أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا حماد بن مسعدة عن أشعث عن محمد عن عبيدة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن القسي والحرير وخاتم الذهب، وأن أقرأ وأنا راكع، وقال مرة أخرى: وأن أقرأ راكعاً)].
يقول النسائي رحمه الله: النهي عن القراءة في الركوع، هذه الترجمة كما هو واضح مفادها: أن المصلي في حال ركوعه -وكذلك في حال سجوده- لا يقرأ القرآن، وإنما قراءة القرآن تكون في حال القيام؛ في حال قيامه الأول الذي هو قبل الركوع، هذا هو محل القراءة، يقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن، وأما الركوع والسجود فإنه لا يقرأ فيه القرآن، وإنما يكون فيه الذكر والدعاء، فيعظم الله عز وجل في الركوع، ويكثر من الدعاء في السجود، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: [(نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي)]، والمراد بها: ثياب تنسب إلى بلد بهذا الاسم، وهي مخلوطة بالحرير، فنهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عن لبس الحرير الذي هو الخالص، وعن التختم بالذهب، ومن المعلوم أن الرجال لا يجوز لهم استعمال الذهب مطلقاً؛ لا التختم، ولا غير التختم، وأما بالنسبة للفضة فللرجل أن يتخذ الخاتم من الفضة، وأما الذهب فلا يجوز في حق الرجال، وإنما هو جائز في حق النساء، وقد أخذ النبي عليه الصلاة والسلام ذهباً وحريراً وقال: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها)، فهنا قال: [(وعن خاتم الذهب)].
قوله: [(وأن أقرأ وأنا راكع)]، هذا هو محل الشاهد، وقال مرة: [(وأن أقرأ راكعاً)]، يعني: في حال الركوع، هي حال إلا أنها في قوله: [(وأن أقرأ وأنا راكع)]، الجملة حال، والرواية الثانية التي قال مرة أخرى: [(وأن أقرأ راكعاً)]، راكعاً أيضاً حال، وأنا راكع أو راكعاً، كل منهما حال، إلا أن هذا مفرد والأول جملة.
ومحل الشاهد منه هذه الجملة الأخيرة؛ وهي نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن القراءة في حال الركوع.
هو اليشكري السرخسي، وهو ثقة، مأمون، سني، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا حماد بن مسعدة].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أشعث].
هو ابن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن محمد].
هو: ابن سيرين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيدة].
هو عبيدة بن عمرو السلماني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو تابعي كبير مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن علي رضي الله عنه].
هو علي بن أبي طالب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأبو الحسنين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وهو صاحب المناقب الكثيرة والخصال العظيمة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وعبيدة بالفتح وكسر الباء، وهو موجود في الكتاب: عبيدة بالضم وهو خطأ، وإنما هو عبيدة بفتح العين وكسر الباء؛ عبيدة بن عمرو السلماني.
هنا أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث علي من طريق ابن عباس، ففيه رواية صحابي عن صحابي، وهو مشتمل على ما تقدم من ذكر النهي عن لبس القسي، وعن خاتم الذهب، وعن القراءة في حال الركوع، وعن المعصفر.
والمعصفر هي: ثياب مصبوغة يقال لها؛ يعني: توصف بهذا الوصف الذي هو المعصفر، وقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن يحيى بن سعيد].
هو القطان، المحدث، الناقد، المشهور، ثقة، ثبت معروف كلامه في الرجال والعلل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو: محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
أبوه عبد الله بن حنين، وهو كذلك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه].
قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
هنا أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه يقول: [(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهاكم)]، وليس المقصود من هذه العبارة أن هذا الحكم يخصه، وأنه من خصائصه، وأن الأمة ليست كذلك؛ لأن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء دليل يدل على اختصاصه بهذا الذي خوطب به، مثل ما جاء في حديث الرجل الذي ذبح أضحيته قبل الصلاة، وقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (شاتك شاة لحم، ثم قال: إن عندنا عناقاً داجن)، يعني: أنها ما بلغت السن الذي هو السنة؛ لأن الأضحية والهدي لا يقل عمر المعز عن سنة، وأما الضأن يكون ستة أشهر، فهو أخبر بأن عنده عناقاً داجناً، يعني: سمين، وهي لم تبلغ السن الذي يحل في الأضحية، فهل تجزئ عني؟ قال: (نعم ولن تجزئ عن أحد بعدك)، عرف بأن هذا حكم يخصه؛ لأنه سأل: هل يجزئ عنه؟ قال: نعم، وأضاف إلى ذلك: (ولن تجزئ عن أحد بعدك)، يعني: ما تقضي ولا تجزئ عن أحد بعدك، فدل هذا على أن هذا حكم خاص بهذا الرجل، وأما إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لشخص: لا تفعل كذا ولا تفعل كذا؛ كقوله لـعلي: [(لا تلبس القسي، ولا تقرأ وأنت راكع)]، ولا تفعل كذا بصيغة الإفراد؛ فإن هذا الحكم لا يختص به؛ لأن الأحاديث التي فيها خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لواحد هو خطاب للجميع، وخطابه لواحد خطاب للأمة، والرجل الذي قبل الأجنبية، وجاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره أن يصلي معه، فأنزل الله عز وجل: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، قال: (هل هذا لوحدي يا رسول الله؟) -لأنه كان سبب النزول- قال: (بل لأمتي كلهم)؛ لأن الخطاب لواحد خطاب للجميع، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب كما يقولون.
ومعنى قول علي رضي الله عنه: [نهاني ولا أقول: نهاكم]، أنه قال له: لا تفعل كذا، ما قال: لا تفعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، وإنما قال: لا تفعل كذا يخاطبه، وهذا معناه أنه تقيد باللفظ الذي صدر إليه، وأنه قال: لا تفعل، ولم يقل: لا تفعلوا، وهذا منه رضي الله عنه محافظة على اللفظ، وأنه يبلغ مثلما تحمل، وقد تحمل أنه قيل له: لا تفعل، فعندما راح يخبر قال: نهاني ولا أقول: نهاكم؛ لأنه لم يقل لا تفعلوا كذا، وإنما قال: لا تفعل، خطاب لواحد، فهذا المراد به الحكاية عند الأداء مثل ما تحمل، وقد تحمل في حال الإفراد، وعندما أراد أن يبلغ بين أن ذلك في حال الإفراد، وأنه قال: [(نهاني ولا أقول: نهاكم)]، ولا أقول: أنه قال: لا تفعلوا، وإنما قال: لا تفعل، ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا دليل على عدم الرواية بالمعنى، وأن الإنسان إذا أخذ شيئاً يؤديه كما جاء وكما تحمله، لكن كما هو معلوم الرواية بالمعنى سائغة وجائزة؛ لأن الراوي إذا لم يتمكن من حفظ اللفظ، ولكنه حفظ المعنى وضبطه، فإنه يؤديه بالألفاظ التي يؤدى بها، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فإذا لم يكن الإتيان به بلفظه وأمكن الإتيان به بمعناه فإنه لا يسكت عنه، بل يبلغ ولو كان رواية بالمعنى؛ لأن هذا هو الذي يستطاع، ولو كان ممكن الإتيان باللفظ فهو الأولى والأكمل؛ لأن لفظ رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا جاء فإنه لا ينبغي أن يعدل عنه، بل الذي ينبغي أن يؤتى به كما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أولى من الرواية بالمعنى، والرواية بالمعنى جائزة، وليست ممنوعة، لكن من تمكن من اللفظ، فالذي ينبغي له أن لا يعدل عنه.
إذاً: فكلام علي رضي الله عنه هو محافظة على اللفظ الذي وجه إليه، قال: لا تفعل كذا، ما قال: لا تفعلوا، لكن الأمر كما ذكرت وأكرر أن خطاب الرسول عليه الصلاة والسلام لواحد خطاب للجميع، إلا إذا جاء نص يدل على الاختصاص به.
فهذا هو معنى قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول: نهاكم، عن لبس القسي، وعن لبس المفدم)]، والمفدم قيل: إن معناه هو: الأحمر الشديد الحمرة المتناهي في الحمرة، وقد جاء في بعض الأحاديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام لبس الأحمر، ويجمع بين هذا وذاك، بأن هذا المنهي عنه هو: المتناهي في الحمرة، والشديد الحمرة، وأما إذا كان دون ذلك، أو ليس متناهياً، فهذا هو الذي جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام لبسه، فيجمع بين ما جاء عنه من الفعل، وما جاء عنه من النهي.
قوله: [والمعصفر]، قد مر ذكره قبل هذا.
قوله: [وعن القراءة في الركوع].
هذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
لا بأس به، وقد أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه .
[حدثنا ابن أبي فديك].
هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الضحاك بن عثمان].
صدوق يهم، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إبراهيم بن حنين عن أبيه عن عبد الله عن علي ].
قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
وفيه ما في الذي قبله ما تقدم من النهي عن لبس القسي، وعن خاتم الذهب، وعن المعصفر، وأن يقرأ القرآن وهو راكع، ومحل الشاهد منه: النهي عن قراءة القرآن في حال الركوع.
قوله: [أخبرنا عيسى بن حماد زغبة].
هو عيسى بن حماد، ولقبه زغبة، فجمع بين النسب واللقب، وهذا يأتي أحياناً، فيجمع بين الاسم واللقب، وأحياناً يذكر الاسم بدون اللقب، وقد يذكر اللقب بدون الاسم، مثل: محمد بن جعفر غندر، يأتي أحياناً باسمه فقط، وأحياناً بلقبه، وأحياناً باسمه ولقبه مع بعض؛ محمد بن جعفر غندر، وهنا فيه الجمع بين الاسم والنسب واللقب، الذي هو زغبة، وهو التجيبي المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن الليث].
هو الليث بن سعد، وقيل في ترجمة عيسى بن حماد هذا: إنه آخر من روى عن الليث من الثقات، والليث بن سعد هو المحدث، الفقيه، ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[أن إبراهيم بن عبد الله بن حنين حدثه: أن أباه حدثه: أنه سمع علياً].
قد مر ذكرهم قبل هذا.
قد يأتي في بعض الأسانيد ذكر ابن عباس بين عبد الله بن حنين وبين علي، وفي بعضها يأتي دون ذكر ابن عباس، وهذا يحصل بأن يكون الراوي حصله نازلاً، ثم إنه يظفر به عالياً، فيرويه على الوجهين، فيكون رواه عن ابن عباس عن علي، ويكون أدرك أو لقي علياً، فأخذه منه مباشرة، فتكون الرواية على الوجهين، ولهذا قال: سمعت علياً، هنا يقول في هذا الإسناد: عن عبد الله بن حنين، قال: سمعت علياً، فهو يروي هذا الحديث عن علي بواسطة ابن عباس وبدون واسطة.
هنا أورد النسائي حديث علي من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما تقدم من النهي عن لبس القسي، وعن المعصفر، وعن التختم بخاتم الذهب، وعن القراءة في حال الركوع، ومحل الشاهد منه في الجملة الأخيرة؛ وهي القراءة في حال الركوع.
قوله: [أخبرنا قتيبة].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عبد الله عن أبيه عن علي].
قد مر ذكرهم.
أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا سفيان عن سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تعظيم الرب في الركوع، يعني بذلك: أن الركوع هو موضع يعظم فيه الرب ويثنى عليه سبحانه وتعالى بما يليق به، وذلك بما ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسيأتي جملة من الأحاديث التي فيها الذكر الذي يكون في الركوع، وهو مشتمل على تعظيم الرب سبحانه وتعالى، لكن هذا لا يعني أنه لا يدعى فيه أصلاً، بل يجوز أن يدعى فيه، ولكن الأولى أن يكون الغالب عليه التعظيم لله عز وجل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وهو مشتمل على تعظيم ودعاء؛ لأن قوله: (سبحانك اللهم)، تعظيم وثناء، و(اللهم اغفر لي) دعاء، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها: (أنه بعدما أنزل الله عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، ما صلى صلاة إلا يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن)، أي: يطبق القرآن وينفذ ما جاء في القرآن؛ لأن القرآن يقول: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، أمر بالتسبيح وأمر بالاستغفار، فكان يسبح ويستغفر في الركوع والسجود، يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)، وفيه تنفيذ وتطبيق لما أمر به من التسبيح والدعاء في الركوع والسجود.
الحاصل: أن الغالب على الركوع أن يكون ذكر وثناء، وتعظيم للمولى سبحانه وتعالى، وأنه يجوز فيه الدعاء، وكذلك السجود الغالب عليه أن يكون فيه الدعاء، وإذا عظم الله عز وجل، وأثني عليه في حال السجود، فإن ذلك سائغ، ولكن يغلب على الركوع أن يعظم فيه الرب، وعلى السجود أن يكثر فيه من الدعاء، ويجوز أن يعظم الله في السجود، ويجوز أيضاً أن يدعى في حال الركوع.
وقد أورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام في مرض موته، كشف الستارة والناس صفوفاً خلف أبي بكر يصلون وراءه، فسر عليه الصلاة والسلام وقال: [(أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)].
قوله: [(إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة)]؛ من المعلوم: أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يأتيه الوحي، ويخبر بالمغيبات، وطريق ذلك الوحي، لكن معرفة أو إمكان معرفة شيء مستقبلاً ما بقي إلا الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أو ترى له، إذا كانت حسنة وطيبة، فإنها يكون تأويلها فيما بعد، ولكنها فيها بشارة، وهي عن أمر يحصل في المستقبل يقع له، فبوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس هناك السبيل إلى معرفة شيء مغيب، ولكن الرؤيا الصالحة يمكن أن يحصل بها بشارة عن خير يأتي عن طريق الرؤيا وتأويلها؛ لأن الرؤيا يرى شيئاً يحصل ثم يقع ذلك الذي رآه في المنام، يعني إما أن يكون على هيئته التي رآه عليها، أو يراه على صورة المثال، ويكون له تأويل يعرف عن طريق القياس، وإلحاق الشبيه بالشبيه؛ لأن تعبير الرؤى يكون تأويلها ووقوع المرئي الذي رئي، إما أن يكون على هيئته التي رآه فيها، أو يكون الرؤيا ضرب مثال.
وقصة الفتيين اللذين مع يوسف في السجن وكل منهما رأى رؤيا؛ أحدهما: رأى أنه يعصر خمراً، والثاني: رأى أنه يحمل فوق رأسه خبزاً وتأكل الطير منه، وتأويل هذه الرؤيا أنهم رأوا الرؤيا فيما بعد: أحدهما لما خرج من السجن صار يعصر خمراً كما رأى في النوم، فكان تأويلها مطابقاً للرؤيا، وأما الثاني فليس على المطابقة، وإنما هو بالمثال، الذي يحمل فوق رأسه خبز، ليس أن يحمل فوق رأسه خبزاً، وإنما يقطع رأسه، ويصلب فتأتي الطير وتنزل عليه وتأكل من هذا المكان الذي قطع، فصار هذا هو تأويلها، هذا يعني في المستقبل يقتل، فتأويله أنه يقتل، وهذا تأويله أنه يعصر خمراً.
فقوله: [(لم يبق من مبشرات النبوة)]، يعني: ما يعلم عن الأمور المستقبلة عن طريق النبوة، ما بقي بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يوصل إلى ذلك، لكن بقي شيء واحد؛ وهي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، فإن هذا فيه الوصول، أو معرفة شيء يحصل في المستقبل عن طريق هذه الرؤيا الصالحة، التي يراها المؤمن أو يراها المسلم أو ترى له، فهذا هو معنى الحديث: [(لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)].
قوله: [(ثم قال: ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)].
هذا فيه بالإضافة إلى النهي عن القراءة في الركوع، والنهي عن القراءة في السجود، لا يقرأ في حال الركوع ولا في حال السجود، وإنما القراءة في حال القيام، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على أن هذا الحكم من آخر ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذا الذي حصل إنما كان في مرض موته، بل في آخر أيامه عليه الصلاة والسلام، أنه كشف الستارة وقال ما قال، وقال: [(ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً فأما الركوع فعظموا فيه الرب)].
ولما بين عليه الصلاة والسلام أن الركوع والسجود لا يقرأ فيهما القرآن؛ بين أو أرشد إلى ما الذي يفعل فيهما؟ قال: [(أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء قمن أن يستجاب لكم)].
يعني: حري وجدير أن يستجاب لكم، فلما بين عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن القراءة في الركوع والسجود، أرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما الذي ينبغي أن يفعل في حال الركوع والسجود، وأن حال الركوع يعظم فيه الرب، وذكرت أنه لا بأس من الدعاء في حال الركوع، ولكن الغالب على الركوع التعظيم، وأما السجود فيجتهد فيه في الدعاء، ويكثر فيه من الدعاء؛ لأنه من مواطن الإجابة، وحري بالإجابة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: [(قمن أن يستجاب لكم)].
قد مر ذكره.
[حدثنا سفيان].
سفيان هو: سفيان بن عيينة، إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة؛ لأنه ما روى عن سفيان الثوري، ولم يذكر المزي في ترجمته في تهذيب الكمال أنه روى عن سفيان الثوري، وإنما روى عن سفيان بن عيينة، فأهمل ولم يذكر قتيبة نسب سفيان بن عيينة؛ لأنه ما روى عن الثوري، روايته عن سفيان بن عيينة، فهو مهمل، وعرف أنه ابن عيينة بمعرفة أن قتيبة لم يرو عن سفيان الثوري.
فإذاً: الاحتمال الثاني وهو أن يكون سفيان الثوري ذهب؛ لأنه لم يكن لـقتيبة رواية عن سفيان الثوري في الكتب الستة، وسفيان بن عيينة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن سحيم].
صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد].
هو إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس بن عبد المطلب، وهو صدوق أيضاً، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، مثل الذي قبله.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن معبد بن عباس، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه, مثل الذين قبله، روى عنهم مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
ما خرج البخاري، ولا الترمذي لهؤلاء الثلاثة المتوالون؛ الذين هم: سليمان بن سحيم، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس، وعبد الله بن معبد بن عباس.
[عن ابن عباس].
يعني: يروي عن عمه؛ لأنه عبد الله بن معبد بن عباس، يروي عن عمه عبد الله بن عباس، وقد مر ذكره قريباً.
سبق أن قلنا: إن الحديث الذي فيه: [ألا أصلي لكم]، حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وفيه: (أنه إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك)، وكان الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في صحيح سنن النسائي: أن الحديث صحيح باستثناء جملة الأصابع -يعني ذكر الأصابع وما يتعلق- هذا جاء من هذه الطريق، ما جاء من غيرها، وأما ما عدا ذلك فقد جاء من طرق أخرى، فصححه واستثنى جملة الأصابع، وأحال إلى إرواء الغليل، وفي إرواء الغليل ذكر أن عطاء بن السائب اختلط، وأن الذين رووا عنه هذا الحديث ما سمعوا منه قبل الاختلاط، وإنما سماعهم له بعد الاختلاط ومن المعلوم أن المختلط إذا كان الذين أخذوا عنه بعد الاختلاط هذا لا يعول عليه، وما أخذ عنه قبل الاختلاط، فهذا يعول عليه، وعلى هذا الأساس بنى الشيخ ناصر الألباني تضعيف هذه الجملة التي ما جاءت إلا في هذا الحديث، وإن كان الباقي جاء من طرق أخرى فيكون صحيحاً، يعني من أجل الطرق الأخرى التي هي غير عن عطاء بن السائب، فـعطاء بن السائب هو الذي وصف بأنه اختلط، لكن ذكرت أنا سابقاً أن زائدة بن قدامة سمع منه قبل الاختلاط، فهو ممن سمع منه قبل الاختلاط، وعلى هذا فتكون الجملة أيضاً ثابتة، وهذا الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب عندما ذكر كلام الناس الذين قالوا في اختلاطه، ومن سمع قبل الاختلاط، ومن سمع بعد الاختلاط، ثم قال: الحاصل أن فلاناً وفلاناً وفلاناً ومنهم زائدة سمعوا قبل الاختلاط، فسماعهم صحيح وحديثهم صحيح، وغيرهم سمعوا بعد الاختلاط.
فعرفنا من هذا أن زائدة، وهو ممن روى الحديث بأحد الطرق التي مرت بنا، وفيها ذكر الأصابع، فيه زائدة بن قدامة، وهو ثقة سمع منه قبل الاختلاط، فيكون الحديث ثابتاً، ولعل الشيخ ناصر لم يطلع على رواية زائدة عن عطاء بن السائب.
وعلى هذا فالتضعيف الذي بنى عليه الشيخ ناصر تبين أن عطاء بن السائب قد سمع منه زائدة بن قدامة هذا الحديث، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط، فتكون هذه الجملة التي استثناها الشيخ ناصر ثابتة أيضاً كما ثبت غيرها.
الجواب: الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون باتفاق فيما يتعلق بالتبليغ، فلا يمكن أن يبلغوا شيئاً يخطئون فيه، بل هم معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله عز وجل، فكل ما جاء عن الرسل عليهم الصلاة والسلام مما بلغوه عن الله فإنهم معصومون فيه، وكذلك العصمة من الكبائر؛ يعني: كبائر الذنوب هم معصومون منها؛ يعني: الذي يشينهم ويزري بهم هم معصومون منه، وأما الصغائر فقد اختلف فيها العلماء؛ منهم من قال بعصمتهم منها، ومنهم من قال بعدم العصمة، ولكنها إذا حصلت منهم يرجعون إلى الله عز وجل، ويتوبون إليه، ويستغفرونه، ويكون في ذلك زيادة كمال.
فالمسألة خلافية فيما يتعلق بالصغائر، وأما فيما يتعلق بالكبائر وما يتعلق بالتبليغ فإنهم معصومون باتفاق.
الجواب: أنا ما أعرف كتاباً معيناً، لكن أنا ذكرت في الفوائد المنتقاة من فتح الباري بعض المواضع التي فيها هذا المبحث في فتح الباري، وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
الجواب: أمة الدعوة هم كل إنسي وجني من حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، هؤلاء هم أمة الدعوة، ومعناه: أنهم مدعوون ومأمورون بأن يؤمنوا بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن يدخلوا في هذا الدين الحنيف الذي جاء به المصطفى محمد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وأما أمة الإجابة فهم الذين استجابوا ودخلوا في الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ودخلوا في هذا الدين الحنيف، أمة إجابة أجابوا الدعوة، يعني الكل مدعو، والبعض وفقه الله عز وجل لإجابة الدعوة، ولهذا جاء في القرآن: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس:25]، فحدث المفعول بالدعوة لإفادة العموم، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ [يونس:25]، يعني كل أحد مدعو إلى دار السلام، ما أحد يدعى وواحد ما يدعى، ما أحد يقال له: اسلك طريق الجنة وامتثل الأوامر واجتنب النواهي، وواحد ما يقال له، كل يقال له ذلك، كل يطلب منه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن يلتزم بما جاء عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر