أخبرني هارون بن عبد الله حدثنا الحسن بن سوار حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس الكندي: أنه سمع عاصم بن حميد يقول: سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: (قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ، ثم قام فصلى، فبدأ فاستفتح من البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ، ثم ركع فمكث راكعاً بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم قرأ آل عمران، ثم سورةً ثم سورةً فعل مثل ذلك)].
الترجمة المتقدمة قريباً، وكذلك في بعض التراجم اللاحقة تتعلق بالدعاء في السجود، وقد ذكر النسائي أنواعاً من الدعاء، وفيها ما هو ثناء، وفيها ما هو دعاء، وقد عرفنا فيما مضى: أن الغالب على السجود أن يكون فيه الدعاء، والغالب على الركوع أن يكون فيه التعظيم، وأنه أيضاً يكون في السجود التعظيم، ويكون في الركوع الدعاء، وعرفنا أن حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوع وسجوده: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، يدل على الاثنين؛ لأن (سبحانك اللهم وبحمدك)، ثناء، و(اللهم اغفر لي)، دعاء، فهي تأتي في الركوع، وهي مشتملة على دعاء، وتأتي في السجود، وهي مشتملة على ثناء، إذاً الغالب على السجود أن يكون فيه دعاء، وأيضاً يثنى على الله عز وجل فيه، والغالب على الركوع أن يكون فيه ذكر وثناء، وأنه يجوز أن يدعى الله عز وجل فيه.
وقد أورد النسائي في حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: أنه كان مع النبي عليه الصلاة والسلام، فقام واستاك وتوضأ، ثم صلى فقرأ البقرة، فكان لا يمر بآية فيها رحمة إلا وقف يسأل، ولا يمر بآية فيها وعيد إلا وقف يتعوذ، ثم ركع فأطال الركوع، ويقول في ركوعه: [(سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)]، وكذلك في سجوده كان يقول ذلك، ومحل الشاهد منه كان يقول في سجوده: [(سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)]، فهو ثناء على الله عز وجل، وهو ذكر لله سبحانه وتعالى، وهو مما يدل على أن السجود يذكر الله عز وجل فيه، وإن كان الغالب فيه الدعاء، ثم قرأ آل عمران، ثم سورة، يعني أنه يقرأ في كل ركعة سورة، وهذا في صلاة الليل؛ لأنه كان يطيل القراءة، ويطيل الركوع، ويطيل السجود، ويطيل ما بعد الركوع، ويطيل ما بين السجدتين، فكان يطيل صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل، ويقرأ بالسور الطوال.
وكلمة أخبرني وأخبرنا، يأتي أحياناً ذكر أخبرني، وأحياناً ذكر أخبرنا، والغالب أن أخبرني تأتي إذا أخذ عن الشيخ وحده وليس معه أحد، وأما أخبرنا فإنه إذا أخذ ومعه غيره، وقد يأتي ذكر أخبرنا إذا كان أخذ وحده؛ لأن المفرد يحصل منه أن يأتي بصيغة الجمع وإن كان شخصاً واحداً مثل نحن ، لكن الغالب أنهم يفرقون بين ما إذا كان أخذ وحده، وإذا كان أخذ ومعه غيره، إذا كان أخذ وحده يقول: أخبرني، وإذا كان أخذ ومعه غيره يقول: أخبرنا.
وهارون بن عبد الله، هو الحمال البغدادي، لقبه الحمال، وهو بغدادي، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن الحسن بن سوار].
صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن الليث بن سعد].
هو الليث بن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، إمام، مشهور، هو فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والحافظ ابن حجر له ترجمة خاصة بـالليث في مؤلف اسمه: الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية، وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، وذكر فيها جملة من أخباره، وكذلك اصطلاحاته، يعني أنه كان إذا روى عن مدلس لا يروي إلا ما أمن تدليسه فيه، وقال: إنه لا يعلم مسألة خالف فيها، وكان يعني خلافه في تلك المسألة وهي أكل الجراد الميت، قال: الجراد إذا كان ميتاً فإنه لا يؤكل، ومن المعلوم أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أحلت لنا ميتتان ودمان، الكبد والطحال، والجراد والحوت)، الميتتان: الجراد والحوت، الميتة الجراد، ككونه حياً، لا فرق بين كونه حياً وكونه ميتاً في الحل، كله حلال، ما كان ميتاً وما كان حياً، إذا أدركه وهو ميت فهو حلال، قال: إن هذه مسألة خالف فيها الليث بن سعد، وهي التي في الخلاف فيها نظر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن معاوية بن صالح].
هو معاوية بن صالح بن حدير الحمصي، وهو صدوق، له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمرو بن قيس الكندي].
ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن عاصم بن حميد].
صدوق، أخرج له أبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه .
[سمعت عوف بن مالك الأشجعي].
صحابي معروف، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن المستورد بن الأحنف عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فاستفتح بسورة البقرة، فقرأ بمائة آية لم يركع فمضى، قلت: يختمها في الركعتين فمضى، قلت: يختمها ثم يركع فمضى، حتى قرأ سورة النساء، ثم قرأ سورة آل عمران، ثم ركع نحواً من قيامه يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، وأطال القيام، ثم سجد فأطال السجود، يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، لا يمر بآية تخويف أو تعظيم لله عز وجل إلا ذكره)].
أورد النسائي نوعاً آخر من الذكر في السجود، وقد أورد فيه حديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه وعن أبيه، فهو صحابي ابن صحابي، وذكر فيه حذيفة: أنه صلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقال: يقف عند المائة، ثم تجاوز المائة، ثم قال: إنه يختمها في ركعتين، معناه أنه يقسم السورة إلى ركعتين، ثم تجاوز ، ثم قال: يختمها في ركعة، فلما فرغ منها بدأ بسورة النساء، ثم بدأ بسورة آل عمران، يعني أنه قرأ ثلاث سور في ركعة واحدة، بدأ بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران، وهذا يدل على إطالته الصلاة في قيام الليل، وأنه يقرأ هذا المقدار الكبير في ركعة واحدة، الذي هو مقدار خمسة أجزاء وزيادة، يعني سدس القرآن وزيادة؛ لأنه يبقى بعد الزيادة على الخمسة الأجزاء يعني ربع جزء، وهذا يدل على إطالته القراءة في صلاة الليل، ثم أيضاً يدل على قراءة سورة قبل سورة، وذلك أن آل عمران مقدمة -كما هو موجود في المصحف- على النساء، ومع ذلك قرأ النساء قبل آل عمران، وبعض العلماء يقول: إن ترتيب السور بالاجتهاد، وبعضهم يقول: إنه بالنص، بعض العلماء يقول: إنه بالنص، معناه كون كل سورة بعد التي قبلها، هذا بالنص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وجمهور العلماء يقولون: على أنه بالاجتهاد لا بالنص، قالوا: ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة في كتابة السور، فتجد هذه السورة قبل هذه السورة، وأما ترتيب الآيات، فبالاتفاق أنه بالنص، لا خلاف فيه، وأما ترتيب السور فهو بالاجتهاد في قول جمهور العلماء، وفي قول بعضهم: أنه بالنص، وهذا الحديث يدل على قراءة سورة قبل سورة، ويدل عليه الحديث الذي سبق أن مر بنا، وهو حديث الرجل الذي يختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، يؤم أصحابه، ثم يختم قراءته بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فإنه إذا كان يختم قراءته بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ومن المعلوم أنه ليس بعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، في المصحف إلا سورتان، وهما سورة الفلق والناس، وباقي سور القرآن كلها قبل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]؛ لأن سور القرآن مائة وأربعة عشر سورة، ليس بعد قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، من سور القرآن إلا سورتان، وهذا لا يتأتى إلا إذا قرأ يعني سورة متقدمة بعد سورة متأخرة.
وكان لا يمر بآية فيها تخويف أو تعظيم إلا ذكره، يعني يعظم الله عز وجل، إذا كان شيئاً فيه تعظيم، وإذا كان فيه تخويف يتعوذ، ثم ركع فأطال الركوع، وكان يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم)، ثلاث مرات، ثم رفع وأطال القيام، بعد الركوع، ثم سجد وأطال السجود، وكان يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، ثلاث مرات، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في السجود، والذكر في السجود، أو الدعاء في السجود؛ لأنه كان يقول: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، ثلاث مرات.
هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، محدث فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[أخبرنا جرير].
وهو ابن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
وهو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعمش، ويأتي ذكره باللقب وذكره بالاسم، ومعرفة ألقاب المحدثين من أنواع علوم الحديث التي معرفتها لها أهمية، وذلك لكي لا يظن الشخص الواحد شخصين، لكي لا يظن التعدد فيما إذا جاء ذكره باسمه وذكره بلقبه، فإن من لا يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران، يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان بن مهران شخص آخر، لكن من يعلم أن سليمان بن مهران لقبه الأعمش لا يلتبس عليه الأمر، ويندفع عنه توهم هذا الخطأ.
وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سعد بن عبيدة].
هو سعد بن عبيدة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن المستورد].
هو المستورد بن الأحنف، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن صلة بن زفر العبسي].
ثقة، جليل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة بن اليمان].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وابن صاحبه، فهو صحابي ابن صحابي، ووالده استشهد يوم أحد، وحديثه -حديث حذيفة - عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا بندار محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي قالا: عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)].
أورد النسائي نوعاً آخر من الذكر والدعاء في السجود، وأتى بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في ركوعه وسجوده: سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، وهذا قد مر فيما يتعلق بالركوع، وأن هذا من الذكر الذي يؤتى به في الركوع، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله في الركوع والسجود، ولهذا أورده هنا في أبواب السجود، وقد أورده من قبل في أبواب الركوع، [(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)]، وكل هذا ثناء على الله عز وجل وتعظيم، وهو يدل على ما ذكرت من قبل أن السجود الغالب أنه يكون فيه الدعاء، وأنه يثنى فيه على الله عز وجل، وهذا من الثناء على الله عز وجل، والدليل على أن الركوع يعظم فيه الرب والسجود يكثر فيه من الدعاء، الحديث الذي سبق أن مر، وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، وهذا مما فيه الذكر في السجود، [(سبوح قدوس، رب الملائكة والروح)]، والحديث سبق أن مر.
ذكره بلقبه واسمه، وذكر اللقب أولاً، قال: حدثنا بندار وهو لقب محمد بن بشار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا يحيى بن سعيد القطان].
المحدث، الناقد، المعروف بالكلام في الجرح والتعديل، البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وابن أبي عدي].
ابن أبي عدي، يروي أيضاً معه، أي: مع يحيى بن سعيد القطان ابن أبي عدي، وهو: محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قالا: عن شعبة].
يعني: الاثنان يرويان عن شعبة، وهما: يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، يرويان عن شعبة، وهو: ابن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها.
وذكر في نسخة بين قوسين [قالا: عن سعيد]، وسعيد هو: ابن أبي عروبة، ممن روى الحديث عن قتادة، لكن الذي ورد عند النسائي هو عن شعبة، وليس عن سعيد، وكذلك هو موجود في تحفة الأشراف، وتحفة الأشراف ذكر رواية يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي وقال: كلاهما عن شعبة، وشعبة وسعيد بن أبي عروبة يرويان عن قتادة، وقد روى هذا الحديث عن قتادة لكن عند غير النسائي، يعني ليس في هذا الإسناد ذكر سعيد، ولكن فيه ذكر شعبة، وهذا هو الذي موجود في تحفة الأشراف، وعلى هذا فيكون قوله: قالا، هذا زائد يعني ليس من الإسناد، الإسناد هو بدون قالا: حدثنا سعيد؛ لأنهم روايتهم أي: يحيى بن سعيد القطان وابن أبي عدي إنما هي عن شعبة، وشعبة يروي عن قتادة، وعلى هذا فالإسناد يكون بدون ما بين القوسين، وهذا هو الموجود في تحفة الأشراف، وأما سعيد بن أبي عروبة فهو قد روى هذا الحديث عن قتادة، لكن ليس عند النسائي في هذا الإسناد.
[عن قتادة].
وهو ابن دعامة السدوسي البصري. وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن مطرف].
هو مطرف بن عبد الله بن الشخير البصري، وهو ثقة، عابد، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي عائشة أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، هي المرأة الوحيدة من النساء الصحابيات التي حفظت الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي عائشة، وهؤلاء السبعة المكثرون من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام هم: أبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، والسابع أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وفيهم يقول السيوطي في ألفيته:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
وزوجة النبي المراد بها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وقد أنزل الله تعالى براءتها فيما رميت فيه من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وهذا من فضلها ومن مناقبها كونه نزل فيها قرآن، ومع هذا الفضل وهذه المنقبة العظيمة، كانت تهضم نفسها، وتتواضع لله عز وجل، وكانت تقول كما جاء في الصحيح: وكنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله تعالى بها، ورؤيا الأنبياء وحي، فهي تريد أن يأتيه وحي لكن يكون في المنام، لكن كونه ينزل فيها قرآن يتلى، كانت تستكثر هذا على نفسها وهذا من تواضعها، ولهذا قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله في آيات تتلى، ولشأني في نفسي أهون، يعني: أنا ما أستحق أن ينزل في قرآن، وهذا هو كلام المتواضعين لله عز وجل، أهل الكمال، ومع ذلك يتواضعون لله عز وجل كما قال الله عنهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، فرضي الله عنها وأرضاها، هذا كلامها عن نفسها، وهذا من تواضعها لله عز وجل، وكما قلت: هي من أوعية السنة، وحفظت الشيء الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما الأمور التي تتعلق في البيوت، والتي هي تحصل بين الرجل وأهله، فإنها حفظت الشيء الكثير في ذلك رضي الله عنها وأرضاها.
ثم من فضلهم ومناقبهم: أن هذه السنن التي تلقوها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحفظوها وأدوها إلى من بعدهم، كل من عمل بها من زمانهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا هذه السنن وحفظوها وأدوها، مثل أجور كل من عمل بها؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)، وعلى العكس من ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين تلقوا هذه السنن وأحيوها، وحفظوها، وأدوها إلى الناس، لهم مثل أجور الناس إلى يوم القيامة، وهذا فضل وشرف لهم رضي الله عنهم، وعلى العكس من ذلك، الذين ابتدعوا بدع، وأحدثوا مذاهب منحرفة عن دين الحق والهدى، لأولئك الذين أحدثوها آثام إحداثهم، مثل أعمال الذين ضلوا وتبعوهم في الضلال، ولهذا جاء في الحديث: (ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)، فأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام هم سلف أهل الهداية، وهم سلف أهل السنة والجماعة، وهم سلف الذين هم على الحق والهدى، وأما من انحرف عن طريق الصحابة، وحاد عن طريق الصحابة، فهذا ليس بيده إلا الخذلان، وليس بيده إلا الوقوع في حبائل الشيطان والعياذ بالله.
أخبرنا محمد بن رافع حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان حدثني أبي عن وهب بن مانوس سمعت سعيد بن جبير سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى -يعني
أورد النسائي عدد تسبيح في الركوع والسجود، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى)، يريد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وعمر بن عبد العزيز هو خليفة راشد، وهو من خيار خلفاء بني أمية بعد معاوية بن أبي سفيان؛ لأن معاوية بن أبي سفيان أفضل من عمر بن عبد العزيز ومن غيره؛ لأنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكاتب الوحي للرسول عليه الصلاة والسلام، فـمعاوية خير ملوك المسلمين، وهو أفضل ملوك المسلمين، هو أول ملوكهم وخير ملوكهم؛ لأنه صحابي، لأنه من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام الذين حصل لهم شرف الصحبة، وعمر بن عبد العزيز خليفة راشد، لكنه لا يكون أفضل من معاوية؛ لأن معاوية صحابي وهو تابعي، والصحابة خير من التابعين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، فهناك عبارة مشهورة عند كثير من الناس يقولون عن عمر: خامس الخلفاء الراشدين، وهذا ليس بمستقيم؛ لأن معاوية أفضل منه، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنه خليفة راشد، وأنه ممن قام بالخلافة خير قيام، وسيرته مرضية، وأخباره حميدة، وثناء الناس عليه معروف ومشهور، وهو من أكثر الخلفاء ثناء وذكراً، إذا ذكر لا يذكر إلا بالخير رحمة الله عليه، وقد توفي وعمره أربعون سنة، رحمة الله عليه، وكان قبل أميراً على المدينة، ثم تولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك سنتين، سنة تسع وتسعين، ومات في سنة مائة وواحد، ومدة خلافته سنتان رحمة الله عليه.
وقال أنس يعني يشير إلى عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، قال الراوي: فحزرنا يعني ركوعه وسجوده عشر تسبيحات، في الركوع وفي السجود، حزرنا، يعني: قدرنا، كونه يقول: سبحان ربي الأعلى عشر مرات، أو سبحان ربي العظيم عشر مرات، والحديث الذي مر حديث حذيفة: (أنه كان يقول في الركوع: سبحان رب العظيم ثلاث مرات، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات)، وهنا يقول: إننا حزرنا صلاته، ولهذا يقول بعض الفقهاء: أن سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم الحد الأدنى من حيث الذكر مرة واحدة، هذا هو الذي يحصل به الوجوب على القول: بأنه واجب، أو القول بالسنة على أنه سنة، وأدنى الكمال ثلاث، قالوا: وأعلاه في حق الإمام عشر، ولا يطيل أكثر من ذلك؛ لأنه يشق على المأمومين إذا طول في سجوده وفي ركوعه.
هو القشيري النيسابوري، هو مثل مسلم قبيلة وبلدا؛ لأن مسلماً قشيري وهذا قشيري، ومسلم نيسابوري وهذا نيسابوري، وهو من شيوخ مسلم الذين أكثر عنهم الرواية، لأنه روى عن عدة مشايخ أكثر عنهم، وممن أكثر عنهم محمد بن رافع هذا، وهو من بلده ومن قبيلته، ولهذا إذا ذكروا البخاري ومسلم يقولون: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي مولاهم، ويقولون عن مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري من أنفسهم، حتى يميز عن المولى، من أنفسهم يعني أنه ينتسب إليهم أصلاً ونسباً، ولا ينتسب إليهم ولاءً، فـالبخاري ينتسب إلى الجعفيين ولاءً، ومسلم ينتسب إلى القشيرين نسباً، ولهذا يقولون عند مسلم: القشيري من أنفسهم، ويقولون عن البخاري: الجعفي مولاهم.
ومحمد بن رافع، ثقة، عابد، خرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه ، هذا مثل إسحاق بن راهويه، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
و محمد بن رافع هذا هو الذي روى عنه مسلم صحيفة همام بن منبه الطويلة، يعني الأحاديث التي انتقاها من صحيفة همام بن منبه هي من طريق، محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة، فالأحاديث التي ينتقيها من صحيفة همام بن منبه هي من طريق شيخه محمد بن رافع هذا.
[حدثنا عبد الله بن إبراهيم بن عمر بن كيسان].
صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا أبي].
وهو إبراهيم بن عمر بن كيسان، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي أيضاً.
[عن وهب بن مانوس].
وقال عنه الحافظ في التقريب: إنه مشهور، وروى عنه أبو داود، والنسائي أيضاً.
[سمعت سعيد بن جبير].
ثقة، فقيه، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
رضي الله عنه صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخادمه خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إلى أن توفاه الله، وأنس بن مالك يخدمه رضي الله عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين أشرت إليهم قريباً، وهذا الحديث الشيخ الألباني ذكر أنه ضعيف، ولعل السبب في ذلك هو وهب بن مانوس، وفي بعض كتاباته قال عنه: إنه حسن إن شاء الله.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ أبو يحيى بمكة وهو بصري حدثنا أبي حدثنا همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك حدثه عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ونحن حوله، إذ دخل رجل فأتى القبلة فصلى، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك، اذهب فصل فإنك لم تصل، فذهب فصلى، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق صلاته ولا يدري ما يعيب منها، فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القوم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: وعليك، اذهب فصل فإنك لم تصل، فأعادها مرتين أو ثلاثاً، فقال الرجل: يا رسول الله ما عبت من صلاتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله عز وجل ويحمده ويمجده. قال
أورد النسائي: باب الرخصة في ترك الذكر في السجود، لما ذكر الأبواب المتعلقة بالسجود والذكر فيه، وأنها متنوعة وكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بين أن ذلك ليس بلازم، وأنه إنما يكون سنة، وفي ذلك خلاف بين العلماء، منهم من قال: إن سبحان ربي الأعلى واجبة، يعني مرة واحدة، ومنهم من قال: إن كل الذكر في السجود هو سنة وليس بواجب، وقد أورد النسائي حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه، وذلك في قصة الرجل المسيء في صلاته، حيث جاء ودخل وأتى القبلة يعني لعله يريد بذلك مقدم المسجد، وأنه صلى والرسول صلى الله عليه وسلم يرمقه، فلما جاء وسلم عليه وعلى الحاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، رد عليه السلام، وقال: [(ارجع فصل فإنك لم تصل)]، فكرر ذلك مرتين أو ثلاثاً، ثم إنه جاء وقال: [(ما الذي عبته علي في صلاتي؟)]، فبين له النبي عليه الصلاة والسلام الكيفية التي يفعلها في الصلاة، وهي غالبها تتعلق بالأفعال، وفيها ذكر شيء من الأقوال، وهو الدخول في الصلاة، وذكر بقراءة ما تيسر من القرآن، والحديث سبق أن مر بنا، ولكنه أورده هنا من أجل أنه قال: أنه يسجد حتى تسترخي مفاصله، وما قال: إنه يقول في سجوده كذا وكذا، يعني سكت عنه، قالوا: فدل هذا على أنه ليس بواجب، وأنه ليس بلازم، وأن الإنسان إذا تركه لا يكون عليه شيء، وكما قلت: بعض العلماء قال: بوجوب سبحان ربي الأعلى في السجود، وسبحان ربي العظيم في الركوع، وبعضهم قال: إن ذلك مستحب، وأنه لو لم يحصل منه شيء من ذلك أصلاً، فإنه لا يلزمه شيء، وصلاته تامة وصحيحة.
والمقصود من إيراد هذا الحديث الطويل في قصة المسيء صلاته: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى أن يسجد حتى يطمئن في سجوده، وتسترخي مفاصله، ولم يذكر أنه يقول في سجوده كذا، فهذا هو وجه الاستدلال بالحديث على الترجمة التي هي الرخصة في ترك الذكر في السجود، وقد سبق أيضاً أن مر أنه استدل بحديث المسيء في صلاته على ترك الذكر أو الرخصة في ترك الذكر في الركوع، والحديث واحد وليس فيه التعرض لذكر الدعاء، قالوا: فهو دال على أنه ليس بواجب، وأنه يرخص للإنسان أن يتركه.
أبو يحيى بمكة وهو بصري، يعني أخبر المكان الذي أخذ منه هذا الحديث، وأخبر أنه بصري؛ لأنه لو قال: بمكة قد يفهم أنه بمكة وإن كان قالوا عنه: أنه من مكة، ووصفوه بأنه مكي، لكن أصله بصري، قال: وهو بصري، وهو ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه ، يروي عن أبيه عبد الله بن يزيد.
هو عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة، فاضل، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان أقرأ القرآن مدة طويلة تزيد على سبعين سنة.
[حدثنا همام].
وهو همام بن يحيى، وهو ثقة، ربما وهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة].
ثقة، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو حفيد أبي طلحة، وعبد الله بن أبي طلحة هذا أخو أنس بن مالك لأمه، عبد الله بن أبي طلحة، وأبو طلحة هو زوج أم أنس بن مالك، وهذا يعني الذي هو يحيى عمه لأمه أنس بن مالك؛ لأنه أخو عبد الله بن أبي طلحة.
[أن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع].
الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
[عن أبيه].
هو يحيى بن خلاد بن رافع، وهو ثقة، وقد قيل: له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمه رفاعة بن رافع].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند البخاري، وأصحاب السنن الأربعة، كابن أخيه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر