أخبرنا محمد بن زنبور المكي حدثنا ابن أبي حازم عن يزيد بن عبد الله عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)].
سبق أن مر بنا ذكر الترجمة وهي: تزيين القرآن بالصوت، وعرفنا أن المراد بذلك القراءة، وأن الإنسان يزين قراءته بالصوت الحسن الذي يجعل السامع يعتبر ويتعظ، وكذلك أيضاً هو بتحسين قراءته يحصل تلك الفائدة، وهي من غير تمطيط ومجاوزة للحد واشتغال بتحسين الصوت عن التدبر ومعرفة المعنى والاعتبار به، وإنما يكون بهذا وبهذا، وقد سبق أن مر بنا بعض الأحاديث الواردة في ذلك، ومنها حديث: (زينوا القرآن بأصواتكم) وهنا أورد النسائي بقية الأحاديث المتعلقة بهذه الترجمة، ومنها هذا الحديث الذي هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
(ما أذن الله لشيء)، يعني: ما استمع لشيء أذنه لنبي، والمراد بالنبي هو الجنس، وليس المراد به نبياً معيناً، والقرآن المراد به القراءة أو المراد به كلام الله مطلقاً، يعني حتى يصلح أن يكون شاملاً للأنبياء، وليس المراد به رسول الله عليه الصلاة والسلام فقط، وإنما هو لفظ عام المراد به جنس النبي.
فالقرآن إما أن يراد به القراءة أو يراد به كلام الله عز وجل الذي منه القرآن وغير القرآن الذي هو التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السابقة التي هي من كلام الله عز وجل.
(ما أذن الله لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) يعني: يحسن صوته بالقرآن ويجهر به، أي: يرفع الصوت، فالمراد: رفع الصوت مع التحسين، وإذا كان الصوت مرتفعاً مع تحسينه فإن الفائدة فيه أعظم وأشمل.
وهنا جاء: (يجهر به) وهي مفسرة أيضاً للتغني، لكن ليس المراد بها مجرد الجهر، بل الجهر مع تحسين الصوت، ولهذا جاء قبلها: (حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
و(أذن) معناها استمع، وفيه بيان عظم شأن تحسين الصوت بالقراءة وأن شأنها عظيم وأن ذلك الاستماع يحصل من الله عز وجل.
(ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
وما أذن، يعني ما استمع الله لشيء استماعه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به، وقد جاء عن بعض السلف تفسير (يتغنى) بمعان أخر، منها: الاستغناء بالقرآن، والمراد به أنه يستغني به عن غيره ويقدم القرآن على غيره، لكن ما جاء من ذكر حسن الصوت وذكر الجهر به يبين أو يدل على أن المراد بذلك: تحسين الصوت بالقراءة، ومن المعلوم أن تحسين الصوت بالقراءة هو الذي يثمر ويحصل بسببه الاعتبار والاتعاظ.
وهذا هو المطابق للترجمة من حيث أن الترجمة هي تحسين الصوت بالقراءة وتزيين القراءة بالصوت، أنه يزين صوته ويحسن صوته في القراءة ويجهر بها حتى تكون الفائدة أكمل وأعظم.
هو المكي، وزنبور لقب اسم صاحبه جعفر، وهو صدوق له أوهام، خرج حديثه النسائي وحده.
[عن ابن أبي حازم].
هو عبد العزيز بن أبي حازم، وأبو حازم هو سلمة بن دينار الذي جاء ذكره مراراً، فهذا ابنه عبد العزيز بن أبي حازم، وهو صدوق، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله].
وهو ابن أسامة بن الهاد، وهو ثقة، مكثر من رواية الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن إبراهيم].
وهو التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، من فقهاء المدينة في عصر التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة على أحد الأقوال في السابع من السبعة؛ لأن ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قول أنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقول أنه: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقول أنه: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة فهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، فهؤلاء السبعة أطلق عليهم لقب الفقهاء السبعة في المدينة، وإذا جاء ذكر الفقهاء السبعة فالمراد بهم هؤلاء السبعة. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو بلفظ قريب من الحديث المتقدم: (ما أذن الله لشيء يعني إذنه لنبي يتغنى بالقرآن) وهناك فيه حسن الصوت، وفيه يجهر به، وهنا ليس فيه هذان الوصفان، وهو بمعنى الحديث المتقدم، والمراد من ذلك: تحسين القراءة بالصوت الحسن وتزيينها به؛ لما فيه من الفائدة والمصلحة.
قوله: [أخبرنا قتيبة].
وقتيبة هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وكما ذكرت فإن اسم قتيبة من الأسماء المفردة التي لم تتكرر التسمية بها، فهو الشخص الوحيد الذي يسمى قتيبة في رجال الكتب الستة.
[سفيان].
الذي يروي عنه قتيبة غير منسوب، وهذا يسمى المهمل الذي يذكر اسمه ولا يذكر نسبه، ويكون محتملاً بين أشخاص، وهنا محتمل سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، لكن المذكور هنا هو سفيان بن عيينة ؛ لأن قتيبة بن سعيد يروي عن سفيان بن عيينة، ولأن سفيان بن عيينة هو الذي يروي عن الزهري، ومعروف بالرواية عن الزهري، فإذا كان سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة، وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا في فتح الباري، وقال: إن سفيان الثوري لا يروي عن الزهري إلا بواسطة، لكن ليس معنى كونه لا يروي عنه إلا بواسطة أن بينه وبينه مسافة وأنه ما أدركه، وابن عيينة متأخر عنه في الوفاة كثيراً؛ لأن الثوري توفي سنة مائة وإحدى وستين، وابن عيينة وفاته فوق المائة والتسعين، فبينهم مسافة طويلة، ولعل كون الرواية عنه بواسطة لكون هذا في بلد وهذا في بلد؛ لأن سفيان الثوري في الكوفة، والزهري في المدينة.
الحاصل: أن سفيان الذي هو غير منسوب إذا كان يروي عنه قتيبة، فالمراد به: ابن عيينة، وإذا كان سفيان يروي عن الزهري، فالمراد به: ابن عيينة، فهو من جهتين: من جهة رواية قتيبة عن ومن جهة رواية سفيان عن الزهري ؛ لأن قتيبة يروي عن ابن عيينة، وابن عيينة يروي عن الزهري.
[عن الزهري].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده شهاب، ومشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب، ويقال له: ابن شهاب نسبة إلى جده شهاب الذي هو جد جده؛ لأنه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، فـشهاب هو جد عبيد الله، فهو جد جده، ومن المعلوم أنه يجوز أن ينسب الإنسان إلى أي واحد من أجداده ويقال له: جده، وإن كان جد جده أو جداً بعيداً، كـزهرة بن كلاب حيث يقال له: الزهري نسبة إلى زهرة بن كلاب الذي هو أخو قصي بن كلاب، يلتقي نسبه مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في كلاب الذي هو أبو قصي، وأبو زهرة بن كلاب.
ومحمد بن مسلم الزهري ثقة، مكثر من الرواية، محدث، فقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ومما ذكر في ترجمته: أنه كان يكب على الكتب، ويشتغل بالعلم، فكان مما ذكر في ترجمته: أن زوجته جاءت إليه وهو مكب عليها، فقالت: إن هذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر. تعني بذلك انشغاله بهذه الكتب عنها، وأنه منهمك في العلم ومشتغل بالعلم ومكب على القراءة والكتابة رحمة الله عليه.
وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام سمع قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكان حسن الصوت بالقراءة، فقال: (لقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود) يعني: لحسن صوته، والمقصود بـ(آل داود) داود الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإنه كان يذكر بحسن الصوت وبجمال الصوت وزينة الصوت، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم وصف أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بهذا الوصف، وأنه أوتي مما أوتيه آل داود.
وآل داود وآل كذا هذه اللفظة تطلق أحياناً عليه وعلى أهله، وأحياناً تطلق على نفس الشخص أنه يراد بهذا اللفظ، فكما تطلق على ذويه وأهله ومن له به علاقة؛ أيضاً يأتي إطلاقها عليه، قالوا: والمراد من ذلك داود عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يضرب به المثل في حسن القراءة وحسن الصوت صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وعلى نبينا.
والمقصود أن هذا الثناء أو هذا التنويه بشأن أبي موسى لحسن صوته دال على ما ترجم له المصنف من تحسين الصوت بالقراءة أو تحسين القراءة بالصوت.
ومن المعلوم أن التحسين أو حسن الصوت منه ما يكون جبلة، ومنه ما يكون محاولة؛ لأن التحسين كما هو معلوم يكون بالفعل، لكن يكون بعض الناس صوته حسناً، وتحسين القراءة بالصوت الحسن مما يزيده حسناً وجمالاً، والحديث دال على الترجمة وشاهد لها.
سليمان بن داود، وهو أبو الربيع المصري ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب].
وهو عبد الله بن وهب المصري، وهو المحدث، الفقيه، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن الحارث].
وهو أيضاً المصري، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب، وقد مر ذكره وهو الزهري.
وقد مر ذكرهما أيضاً قريباً.
الحديث دال على رفع الصوت بالقرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سمع صوته وهو لا يعلم به، ولهذا جاء في بعض الأحاديث: (لو كنت أعلم لحبرته لك تحبيراً) يعني: فهذا دال على ما تقدم عن أم هانئ أنها قالت: (كنت أسمع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا على عريشي)، وهو ما ترجم له على رفع الصوت، وهذا أيضاً دال على تلك الترجمة التي هي رفع الصوت؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سمع صوته وهو لا يعلم به، وهو ليس حاضراً عنده، وجلس أو وقف يستمع لقراءته وهو لا يعلم به، فهو دال على ما دل عليه حديث أم هانئ المتقدم الذي استدل به النسائي على رفع الصوت بالقرآن أو على رفع الصوت بالقراءة.
وحديث عائشة هذا هو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم، وهو دال على ما دل عليه.
وهو لا بأس به، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
سفيان عن الزهري، هو ابن عيينة، وقد مر ذكرهما قريباً.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو معدود فيهم باتفاق، فهو واحد من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، في المدينة في عصر التابعين، وعروة بن الزبير هو ابن أسماء أخت عائشة، فهو يروي عن خالته عائشة رضي الله تعالى عنها.
[عن عائشة أم المؤمنين].
عائشة هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي لها الفضائل الكثيرة، والمناقب الجمة، وهي التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى في سورة النور، وهذا فيه عظم شأنها وفضلها رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي المرأة الوحيدة التي عرفت بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، والمعروفون بكثرة الحديث سبعة: ستة من الرجال وامرأة واحدة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ولهذا فهي من أوعية السنة التي حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام لاسيما السنة المتعلقة بالبيوت وبأحوال الزوجات مع أزواجهن، فإنها حفظت في ذلك وفي غيره الشيء الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو بمعنى الحديث المتقدم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ودال على ما دل عليه؛ لأنه حديث واحد جاء من طريقين، وموضوعه واحد، بل لفظه تقريباً واحد.
قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].
وهو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الصيغ الرفيعة، ومن أعلى وأرفع صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا عبد الرزاق].
عبد الرزاق، وهو ابن همام الصنعاني اليمني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، وهو صاحب المصنف، مصنف عبد الرزاق المليء بالأحاديث والآثار عن الصحابة ومن بعدهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معمر].
وهو ابن راشد، وهو ثقة، حديثه أيضاً عند أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد النسائي حديث أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراءته؟ فنعتت قراءته عليه الصلاة والسلام وقالت: إنها مفسرة حرفاً حرفاً، يعني أنه كان يعطي الحروف ما تستحق من المد ومن الوقوف على رءوس الآي، وما إلى ذلك مما يتعلق بتوضيح هذا المعنى، أو هذا اللفظ الذي هو (مفسرة حرفاً حرفاً).
وإدخال الحديث ضمن تزيين القرآن بالصوت دال على ما ترجم له من جهة أنها كونه مفسرة، وأنها حرفاً حرفاً، أنه فيه تأدية للقراءة على الوجه المطلوب، والذي فعل هذا هو رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذي هو القدوة والأسوة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قتيبة، وقد مر ذكره.
[حدثنا الليث بن سعد].
الليث بن سعد، وهو المصري المحدث، الفقيه، محدث مصر، وفقيهها، وهو ثقة، ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبيد الله].
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يعلى بن مملك].
يعلى بن مملك، وهو مقبول، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[أم سلمة].
وهي هند بنت أبي أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
وهذا الحديث ذكره الشيخ الألباني في ضعيف سنن النسائي، وفيه إشارة إلى ما عند الترمذي وإلى ما عند أبي داود، والحديث ذكره في المشكاة وعلق عليه، وقال: إن إسناده صحيح، والحديث فيه يعلى بن مملك، وهو مقبول، لكن هذا اللفظ الذي اشتمل عليه الحديث، ليس بلفظ ليس له شواهد، بل ما جاء من بيان قراءته وأنها كانت مداً وما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يمد الرحمن ويمد الرحيم فهو بمعنى هذا الحديث، فصاحب المشكاة قال عن الحديث في مشكاة المصابيح: إن إسناده صحيح، ولكن الألباني ذكره في ضعيف سنن النسائي، ولعل ذلك بسبب يعلى بن مملك، لكن كما ذكرت أن معناه له شواهد تدل عليه.
والله تعالى أعلم.
الجواب: هناك تفريق مشهور عند العلماء، يقولون النبي: من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول: من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، لكن هذا الفرق قد جاء في القرآن ما يدل على عدم صحته مطلقاً، يعني الجملة، ما يدل على عدم صحته في الجملة، وذلك أنه جاء عن الأنبياء أنهم وصفوا بالإرسال، وجاء في سورة المائدة أن الأنبياء من بعد موسى من بني إسرائيل كانوا يحكمون بالتوراة: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، ففي هذه الآية بيان أن الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى كانوا يبلغون التوراة ويحكمون بالتوراة، فالقول بأن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه يدل على خلاف ما جاء في هذه الآية الكريمة.
وكذلك أيضاً ما جاء في القرآن من وصف بعض الرسل بأنهم رسل، وذلك مثل قوله: وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ [الزخرف:6]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج:52]، فهذا فيه دلالة أن النبي وصف بأنه مرسل، ثم أيضاً ما جاء في حديث عرض الأمم، قال: (فرأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد) يعني معناه أنهم يدعون وأنهم يبلغون وأنهم لهم أتباع، وبعضهم ليس له أتباع، فهذا يدل على أن القول بأن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه غير صحيح في الجملة، فهذه النصوص من القرآن دلت على أن النبي مبلغ.
لكن بفرق ينطبق مع هذا الوصف الذي هو أن النبي مبلغ، قيل النبي: من أوحي إليه بأن يبلغ رسالة سابقة، والرسول: من أوحي إليه بشرع جديد وأُنزل عليه كتاب، وأما النبي فهو يبلغ، ولكن ليس له شريعة أنزلت عليه، ولكنه يبلغ شريعة أنزلت على من قبله، كقول الله عز وجل: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]، لكن بعض الأنبياء وصف بأنه رسول ونبي، مثل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه نبي ورسول، ومن المعلوم أنه يقال عنه: النبي، ويقال عنه: الرسول، ويخاطبه الله في القرآن بيا أيها النبي، ويا أيها الرسول.
وقد ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الثلاثة الأصول التي هي رسالة مختصرة مفيدة جداً للخاصة والعامة، قال: نبئ باقرأ، وأرسل بالمدثر، يعني: أنه لما أوحى الله إليه: اقرأ، صار بذلك نبياً، وذلك أن الله تعالى أوحى إليه، وأرسل بالمدثر لما نزلت إليه المدثر، وأمر بأن يبلغ الناس فصار بذلك رسولاً، وكذلك موسى وصف بأنه نبي ورسول، وإسماعيل وصف بأنه نبي ورسول؛ لقول الله عز وجل: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:51]، وأيضاً بعدها قال: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54].
فالرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يؤمر بالتبليغ هو نبي، وبعدما أمر بالتبليغ هو نبي ورسول، وعلى هذا ما دام أنه ينبأ أو ينزل عليه وحي ولكنه لم يؤمر بتبليغه مؤقتاً، فيطلق عليه أنه نبي، لكن لا يقال: إن النبي يوحى إليه ثم لا يبلغ أحداً، فيموت وعلمه ما خرج منه وما استفاد منه أحد، أما كونه ينزل عليه وحي ولا يؤمر بالتبليغ ويكون ذلك مؤقتاً فهذا قد حصل لنبينا عليه الصلاة والسلام.
وإذا قيل: إن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه في وقت ما، وكذلك أيضاً من أُمر بأن يبلغ رسالة سابقة، فهذا يكون صحيحاً في حق من كان نبياً رسولاً، يعني وصف بأنه نبي ووصف بأنه رسول، وكان في وقت من الأوقات نبياً وليس برسول، وذلك قبل أن يؤمر بالتبليغ، ثم لما أمر بالتبليغ أصبح رسولاً، لكن أن يقال: النبي من أوحي إليه ولم يؤمر بالتبليغ ومات وعلمه ما خرج وما استفاد منه أحد، هذا ليس بواضح، وإن كان هذا هو التعريف المشهور أو التفريق المشهور.
فإذاً الفرق الصحيح بينهما أن يقال: الرسول من أوحي إليه بشرع ابتداءً وأنزل عليه الكتاب، والنبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه في وقت ما أو أمر بأن يبلغ شريعة سابقة.
الجواب: نعم بينهما فرق؛ لأن المتعة المحرمة هي اتفاق على التوقيت من الجانبين لمدة شهر، فهو نكاح لمدة شهر، فإذا مضى الشهر انتهى العقد، لكن النكاح بنية الطلاق أن يأتي إنسان ويخطب، وما يدرى عن نيته شيء وأعطوه، وكان في نيته أنه يطلق، فهذا شيء، وهذا شيء، وقد أجاز جمهور العلماء النكاح الذي هو بنية الطلاق، وأما المتعة فإنها حرام ولا تسوغ ولا تجوز، وهي الزنا وأخت الزنا.
الأفضل أن الإنسان يتزوج، ومن المعلوم أن المقصود الأعظم من الزواج هو التأبيد والاستمرار، لكن إذا تزوج الإنسان بنية الطلاق فما يقال: إنه فعل محرماً، ولا يقال: إنه ارتكب أمراً محظوراً، ولذلك ما نعلم شيئاً يدل على منعه، وجمهور العلماء على جوازه.
الجواب: هذا كما هو معلوم ليس بصحيح؛ لأن هذا المعنى إنما هو في حق المخلوقين، وأما الله عز وجل إذا أضيف إليه شيء فهو يناسبه ويليق به، ولا يكون مشابهاً لخلقه فيما يوصف به.
الجواب: الذي يتخذ كلباً إلا الكلاب التي أذن فيها وهي كلب الصيد وكلب الزرع وكلب الماشية ينقص من أجره في اليوم قيراط، يعني يخسر كل يوم الكلب عنده خسارة فادحة كبيرة.
الجواب: قولهم حديث لا بأس، معناه أنه يحتج وقد يصاغ سؤال لهذا الجواب وهو حكم وضع المصحف على الأرض.
القرآن ينبغي أن يعتنى به بتعظيمه وتوقيره وجعله على مكان مرتفع عن الأرض، ولو جعل على أرض طاهرة فلا بأس، لكن إذا كان وضعه على الأرض الطاهرة سيترتب عليه احتمال مرور الناس من حوله وأنهم قد يتجاوزونه فلا يجوز ذلك، وأما إذا أمن هذا الجانب بأن يكون مثلاً في حجرة ما يمر فيها أحد فيوضع المصحف في زاوية من زواياها، لا بأس بذلك؛ لأن وضعه على أرض طاهرة سائغ وجائز، لكن كونه يصير في أماكن مرتفعة حتى لا يكون عرضة لأن يمتهن فيما إذا كان هناك احتمال للمرور عليه أو التجاوز من عنده أو ما إلى ذلك فرفعه ووضعه على مكان مرتفع يتنبه له من يمر من حوله، هذا هو الذي ينبغي، ووضعه على مكان طاهر جائز، لكن بشرط أن لا يكون عرضة لأن يتعرض لشيء من الإهانة التي قد تحصل على سبيل الخطأ لا على سبيل العمد.
الجواب: زوجات الأخوال أجنبيات، فمن يدخل عليهن وليس عندهن أخواله فهذا من جنس الحمو الذي قال عنه الرسول: الحمو الموت، والحمو هو: أخو الزوج، والسبب في هذا أن البلاء يحصل بالاحتكاك والاختلاط وإغلاق الأبواب والتقارب الذي يكون بسبب القرابة، فمثل ذلك لا يسوغ، لكونه يدخل عليهن ويخلو بهن؛ لأن هذا هو الذي قال عنه الرسول: (أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).
فالشيطان يدخل بينهما ثم يوقع بينهما الشر، فيكون شراً أخطر من كونه حصل من قريب، ويكون من جنس ما جاء في الحديث في قضية الزنا بحليلة الجار، فالزنا هو أمر خطير لكن إذا صار بحليلة الجار فيكون بلاء على بلاء وشراً على شر.
الجواب: لا، ليس هذا بصحيح؛ لأن هذا هو اللفظ الذي ثبت وجاء، ولا محذور فيه؛ لأن المراد زينوا القراءة بأصواتكم؛ لأن بعض الناس الذين قالوا عنه: مقلوب، قالوا: إن القرآن أعظم وأجل من أن يزين وأن يحصل له تزيين، ومن المعلوم أن الكلام الحسن حتى على هذا الكلام يزيده الصوت الحسن حسناً، ومن المعلوم أن قراءة قارئ تختلف عن قراءة قارئ آخر، لكن الأظهر فيه أن المراد القراءة، فالإنسان يزين القراءة.
الجواب: المتبع هو المتبع للدليل، والمقلد هو من يأخذ برأي من يقلده دون معرفة الدليل، فيقول قال فلان، ولا يسأل عن الدليل، لكن المتبع هو الذي يبحث عن الدليل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر