إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب السهو - (باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة) إلى (باب موضع اليدين عند السلام)

شرح سنن النسائي - كتاب السهو - (باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة) إلى (باب موضع اليدين عند السلام)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك أعمال تبطل الصلاة وأعمال تصح بها الصلاة، فأقل ما تصح به الصلاة الطمأنينة في الأركان مع الإتيان بما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم من أعمال كما جاء ذلك في حديث المسيء صلاته.

    1.   

    أقل ما يجزئ من عمل الصلاة

    شرح حديث رفاعة في المسيء صلاته

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة.

    أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن علي وهو ابن يحيى عن أبيه عن عم له بدري أنه حدثه: (أن رجلاً دخل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ونحن لا نشعر، فلما فرغ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلَّ فإنك لم تصل، فرجع فصلى، ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصل فإنك لم تصل، مرتين أو ثلاثة، فقال له الرجل: والذي أكرمك يا رسول الله! لقد جهدت فعلمني. فقال: إذا قمت تريد الصلاة فتوضأ فأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ، ثم اركع فاطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع، ثم افعل كذلك حتى تفرغ من صلاتك)].

    أورد النسائي هذه الترجمة لهذا الباب وهي أقل ما يجزئ في الصلاة، المقصود من ذلك الشيء الذي لابد منه في الصلاة، والذي إذا أخل به يكون أخل بالصلاة، مثل الذي مر في الحديث الذي قبل هذا، الذي صلى صلاةً لا يتم ركوعها ولا سجودها، فقال له: (منذ كم تصلي؟ فقال: منذ أربعين سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة), يعني صلاتك ما هي مجزئة، وأورد النسائي تحت هذه الترجمة حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله تعالى عنه: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فجاء رجل وصلى والنبي صلى الله عليه وسلم يرمقه -أي: ينظر إليه- وهم لا يشعرون، لكنه ينظر إلى كيفية صلاته فقضى صلاته وجاء وسلم عليهم، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن رد عليه السلام: (ارجع فصل)، الصلاة وجدت لكن وجودها مثل عدمها؛ لأنه ما صلى صلاةً مجزئة؛ لأنه أخل بركوعها وسجودها وقيامها، ما عنده اطمئنان في الصلاة نقرها نقراً، فالرسول صلى الله عليه وسلم طلب منه ليعود فيصلي، ولعله كان يعلم كيفية الصلاة، ولكنه نقرها فأراد أنه إذا عاد مرة ثانية، يأتي بها على المطلوب، لكنه صلى صلاةً مثل التي صلاها، فجاء ثم أعاده، فصلى مثل الأولى فلما قال: (ارجع فصل)، قال: لقد جهدت -يعني: الشيء الذي أقدر عليه أتيت به- فعلمني، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قمت إلى الصلاة)، يعني: أردت القيام إلى الصلاة، (فتوضأ فأحسن الوضوء)؛ لأن هذا شرط لابد من تقدمه على المشروط، أي من شروط الصلاة الوضوء، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، وقوله: (لا يقبل الله صلاة أحد إلا بطهور)، يعني إذا أحدث إلا بعدما يتطهر، كما جاءت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو شرط من شروط الصلاة، يتقدم المشروط وهو الوضوء، وإذا صلى الإنسان بدون وضوء فصلاته لاغية، وجودها مثل عدمها.

    (ثم استقبل القبلة)، أيضاً كذلك استقبل القبلة بأن يتجه إلى القبلة، وهي من شروط الصلاة، وهذا إنما هو في الفرائض، وأما في النافلة بالنسبة للمسافر فقد عرفنا في الأحاديث الماضية أنه يستقبل القبلة في أول الصلاة، ثم يصلي أينما توجهت به راحلته، وأما في الفرائض فإنه لابد وأن يصلي مستقبلاً القبلة، فلا يصلي راكباً على الدابة وإنما ينزل، أما إذا كان الإنسان مثلاً في طائرة، والوقت سيخرج قبل نزول الطائرة، فإن الإنسان لا يؤخر الصلاة عن وقتها إلا إذا كانت صلاة تجمع مع الثانية، فيمكن أن يؤخر إلى آخر وقت الثانية إذا كانت الطائرة تنزل في وقت الثانية، وإذا مشى مثلاً في الصباح والطائرة تنزل عقب العصر فيمكنه أن يؤخر الظهر حتى يصليها مع العصر بعدما تنزل الطائرة، فيصلي الظهر ثم العصر، لكن إذا كانت ستغرب الشمس ولا تصل الطائرة إلا بعد الغروب وقد خرج الوقت، فالإنسان يصلي على حسب حاله -يعني: إذا وجد مكاناً في الطائرة يتجه فيه إلى القبلة ويركع ويسجد فعل، وإذا كان ما يجد فإنه يصلي في مقعده على حسب هيئته يومئ إيماءً- ولا يؤخر الصلاة عن وقتها، أما بالنسبة للسيارات وبالنسبة للرواحل فإنه إذا جاء الوقت ينزلون ويصلون ثم يواصلون السير. (ثم استقبل القبلة وكبر)، يعني: ادخل الصلاة بتكبيرة الإحرام.

    (ثم اقرأ) وأطلق القراءة، وعينها في أحاديث أخرى (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، ففاتحة الكتاب هي التي لابد منها ويضيف إليها غيرها،(ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)، هذه صفة الركعة التي لاحظ الرسول صلى الله عليه وسلم إخلاله في الركوع والسجود وعدم الاطمئنان، فأرشده وبين له أن الاطمئنان في الصلاة لابد منه، ولهذا قال: (فإنك لم تصل)، معناه: ما صليت الصلاة المجزئة، ومن المعلوم أنه ما يعيد الصلوات التي مضت مدة حياته، وإنما يتوب إلى الله عز وجل ويندم على ما فرط ويحسن في المستقبل، لكن هذه الصلاة التي علم بأنها لاغية يعيدها.

    فهذا حديث عظيم بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أموراً لابد منها في الصلاة، ويسمى الحديث حديث المسيء في صلاته، والحديث سبق أن مر بنا، ولكن النسائي أعاده هنا للاستدلال به على هذه الترجمة التي عقدها.

    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في المسيء صلاته

    قوله: [أخبرنا قتيبة].

    هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الليث].

    وهو ابن سعد المصري، المحدث، الفقيه، ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عجلان].

    هو محمد بن عجلان المدني، صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن علي].

    هو علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن العجلان الزرقي الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [عن أبيه].

    عن أبيه يحيى بن خلاد بن رافع بن العجلان الأنصاري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن عم له بدري].

    يعني ممن شهد بدراً وهو رفاعة بن رافع أخو خلاد بن رافع، ورفاعة صحابي بدري أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    1.   

    باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة

    شرح حديث رفاعة في المسيء صلاته من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة.

    أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله بن المبارك عن داود بن قيس حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري حدثني أبي عن عم له بدري قال: ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرمقه في صلاته، فرد عليه السلام ثم قال له: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه السلام ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، حتى كان عند الثالثة أو الرابعة، وقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت وحرصت فأرني وعلمني. قال: إذا أردت أن تصلي فتوضأ فأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن قاعداً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع، فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنتقصه من صلاتك)].

    قوله في الترجمة: باب أقل ما يجزئ من العمل في الصلاة، وقد مر في الدرس الماضي حديث رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه من إحدى الطريقين اللتين أوردهما النسائي، فقد مرت وهي تتعلق ببيان المسيء صلاته، وأنه دخل المسجد وصلى صلاةً لم يطمئن في ركوعه وسجوده، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، أي: إن صلاتك غير مجزئة؛ لأنه ما حصل الإتيان بالأمور التي هي أركان الصلاة، وهي: القيام، والركوع، والسجود، والرفع من الركوع، والجلوس بين السجدتين، والاطمئنان في هذه الأفعال كلها وأورد بعد ذلك الطريقة الثانية المشتملة على ما اشتملت عليه الطريقة الأولى من جهة أن الرجل لما كرر الصلاة على الهيئة الأولى لم يأت بالمطلوب فيها، قال للنبي عليه الصلاة والسلام: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت فأرني وعلمني، يعني أرني كيف أصلي وعلمني كيف أصلي؛ لأن الشيء الذي أعلمه أتيت به، وكان هذا الذي عمله خطأ؛ لأنه لم يأت بهذه الأفعال على الوجه الذي يجب عليه أن يأتي بها عليه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في أول الأمر: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، أي إن صلاته غير مجزئة، ولما كرر العمل ولم يكن عمله هو الذي يبرئ الذمة ويتأتى به الواجب، قال للرسول عليه الصلاة والسلام: والذي أنزل عليك الكتاب، لقد جهدت -أي: أتيت بجهدي وما أقدر عليه وما أعلمه- فأعلمني وعلمني، فعلمه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقال: (إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم استقبل القبلة وكبر)، فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى أمور لابد منها تسبق الصلاة، وهي: إحسان الوضوء، ثم استقبال القبلة، ويدخل فيها ويكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ ما تيسر من القرآن، وقد جاءت النصوص عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بتعين قراءة الفاتحة، ثم يركع حتى يطمئن راكعاً، ثم يرفع حتى يعتدل قائماً، ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً، ثم يجلس حتى يطمئن جالساً، ثم يسجد حتى يطمئن ساجداً، ثم يرفع، فيأتي بركعات صلاته على هذه الهيئة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بركعة واحدة.

    والحديث سبق أن مر في الدرس الماضي، وأيضاً في دروس مضت، ولكنه جاء به هنا للاستدلال على أقل ما يجزئ من العمل في الصلاة، والمراد من ذلك الأمور التي لابد منها، والتي إذا فقدت فإن الصلاة تكون مفقودة وتكون غير موجودة؛ لأنه لم يأت بالأمور الأساسية فيها التي هي الأركان، فلابد من هذه الأفعال، ولابد من الاطمئنان في هذه الأفعال التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    تراجم رجال إسناد حديث رفاعة في المسيء صلاته من طريق أخرى

    قوله: [سويد بن نصر].

    سويد بن نصر هو المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.

    [عبد الله بن المبارك].

    هو المروزي أيضاً، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، جمعت فيه خصال الخير، هكذا قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب وصفه بهذه الصفات، وختمها بقوله: جمعت فيه خصال الخير، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن داود بن قيس].

    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن علي بن يحيى بن خلاد].

    هو علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان الزرقي الأنصاري. وهو ثقة، خرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك.

    [يروي عن عمه رفاعة بن رافع الأنصاري].

    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو ممن شهد بدراً، وهنا لم يسمه، وإنما قال: عن عم له بدري، أي عم لـيحيى بن خلاد، وهو رفاعة بن رافع، وحديثه أخرجه البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.

    شرح حديث عائشة: (كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سعيد عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام، قال: قلت: (يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك، ويتوضأ، ويصلي ثمان ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا)].

    روى النسائي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وقد سألها سعد بن هشام عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدلنا على ما كان عليه سلف هذه الأمة من معرفة أحكام الشريعة، وسؤال التابعين للصحابة عن أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وعن أفعاله في أمور معينة، وهنا سألها عن وتر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأورد النسائي الحديث مختصراً؛ لأنه ليس فيه ذكر الوتر، وإنما فيه ذكر الركعات التي تسبق الوتر وهي الركعة الأخيرة، لكن الحديث جاء مطولاً عند النسائي فيما بعد، وفيه: (أنه بعدما صلى ثمان ركعات لم يجلس فيهن إلا بعد الثامنة، جلس يدعو، ثم قام ولم يسلم، ثم صلى ركعة، وجلس يدعو، ويذكر الله عز وجل، ثم سلم تسليماً يسمعهم إياه)، وهذه الطريقة التي معنا مختصرة، والطريقة التي ستأتي في قيام الليل هي مطولة ومفصلة لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام في الوتر، وهذا يدل على أنه ليس بلازم في صلاة الليل أن يصلي ركعتين ثم يجلس يتشهد، ثم يصلي ركعتين وهكذا، ولكن لاشك أن هذا هو الأولى -يعني كونه يصلي، ويجلس عند كل ركعتين ويتشهد، ويصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يسلم ثم يقوم ويصلي ركعتين وهكذا- لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرشد إليه ودل الأمة عليه وأمرها به وفعل ذلك أيضاً فالفصل ثبت من قوله وفعله، فالفصل من قوله ثبت بقوله: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى) هذا قوله.

    وأما فعله فقد جاء: (أنه عليه الصلاة والسلام صلى ركعتين، ركعتين، ركعتين ثم ركعة واحدة)، أما الوصل فقد ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام، فدل على أنه سائغ، ولكن الأولى والأفضل هو الفصل؛ لأنه هو الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أرشد الأمة إليه، وأيضاً ما يحصل معه من الارتياح للتقوي على الصلاة فإنه إذا سلم من ركعتين ثم جلس أو شرب حصل شيء ينشطه للقيام، إذاً فالأولى هو ما أرشد إليه وفعله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهو صلاة كل ركعتين على حدة، ثم يختم بركعة ينهي صلاة الليل بها.

    وهذا الحديث الذي أورده النسائي في هذه الترجمة، لعل المقصود من إيراده في هذه الترجمة هو أن الحديث الأول بطريقيه اشتمل على أقل ما يجزئ من عمل الصلاة، بالنسبة للركعة والركعات، وكيف يأتي بها، وأنه يطمئن في قيامه، وفي ركوعه، واعتداله من الركوع، وفي سجوده، وجلوسه بين السجدتين وهكذا، لكن ما فيه تعرض للتشهد ولا للسلام، فأورد النسائي هذا الحديث الذي فيه ذكر التشهد والسلام، وهذا هو مقصود من إيراد الحديث في الترجمة.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله لما شاء أن يبعثه من الليل ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].

    هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، خرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فهو يعتبر شيخاً لهم سمعوا منه وأخذوا الحديث عنه.

    [عن يحيى].

    هو يحيى بن سعيد القطان البصري، المحدث، الناقد، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعيد].

    هو سعيد بن أبي عروبة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن قتادة].

    وهو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن زرارة بن أوفى].

    هو أيضاً بصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وكان من العباد، وقد ذكر في ترجمته أنه مات فجأةً في الصلاة وهو يصلي بالناس إماماً لهم، ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره عند قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر:8]، في سورة المدثر: أنه كان يصلي بالناس الصبح، فلما جاء عند هذه الآية شهق شهقةً ثم وقع ومات رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سعد بن هشام].

    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الأصول الستة.

    [عن عائشة].

    هي أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق، زوجة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها، التي روت الأحاديث الكثيرة عنه عليه الصلاة والسلام، وتعتبر هي المرأة الوحيدة التي روت الروايات الكثيرة التي لم يدانها في ذلك أحد، بل إن الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهؤلاء السبعة هم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وعائشة، سبعة يقول السيوطي فيهم في الألفية:

    والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر

    وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي

    فالبحر هو ابن عباس.

    المراد بزوجة النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وهي التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، ولهذا فإن من قذفها وقد برأها الله عز وجل مما قذفت به فإنه مرتد كافر ليس من أهل الإسلام؛ لأنه مكذب بالقرآن، ومكذب بما نزل به القرآن من براءتها، فمن رماها بالإفك فإنه كافر مرتد عن دين الإسلام يجب قتله، ولا يورث ماله وإنما يكون فيئاً يوضع في بيت مال المسلمين.

    1.   

    السلام

    شرح حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب السلام.

    أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سليمان يعني ابن داود الهاشمي حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد قال حدثني عبد الله بن جعفر وهو ابن المسور المخرمي عن إسماعيل بن محمد حدثني عامر بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره)].

    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب السلام -أي السلام من الصلاة- وهو الخروج من الصلاة الذي به يحصل الانتهاء منها، وقد جاء في الحديث: (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، بمعنى أن الإنسان إذا كبر تكبيرة الإحرام حرم عليه ما كان حلالاً قبلها، وإذا سلم حصل الرجوع إلى ما كان عليه قبل التكبير، بمعنى أنه يحل له ما كان حراماً عليه في الصلاة، (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)، يعني يحصل التحلل منها بالتسليم، ولهذا يعرفون الصلاة فيقولون: هي أقوال وأفعال مخصوصة مبتدئة بالتكبير مختتمة بالتسليم. أقوال وأفعال مخصوصة: هي ركوع، وسجود، وقراءة وتسبيح، وتهليل، ودعاء، واستغفار، وتشهد وما إلى ذلك، مبتدئة هذه الأفعال والأقوال بالتكبير ومختتمة بالتسليم، هذا هو التعريف الشرعي الذي يطابق المعنى الشرعي، وأما من حيث اللغة فمعناها: الدعاء، ولا شك أن الصلاة مشتملة على المعنى اللغوي الذي هو الدعاء، ولكن الصلاة الشرعية هذا هو تعريفها: أقوال وأفعال مخصوصة مبتدأة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فختام الصلاة التسليم.

    وقد أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم عن يمينه وعن شماله)، يعني: يحصل الخروج من الصلاة بتسليمه عن اليمين وتسليمه عن الشمال، ففيه حصول تسليمتين، وفيه الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة الشمال عند التسليم، والتسليم هو نهايتها، وهو ركن من أركان الصلاة.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره)

    قوله: [أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم].

    وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الكوفي المعروف أبوه بابن علية، ومحمد بن إسماعيل ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [قال: حدثنا سليمان يعني: ابن داود الهاشمي].

    سيلمان بن داود الهاشمي من نسل عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو ثقة، جليل، قال عنه الإمام أحمد: إنه يصلح للخلافة، يعني إشارةً إلى فضله ونبله وعلو مكانته.

    أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، وأصحاب السنن الأربعة.

    وقوله: (يعني ابن داود الهاشمي)، هذه كلمة يعني ابن داود الهاشمي، زادها النسائي أو من دون النسائي ؛ لأن تلميذه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الكوفي المشهور أبوه بـابن علية، لا يحتاج إلى أن يقول: هو ابن فلان، بل ينسب شيخه كما يريد، لكن محمد بن إسماعيل لما ذكر شيخه في هذا الإسناد ما زاد على أن قال: سليمان، يعني ما نسبه، لكن من دون التلميذ الذي هو النسائي أو من دون النسائي هو الذي أتى بهذه الزيادة، وأتى بكلمة (يعني)، وكلمة (يعني) فعل مضارع له فاعل، وله قائل، ففاعله ضمير مستتر يرجع إلى محمد بن إبراهيم بن علية.

    وهذه الطريقة يستعملونها حتى يميزوا بين كلام التلميذ وكلام من دون التلميذ مما زاده من باب الإيضاح والبيان، وهما عبارتان تستعملان؛ هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، كما سيأتي في نفس الإسناد؛ لأن الإسناد جمع فيه بين الأمرين، أو بين العبارتين: كلمة (هو) وكلمة (يعني).

    [حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد].

    حدثنا إبراهيم وهو ابن سعد هنا أيضاً عبارة هو ابن سعد من جنس عبارة يعني؛ لأن سليمان بن داود ما قالها، أي ما نسب شيخه، وما زاد على كلمة: إبراهيم شيئاً، لكن محمد بن إبراهيم أو من دونه هم الذين زادوها، وأما سليمان بن داود فهو قال: إبراهيم فقط، فمن دونه وهو محمد بن إسماعيل أو النسائي أو من دون النسائي هؤلاء هم الذين أتوا بكلمة: هو ابن سعد، وهو إبراهيم بن سعد الزهري، ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه.

    وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني عبد الله بن جعفر].

    وهو ابن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة، وهو يقال له: المخرمي نسبة إلى مخرمة الذي هو أبو المسور، فيقال له: ابن مسور المخرمي، وعبد الله بن جعفر هذا قال عنه الحافظ في التقريب: ليس به بأس، وكذلك قال النسائي: ليس به بأس، وكلمة: ليس به بأس تعادل صدوق، كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة التقريب، أن كلمة: صدوق وليس به بأس أو لا بأس به هي في درجة واحدة.

    وحديث عبد الله بن جعفر أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    والنسائي رحمه الله لما ذكر هذا الإسناد ميز في آخره بين عبد الله بن جعفر الذي ليس به بأس، ووالد علي بن المديني الذي هو ضعيف وقال عنه: متروك، حتى يبين أن هذا الذي يعنيه في هذا الإسناد هو المخرمي وليس عبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني، فإنه لم يخرج له النسائي، لكنه لما كانت الأسماء متفقة أتى بهذا الكلام الذي يبين أن من ذكره في الإسناد ليس به بأس وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة، منسوب إلى جده مخرمة فيقال له: المخرمي.

    وهذا يسمى في المصطلح: المتفق والمفترق، يعني كونه يحصل الاتفاق في الأسماء وأسماء الآباء وتختلف الأشخاص فليسوا شخصاً واحداً وإنما شخصان اتفقا في الاسم واسم الأب، فيقال له: المتفق والمفترق.

    [عن إسماعيل بن محمد].

    هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، حجة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [عن عامر بن سعد].

    يعني يروي عن عمه عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [يروي عن أبيه].

    سعد بن أبي وقاص صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهم أفضل الصحابة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، هؤلاء عشرة شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث واحد، سردهم وسماهم وقال: إنهم في الجنة، وقد شهد لغيرهم في أحاديث متفرقة، مثل: ثابت بن قيس بن شماس، وعكاشة بن محصن، والحسن، والحسين، وفاطمة، وبلال، وعدد كبير من الصحابة جاءت أحاديث خاصة بالشهادة لآحادهم بالجنة كل جاء في حديث، ولكن قيل لهم: العشرة، وليس الشهادة لعشرة فقط؛ لأنهم اشتهروا بلقب العشرة؛ لأنهم بشروا بالجنة في حديث واحد، وسعد بن أبي وقاص هو آخر العشرة موتاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن سعد رضي الله عنه أنه قال: (كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده)، قال أبو عبد الرحمن: عبد الله بن جعفر هذا ليس به بأس، وعبد الله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني متروك الحديث.

    أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أن فيه: (أنه يسلم عن شماله حتى يرى بياض خده)، معناه: أنه يلتفت كثيراً، والحديث دال على ما دل عليه الذي قبله من حصول التسليم، وأنه تسليمتان، وأنه يكون عن اليمين وعن الشمال.

    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يسلم عن يمينه وعن يساره) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهوية الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه، وحصل له هذا اللقب الذي هو من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وهو التلقيب بأمير المؤمنين في الحديث، وقد خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.

    [حدثنا أبو عامر العقدي].

    هو عبد الملك بن عمرو القيسي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد الله بن جعفر].

    هذا ومن فوقه مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

    1.   

    موضع اليدين عند السلام

    شرح حديث جابر بن سمرة في موضع اليدين عند السلام

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب موضع اليدين عند السلام.

    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا أبو نعيم عن مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال سمعت جابر بن سمرة رضي الله عنهما يقول: (كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيده عن يمينه وعن شماله، فقال: ما بال هؤلاء الذين يرمون بأيدهم كأنها أذناب الخيل الشُمس، أما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله)].

    أورد النسائي موضع اليدين عند السلام. وهي أنها تكون على الفخذين، يعني على الحالة التي هي عليها في التشهد تكون عليها عند السلام، لا تتغير عن هذه الحالة التي هي عليها عند التشهد، لا تتغير عند السلام، بل تبقى على حالها حتى يتم السلام، وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا نصلي مع رسول الله عليه الصلاة والسلام فنقول: السلام عليكم، السلام عليكم، وأشار مسعر بيده عن يمينه وعن شماله. يعني: عندما يسلم لليمين يشير بيده إلى اليمين، وعندما يسلم لليسار الثانية يشير إلى اليسار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال هؤلاء يرمون بأيدهم كأنها أذناب خيل شُمس)، والخيل الشُمس هي التي عندها حركة واضطراب، وعندها شدة، معناه يتحرك ذيلها وليس مستقراً ولا هادئاً، فهم عند السلام كانوا يشيرون باليد اليمنى إلى جهة اليمين، واليد اليسرى إلى جهة الشمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن تبقى أيديهم على ما هي عليه، (أما يكفي الواحد منهم أن يضع يده على فخذه)، يعني: على ما هي عليه قبل الوصول إلى السلام، أي: في التشهد؛ لأنه في التشهد اليدين لها هيئة، تبقى على هيئتها حتى يتم السلام، ما هو عند السلام يحصل فيها تحرك من جهة اليمين لليمنى، وتحرك من جهة اليسار بالنسبة لليد اليسرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة الحيوانات، وعن هذا الفعل الذي فيه مشابهة الحيوانات، وقد جاء النهي عن مشابهة الحيوانات في أحاديث متعدد منها هذا، ومنها: (البروك كبروك البعير)، ومنها: (الإقعاء كإقعاء الكلب)، و(افتراش الذراعين كافتراش الكلب)، فهذه من الهيئات التي هي معروفة للحيوانات، وقد جاء النهي عن الإتيان بها في الصلاة، وهنا جاء النهي عن الإتيان بهذه الهيئة التي تشبه حركة أذيال الخيل الشُمس.

    قال: (أما يكفي أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله).

    معناه: يسلم على من يمينه، وعلى من شماله، ويخرج من الصلاة بذلك، أي: بذلك التسليم الذي هو تسليمةٌ عن اليمين، وتسليمةٌ عن الشمال.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر بن سمرة في موضع اليدين عند السلام

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    هو الفلاس، وهو ثقة، محدث، ناقد، متكلم في الرجال، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [يروي عن أبي نعيم].

    أبو نعيم الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، كان يوصف بالتشيع، لكن مع كونه موصوفاً بهذا الوصف كان يقول: ما كتبت علي الحفظة بأنني سببت معاوية، ومن المعلوم أن سب معاوية عند الشيعة هذا من أسهل الأشياء، مثل شرب الماء سهولته، يعني: من السهل عليهم أن يشتموا هذا الرجل الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، فـأبو نعيم وصف بالتشيع يقول: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية، معناه هذا التشيع تشيع لا يؤثر، لعله من جنس تقديم علي على عثمان في الفضل، الذي لا يؤثر، ولا يضر، وصاحبه لا يبدع، يعني: القول به ليس بدعة، وإنما الذي هو بدعة تقديم علي على عثمان في الخلافة، وأنه أولى منه بالخلافة، هذا هو الذي يبدع؛ لأن هذا اعتراض على عمل الصحابة، وعلى اتفاق الصحابة، وخروج عما كان عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، حيث اتفقوا على بيعته، واختير من الستة الذي هم أهل الشورى الذين عهد إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فآل الأمر إلى أن صار دائراً بين علي، وعثمان، وتم الأمر إلى تقديم عثمان على علي رضي الله تعالى عن الجميع، وأبو نعيم حديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، والنسائي يروي عنه بواسطة؛ لأنه من كبار شيوخ البخاري، وأما البخاري يروي عنه مباشرة، وهناك ممن هو مشهور بـأبي نعيم الأصبهاني، وهو متأخر مصنف الحلية (حلية الأولياء) وغيرها من الكتب، وكتاب: (معرفة الصحابة)، وكانت وفاته سنة أربعمائة وثلاثين، يعني هذا وفاته فوق المائتين قليلاً، وأما ذاك فوفاته سنة أربعمائة وثلاثين، فإذا قيل: أخرجه أبو نعيم، المراد به الأصبهاني المتأخر، وأما هذا فهو متقدم من كبار شيوخ البخاري.

    [عن مسعر].

    هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبيد الله بن القبطية].

    ثقة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.

    [عن جابر بن سمرة].

    هو جابر بن سمرة بن جنادة، صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وحديث جابر بن سمرة عند أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    الأسئلة

    الاكتفاء بتسليمة واحدة في الصلاة

    السؤال: هل تجزئ تسليمة واحدة في الصلاة بهذه الصيغة: السلام عليكم؟

    الجواب: قال بهذا بعض العلماء، وقال بعضهم: أنه لا يجزئ؛ لأنه لابد من تسليمتين، ومن المعلوم أن القول بالتسليمتين هو الذي فيه الاحتياط، وفيه الخروج من الخلاف؛ لأن من سلم تسليمتين خرج من الاختلاف، معناه أنه على القولين أدى ما هو مطلوب منه، أما من سلم تسليمة واحدة، فعلى القول الثاني الذي يقول: بأنه لابد من الاثنتين يعتبر ما أدى ما هو مطلوب منه، وقد جاء في بعض الأحاديث، لكن تكلم فيها بعض العلماء، وممن تكلم فيها ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين، فإنه ذكر أن التسليم لابد فيه من تسليمتين، وأنه لا يجزئ تسليمة واحدة، وتكلم في الحديث الذي ورد بالتسليمة الواحدة.

    حكم الالتفات في الصلاة

    السؤال: ما حكم من يلتفت في سلامه التفاتة واحدة؟ وما الدليل على جوازه؟

    الجواب: ما أعلم، الدليل دل على أن الالتفات يكون يميناً وشمالاً، وأما كونه يلتفت التفاتة واحدة ما أعلم شيئاً يدل عليه، لكن في الحديث ورد أنه يسلم عن يمينه وعن شماله.

    حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند المحدثين

    السؤال: هذا السائل يسأل عن إسناد عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند المحدثين؟

    الجواب: حديث عمرو بن شعيب إذا ثبت الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو لا يقل عن درجة الحسن، وكثير من الأحكام الشرعية مبنية على هذا الإسناد الذي هو عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

    صلاحية الاحتجاج بالأحاديث التي سكت عنها الحافظ في الفتح أو مقدمته

    السؤال: يقول ما حكم الأحاديث التي سكت عنها ابن حجر في الفتح؟

    الجواب: الأحاديث التي سكت عنها الحافظ ابن حجر هي صالحة للاحتجاج، قد ذكر هذا إما في أول المقدمة أو في أول الفتح، يعني الأحاديث فيها ما يبين حكمه إثباتاً، وفيها ما يبين عدم ثبوت حكمه، وفيها ما يسكت عنه، لكن ما يسكت عنه هو ذكر طريقته إما في الفتح وإما في المقدمة، لا أذكر أيهما.

    ثبوت حديث اختصام الملأ الأعلى والتفصيل في رؤية النبي لربه

    السؤال: هذا السائل يسأل عن صحة هذا الحديث، يقول: إني قمت من الليل، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي حتى استيقظت فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة، فقال: يا محمد، أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري يا رب، أعادها ثلاثاً، فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري فتجلى لي كل شيء)، إلى آخر الحديث؟

    الجواب: حديث اختصام الملأ الأعلى وكون الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام حديث ثابت، وقد شرحه ابن رجب في جزء اسمه: اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، هو شرحٌ لهذا الحديث الطويل، يعني رؤيا رسول عليه الصلاة والسلام ربه في المنام هو حديث ثابت عند العلماء.

    مداخلة: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه؟

    الشيخ: في اليقظة ما رآه، وفي المنام هذا الحديث الذي ذكر يدل على حصول ذلك، وفي ليلة المعراج لم يثبت أنه رأى ربه، بل ثبت ما يدل على عدم الرؤية، وذلك أنه لما سئل عليه الصلاة والسلام قيل: له هل رأيت ربك؟ لم يقل: نعم، بل قال: (نورٌ أنى أراه)، كيف أراه والنور لم أتمكن معه من رؤيته، وهذا النور الذي أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو نور الحجاب الذي جاء في الصحيح حيث قال: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، والحديث في صحيح مسلم.

    فضل طلب العلم وبيان كيفية تحصيله

    السؤال: ما هو فضل طلب العلم، وما هي أحسن طرق طلبه؟

    الجواب: طلب العلم كما هو معلوم شأنه عظيم وفضله كبير؛ لأن به يعرف الطريق الذي يوصل إلى الله عز وجل، وبه يعرف الإنسان الحق حتى يعبد الله على بصيرة، وحتى يدعو غيره على بصيرة؛ لأن الجاهل يعمل على خلاف الحق لجهله، وإذا دعا يدعو إلى الباطل لجهله، لكن من علم فإنه يعمل على بينة، ويدعو على بينة، وثمرة العلم العمل، والدعوة إلى العلم وإلى ما جاء به الكتاب والسنة، والله عز وجل يقول: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، فلابد من البصيرة، والبصيرة إنما تكون بالعلم، وتكون بمعرفة الحق والهدى.

    فطالب العلم شأنه عظيم، ونفعه عميم، وذلك أنه يعرف الحق فيعمل به، ويدعو الناس إليه، ولو لم يحصل لأهل العلم من المناقب إلا أن يوصفوا بأنهم من ورثة رسول الله عليه الصلاة والسلام لكان ذلك كافياً في شرفهم وفضلهم ونبلهم، وقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العمل، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)، فأهل العلم مما يدل على فضلهم -بل هو كافٍ في الدلالة على الفضل لو لم يأتِ أحاديث أخرى- كونهم وراث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، الذين يرثون عنه الهدى الذي جاء به؛ لأن الأنبياء ما كانت مهمتهم جمع المال وتوريثه لورثتهم من بعدهم، فإنه لا يورث عنهم المال، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة)، فهم ما جاءوا لجمع المال، ولكن جاءوا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، فمن وفقه الله عز وجل أخذ بنصيب وافر من هذا الميراث الذي هو ميراث النبوة، العلم النافع، علم الكتاب والسنة، العلم الذي يثمر العمل والدعوة على بصيرة وعلى هدى، (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم).

    غير الأنبياء يجمعون المال، ويرثهم ورثتهم، وأما الأنبياء فقد جاءوا بالحق والهدى، ويرثهم كل من وفقه الله عز وجل لأن يتعلم العلم النافع الذي هو علم الكتاب والسنة، هذا الميراث مبذول لكل من أراده، فمن وفقه الله عز وجل سار في تحصيله، فحصل ما حصل منه، فعمل بذلك العلم، ودعا غيره إليه، فكان مأجوراً على عمله، ومأجوراً على دعوته وتوجيهه، ومأجوراً مثل أجور الذين استفادوا خيراً بسببه، واستفادوا علماً بسببه، واستفادوا هدىً وبصيرةً بسببه؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)، والأحاديث في فضائل العلم وفي فضل العلماء كثيرة جداً، ولكن هذه إشارةٌ إلى أهمها، وإلى فضيلة من أعظم تلك الفضائل وهي كون طالب العلم يعتبر من وراث رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    حكم التنفل في السفر

    السؤال: ما حكم التنفل بالنسبة للمسافر؟

    الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يحافظ في سفره إلا على ركعتي الفجر والوتر، لكن الإنسان إذا جاء إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى المسجد الحرام، وصلى فيهما متنفلاً، فإن تلك المضاعفة موجودة فيها، صلاة النافلة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بألف نافلة، وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة.

    بيان حكم الإفراد والتمتع والقران في الحج والأفضل منها

    السؤال: ما حكم إفراد الحج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، وأنكر صلى الله عليه وسلم وغضب على الصحابة لما لم يمتثلوا أمره؟

    الجواب: إفراد الحج والقران بين الحج والعمرة سائغان، لكن الأفضل منهما التمتع، وبعض العلماء يقول: أنه لا يجوز للإنسان أن يفرد ولا أن يقرن إلا إذا كان قد ساق الهدي، لكن الصحيح أن القران سائغ وإن لم يسق الهدي، والإفراد سائغ وإن لم يسق الهدي، والدليل على هذا كون الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان كانوا يفردون، وهذا يدل على أن الإفراد سائغ، ولكن الأولى منه التمتع؛ لأنه هو الذي أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تمناه بقوله: (لو استقبلت ما استدبرت لما سقت الهدي، ولولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة).

    حكم تجاوز الميقات بدون إحرام

    السؤال: ما حكم من يتجاوز الميقات لبعض الأسباب؟

    الجواب: الميقات لا يتجاوزه من يريد الإحرام إلا محرماً، هذا هو الحكم، ولا يجوز له أن يتجاوز الميقات غير محرم، كل من يريد حجاً أو عمرة يمر بميقات، لا يجوز له أن يتجاوز الميقات إلا وقد أحرم.

    بيان حقيقة المذاهب الأربعة

    السؤال: ما حكم من قال: المذاهب الأربع سبلٌ متفرقة؟

    الجواب: المذاهب الأربعة هي مذاهب أربعة علماء من علماء الإسلام، هم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد رحمة الله على الجميع، وهناك فقهاء آخرون في زمانهم وقبل زمانهم هم مثلهم في الجلالة وفي العلم وفي الفقه في دين الله عز وجل، لكن ما حصل لهم أن انتشرت مذاهبهم وجمعت أقوالهم واعتني بها كما حصل لأصحاب المذاهب الأربعة، أصحاب عنوا بجمع مذاهبهم، وهذه المذاهب الأربعة هي مذاهب علماء أجلاء، ومن المعلوم أن كل إنسان ليس بمعصوم إلا رسول الله عليه الصلاة والسلام، والإنسان يحرص على أن يعرف الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأصحاب المذاهب الأربعة كل واحد منهم يوصي بأن يبحث عن الدليل، وأن يتبع الدليل، وكل واحد من الأئمة الأربعة اجتهد، والمجتهد المصيب له أجران، والمجتهد المخطئ له أجر واحد، وخطؤه مغفور، فهم لا يعدمون أجراً أو أجرين رحمة الله عليهم، وهم أوصوا بأنه إذا وجد الدليل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام فإنه يتبع الدليل وتترك أقوالهم، وهذا من نبلهم وفضلهم ومعرفتهم بأقدارهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

    بيان حكم التمسح على أرضية الروضة بنية الترك

    السؤال: هل يجوز التمسح على أرضية الروضة من أجل أن يتبرك بها؟

    الجواب: ليس للإنسان أن يتمسح بأرض، ولا بجدار، ولا ببقعة، ولا بمنبر، ولا بحجرة، ولا بأي شيء؛ لأن هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام هو خير الهدي، (أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، فهل أرشد إلى أنه يتمسح بجدران أو يتمسح ببقعة، أو بعمود، أو بمنبر، أو بأي شيء؟ ما وجد شيء من هذا عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، خير الأمة بعد نبيها أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما وطئ على الأرض أفضل منهم، هم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، اختارهم الله لصحبة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، هذه الحياة الدنيا ما أحد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيني رأسه إلا الصحابة، عيونهم رأت الرسول صلى الله عليه وسلم، وآذانهم سمعت كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقوا هدي رسول الله منه فأدوه إلى الناس، عن طريقهم عرفنا الكتاب والسنة، ولم نعرف الحق والهدى إلا عن طريق الصحابة، ولا سبيل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ومعرفة الحق الذي جاء عنه إلا من طريق أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، هؤلاء الصحب الكرام الذين اختارهم الله لصحبة نبيه، ومتع أبصارهم في الحياة الدنيا بالنظر إلى طلعته، وشنف أسماعهم بسماع كلامه من فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، ما فعلوا شيئاً من ذلك، وهم أحرص الناس على كل خير، وأسبق الناس إلى كل خير، ولو كان خيراً لسبقوا إليه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، فالشيء الذي كانوا عليه هو الحق والهدى.

    وقد قال مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ما يمكن لأهل آخر الزمان أن يصلحوا بطريقة ما صلح بها الصحابة أبداً، الذي صلح به الصحابة هو الذي يصلح به الناس إلى يوم القيامة، ولا سبيل إلى صلاح الأمة بعد أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم إلا بأن يكونوا على المنهج الذي كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أصلح الناس بعد الأنبياء والمرسلين، وخير الناس بعد الأنبياء والمرسلين.

    وقال مالك أيضاً رحمة الله عليه: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة. الذي ما هو دين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما هو دين إلى قيام الساعة، معناه: إذا أُحدث أمور بعد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فهذه ليست من الدين في شيء، بل هي من محدثات الأمور، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ما تكون بتقبيل جدران حول قبره، ولا التمسح بالجدران حول قبره عليه الصلاة والسلام، وإنما تكون باتباعه والسير على منهجه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته عليه الصلاة والسلام، هذه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم أعظم من محبته لنفسه، ومحبته لأبيه وأمه، وابنه وبنته، وقريبه، وصديقه، ومن سائر الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد وولده والناس أجمعين).

    ما هي علامة محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ما هي العلامة التي يعرف بها محبة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ هل العلامة أن الإنسان يذهب إلى القبر ويتمسح بالجدران؟ أبداً، ما هي ذي بعلامة؛ لأن الصحابة ما كانوا يفعلون هذا وهم أحب الناس إلى رسول الله، ورسول الله أحب الناس إليهم، يحبونه أعظم مما يحبه من جاء بعدهم، لكن ما هي علامة محبتهم؟ علامة محبتهم أن الواحد منهم إذا سمع السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عملها، إذا سمع أمراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثله، إذا سمع نهياً عن رسول الله ابتعد عنه، إذا سمع خبراً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام صدق به، لا يعبد الله إلا طبقاً لشريعته، هذه طريقة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهناك آية في القرآن يسميها العلماء آية الامتحان والاختبار، وهو أنه من يدعي محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة على ذلك، ما هو بس مجرد دعوى، ومجرد تمسيح جدران وما إلى ذلك، لا، بل علامة الاتباع: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني، هذه هي علامة المحبة، المحب لمن يحب مطيع، والذي يحب الرسول صلى الله عليه وسلم يكون ممتثلاً لكل ما يأمر به، ومنتهياً عن كل ما ينهى عنه، ومصدقاً لكل ما يخبر به، ولا يعبد الله إلا طبقاً لشريعة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لا يعبده تبعاً للأهواء والشهوات، والبدع والمنكرات والمحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون في قلب كل مسلم أعظم من محبة أي من الخلق، (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والد وولده والناس أجمعين)، لماذا؟ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي نعمة الإسلام، ونعمة الهداية والصراط المستقيم، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، لا يماثلها نعمة، ولا يساويها نعمة، ولهذا وجب أن تكون محبته أعظم من محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله لنا على يديه أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها علينا وهي نعمة الإسلام، ولهذا جاء عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه صاحب رسول عليه الصلاة والسلام وخادمه الذي خدمه عشر سنوات منذ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى توفاه الله، لما سمع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)، قال رضي الله عنه: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث. لأن الفرح بنعمة الإسلام هي أعظم ما يفرح به من نعمة، قال: فوالله ما فرحنا بشيء بعد الإسلام أشد منا فرحاً بهذا الحديث. لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرء مع من أحب)، ثم قال أنس رضي الله عنه: فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحب أبا بكر، وعمر، وأرجو من الله أن يلحقني بهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل مثل أعمالهم.

    الحاصل أن التمسح بالجدران والشبابيك والأبواب والأعمدة والمنبر وغير ذلك ليس من هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام، وليس مما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم وأرضاهم، وليس هذا أيضاً علامة على محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، بل علامة محبته طاعته واتباعه، وامتثال ما جاء به عليه الصلاة والسلام.

    والعمل المقبول عند الله لا بد فيه من توفر شرطين، كل عمل ينفع عند الله ما ينفع إلا إذا توفر فيه شرطان: الشرط الأول: أن يكون لله خالصاً، والشرط الثاني: أن يكون لسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مطابقاً وموافقاً، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، ولابد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله إخلاص العبادة لله وحده، وأشهد أن محمداً رسول الله تجريد المتابعة للرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    حكم التعامل مع الشركات التي تنوب عن الحجاج في الذبائح وتعطيهم سندات مقابل ذلك

    السؤال: السائل هنا يا شيخ معه سند من أحد البنوك للهدي، يقول: هل هذا السند كاف لكوني أديت الواجب الذي عليّ؟

    الجواب: إذا كان الإنسان أعطى النقود للجهة المخصصة لهذا العمل، وهو البنك الإسلامي الذي تتولى شركة الراجحي النيابة عنه بأخذ النقود مقابل الهدي الذي يذبح عن الحجاج في أيام العيد والأيام التي بعده، فإن هذا لا بأس به، وهذا عمل طيب؛ لأن فيه خدمة للحجاج، ويرى حالهم من العناء والمشقة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767948300