعاء، فأوله ثناء على الله عز وجل.. (وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)، كل هذا ذكر لله عز وجل، ثم جاء بعد ذلك الدعاء، وهو سؤال الله عز وجل بأن يهديه لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنه سيئها لا يصرف عنه سيئها إلا هو، وأن يغفر له الذنوب لا يغفر الذنوب إلا هو، فهذا كله دعاء؛ لأن فيه ذكر وثناء على الله، ودعاء هو طلب من الله وسؤال من الله عز وجل.
قوله: عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)].
قوله: (إذا استفتح)، أي: إذا أراد أن يستفتح؛ لأن التكبير وهو: الاستفتاح، وهو البداية، هو: التحريم، يعني: أنه إذا أراد أن يدخل في الصلاة كبر؛ لأن تحريمها التكبير، وقبل أن يقول الإنسان: الله أكبر، له أن يفعل ما يشاء مما كان يفعله قبل الدخول في الصلاة، فإذا قال: الله أكبر دخل في الصلاة، فحرم عليه بعدها ما كان حلالاً عليه قبلها مما لا يجوزه في الصلاة من الكلام والأكل والشرب وغير ذلك من الأمور، والذهاب والالتفات، وغير ذلك من التصرفات التي لا تسوغ.
(وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين)، فهو اتجه إلى الله عز وجل، وأقبل على الله، ودخل في صلاة يناجي فيها الله، ولهذا فقد وجه وجهه إليه، وأقبل بقلبه وكليته إليه، يسأله ويرجوه، ويعبده ويثني عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى.
ثم قال: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، (إن صلاتي)، الصلاة التي هي هذه الصلوات الركوع والسجود، (ونسكي): الذبح، والذبح هو لله عز وجل، الصلاة لله والذبح لله وجميع أنواع العبادة لله عز وجل، ثم أتى بعد ذلك بما هو عام يشمل الدنيا والآخرة، والحياة والممات، (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)، كل شيء له، وكل شيء بيده، وكل شيء في تصرفه؛ فهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، هو الخالق وحده لا شريك له، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، فكما أنه لا خالق إلا الله ولا رزاق إلا الله، فلا معبود بحق سواه.
وهذا من التوسل بأسماء الله عز وجل، وأن الإنسان يجعل بين يدي دعائه ثناء على الله عز وجل، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت! ظلمت نفسي.. أو يثني على الله عز وجل، وأنه هو الملك الذي بيده ملكوت كل شيء، المالك لكل شيء، ثم أيضاً كما أنه هو الملك المتفرد بالملك فهو المتفرد بالعبادة، والمستحق للعبادة، ففي ذلك ثناء على الله عز وجل بأفعاله، وبأسمائه، وبربوبيته، وملكه، وكذلك أيضاً اعتراف بأنه هو الإله الحق الذي لا تصلح العبودية إلا له سبحانه وتعالى، ولا يجوز أن يصرف شيء من أنواع العبادة لغيره سبحانه وتعالى؛ لأنه الخالق وغيره مخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق، ولا تكون للمخلوق؛ لأن هذا الذي يتعبد مخلوق، فالمخلوق لا يعبد مخلوقاً، ولا يتعبد إلى مخلوق، وإنما يعبد الخالق، والله عز وجل خلق الخلق لعبادته، قال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، فالعبادة حق الخالق، ولا يجوز أن يصرف المخلوق منها شيئاً للمخلوق، بل هي كلها للخالق وحده لا شريك له.
وقوله: (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي)، يعني: هذا كله تذلل وخضوع لله عز وجل، أولاً: ثناء على الله عز وجل بأنه الملك، وأنه الذي لا إله إلا هو، ثم اعتراف بذله وخضوعه وعبوديته لله بقوله: أنا عبدك، ثم قال بعد ذلك: (ظلمت نفسي واعترفت بذنبي)، ثم بعد ذلك دخل في المطلوب الذي مهد له بهذا التمهيد، وهو السؤال والطلب من الله عز وجل: فقال: (فاغفر لي).
قوله: (فاغفر لي ذنوبي جميعاً لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)، فهو سؤال من الله عز جل أن يهديه لأحسن الأخلاق، وأن يقيه سيئ الأخلاق، وأن يصرف عنه سيئ الأخلاق، ومع طلبه يثني على الله عز وجل، طلبٌ أولاً وثناء بعد ذلك، فإن قوله: (واهدني لأحسن الأخلاق) هذا دعاء، (لا يهدي لأحسنها إلا أنت) ثناء على الله عز وجل، (واصرف عني سيئها) هذا دعاء، (لا يصرف عني سيئها إلا أنت) ثناء على الله عز وجل.
وقوله: [(لبيك وسعديك والخير كله في يديك)].
يعني: أنك دعوتني وأمرتني بأن أصلي لك، وها أنا أوجه وجهي إليك، وأتجه إليك، وأصلي لك، وأستجيب لأمرك، وأخضع لأمرك، (والخير بيديك)، كل خير فهو من الله عز وجل، ما بالناس من نعمة إلا وهي منه سبحانه وتعالى، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53]، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]، فالخير كله من الله.
وقوله: [(والشر ليس إليك)]، ليس معنى ذلك: أن الله سبحانه وتعالى ليس خالق الشر، بل هو خالق كل شيء، اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، فكل شيء خلقه، وكل مخلوق خلقه، وليس هناك إلا الخالق والمخلوق، والله تعالى هو الخالق وغيره المخلوق، والمخلوق منه ما هو خير ومنه ما هو شر، وكل ذلك خلق الله عز وجل وإيجاده، لكن الله عز وجل لا يخلق شراً محضاً لا يترتب عليه فائدة ولا يترتب عليه مصلحة، ويكون شراً من جميع الوجوه بحيث لا يكون فيه خير أصلاً، ولا يؤدي إلى خير، ولا يفضي إلى خير، فالله تعالى لا يخلق خلقاً يكون كذلك، ولكنه يخلق كل شيء لحكمة وبحكمة سبحانه وتعالى؛ فخلقه الشر لحكمة، وإيجاده الشر لحكمة، وهذه الحكمة منها ما هو ظاهر، ومنها ما هو غير ظاهر، لكنه لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، ولا يترتب عليه خير بوجه من الوجوه، ومن المعلوم أن الجهاد في سبيل الله عز وجل، لما شرعه الله وأوجده، وجعله من أحب الأعمال وخير الأعمال، فهو لا يكون إلا بوجود الخير والشر، وبوجود الأخيار والأشرار، ولو جعل الله الناس أمة واحدة، ولو جعل الله الناس كلهم على الهدى، ما حصلت مقتضى هذه الحكمة، التي هي تميز أولياء الله من أعداء الله، والله عز وجل يقول: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149]، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة:13]، فالله عز وجل قدر وقضى أن يكون الناس فريقين، فريق في الجنة وفريق في السعير، وهؤلاء الذين هم فريق السعير، والذين هم أهل السعير، الله تعالى يبتلي بهم أولياءه ليجاهدوا في سبيله، وليدعوا الناس إلى الحق والهدى، كما قال الله عز وجل: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25]، يعني: يدعو كل أحد، إلى دار السلام، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25].
إذاً: فالحديث لا يدل على أن الشر لا يضاف إلى الله خلقاً وإيجاداً وأن الشر له خالق غير الله، أبداً؛ كل شيء هو خلق الله وإيجاده، لكن الله عز وجل لا يخلق شراً محضاً لا خير فيه بوجه من الوجوه، ولا يترتب عليه خير ولا يترتب عليه مصلحة وفائدة بوجه من الوجوه.
ثم أيضاً مما يناسب هذا المعنى أن يقال: إن الشر لا يضاف إليه استقلالاً وانفراداً، ولا يثنى على الله عز وجل بإضافة الشر إليه بأن يقال: يا خالق الشر! أو يا خالق الحيات! أو يا خالق العقارب! أو ما إلى ذلك من الأمور التي فيها شر، فلا تضاف إليه استقلالاً، ولكنها تضاف إليه في العموم، مثل قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:1-2]؛ لأن كل شيء خلقه، وفيه خير وفيه شر، فالاستعاذة من شر ما خلق، فلا يضاف الشر إلى الله عز وجل على سبيل الانفراد، وأن يخاطب ويدعى بكونه خالق الشر، وإنما يدعى بأنه خالق الخلق، وخالق السماوات والأرض، وكل ذلك الخير والشر يدخل في عموم خلقه سبحانه وتعالى، لكن كونه يدعى به استقلالاً وينادى به استقلالاً فلا يصلح ولا يناسب.
ولهذا لما ذكر الله عز وجل عن الجن في سورة الجن عند ذِكر الخير والشر، جاء ذكر الشر غير مضاف وغير منسوب إليه، وبني للمجهول، وأما الخير فأضيف إلى الله عز وجل: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، مع أن الله تعالى هو الذي يريد الخير وهو الذي يريد الشر، لكن هذا من الأدب بأن الشر لا يضاف إليه على سبيل الاستقلال، والخير يضاف إليه، وكل شيء يضاف إليه هو على سبيل الإجمال، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10]، فعند الخير قال: أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ، وعند الشر قال: أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ، والذي أراد هو الله عز وجل.
إذاً: هذا هو معنى قوله: [(والشر ليس إليك)]، ولهذا لا حجة للمعتزلة القائلين بأن العباد يخلقون أفعالهم، وأن الله تعالى لا يخلق الشر، وأن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم، والمعاصي هم التي يوجدونها، والله تعالى ليس خالقاً لها، الله تعالى يقول: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فالله تعالى خالق العباد، وخالق أفعال العباد، وكل شيء في الوجود فهو خلقه، ما يكون حركة ولا سكون، ولا وجود لذرة، ولا وجود لخير أو شر إلا بمشيئة الله وإرادته؛ فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد:22].
قوله: [(أنا بك وإليك)].
(أنا بك): عائذ بك، ومعتصم بك، وملتجئ إليك، وصائر إليك، وآيل إليك، فأنا بك وإليك.
[(تباركت وتعاليت)].
ثناء على الله عز وجل.
[(أستغفرك وأتوب إليك)].
استغفار وتوبة.
هو: الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن مهدي].
عبد الرحمن بن مهدي، وهو كذلك محدث، ناقد، ثقة، ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة].
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وهو: الماجشون، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني عمي الماجشون].
هو الماجشون بن أبي سلمة، الماجشون هو: أخو عبد الله؛ لأن ذاك عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وهذا الماجشون بن أبي سلمة.
[عن عبد الرحمن الأعرج].
عبد الرحمن الأعرج، وهو: عبد الرحمن بن هرمز، ولقبه الأعرج، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن أبي رافع].
عبيد الله بن أبي رافع، أبو رافع هو: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله هذا ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكان كاتب علي بن أبي طالب.
[عن علي بن أبي طالب].
أمير المؤمنين، أبي الحسنين، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
ثم أورد النسائي بعد ذلك حديث محمد بن مسلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يتعلق بالذكر والدعاء بعد التكبير، وكان هذا في صلاة التطوع، وهو قريب من الذي قبله، يعني: ما ورد فيه قريب مما ورد في الذي قبله.
وهذا في الحقيقة هو ثناء وذكر، وليس فيه دعاء، ليس فيه دعاء، وإنما هو ذكر فقط، واشتمل الحديث الذي قبله على أكثر هذا الذكر، وليس فيه دعاء؛ لأنه ليس فيه طلب، وإنما كله ثناء على الله عز وجل، وتعظيم له.
يحيى بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه .
[حدثنا ابن حمير].
ابن حمير هو محمد بن حمير وهو صدوق، خرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه .
[حدثنا شعيب بن أبي حمزة].
هو شعيب بن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن المنكدر].
هو محمد بن المنكدر المدني، وهو ثقة، فاضل، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[وذكر آخر قبله].
قوله: (وذكر آخر قبله)، يعني: راو آخر قبل محمد بن المنكدر، والذي ذكر هذا شعيب.
يعني أن شعيباً ذكر آخر قبل محمد بن المنكدر، يعني يروي عن اثنين، محمد بن المنكدر وآخر قبله، والذي يقول: (وذكر) هو من دون شعيب بن أبي حمزة، وفاعل ذكر هو شعيب، فاعل ذكر ضمير مستتر يرجع إلى شعيب بن أبي حمزة، يعني قال: من دون شعيب بن أبي حمزة، وذكر شعيب آخر قبل محمد بن المنكدر، ومن المعلوم عدم ذكره وعدم تسميته لا تؤثر؛ لأن الإسناد لا ينبني عليه، وإنما هذا المذكور، وهذا المثبت، وهذا المظهر الذي هو محمد بن المنكدر هو الذي عليه المعول، وذاك سواء جاء أو لم يأت، وسواء ذكر أو لم يذكر، يعني عدمه لا يؤثر وجهله لا يؤثر.
[عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج].
عبد الرحمن بن هرمز، وهو الأعرج وقد مر ذكره.
[عن محمد بن مسلمة].
محمد بن مسلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي مشهور، قال الحافظ: إنه أكبر من يسمى محمد في الصحابة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرني عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي نوع آخر من الذكر، وهنا ما قال: والدعاء، قال: والذكر؛ لأنه ذكر وليس فيه دعاء، هو ثناء وليس فيه طلب، وإنما كله تعظيم لله وثناء عليه سبحانه وتعالى، وأورد فيه حديث أبي سعيد الخدري: (أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، فهذا كله ذكر وثناء على الله عز وجل.
قوله: [(سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك)]، المراد بالجد هنا الجلال والعظمة، يعني: تعالت عظمتك، تعالى جلالك، هذا هو المراد بلفظ (الجد)، ولفظ (الجد) يأتي لمعاني منها: العظمة والجلال كما هنا، وكما في قول الله عز وجل عن الجن: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا [الجن:3]، فهنا المراد به الجلال والعظمة في الآية والحديث، ويأتي مراداً به الحظ والنصيب، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، يعني: لا ينفع صاحب الحظ حظه عندك، وإنما ينفعه العمل الصالح، فالجد يراد به الحظ والنصيب، ويأتي ويراد به اسم الجد الذي هو أبو الأب أو آباء الأب، فكلهم أجداد، ويقول الشاعر:
(الجد بالجد)، يعني: الحظ والنصيب بالجد والاجتهاد لا بالكسل والخمول..
الجَد بالجِد والحرمان بالكسل فانصب تصب عن قريب غاية الأمل
فقوله: الجد بالجد، يعني: الحظ والنصيب والفوائد تحصل بالجد والاجتهاد، والحرمان بالكسل؛ لأن الحرمان يقابل الجَد، والكسل يقابل الجِد.
فإذاً: الجد يأتي بمعنى الجلال والعظمة كما في الحديث الذي معنا والآية في سورة الجن، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، ومنه الحديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، ويأتي مراداً به اسم أبي الأب الذي هو الجد.
هو: عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، حافظ، خرج حديثه النسائي وحده.
[أخبرنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق، وهو: ابن همام بن نافع الصنعاني، ثقة، حافظ، مصنف، وصاحب كتاب المصنف، وهو موسوعة كبيرة في الأحاديث والآثار، مثل مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، فمثل هذه الكتب فيها مظان الآثار عن السلف وكلامهم من الصحابة ومن بعدهم، فهو مشتمل على الأحاديث والآثار، أي: كتابه المصنف، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ الإمام أحمد، وهو الذي روى عنه الإمام مسلم، وكذلك البخاري، فرووا أحاديث صحيفة همام بن منبه؛ لأنه من طريق عبد الرزاق، وصحيفة همام بن منبه تروى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام.
[حدثنا جعفر بن سليمان].
جعفر بن سليمان الضبعي وهو صدوق، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وكان يتشيع، وكذلك عبد الرزاق قالوا عنه: كان يتشيع، لكن سبق أن ذكرت أن تشيع عبد الرزاق هو من قبيل تفضيل علي على عثمان، وهذه كما ذكرت مسألة خلافية عند أهل السنة لا يبدع من قال بها، وقد قال بها جماعة منهم: عبد الرزاق، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، والأعمش، وابن خزيمة، وابن جرير الطبري.
[عن علي بن علي].
علي بن علي اليشكري البصري، وهو لا بأس به، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي المتوكل].
أبو المتوكل الناجي، وهو: علي بن داود بن المتوكل الناجي، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد].
أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومشهور بكنيته ونسبته، وهو أحد السبعة المكثرين من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث أبي سعيد من طريق أخرى، وهو بلفظه، وهو مثله، إلا أنه جاء من طريق أخرى.
قوله: [أخبرنا أحمد بن سليمان].
أحمد بن سليمان، وهو: الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، وخرج حديثه النسائي.
[حدثنا زيد بن الحباب].
زيد بن الحباب، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني جعفر بن سليمان عن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد].
وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا حجاج حدثنا حماد عن ثابت وقتادة وحميد عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، إذ جاء رجل فدخل المسجد وقد حفزه النفس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: أيكم الذي تكلم بكلمات؟ فأرم القوم، قال: إنه لم يقل بأساً، قال: أنا يا رسول الله! جئت وقد حفزني النفس فقلتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها)].
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي نوع آخر من الذكر بعد التكبير، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رجل قد حفزه النفس)، يعني: نفسه ثائر، ويسمع نفسه يخرج منه لشدة ثورانه، فقال: (الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيكم قال تلك الكلمات؟ فأرم القوم)، يعني: سكتوا ولم يتكلموا بشيء، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ما قال بأساً؛ لأنهم أولاً خشوا أن يكون أتى بأمر ينكر عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم بادر وقال: إنه لم يقل بأساً، يعني: ما قال شيئاً يذم عليه، فقال: أنا يا رسول الله! فقال: لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها أيهم يرفعها، يعني: أيهم يأخذها ويرفعها إلى الله عز وجل، فهذا نوع من الذكر، وهو ذكر فقط وليس فيه دعاء، ولهذا جعل الترجمة نوع آخر من الذكر، ولم يقل: والدعاء.
محمد بن المثنى، وهو: أبو موسى الزمن، كنيته أبو موسى ولقبه الزمن، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وحديثه كما قلت عندهم بل هو من شيوخهم، وهو قرين محمد بن بشار بندار، الذي قال عنهما ابن حجر: وكانا كفرسي رهان.
[حدثنا حجاج].
حجاج هو حجاج بن المنهال البصري، وهو ثقة، وخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
حماد، هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، وخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
وهم ثابت بن أسلم البناني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وقتادة بن دعامة السدوسي، وهو ثقة أيضاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكذلك أيضاً حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، والثلاثة يروون عن أنس.
[عن أنس].
أنس بن مالك، هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المكثرين من حديث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وثابت وقتادة وحميد كلهم شيوخ يروي عنهم حماد، ويروون ثلاثتهم عن أنس، والإسناد خماسي يعتبر من حيث العدد، من حديث الدرجات خماسي، وهؤلاء لا يحسبون في طول الإسناد؛ لأنهم في درجة واحدة، لأن بعضهم معطوف على بعض، وليس كل واحد يروي عن الثاني، فعند ذكر الطبقات، أو ذكر كونه من الرباعيات، أو الخماسيات، أو السداسيات يقال: خماسي؛ لأن فيه ثلاثة في طبقة واحدة: ثابت وحميد وقتادة، وهم من أهل البصرة.
ثم أيضاً هؤلاء كلهم من أهل البصرة، لأن محمد بن المثنى بصري، والحجاج بن المنهال بصري، وحماد بن سلمة بصري، والثلاثة الذين هم في طبقة واحدة وهم: ثابت وقتادة وحميد كلهم بصريون، وأنس بن مالك بصري، فهو مسلسل بالرواة البصريين، وثلاثة منهم كما ذكرت في طبقة واحدة، فهو من الخماسيات.
الجواب: نعم، قال تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ينفق كيف يشاء [المائدة:64]، فقوله: (والخير كله بيديك) هي من جنس: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، وفيها إثبات صفة اليدين لله سبحانه وتعالى.
الجواب: تزداد الخشية بأمور، منها: تذكر الآخرة، وتذكر الموت، وتذكر أن كل ما يعمله الإنسان فإنه يجده أمامه؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر