أخبرنا بشر بن خالد العسكري حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد عن ابن عباس، قال: (إنما كنت أعلم انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير)].
يقول النسائي رحمه الله: التكبير بعد سلام الإمام، والنسائي رحمه الله تعالى أورد هذه الترجمة بالتكبير بعد سلام الإمام وفيها التنصيص على لفظ التكبير، وقد جاء عنه في روايةٍ أخرى، أي: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدلنا على أن رفع الصوت بالذكر بعد السلام وردت به السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها ما جاء بلفظ التكبير كما هنا، وفيها ما جاء بلفظ الذكر مطلقاً، ومن المعلوم أن التكبير هو من الذكر، والحديث يدل على أن رفع الصوت بالذكر تكبيراً كان أو غيره بعد سلام الإمام من الصلاة، والمأمومين، كان على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو سنة، ورفع الأصوات بالذكر بعد السلام لا يكون بطريقةٍ جماعية، بأن يكون واحد يقول، والباقون يتبعونه، وإنما كلٌ يذكر الله بنفسه، ويرفع صوته، وقد تلتقي أصوات بعضهم وقد تفترق، فهذا هو الذي كان معروفاً على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الذي جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما ما يفعل في بعض البلاد من كون الإمام يأتي بالذكر يرفع صوته به ثم المأمومون يتابعونه به ويأتون بصوت واحد بعد صوت الإمام فهذا محدث، وليس من السنة، وإنما السنة أن كل واحد يذكر الله بالذكر الوارد، والذكر المشروع، ويرفع صوته به، أي: رفعاً ليس بشديد، ولكن بحيث يسمع، ودون أن يكون هناك ترتيب التقاء أصوات بحيث لا يتقدم أحد ولا يتأخر أحد عن غيره، وإنما كلٌ يذكر الله في نفسه، فهذا يكبر، وهذا يسبح، وهذا يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دون أن يكونوا كلهم على نسق واحد وعلى وتيرة واحدة، هذا هو الذي جاءت به السنة.
وذكر في الحديث الذكر بعد السلام فيه تكبير، وغير تكبير، ولفظ الذكر يشمل التكبير وغير التكبير، فهذا يدلنا على مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد سلام الإمام سواء من الإمام أو من المأمومين، وأن هذا هو السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحديثان كما ذكرت جاءا بلفظين: أحدهما: عام، والثاني: خاص، والعام يشمل الخاص، والخاص هو جزء من العام، أي: أن لفظ الذكر لفظ عام يشمل التكبير، والتسبيح، والتهليل، وغير ذلك من الثناء الذي ورد على الله عز وجل، والتكبير هو جزء منه، ورفع الصوت إنما هو في الجميع كما جاء في حديث ابن عباس: (إن رفع الصوت بالذكر)، أي: عموماً، وليس خاصاً بالتكبير، والتكبير هو جزء من الذكر، فيكون رفع الصوت به كرفعه بغيره في الحديث الآخر الذي ورد أو اللفظ الآخر الذي ورد وهو لفظ الذكر.
ثم قيل: إن ابن عباس رضي الله عنه كان يحتمل أن يكون في ذلك الوقت صغيراً، يعني: من الصغار الذين قد يكون سمع هذا وهو خارج المسجد، ويحتمل أن يكون أيضاً حضر المسجد وصلى، ولكن صلى وراء الصفوف، أي: أن الصبيان يصفون في مؤخرة الصفوف، وفي الصفوف المؤخرة، فيكون سماعهم أو علمهم بالانصراف إنما هو بالذكر الذي يسمعونه من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن الذين حوله، فيحتمل هذا، ويحتمل هذا، ولكن الحديث دال على مشروعية رفع الصوت بالذكر بعد السلام.
هو بشر بن خالد العسكري، بصري، ثقة، يغرب، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[يحيى بن آدم].
هو يحيى بن آدم الكوفي، ثقة، ثبت، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو: مصنف من الأئمة المصنفين، وله كتاب الخراج المشهور.
هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، ثقة، ثبت، حجة، إمام، من الأئمة الكبار المعروفين بالحديث وبالفقه، وهو ممن أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يدلس، لكنه لا يدلس إلا عن الثقات، مشهور تدليسه أنه عن الثقات، لا يدلس عن غيرهم شيئاً، وهو من أتباع التابعين، وسفيان بن عيينة روى عن الزهري، والزهري من صغار التابعين، أي: أنه أدرك صغار التابعين، وعاش بعد الزهري مدةً طويلة؛ لأن الزهري توفي مائة وأربع وعشرين، وابن عيينة توفي مائة وسبع وتسعين، فهو في أواخر القرن الثاني، ولكنه أدرك صغار التابعين الذين لقوا صغار الصحابة، وحديثه كما ذكرت أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هو عمرو بن دينار المكي، ثقة، ثبت، وسفيان بن عيينة مكي، وعمرو بن دينار مكي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي معبد].
اسمه نافذ، وهو مولى ابن عباس، وهو يروي عن ابن عباس، واسمه نافذ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد صغار الصحابة؛ لأنه في حجة الوداع كان ناهز الاحتلام كما جاء ذلك في الحديث عنه: أنه قال: (كنت ناهزت الاحتلام)، يعني في حجة الوداع، وعبد الله بن عباس رضي الله عنه يقال له: الحبر، ويقال: البحر؛ وذلك لسعة علمه بكتاب الله عز وجل، وهو من أوعية السنة، فإنه من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذين تحملوا عنه الحديث الكثير، والذين اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام سبعة من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم: أبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام قد عرفوا بكثرة الحديث، واشتهروا بكثرة الحديث، وهو من أوعية العلم، وأوعية السنة، وأوعية الفقه في دين الله عز وجل، فقد جمع السيوطي هؤلاء السبعة في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي
المراد بزوجة النبي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهؤلاء هم السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما أن ابن عباس من السبعة المعروفين بكثرة الحديث، فهو أحد العبادلة الأربعة المشهورين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن الذين يسمون بعبد الله من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرون، منهم الأربعة الذي هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وهنالك غيرهم مثل: عبد الله بن قيس الأشعري أبو موسى الأشعري، وكذلك عبد الله أبو بكر الذي هو عبد الله بن عثمان، وكذلك عبد الله ابنه، عبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن زيد، صحابة كثيرون يسمون بعبد الله، لكن الذين أطلق عليهم لقب العبادلة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم الذين ذكروا أولاً، وقد عاشوا، وأدركهم من لم يدرك كبار الصحابة الذين ماتوا قبل ذلك، ولهذا قال بعض العلماء: إن عبد الله بن مسعود هو أحد العبادلة الأربعة، لكن المشهور أن عبد الله بن مسعود ليس منهم؛ لأنه متقدم الوفاة، وأما العبادلة الأربعة فهم من صغار الصحابة الذين عاشوا، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود، فـابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين، وأما ابن عباس توفي سنة اثنان وستين في الطائف، أي: بعد وفاة ابن مسعود بأكثر من ثلاثين سنة، فالذين اشتهروا باللقب ليس منهم عبد الله بن مسعود، وإنما العبادلة الأربعة هم من صغار الصحابة الذين عاشوا وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من المتقدمين، وأخذ عنهم العلم والحديث رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وابن عباس هو أحد العبادلة الأربعة، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
أورد النسائي هذه الترجمة وهي قراءة المعوذات بعد التسليم، أي: أن من الأمور المشروعة بعد الصلاة وفي أدبار الصلوات: أن الإنسان يقرأ المعوذات وهي: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، وكذلك قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، هذه الثلاث السور جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام مشروعيتها بعد الصلاة، لكنها تكون بعد الذكر المشروع: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع إلا الجد منك الجد)، فتأتي بعد هذه الأذكار قراءة هذه السور، وكذلك أيضاً جاء قراءة آية الكرسي مع هذه السور، أي: تقرأ في أدبار الصلوات الخمس، آية الكرسي، وهذه السور الثلاث: سورة الإخلاص، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [الناس:1]، جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بقراءتها في أدبار الصلوات، ومن المعلوم ما اشتملت عليه هذه السور العظيمة من الثناء على الله عز وجل ودعائه، والاستعانة به، والتعويذ على الله عز وجل، واللجوء إليه، وأنه هو الذي ينفع ويضر.
الله تعالى هو النافع الضار، (لو أن الأمة اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك)، فالأمر كله بيد الله عز وجل، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ومن أراد الله ضره فلا يستطيع أحد أن يرده، ومن أراد الله نفعه لا يستطيع أحدٌ أن يرده، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر:2]، فالأمر كله بيده سبحانه وتعالى، فقراءة هذه السور فيه الاستعاذة بالله عز وجل، والاعتصام به، واللجوء إليه، والتعويل عليه، والتوكل عليه سبحانه وتعالى؛ حتى يحصل العبد على ما ينفعه، وحتى يسلم من الوقوع فيما يضره.
وكلمة (دبر الصلاة)، المقصود بالدبر هنا بعد الصلاة، وليس في داخلها، والدبر يطلق على ما كان في آخر الصلاة، وعلى ما كان بعد الصلاة، فالدبر يطلق على آخر الشيء، وعلى ما يلي آخر الشيء، كل ذلك يقال له: دبر، فما قبل السلام من الصلاة يقال له: دبر الصلاة، وما بعد السلام من الصلاة يقال له: دبر الصلاة، وقد جاءت الأحاديث في هذا، وفي هذا، لكن هنا المراد بذلك ما بعد الصلاة، وليس أنه قبل السلام؛ لأنه قبل السلام ليس فيه قراءة قرآن، وإنما فيه كون الإنسان يتخير من الدعاء ما شاء، وأما قراءة القرآن فتكون في القيام في الصلاة، فلا تكون في الركوع والسجود، ولا في الجلوس، وإنما تكون في القيام، وأما بعد السلام فالحديث الذي معنا دل على مشروعية قراءة هذه السور بعد الصلوات، وفي أدبار الصلوات، وبعد الذكر المشروع الذي جاء بيانه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والذي سيأتي عند النسائي في أحاديث قادمة في هذه الأبواب.
وقول عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: (أمرني رسول الله عليه الصلاة والسلام)، أمر النبي عليه الصلاة والسلام لواحد هو أمرٌ للجميع، لا يختص الحكم به، بل هو له ولغيره، ولهذا لما نزلت: (إن الحسنات يذهبن السيئات)، وكان ذلك بسبب ما حصل لرجلٍ من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فلما جاء تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقال: (ألي هذا خاصة يا رسول الله؟ قال: بل لأمتي كلهم)، فخطاب النبي عليه الصلاة والسلام لواحد خطابٌ للجميع، وأمر النبي عليه الصلاة والسلام لواحد أمرٌ للجميع، إلا إذا جاء شيءٌ يدل على اقتصار الحكم على الرجل بدليلٍ خاص يدل على أن هذا له وليس لغيره، فعند ذلك يقتصر الحكم عليه، أما إذا لم يأت دليلٌ خاص يدل على أن الحكم لهذا الشخص لا يتعداه إلى غيره، فإن الحكم هنا يكون عاماً للجميع، فقول عقبة: أمرني رسول الله عليه الصلاة والسلام، هو أمرٌ للأمة كلها، وأمرٌ للناس جميعاً ولا يخصه، وإنما الحكم له ولغيره.
هو المرادي المصري، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ولا الترمذي، وهناك شخص آخر يقال له: محمد بن سلمة أعلى منه طبقة يروي عنه النسائي بواسطة، فإذا جاء في الإسناد محمد بن سلمة من شيوخ النسائي، فالمراد به المصري، وإذا جاء محمد بن سلمة يروي عنه النسائي بواسطة، وهو من شيوخ شيوخه، فالمراد به الحراني، والذي معنا هو المصري.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن حنين بن أبي حكيم].
لا أستطيع أن أجزم هل هو ثقة أو صدوق؟ ولكن أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن علي بن رباح].
يقال له: عُلي بالتصغير، ومشهور بـعلي، واسمه علي، ومشهور بالتصغير علي، قالوا: وكان يغضب من أن يقال له: عُلي بالتصغير، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عقبة بن عامر].
هو عقبة بن عامر الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا محمود بن خالد حدثنا الوليد عن أبي عمرو الأوزاعي حدثني شداد أبو عمار: أن أبا أسماء الرحبي حدثه: أنه سمع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الاستغفار بعد التسليم، يعني: كون الإنسان يستغفر الله بعد أن يسلم، وقد جاءت السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام بمشروعية الاستغفار بعد التسليم.
فالإنسان عندما يسلم يستغفر الله أول شيء ثلاثاً: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، ويقول مع ذلك: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، يقولها الإمام وهو متجهٌ إلى القبلة، ثم ينحرف إلى جهة المأمومين بعد أن يأتي بهذا الذكر، ويكمل الذكر الباقي وهو إلى جهة المأمومين.
وقوله: (إذا انصرف)، المراد هنا الانصراف التسليم، فمعنى إذا انصرف من صلاته، أي: سلم من صلاته، ثم يقول هذا الذكر الذي هو الاستغفار، والثناء على الله عز وجل بما بعده، (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، فيأتي به الإنسان أول شيء، والإمام يأتي به وهو متجه إلى القبلة، وإذا أتى به انصرف إلى جهة المأمومين، فالانصراف يكون من الصلاة، ويكون إلى المأمومين، والمراد هنا انصراف الإمام من الصلاة، أي: تسليمه منها، أي: كونه سلم منها، أي: أنه خرج منها؛ لأنه كما جاء في الحديث (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)؛ لأن التسليم هو نهاية الصلاة، فالإنسان إذا سلم حل له ما كان حراماً عليه قبل أن يدخل في الصلاة، ولهذا جاء في الحديث: (تحريمها التكبير، وتحليليها التسليم)، إذا قال الإنسان: الله أكبر تكبيرة الإحرام حرم عليه ما كان حلالاً قبله، لا يأكل، ولا يشرب، ولا يلتفت، ولا يتصرف التصرفات التي كان يباح له أن يتصرف فيها، ويستمر الأمر حتى يسلم، وإذا سلم حصل التحليل، معناه رجع الأمر إلى ما كان عليه قبل التكبير، المعنى أنه يحل له أن يتكلم، ويحل له أن يلتفت، ويحل له أن يفعل الأشياء التي له أن يفعلها قبل أن يدخل في الصلاة، فالمراد بالانصراف هنا التسليم، (كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً).
ثم ذكر الاستغفار بعد الصلاة، هذا فيه كون الإنسان يعترف بالتقصير، وأنه محل الخطأ، وأنه يستغفر الله عز وجل عما حصل من تقصير في صلاته التي صلاها؛ لأنه عرضة للخطأ، وعرضة للتقصير، ثم أيضاً فيه هذا كون الإنسان يعتبر نفسه مهما عمل أنه مقصر، فيحتاج إلى أن يدعو بهذا الدعاء الذي هو استغفار الله عز وجل، وأن يغفر الله له، وقد جاء الاستغفار بعد أداء الأعمال، مثل: الصلاة، ومثل: الحج؛ لأن الحج أيضاً جاء في القرآن الأمر بالاستغفار بعده، وذلك يدل على كون الإنسان مهما عمل من عمل فهو عرضةٌ للخطأ، وهو بحاجة إلى مغفرة الله عز وجل، فيلح على الله عز وجل ويستغفره، وإن حصل منه ما حصل من الأعمال فهو عرضةٌ للتقصير، ومحل للتقصير، فهو يلجأ إلى ربه ويستغفره، ويسأله أن يغفر له ما حصل من تقصير، هذه سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، الأعمال تختتم بالاستغفار، فالصلاة جاء فيها الأحاديث وغيرها من الأحاديث، الإنسان يستغفر بعد الصلاة، وكذلك الحج، الإنسان يستغفر، كما جاء في القرآن من سورة البقرة، يستغفر الله عز وجل؛ لأنه محل التطهير، فهو يلجأ إلى ربه ويستغفره، ويطلب منه أن يغفر له ما حصل من خلل، ففائدة الاستغفار الاعتراف بالخطأ، والتقصير، وكونه يعني يكون فيها تكميل وجبر لما حصل من خلل، وذلك بأن يستغفر الله عز وجل، وأن يتجاوز عنه ذلك الخلل الذي حصل منه، فيكون يعمل ما عمل وهو خائفٌ وجل، كما قال الله عز وجل عن عباده وأوليائه: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، فهذا هو شأن المؤمن يجمع بين الإيمان، والخوف، وبين العمل، والمخافة بألا يقبل عمله، بخلاف المنافق، فإنه يجمع بين كونه لا يعمل، ومع ذلك يأمن أو يرجو أن يأمن، بخلاف أوليائه سبحانه وتعالى فإنهم يعملون ويخافون، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، يعني: هم خائفون ألا يتقبل منهم، يعملون الأعمال الصالحة ومع ذلك يخشون ألا تكون مقبولةً عند الله، فهم خائفون وجلون.
(استغفر ثلاثاً، وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)، والله تعالى من أسمائه السلام، ومنه السلامة، ومن سلمه الله تعالى فهو المسلم، ومن ضره فهو الذي أصابه الضرر؛ لأن النفع بيد الله، والضر بيد الله عز وجل، فهو المعطي المانع، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع سبحانه وتعالى، ففي ذلك ثناءٌ على الله عز وجل، (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
هو محمود بن خالد الدمشقي، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن الوليد]
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، ثقة، يدلس، ويرسل، يعني عنده تدليس التسوية، وتدليس الإسناد، فهو معروفٌ بالتدليس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[الأوزاعي].
هو أبو عمرو الأوزاعي اسمه عبد الرحمن بن عمرو، كنيته توافق اسم أبيه، فأبوه عمرو، وكنيته أبو عمرو، فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، وهو ثقة، ثبت، فقيه الشام، ومحدثها، وهو: إمام مشهور، وعالم كبير، وهو: مشهور بهذه النسبة الأوزاعي، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة ذلك ألا يظن التصحيف؛ لأنه من يعرفه بأنه عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، لو جاء في إسناد عبد الرحمن أبو عمرو الأوزاعي، قد يظن أنه تصحيف، أن ابن صحفت إلى أبو، وكله صواب، فهو عبد الرحمن أبو عمرو، وهو عبد الرحمن بن عمرو، إن قيل فيه: أبو عمرو فهو صحيح؛ لأن أبو عمرو كنيته، وإن قيل فيه: ابن عمرو فهو صحيح لأن أبوه عمرو، ففائدة معرفة هذا النوع الأمن من التصحيف، أو ألا يظن التصحيف بأن ابن تحولت إلى أبو، فليس تصحيفاً بل هو صواب؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو، وهو عبد الرحمن أبو عمرو، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن شداد أبو عمار].
هو شداد بن عبد الله أبو عمار الدمشقي، صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أن أبا أسماء الرحبي].
هو عمرو بن مرثد الدمشقي، مشهور بكنيته أبي أسماء، واسمه عمرو بن مرثد الدمشقي، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، مثل تلميذه شداد الذي قبله، شداد بن عبد الله أبو عمار، كلٌ منهما خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[يروي عن ثوبان].
مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد لازم النبي عليه الصلاة والسلام وأخذ عنه، وبعد وفاته انتقل إلى الشام، ومات بحمص، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، مثل الذين قبله؛ لأنهم ثلاثة على التوالي كلهم خرج حديثهم البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
وهذا الإسناد من أوله إلى آخره شاميون، مسلسل بالشاميين، الذي هو محمود بن خالد، وبعده الوليد بن مسلم، وبعده الأوزاعي، وبعده شداد أبو عمار، وبعده أبو أسماء الرحبي، وبعده ثوبان مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام، كلهم شاميون، فهو مسلسلٌ بالشاميين، والمسلسل هو الذي يتفق الرواة فيه بوصفٍ من الأوصاف، بأن يكونوا شاميين، أو يكونوا أسماؤهم واحدة، أو يكونوا صيغتهم في الأداء واحدة وما إلى ذلك، فهذا هو المسلسل، وهو نوعٌ من أنواع علوم الحديث، والذي معنا في الإسناد مثالٌ لهذا النوع من أنواع علوم الحديث، وهو المسلسل بالشاميين؛ لأن الرواة فيه كلهم شاميون.
الجواب: نعم، قال بهذا بعض أهل العلم، ومن المعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعلم برفع الصوت، وكان يعلم بأن يقول: قولوا كذا وكذا، وما دام أنه لم يأت شيءٍ يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم علم ثم ترك، أو أنه كان يفعل بعض الأحيان ثم يترك، وكان يداوم على ذلك عليه الصلاة والسلام، دلنا هذا على أن رفع الصوت بالذكر لتعليم، ولكن ليس الرفع المزعج، أو الصوت الشديد الذي فيه تشويش، لا، وإنما يسمع الإنسان من حوله، فترتفع الأصوات، يعني: بالذكر من غير شدةٍ في الرفع بحيث يكون فيه إزعاج ويكون فيه مشقة على الإنسان، الرسول صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه يرفعون أصواتهم بالذكر، ولو كان ذلك للتعليم لكفى أن يرفع صوته لهم مرة واحدة أو مرتين، وكان يكفيهم المرة الواحدة أن يقولوا هذا بأن يعلمهم بمرةٍ واحدة، لكن ابن عباس يخبر أن هذا كان معروفاً أنهم يعلمون انقضاء الصلاة بسماع الذكر بعد التسليم.
الجواب: لم يثبت أن على الإنسان أن يأكل من شجر أُحد، لم يثبت في ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام شيء، وأما كونه حرم ما بين لابتيها ثابت، وكونه حرم ما بين عير وثور ثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأُحد داخل في الحرم؛ لأن ثور هو الجبل الذي هو حد الحرم وراء أُحد، لكن كون الإنسان يأكل من شجر أُحد لم يثبت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء، والشيء الذي ينبته الله ولا ينبته الناس ليس للإنسان أن يأخذ منه، وأن يختلي الخلاء، وأن يقطع الشجر الذي ينبته الله، ولكن الذي ينبته الناس يأخذونه، فإذا زرعوا يحصدون زروعهم ويستعملونها، وإنما الذي ينبته الله عز وجل من شجر ونبات لا يأخذ الإنسان منه في داخل الحرم، لا في مكة ولا في المدينة.
الجواب: لا، عام، رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة في جميع الصلوات الخمس، ليس خاصاً بالمغرب والعشاء، الذي هو خاصٌ بالمغرب والعشاء قول: لا إله إلا الله وحده لا شرك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرات.
مداخلة: المغرب والفجر؟
الشيخ: الفجر والمغرب، الذي في آخر الليل وأول الليل، هاتان الصلاتان جاء فيهما قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد الذكر المشروع، وأما الذكر العام الذي ذكرته آنفاً فهذا عام في جميع الصلوات.
الجواب: لا، لا يدخل؛ لأنه كما هو معلوم أن القرآن ذكر، ولكن لا يشرع للإنسان أنه يقرأ ويرفع الصوت، والناس يرفعون أصواتهم بقراءة المعوذات وآية الكرسي.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر