أخبرني محمد بن جبلة الرافقي حدثنا العلاء بن هلال حدثنا عبيد الله وهو ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس: عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فقال لنا: قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال
فالترجمة التي لا زلنا في الأحاديث الواردة فيها هي: كيف التشهد الأول؟ وقد ذكر المصنف في هذه الترجمة فيما مضى حديث عبد الله بن مسعود من طرق متعددة عنه، وقد مضى كثير منها، وبقي طرق أخرى لهذا الحديث الذي هو تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقول العلماء: إن أصح تشهد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تشهد ابن مسعود، وردت تشهدات صحيحة لكن هذا هو أصحها؛ لأنه جاء عن عبد الله بن مسعود من طرق عديدة، وفي هذه الطريق يقول ابن مسعود: [(كنا لا ندري ما نقول إذا صلينا، فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم)]، فكان مما علمهم إياه أن يقولوا إذا جلسوا في التشهد: [(التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)].
وقد مرت الطرق المتعددة وكلها بهذا اللفظ الذي ذكره المصنف هنا، وذكره فيما مضى بالطرق المختلفة، والرسول عليه الصلاة والسلام أعطي جوامع الكلم، وفواتحه، وخواتمه، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام ومن فواتح الخير، وخواتم الخير المشتمل على كل خير، هدي رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإن الأخذ بهديه هو طريق السلامة، والنجاة لأنه لا طريق للعباد لوصولهم إلى السلامة والنجاة وتمكينهم من الظفر بسعادة الدنيا، وسعادة الآخرة إلا ما جاء في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا طريق للهداية ولا طريق لصلاح القلوب إلا بالتمسك بهذا الوحي الذي نزل به جبريل على رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
صدوق، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا العلاء بن هلال].
قال: فيه لين، أخرج له النسائي وحده، لكن كما هو معلوم الشخص إذا كان فيه لين، وقد جاء هذا الحديث الذي جاء من طرق عديدة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام يعني أن هذا الضعف ينجبر بكثرة الطرق التي جاءت عن عبد الله بن مسعود في بيان هذا الحديث، يعني:أن الحديث جاء من طرق عديدة، ومثل هذا لا يؤثر؛ لأنه لم يأت الحديث من هذه الطريق وحدها، وإنما جاء من طرق عديدة، يعني: أن هذا الذي في ضعف ينجبر، وجد للحديث طرق كثيرة يدل على أنه لا يؤثر ذلك الذي قيل فيه في هذا الحديث لكونه مروياً من طرق كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[حدثنا عبيد الله].
هو ابن عمرو الرقي، وهو ثقة، فقيه، ربما وهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقوله: هو ابن عمرو هذه الزيادة ممن دون العلاء بن هلال، وهو محمد بن جبلة، أو النسائي، أو ممن دون النسائي؛ لأنه كما عرفنا التلميذ لا يحتاج إلى أن يقول هو، وإنما ينسبه كما يريد.
[عن زيد بن أبي أنيسة].
ثقة له أفراد، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو حماد بن أبي سليمان الأشعري الكوفي وهو صدوق له أوهام، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إبراهيم].
هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة، فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو الشخص الذي ذكرت مراراً أنه هو الذي يذكر عنه أنه هو أول من عبر بالعبارة المشهورة: (ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه) فإنه هو الذي أثر عنه أنه أول من عبر بهذه العبارة، ما لا نفس له سائلة يعني: ما لا دم له، مثل الذباب، والجراد وما إلى ذلك لا ينجس الماء إذا مات فيه؛ لأنه ليس له دم، ويستدلون على ذلك بحديث الذباب الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) وقالوا: إن غمسه قد يكون الماء حاراً فيترتب على غمسه أنه يموت، والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى استعمال الماء بعد غمس الذباب فيه، واحتمال أنه يموت بغمسه إذا كان حاراً، قالوا: فهذا يستفاد منه، ويستنبط منه أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه، وهو الذي اشتهر عنه الكلمة المشهورة: كانوا يضربوننا على اليمين، والعهد ونحن صغار، يعني: يؤدبونهم بألا يتهاونوا بأمر اليمين، والعهود، وأنهم يعودون أنفسهم عليها فلا يكون لها احترام عندهم، بل يعظمون ذلك عندهم وفي نفوسهم حتى لا يتساهلوا فيه وحتى لا يكون الحلف على الواحد منهم سهلاً ميسوراً، وكذلك العهد لا يكون سهلاً ميسوراً عليه، بل يجد هناك ما يمنعه، ويحول بينه وبين أن يقدم على ذلك، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن علقمة بن قيس].
هو علقمة بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن مسعود، رضي الله تعالى عنه الصحابي الجليل من المهاجرين ومن فقهاء الصحابة وعلمائهم وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
قال في آخره: قال عبيد الله قال زيد عن إبراهيم عن علقمة قال: لقد رأيت ابن مسعود يعلمنا هؤلاء الكلمات كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يعلمهم ذلك كما كان يعلمهم السورة من القرآن، والرسول عليه الصلاة والسلام كما جاء عن ابن مسعود أنه قال: كان يعلمهم هذا التشهد كما كان يعلمهم القرآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه والصحابة كانوا يعلمون التابعين، وهذا يدلنا على أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بلغ البلاغ المبين، وعلى أن أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم أدوا ما تحملوه على التمام، والكمال، ونصحوا للأمة غاية النصح، وبذلوا الجهود العظيمة المضنية في بيان الحق، وإظهاره والدلالة عليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فلهم الفضائل الجمة، وهم المتصفون بالصفات الحميدة، وهم السباقون إلى كل خير، والحريصون على كل خير، والذين ما كان مثلهم في الماضي، ولا يكون مثلهم في المستقبل، ولا يحبهم إلا مؤمن، ولا يغضبهم إلا منافق يسوؤه نصرة الإسلام وانتشار الإسلام، وظهور الحق؛ لأن الحق ما عرف إلا عن طريق الصحابة، وما عرف الناس كتاباً، ولا سنة إلا عن طريق الصحابة، والذي يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة؛ لأن الكتاب جاء عن الصحابة، والسنة جاءت عن الصحابة، ومن يعيب الصحابة، ويقدح فيهم فإنه لا صلة له بالرسول صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، بل الصلة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتوتة مقطوعة لا علاقة له بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الحق والهدى ما عرفه من جاء بعد الصحابة إلا عن طريق الصحابة، وهذا من أجل مناقبهم وأفضل مناقبهم، أنهم أكرمهم الله عز وجل في الحياة الدنيا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، والجهاد معه، والدفاع عنه، والذب عنه، وكذلك مشاهدته، والنظر إلى أفعاله، وحركاته، وسكناته، وسماعه كلامه من فمه الشريف، وتحملوا الكتاب والسنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأدوها كاملة على التمام، والكمال فكانوا هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ومن المعلوم أن القدح في الناقل قدح في المنقول، فالذي يقدح في الصحابة يقدح في الكتاب والسنة، والذي لا يعتبر ما جاء عن الصحابة لا يعتبر الكتاب والسنة، وهذا شأن المنافقين الذين يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر.
أورد النسائي حديث ابن مسعود رضي الله عنه من طريق أخرى، وفيه أنهم كانوا يقولون: [(السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام)]، والصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم كانوا يقولون هذا الكلام، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: لا تقولوا السلام على الله من عباده، فإن الله تعالى هو السلام، فهو السلام، ومنه السلام، ولا يقال: عليه السلام أو يسلم عليه؛ لأن السلام دعاء للمسلم عليه، والله تعالى هو الذي يدعى وهو الذي يرجى، وهو الذي منه السلام هو السلام ومنه السلام، هو المتصف بهذا الوصف والمتسمي بهذا الاسم وهو الذي منه السلام لعباده، هو الذي يسلم من يشاء من عباده، وهو الذي يمنحهم السلامة، والعافية، فلا يقال: السلام على الله من عباده، وإنما يقال كما أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام، يدعى الله له.
ثم: [(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)]، يسلم الإنسان على نفسه وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، يعني: يدعو لنفسه، ولغيره، فأرشد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام إلى أنه لا يسلم على الله، فلا يقال: السلام على الله من عباده، وإنما يقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام كما جاء في الذكر بعد الصلاة، فهو اسمه السلام وهو الذي منه السلام هو الذي يمنح السلام، وهو الذي يتفضل بالسلامة، والتوفيق، هو الذي يمنح ذلك وهو الذي يجود به، فهو يدعى ولا يدعى له الله تعالى يدعى والنبي صلى الله عليه وسلم يدعى له، ولا يدعى، النبي والمخلوقون بل يدعى لهم ولا يدعون، والله تعالى هو الذي يدعى وحده لا شريك له، هو الذي يدعى، ويرجى، ويعتمد عليه، ويتوكل عليه، ولهذا أرشد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أنهم لا يقولون: السلام على الله من عباده، فإن الله تعالى هو السلام، هو الذي يسلم وهو الذي يمنح السلام، لا يطلب له السلام، ولا يطلب له شيئاً ، وإنما يطلب منه الأشياء، فالطلب منه لا له، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يطلب له، ولا يطلب منه، يسأل له، ولا يسأل منه.
إذاً: فالسلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له بالسلامة، والرحمة، والبركة من الله سبحانه وتعالى.
ثم: [(السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)]، دعاء يدعو العبد لنفسه ولكل عبد صالح في السماء والأرض، وذكرت في الدرس الماضي أن من وفقه الله عز وجل لأن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين المصلين في صلواتهم بهذا الدعاء: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؛ لأنها تعود إلى كل عبد صالح في السماء والأرض، يعني: هذا الدعاء يكون لكل عبد صالح في السماء والأرض، فإذا وفق الإنسان لأن يكون من أهل الصلاح فإنه يكون له نصيب من دعاء الداعين في مشارق الأرض، ومغاربها، كل من يصلي يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وإذا كان الرجل وإذا كان العبد من الصالحين الموفقين فإنه يكون من أهل هذا الدعاء أي: من الذين يدعى لهم بهذا الدعاء، والذين يشملهم هذا الدعاء الذي يقوله كل مصل في فرض، وفي نفل.
ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقولون: التحيات لله والصلوات إلى آخر الحديث، وفي هذا الحديث زيادة: وحده لا شريك له بعد أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والرواية الأخرى عن ابن مسعود ليس فيها ذكر: وحده لا شريك له، فوحده لا شريك له هذه تأكيد لأشهد أن لا إله إلا الله؛ لأن وحده تأكيد لـ(إلا الله)، ولا شريك له توكيد لـ(لا إله)، فكأن لا إله إلا الله جاءت مرتين، مرة أشهد أن لا إله إلا الله، ومرة بالتأكيد بقوله: وحده لا شريك له، لأن وحده لا شريك له مثل لا إله إلا الله تماماً، لأن فيها نفي، وإثبات، إلا أن لا إله إلا الله النفي في أولها والإثبات في آخرها، وهذه جاء الإثبات في أولها والنفي في آخرها، فالإثبات في أولها وهو كلمة (وحده)، والنفي في آخرها وهو (لا شريك له).
والشيخ الألباني يقول: أن هذا شاذ، يعني: هذه الزيادة؛ لأن الطرق التي جاءت عن ابن مسعود ليس فيها ذكر هذه الزيادة، لكن هذه الزيادة جاءت في بعض التشهدات الأخرى التي هي عن غير ابن مسعود، فكونها جاءت من بعض الثقات الذي يبدو أنه لا بأس بالأخذ بها، ولها شاهد يعني: لهذه الزيادة شاهد عن غير ابن مسعود عن بعض الصحابة الذين رووا هذا التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: جاء فيه: وحده لا شريك له التي هي بمعنى لا إله إلا الله والتي هي تأكيد لـ(لا إله إلا الله).
هو عبد الرحمن بن خالد الرقي، وفي بعض النسخ القطان، ولا تنافي بين القطان، والرقي فهو قطان وهو رقي، إن قيل القطان فهو صحيح، وإن قيل الرقي فهو صحيح، لا تنافي بينها، لأن بعض النسخ جاء فيها القطان وبعضها جاء فيها الرقي، وهو رقي وهو يلقب القطان، فلا تنافي بينها، يعني: كلها حق؛ لأنه عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي فكل من النسبتين صحيحة. وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[حدثنا حارث بن عطية].
حارث بن عطية صدوق يهم، أخرج حديثه النسائي وحده.
[وكان من زهاد الناس].
قال: وكان من زهاد الناس، يعني: هذه من تلميذه الذي روى عنه؛ لأن هذا هو الذي يشعر بأنه هو الذي قال هذه الكلمة، أنه روى عنه وقال: وكان من زهاد الناس، أخرج له النسائي وحده.
[عن هشام].
هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، ثبت، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود].
وهؤلاء الأربعة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد النسائي: حديث ابن مسعود من طريق أخرى وهو بنفس اللفظ المتقدم، وفيه أيضاً مثلما في الذي قبله كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، وميكائيل، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقولوا: السلام على الله من عباده فإن الله هو السلام، ولكن قولوا...الخ، الدعاء الذي أرشد إليه يشملهم؛ لأن: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين يدخل فيها جبريل، وميكائيل، وغيرهم، لأنها تعود إلى كل عبد صالح في السماء، والأرض، ولكن الذي نبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو: السلام على الله، فإنه لا يسلم عليه؛ لأن السلام دعاء للمسلم عليه، والله تعالى هو الذي يدعى، ويرجى لغيره، يرجى لغيره أن يسلمه، يعني: يدعى للرسول صلى الله عليه وسلم ويدعى للملائكة، ويدعى للبشر يدعى للناس، يدعى لكل عبد صالح في السماء والأرض؛ لأن الله تعالى هو الذي يطلب منه، ولا يطلب له، وأما الخلق يطلب لهم، ولا يطلب منهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعى له، ولا يدعى، لا يأتي الإنسان إليه ويقول: يا رسول الله! أغثني، يا رسول الله! مدد، يا فلان! أريد كذا، يا الولي الفلاني! حقق لي كذا، يا الرسول الفلاني! أعطني كذا، وسيد الرسل، وخير الخلق نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لا يجوز لأحد أن يطلب منه أشياء، وإنما يدعو له صلى الله عليه وسلم ويثني عليه بما يستحقه دون غلو، وتجاوز للحدود، ولكنه لا يطلب منه بل يطلب له، اللهم صل وسلم وبارك عليه هذا دعاء له، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته دعاء له بالسلامة والرحمة والبركة، فيطلب له، ولا يطلب منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو أبو مسعود البصري، أبو مسعود كنيته توافق اسم أبيه، وقد مر ذكره كثيراً، وهو ثقة، حافظ، أخرج له النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
وهو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
هو الذي مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا، وكلمة: [هو الدستوائي] الذي قالها من دون خالد بن الحارث، وهو إسماعيل بن مسعود، أو النسائي، أو من دون النسائي، وقد مر ذكر هشام الدستوائي.
[عن حماد].
هو حماد بن أبي سليمان الأشعري، صدوق، له أوهام، خرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن أبي وائل].
أبو وائل هو شقيق بن سلمة الكوفي ثقة، مخضرم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأيضاً مشهوراً باسمه، يأتي ذكره أحياناً باسمه شقيقاً، وأحياناً بكنيته وهو كثير، ومعرفة كنى المحدثين فائدتها دفع توهم التعدد، بأن يظن الشخص الواحد شخصين إذا جاء ذكره في بعض الأسانيد شقيق، وجاء ذكره في الأسانيد الأخرى أبو وائل الذي لا يعرف أن أبا وائل كنية لـشقيق يظن أن شقيق شخص، وأن أبا وائل شخص آخر، ومن يعرف لا يلتبس عليه الأمر سواء وجد أبا وائل بهذا اللفظ وحده أو وجد شقيقاً بهذا اللفظ وحده يعرف أن هذا هو هذا وأن هذا هو هذا، دون أن يكون هناك التباس في أن يظن التعدد، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن مسعود].
وهو الذي مر ذكره كثيراً في هذه الطرق.
أورد النسائي: هذا الحديث حديث ابن مسعود من طريق أخرى، وهي بلفظ الصيغ المتقدمة: التحيات لله والصلوات والطيبات.. إلخ.
قوله: [أخبرنا بشر بن خالد].
بشر بن خالد العسكري، ثقة، يغرب، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[حدثنا غندر].
وهو محمد بن جعفر البصري، ولقبه غندر يأتي ذكره باللقب، ويأتي ذكره بالاسم، وكثيراً ما يأتي ذكره عندما يروي عن شعبة بلفظ محمد دون أن ينسب، وهو محمد بن جعفر الذي هو غندر، ويأتي ذكره أحياناً بلقبه دون اسمه كما هنا فإنه قال: غندر عن شعبة، وغندر هو محمد بن جعفر، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها ألا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا جاء في بعض الأسانيد غندر وفي بعضها محمد بن جعفر الذي لا يعرف أن محمد بن جعفر يلقب غندراً يظن أن غندراً شخصٌ آخر غير محمد بن جعفر، والذي يعلم أن هذا لقب لـمحمد بن جعفر لا يلتبس عليه الأمر، مثلما قيل في الكنى بالنسبة للمثال المتقدم وهو أبو وائل واسمه شقيق.
[عن شعبة].
هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان ومنصور وحماد ومغيرة وأبو هاشم].
سليمان، ومنصور، وحماد، ومغيرة، وأبو هاشم خمسة أشخاص يروي عنهم شعبة فهم خمسة أشخاص في طبقة واحدة، يعني: كلهم شيوخ لـشعبة، وكلهم تلاميذ لـأبي وائل، كلهم يروون عن أبي وائل وكلهم يروي عنهم شعبة، يعني: هؤلاء الخمسة.
فأما سليمان، فهو ابن مهران الكاهلي الأعمش المشهور بلقبه الأعمش، يأتي ذكره بالاسم كما هنا، ويأتي ذكره بـالأعمش كثيراً، وهذا من جنس غندر الذي ذكرت؛ لأن من لا يعرف أن الأعمش لقب لـسليمان يظن أن سليمان شخص آخر غير الأعمش، ولكن من يعرف أن الأعمش وصاحب اللقب هو سليمان بن مهران فإنه لا يلتبس عليه الأمر، إن جاء سليمان أو جاء الأعمش هو شخص واحد يذكر في بعض المواضع، أو في بعض الأحيان باسمه، ويذكر في بعض الأحيان بلقبه.
ومنصور، هو ابن المعتمر الكوفي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد].
هو حماد بن أبي سليمان الذي مر ذكره.
[ومغيرة].
هو المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا المغيرة بن مقسم هو الذي ذكروا في ترجمته أنه احتلم وعمره اثنتا عشرة سنة، يعني: بلغ سن الحلم وعمره اثنتا عشرة سنة، يعني: احتلم في وقت مبكر، ومثله عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه ذكر عنه أنه ليس بينه، وبين أبيه إلا اثنتا عشرة سنة، يعني: بل هذا يمكن أكبر أو أقدم من المغيرة بن مقسم، وجاء بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة، فهو أيضاً احتلم في وقت مبكر، وولد له في وقت مبكر، ولد له قبل أن يبلغ أربع عشرة سنة، ولد لـعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه ابنه عبد الله قبل أن يبلغ أربع عشرة سنة، فهو إما عمره اثنا عشر أو ثلاث عشرة لما ولد له ابنه عبد الله بن عمرو، والمغيرة بن مقسم الضبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وأبو هاشم].
هو يحيى بن دينار الرماني الواسطي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد قال النسائي في الآخر: أبو هشام غريب، يعني: يقصد بذلك أنه غريب يعني: بالنسبة لأبي هشام، وإلا فإنه جاء من طرق، ولكن ذكر أبي هاشم يعني: أنه من قبيل الغريب، وهذا الغريب يسمى الغريب النسبي، لأن الغريب المطلق هو الذي يأتي من طريق واحد، وأما النسبي فهو بالنسبة إلى غيره، يعني: بالنسبة إلى ذلك الشخص وإلا فإنه ليس غريباً، هو غريب باعتبار هذا الشخص وإلا فإنه ليس غريباً؛ لأنه جاء له طرق أخرى غير طريق أبي هاشم.
مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث ابن مسعود في التشهد من طريق أخرى، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، والحديث الأول الذي مر أن ابن مسعود كان يعلمهم كما يعلمهم السورة من القرآن، فـابن مسعود رضي الله عنه اقتدى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول علمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وابن مسعود صار يعلم أصحابه، ويعلم غيره التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن، وهو كما ذكرت دال على حرص الصحابة على الخير، وعلى تبليغهم السنن وعلى تعليم الناس الحق، والهدى الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذه من أجل مناقبهم، وأفضل مناقبهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، أن يكونوا هم الواسطة بين الناس وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الداعون إلى هذا الحق، والهدى، والدالون عليه، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
قوله: (وكفه بين يديه) يعني: كف ابن مسعود بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: واضع يده بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على الضبط، والإتقان من عبد الله بن مسعود، لأنه ضبط الهيئة التي كان عليها عندما علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد، وأن يده بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: وضع الرسول صلى الله عليه وسلم كف عبد الله بن مسعود بين كفيه، يعني: أن يد عبد الله بن مسعود بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمه التشهد، وهذا يدل على ضبط الراوي؛ لأنه ضبط الحديث، وضبط مع الحديث الهيئة التي كانت عند التحديث بهذا الحديث، وهذا مما يستدل به العلماء على ضبط الراوي ما رواه، يعني: كونه يحدث بالحديث، ويخبر عن هيئة حصلت وقت سماع الحديث، يعني: هيئة معينة، حصلت عند التحديث بالحديث، فهذا يدل على ضبط الراوي ما رواه، وإتقانه له، وكفه بين كفيه.
ثم ذكر التشهد الذي هو في الصيغة المشهورة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).
هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، ثبت، إمام، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهي من أعلى صيغ التعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه ، فإنه لم يخرج له شيئاً.
[أخبرنا الفضل بن دكين].
هو أبو نعيم مشهور بكنيته، ومشهور باسمه، ويأتي ذكره كثيراً بالكنية أبي نعيم، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين أدركهم البخاري في أول حياته، وأما النسائي فإنه لم يدركه كما ذكرت قريباً أن الفضل بن دكين توفي سنة مائتين وثمانية عشر، والنسائي ولد سنة مائتين وخمسة عشر، فعمر النسائي لما مات الفضل بن دكين ثلاث سنوات، ولهذا يروي عنه بواسطة، وهو من كبار شيوخ البخاري الذين ما أدركهم مثل النسائي، بخلاف صغار شيوخ البخاري الذين أدركهم مثل محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي الذين توفوا قبل البخاري بأربع سنوات، هذا توفي في أول حياة البخاري، والبخاري في حدود سن العشرين، وكانت وفاته مائتين وستة وخمسين، والفضل بن دكين توفي مائتين وخمسة عشر، والنسائي ولد مائتين وخمسة عشر، فهو لم يدركه ولهذا يروي عنه بواسطة.
والفضل بن دكين أبو نعيم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ووصف بأن فيه تشيع، لكن تشيع مثله لا يؤثر؛ لأنه قد جاء عنه أنه قال: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان، ومن المعلوم أن الرافضة لا يترحمون على عثمان، وإنما يبغضون عثمان، ويبغضون الصحابة، ولا يتولون إلا عدداً يسيراً منهم.
وأبو نعيم هذه الكنية اشتهر بها الفضل بن دكين الذي هو من كبار شيوخ البخاري، وقد اشتهر بها أبو نعيم الأصبهاني المؤلف المصنف صاحب التآليف مثل حلية الأولياء ومثل تاريخ معرفة الصحابة وغيرها من الكتب، وهو متأخر كثيراً عن هذا لأنه توفي سنة أربعمائة وثلاثين في القرن الخامس الهجري، وهو مشهور بكنتيه أبي نعيم .
[حدثنا سيف المكي].
وهو ابن سليمان المكي وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[سمعت مجاهداً يقول].
هو ابن جبر المكي ثقة، عالم بالتفسير وغيره، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني أبو معمر].
هو عبد الله بن سخبرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت عبد الله يقول].
هو ابن مسعود وهو الذي جاء في الطرق المتعددة عنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
الجواب: المخضرم هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يظفر، ولم يتشرف برؤيته، والالتقاء به، هو كان موجوداً في زمانه، وأدرك زمن الجاهلية، وأدرك الإسلام، ولكنه لم يتشرف بلقي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم عدد، ذكر منهم مسلم عدداً كبيراً، وقد مر بنا أبو وائل، والأسود، والمعرور بن سويد، وسويد بن غفلة، وعدد كبير من المخضرمين، والصنابحي الذي كان قدم من اليمن ليلقى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما وصل الجحفة التي هي بجوار رابغ التي هي ميقات أهل الشام والمغرب جاء ركبان من المدينة فأخبروهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، فلهذا قالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، ما بينه وبين الصحبة إلا شيئاً يسيراً؛ لأنه جاء ليلقى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو في الطريق إليه، فقالوا: كاد أن يكون صحابياً.
الجواب: لا، لا يجوز له ذلك، وإنما يصلي الصلاة في وقتها، ولا يدخل في العمل إلا على أساس أنه يمكن من الصلاة في وقتها؛ لأن هذا العمل هو غذاء للحياة الدنيا الفانية، وأما الصلاة فهي زاد الحياة الباقية، ومن المعلوم أن الحرص على الحياة الباقية، وإيثارها أولى وأعظم، وأجل من كون الإنسان يقدم الحق الدنيوي، ويقصر في الحق الأخروي أو الواجب الأخروي، وإنما يبحث عن عمل آخر أو يقول لهؤلاء الكفار: إنه لا يعمل بهذا العمل إلا إذا مكن من الصلاة، وإذا حيل بينه وبين الصلاة في وقتها فإنه يترك العمل ويبحث عن عمل آخر، والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] والرزق بيد الله عز وجل، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها.
الجواب: (فيه لين) درجته أنه يحتاج إلى جبر، ويحتاج إلى ما يعضده.
الجواب: تقبل زيادة الثقة إذا جاءت من طريق ثقة فإنها تكون مقبولة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر