أخبرنا قتيبة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)].
يقول النسائي رحمه الله: باب قوله: ربنا ولك الحمد، أي: قول المأموم: ربنا ولك الحمد، وقد عرفنا في الدرس الماضي، أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع؛ لأن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد فيقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد؛ فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه).
ومحل الشاهد منه قوله عليه الصلاة والسلام: (فقولوا: ربنا ولك الحمد). فهو يدل على أن المأموم يأتي بالتحميد دون التسميع كما دلت على ذلك الأحاديث الماضية، وكذلك الأحاديث الآتية.
قتيبة، هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة في مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سمي].
وهو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
وهو ذكوان السمان، مشهور بكنيته أبي صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال له أيضاً: الزيات، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مكثر من الرواية عن أبي هريرة.
[عن أبي هريرة].
وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، عبد الرحمن بن صخر، أكثر الصحابة على الإطلاق حديثاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وهنا أورد النسائي هذا الحديث وهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، وهو دال على ما ترجم له النسائي من كون المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وأنه جاء فيه: [(فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم؛ لأن معنى (سمع الله لمن حمده): استجاب الله لمن حمده.
وهذا الحديث دال على عدة أمور: منها: ما ترجم له النسائي وهو قول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وذلك عندما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، وقد قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: [(إن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا)].
فقول أبي موسى: [(إن النبي عليه الصلاة والسلام بين لنا سنتنا)]، يعني: السنة هي: الطريقة والمنهج، والمراد بذلك ما يتعبد به الناس ربهم، وما يتعاملون به فيما بينهم، على محجة وعلى هدى وعلى صراط مستقيم، فإن السنة يراد بها الطريقة والمنهج، يعني الطريقة التي يسلكونها في عبادة الله عز وجل، وفي التقرب إلى الله عز وجل، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس ما يحتاجون إليه، وترك الناس على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
والسنة تطلق ويراد بها ما يعم التكاليف كلها، وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه هي السنة، ويراد بها أيضاً الوحي الذي هو غير القرآن، فيقال: الدليل: الكتاب والسنة، فالمراد بالسنة الدليل من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويراد بالسنة أيضاً ما يقابل البدعة، ولكن قوله هنا: (سنتنا)، يعني معناها عام شامل، يعني: طريقتنا ومنهجنا الذي نسلكه في تعبدنا، وفي تقربنا إلى الله عز وجل، ولهذا جاء عن بعض الكفار أنهم قالوا لـأبي هريرة: [ (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة)]، قال: نعم، بين لنا حتى آداب قضاء الحاجة، يعني: بين لهم كيف يقضون حاجتهم إذا ذهبوا إلى الخلاء، كيف يصنعون، وأنهم لا يستنجون باليمين، ويكون بثلاثة أحجار، ولا يستنجون بروث، ولا عظم، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم للناس حتى آداب قضاء الحاجة، معنى هذا: أن الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، فهي شريعة كاملة شاملة لا نقص فيها، فبين للناس ما يحتاجون إليه، وليس لأحد أن يأتي بأمور ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليتعبد الله تعالى بها، ويقول: أنا ما أردت إلا الخير، فإنه إذا أراد أن يكون العمل مقبولاً عند الله فلا بد أن يكون خالصاً لوجه الله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء به من الكتاب والسنة، التي هي الوحي المتلو، والوحي الغير متلو، فكله يقال له: سنة، بهذا المعنى العام.
فقوله: [(من رغب عن سنتي فليس مني)]، أي: ما جاء في الكتاب والسنة، فهذه طريقة الرسول، وهذا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(وعلمنا صلاتنا)]، أي: علمهم كيف يصلون، ثم بين أن الرسول خطبهم، وفي هذا بيان الشرائع في الخطب، وبيان الأحكام والتعليم وأنه يكون على المنبر وفي الخطب، هكذا كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه، فكان يخطبهم ويبين لهم أمور دينهم، ويبين لهم كيف يعبدون ربهم، وكيف يسلكون إلى الله عز وجل الطريق الذي يفضي بهم إلى السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
وكان مما علمهم إياه في الصلاة أن قال: [(إذا صليتم فأقيموا صفوفكم)].
أي: إذا قمتم إلى الصلاة فأقيموا الصفوف؛ سووها؛ بحيث تكون الصفوف متقاربة، والصف الأول يملأ، ثم إذا امتلأ الصف الأول يبدأ بالصف الثاني، وإذا امتلأ الصف الثاني يبدأ بالصف الثالث، وإذا امتلأ الثالث يبدأ بالرابع، وهكذا، ولا يُنشأ صف إلا إذا امتلأ الذي قبله، فهذا هو إقامة الصفوف، وهذا هو تسوية الصفوف الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: [(فأقيموا صفوفكم)].
قوله: [(ثم ليؤمكم أحدكم)].
أي معناه: أن الجماعة عندما يصلون لا بد لهم من إمام يؤمهم، فإن كانوا اثنين فأكثر فيكون أمامهم، وإن كان المأموم واحداً فإنه يصف عن يمينه، إذا كان رجلاً، وإن كان امرأة فإنها تصف وراءه، وإن كان رجلاً وامرأة؛ الرجل عن يمينه والمرأة وراءه.
قوله: [(فإذا كبر الإمام فكبروا)].
لأن مهمة الإمام أنه يؤتم به، وإنما جعل ليؤتم به، [(فإذا كبر فكبروا)]، معناه: أن تكبيركم يكون بعد تكبيره، فتدخلون في الصلاة بعد دخوله، ولا تسبقونه في الدخول، ولا توافقونه في الأفعال، بل تتأخرون عنه قليلاً، وليس تأخراً طويلاً، وإنما متابعة، لا مسابقة، ولا موافقة. بمعنى أن تكون حركتكم تابعة لحركته، وكلامكم تابعاً لكلامه.
قوله: [(وإذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين..)].
أي: وإذا قرأ الفاتحة ووصل إلى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين.
قوله: [(يجبكم الله)].
لأن معنى آمين: اللهم استحب، ولهذا قال: (فقولوا: آمين يجبكم الله)، أي: على تأمينكم ودعائكم؛ لأن المؤمن داعٍ، والداعي والمؤمن وراءه مثل الداعي، فيجيب الله عز وجل على هذا التأمين الذي هو الدعاء، قال: [(فقولوا: آمين يجبكم الله)]، يعني: يجب دعاءكم في طلب الهداية للصراط المستقيم، والهداية للصراط المستقيم المراد بها أن يثبته على الهداية الموجودة، ويزيده هداية على هدايته، وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17]، واهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، أي: ثبتنا وزدنا، ثبتنا على ما كنا عليه من الهدى، وزدنا توفيقاً وهدى، ولهذا قال: (يجبكم)، يعني: بأن يثبتكم على ما أنتم عليه من الهدى، وأن يزيدكم من الهدى والتوفيق.
قوله: [(وإذا كبر وركع فكبروا واركعوا)].
يكون تكبيركم بعد تكبيره، وركوعكم بعد ركوعه.
قوله: [(فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم)].
يعني: يسبقكم بالركوع، ويسبقكم في الرفع من الركوع، وأنتم تلحقونه، وإذا قام من الركوع تتأخرون في القيام عنه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها وأنتم جئتم وراءه، ثم سبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه، فتكونون مماثلين له في مقدار الركوع؛ لأنه يركع قبلكم ويرفع قبلكم، وأنتم تركعون بعده وترفعون بعده، إذاً: ركوعكم مساو لركوعه، لا يزيد عليكم في الركوع؛ ولهذا قال: [(فتلك بتلك)]، أي: اللحظة التي سبقكم فيها عوضكم عنها اللحظة التي تأخرتم عنه في حال رفعه من الركوع، (فتلك بتلك)، والنتيجة أنكم مساوون له في مقدار الركوع، وإن كان يسبقكم في الركوع ويسبقكم في الرفع، وأنتم تتأخرون عنه في الركوع، وتتأخرون عنه في الرفع، إذاً ساويتموه في مقدار الركوع.
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
ثم قال في الحديث: [(فإن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده)]، يعني: أن هذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو عن الله عز وجل، يعني: أوحاه الله إلى نبيه وبلغه للناس، ولهذا فإن السنة -كما هو معلوم- وحي يوحى، كما قال الله عز وجل: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، يعني: أنه من الله عز وجل، فهو من الله سبحانه وتعالى أوحاه الله إلى رسوله.
ومن المعلوم أن الوحي وحيان: وحي تعبد بتلاوته وقراءته في الصلاة، وتعبد بالعمل به، وهو: القرآن، ووحي تعبد بالعمل به الذي هو: السنة، فإن الكتاب والسنة كل منهما يعمل به، وليس العمل بالكتاب دون السنة، بل بالسنة والكتاب، ومن لم يؤمن بالسنة وقال: إنه مؤمن بالكتاب فهو ليس بمؤمن بالكتاب، بل لا بد أن يجمع بين الكتاب والسنة، والسنة هي داخلة في كتاب الله عز وجل؛ لقول الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فإن هذا أمر ونهي، يدخل فيه كل ما جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من الأوامر والنواهي.
قوله: [(وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم)].
[(يسمع الله لكم)]، أي: يستجب لكم، فإذا قالوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد قال الإمام: سمع الله لمن حمده، يعني: يجبكم الله ويستجب لكم، ويسمع لكم، يعني: يجبكم؛ لأن كل كلام مهما خفي ومهما دق فإن الله تعالى يسمعه، وقد قالت عائشة: (سبحان من وسع سمعه الأصوات)، وقد قالت: إن المرأة التي كانت تجادل الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يسمع تحاورهما، وكانت قريباً منها، وكانت لا تسمع بعض كلامها، والله تعالى يسمع كل شيء مهما خفي ومهما دق، لا يخفى عليه شيء، فإن المراد بالسمع هنا؛ يسمع الله لكم، يعني: يستجب لكم، هذا هو المراد بالسمع، وأما السمع الذي هو سماع الكلام، فكل كلام يسمعه سبحانه وتعالى، لا يخفى عليه ما دق وما جل، كل ذلك مسموع معلوم لله سبحانه وتعالى.
ومحل الشاهد للترجمة قوله: اللهم ربنا ولك الحمد، يعني هذا ما يقوله المأموم عندما يرفع من الركوع، يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، بل يأتي بالتحميد دون التسميع.
إذاً: هذا محل الشاهد من الحديث الطويل الذي أورده النسائي في هذه الترجمة، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [(هذه بتلك)]، أي مثلما قال بالنسبة للركوع، أي: اللحظة التي سبقكم إياها في السجود، ثم سبقكم في القيام، أنتم تأخرتم عنه مقدار تلك اللحظة في الآخر، فتلك بتلك، اللحظة التي سبقكم إياها عند النزول للسجود، عوض عنها باللحظة التي تأخرتم عنه فيها عند القيام من السجود، فالذي قيل هنا مثل الذي قيل هناك بالنسبة للركوع، معناه أن مقدار سجودكم مساو لمقدار سجوده، كما أن مقدار ركوعكم في الكلام المتقدم مساو لمقدار ركوعه.
ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: [(فإذا كان عند القعدة)]، يعني: في التشهد، [(فليكن من أول قول أحدكم: التحيات والصلوات والطيبات، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)]، الذي هو التشهد.
فقوله: [(من أول قول أحدكم)]، يدل على أنه يقال وراءه ومن المعلوم أنه يصلى على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك في التشهد الأخير يدعو الإنسان ويكثر من الدعاء؛ لأنه جاء عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أنه يكثر فيه من الدعاء، وأنه يتخير من الدعاء ما شاء، أو يتخير من الدعاء أعجبه إليه، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن قوله: (من أول قول أحدكم )، يعني: أن هذا هو أول ما يقال عندما يكون الإنسان جالساً للتشهد، وهذا هو التشهد الذي هو: التحيات لله.. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
إسماعيل بن مسعود، هو أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
وهو ابن الحارث البصري، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سعيد].
وهو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس بن جبير].
هو يونس بن جبير البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن حطان بن عبد الله].
هو حطان بن عبد الله الرقاشي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أنه سمع أبا موسى].
وأبو موسى الأشعري هو عبد الله بن قيس، رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية أخبرنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده، وما بين السجدتين قريباً من السواء)].
هنا أورد النسائي قدر ما بين أن يرفع رأسه من الركوع والسجود، أي: مقدار ما بين الرفع من الركوع إلى السجود، أي: مقدار القيام الذي يكون بعد الرفع من الركوع وقبل السجود؛ لأنه سبق أن مر في الحديث المتقدم الذي قال: [(اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)]، هذا القيام الذي يعتدل به بعد قيامه من ركوعه ما مقداره؟ أورد النسائي هذه الترجمة لبيان المقدار، ومدة الزمن الذي يقفه الإنسان بعد ما يرفع رأسه من الركوع، وأنه مثل الركوع والسجود، أي: مقداره مقدار الركوع والسجود.
وقوله: [(وما بين السجدتين قريب من السواء)]، يعني: أنه متقارب، فهذا هو محل الشاهد في الحديث أن قيامه من الركوع، وركوعه وسجوده وجلوسه بين السجدتين قريب من السواء، يعني: قريب من التساوي في الزمن، ومدة المكث في حال القيام بعد الركوع، وفي حال الركوع، وفي حال السجود، وفي حال الجلوس بين السجدتين كلها متقاربة.
قوله: [(كان ركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: القيام الذي يكون بعد الرفع، و(إذا)، ليست شرطية، يعني: لها جواب شرط، وإنما المراد بها الزمن والوقت، أي: ركوعه وقيامه من الركوع وسجوده وجلوسه، هذا هو المقصود بها.
[(وإذا رفع رأسه من الركوع)]، يعني: المدة التي يمكثها بعد رفعه من الركوع، وسجوده وجلوسه بين السجدتين متقاربة.
وهو الدورقي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا ابن علية].
وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو وصف رفيع، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
وهو ابن عتيبة الكندي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
هو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء بن عازب].
صحابي ابن صحابي، صحب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وهذا الإسناد رجاله كلهم خرج لهم أصحاب الكتب الستة، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وابن علية، وشعبة، والحكم بن عتيبة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والبراء بن عازب ستة كلهم أخرج حديثهم أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف الحراني حدثنا سعيد بن عامر حدثنا هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: أن القيام بعد الركوع، يعني: أن هذا القيام الذي مقداره مقدار السجود، والركوع، وما بين السجدتين، قريب من السواء معها، فماذا يقول في حال هذا القيام الذي يكون بعد الركوع؟ فهو عند الرفع من الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ولكن ماذا يقول مع ذلك؟ أورد النسائي هذه الترجمة، وأورد حديث ابن عباس: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد.
وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا سعيد بن عامر].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام بن حسان].
وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قيس بن سعد].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه ، يعني لم يخرج له الترمذي، ولم يخرج له البخاري في الصحيح، يعني: في أصل الكتاب، وإن خرج له في الصحيح تعليقاً، وهو مكي.
[عن عطاء].
وهو عطاء بن أبي رباح، وهو مكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة في الصحابة الذين هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، [(كان إذا أراد السجود بعد الرفع يقول: اللهم ربنا ولك الحمد)].
قوله: [(كان إذا أراد السجود)]، يعني: بعد الركوع، يعني: معناه قبل أن يسجد يقول: وهو قائم هذه المقالة، وهي: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد.
هو: ابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يحيى بن أبي بكير].
هو الكرماني، يحيى بن أبي بكير الكرماني ،وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إبراهيم بن نافع].
ثقة، حافظ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن وهب بن ميناس العدني].
وهب بن مانوس أو ميناس، جاء في بعض النسخ مانوس، وفي بعضها ميناس، وهو مستور، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن سعيد بن جبير].
ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
قد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
هنا أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان [(حين يقول: سمع الله لمن حمده يقول: ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، هذا ثناء وذكر يؤتى به في هذا الموطن، الذي هو بعد القيام من الركوع وقبل السجود، ربنا ولك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض، يعني: أنه كثير، وتكبير وتعظيم لهذا الحمد والثناء، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، يعني: أنت أهل الثناء والمجد، أي: يا أهل الثناء والمجد، أنت المستحق لأن يثنى عليك، وأن تعظم وتمجد، [(أحق ما قال العبد)]، يعني: أنت المستحق له، وأنت المستحق للثناء، [(وكلنا لك عبد)]، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93]، الكل عبيد الله عز وجل، فهو المستحق لأن يثنى عليه، وأن يعظم، وأن يمجد سبحانه وتعالى، فهو المستحق لذلك، وهو أهل ذلك سبحانه وتعالى.
ثم قال: [(لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت)].
لا مانع لما أعطيت، هذا فيه إثبات القدر، وإثبات قدرة الله عز وجل، وأن ما أعطاه الله عز وجل فلا مانع له، وما قدره الله تعالى فإنه يكون، وإذا أراد الله نفع أحد فلا أحد يمنع ذلك النفع والعطاء، وقد جاء مثل ذلك موضحاً في حديث ابن عباس، في وصيته لـابن عباس حيث قال: [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)]، فمن أعطاه الله لا مانع له، وما منعه الله لا يعطيه أحد، بل الله تعالى هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر، وإثبات أن ما قدره الله تعالى لا بد أن يكون، فإذا قدر عطاءً فلا يمنعه مانع، وإذا قدر منعاً فلا يعطيه معطي، بل الأمر بيده سبحانه وتعالى، [(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)]، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2]، فالعطاء والمنع هو من الله سبحانه وتعالى، هو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وهذا ثناء من العبد على ربه في هذا الموطن في هذه الصلاة.
ثم قال: [(ولا ينفع ذا الجد منك الجد)]، الجد بفتح الجيم المراد به الحظ والنصيب، فمن أعطي حظاً في الدنيا من مال، أو جاه، أو رئاسة، أو ما إلى ذلك من الحظوظ الدنيوية فتلك ليست هي التي تقدم وتؤخر عند الله، وإنما الذي يقدم ويؤخر عند الله هو العمل الذي يعمله الإنسان.
والجد بالفتح يأتي بمعنى الحظ والنصيب، ويأتي بمعنى العظمة، كما قال الله عز وجل: وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا [الجن:3]، وجاء في دعاء الاستفتاح: [(وتعالى جدك)]، يعني: عظمتك وجلالك، فالجد يأتي ويراد به العظمة، ويأتي ويراد به الحظ والنصيب، ويأتي مراداً به أبو الأب الذي هو الجد، وبالكسر الجِد هو الاجتهاد، وبذل الوسع، يقول الشاعر:
الجَد بالجِد والحرمان بالكسل هل قد تصب عن قريب غاية الأمل
الجَد بالجِد، من جد وجد، والحرمان بالكسل، فالحرمان يقابل الجَد الذي هو الحظ والنصيب، والكسل يقابل الجِد؛ لأنه عكسه وضده.
عمرو بن هشام أبو أمية الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا مخلد].
وهو مخلد بن يزيد الحراني، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي.
[عن سعيد بن عبد العزيز].
سعيد بن عبد العزيز الدمشقي، وهو ثقة، قرنه الإمام أحمد بـالأوزاعي، وأخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عطية بن قيس].
ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن قزعة بن يحيى].
وهو قزعة بن يحيى البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
أبو سعيد، هو سعد بن مالك بن سنان الخدري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مشهور بكنيته وبنسبته؛ بكنيته أبي سعيد، وبنسبته الخدري، والسبعة هم الذين قال فيهم السيوطي في الألفية:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
يقول النسائي رحمه الله: باب ما يقول في قيامه ذلك، يعني: القيام الذي بعد الركوع وقبل السجود، عندما يرفع من الركوع، القول الذي يقوله، يعني: في ذلك القيام، هذه هي الترجمة، وقد مر بعض الأحاديث الدالة على الترجمة.
ثم أورد النسائي حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: أنه صلى ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعه يقول حين أراد أن يكبر: [(الله أكبر ذا الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، ثم بعد ذلك ركع، وكان يقول في ركوعه: [(سبحان ربي العظيم وإذا رفع رأسه من الركوع قال: لربي الحمد لربي الحمد)].
وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة، وهي: ما يقوله في قيامه ذلك، يعني: بعد الركوع، أنه يقول: لربي الحمد، والمقصود من ذلك أنه بالإضافة إلى كونه يأتي بالتسميع يأتي كذلك بالتحميد، والتحميد جاء بألفاظ منها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ومنها: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لا منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ومنها هذا اللفظ الذي جاء في حديث حذيفة: [(لربي الحمد لربي الحمد)].
فالحاصل: أن مما يقوله المصلي فيما بعد الركوع وقبل السجود هو التحميد، يحمد الله عز وجل، ويثني عليه بما هو أهله سبحانه وتعالى، ثم يسجد ويقول: سبحان ربي الأعلى، وبين السجدتين يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي.
قوله: [(وكان قيامه وركوعه وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده وما بين السجدتين قريباً من السواء)]، يعني: أنه قريب.
وفي هذا الحديث ذكر القيام، وأنه قريب من الركوع والسجود وما بينهما، ولكن جاء في بعض الأحاديث أنه كان يطيل القيام أكثر من الركوع، ومن السجود، ولكن يمكن أن يكون في بعض الأحيان بينهما شيء من التقارب، وإلا فإن الأصل أن القيام والتشهد الذي هو قبل السلام إطالتهما أكثر مما بين السجدتين، ومن الركوع والسجود، ومما بين الركوع والسجود.
والمقصود من إيراد الحديث هو بيان ما يقوله عندما يرفع من الركوع، وأنه يقول هنا: لربي الحمد لربي الحمد، والمقصود منه الإتيان بالتحميد بالإضافة إلى التسميع، والتسميع هو: سمع الله لمن حمده، ومعنى ذلك: استجاب الله لمن حمده.
فإذاً: يكون بعد التسميع التحميد بأن يقول: ربنا ولك الحمد، أو لربي الحمد، أو اللهم لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، ملء السماوات وملء الأرض.. إلى آخر ما ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحميد بن مسعدة، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا يزيد بن زريع].
ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
وهو ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أرفع صيغ التعديل، وأعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
وهو الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حمزة].
هو طلحة بن يزيد الأيلي مولى الأنصار، وقد وثقه النسائي، وأخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن رجل من بني عبس].
وهذا رجل مبهم، وهذا يسمى المبهم؛ إذا قيل: عن رجل فهو المبهم، وإذا قيل: عن فلان وسمي ولكن لم ينسب يقال له: المهمل، فهذا مبهم، ولكن جاء في بعض الروايات، أو جاء عن بعض العلماء أنه صلة بن زفر العبسي، وهو ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقد جاء عن شعبة أنه قال: يشبه أن يكون صلة بن زفر، وكذلك أيضاً جاء في بعض أسانيد هذا الحديث عند ابن ماجه، ذكره في إسنادين وفي أحدهما ذكر رواية المستورد بن شداد عن صلة بن زفر عن حذيفة.
فالأظهر أنه صلة بن زفر، وذلك أن صلة بن زفر عبسي، وقد جاء في بعض أسانيد الحديث عند ابن ماجه، بإسناد آخر ينتهي إلى صلة بن زفر، وصلة بن زفر يرويه عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه.
[عن حذيفة بن اليمان].
حذيفة صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر