إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. سلسلة شرح سنن النسائي
  6. كتاب الصلاة
  7. شرح سنن النسائي - كتاب السهو - باب الانصراف من الصلاة - باب الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة

شرح سنن النسائي - كتاب السهو - باب الانصراف من الصلاة - باب الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاةللشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته ينصرف يميناً تارة وشمالاً تارة أخرى، وعلى هذا فيسن للإمام أن ينصرف بعد الانتهاء من الصلاة يميناً أو شمالاً.

    1.   

    الانصراف من الصلاة

    شرح حديث أنس: (أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الانصراف من الصلاة.

    أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن السدي قال: سألت أنس بن مالك: كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه].

    فيقول النسائي رحمه الله: باب كيفية الانصراف من الصلاة. أي: الانصراف عن جهة القبلة عندما يصلي الإنسان، ثم يريد أن ينصرف، هل ينصرف على يمينه أم على شماله؟ والانصراف يطلق على السلام، ويطلق على الانصراف بعد السلام، كل هذا يقال له: انصراف، يطلق على السلام أنه انصراف؛ لأنه انصراف من الصلاة أو عن الصلاة، بحيث يكون الإنسان أنهى الصلاة، وحل له كل شيء كان حرم عليه بدخوله في الصلاة، ويطلق على الانحراف عن الجهة التي كان عليها، فالإمام إذا أراد أن ينصرف إلى المأمومين، هل ينصرف على يمينه أو على شماله؟ هذا هو المقصود بالانصراف.

    أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه سئل: كيف ينصرف الإنسان من صلاته؟ أي: عن الهيئة التي كان عليها وهو في الصلاة مستقبل القبلة، عندما يريد أن يتحول أو ينصرف، هل يكون انصرافه إلى جهة يمينه أو إلى جهة شماله؟ فأجاب أنس بن مالك رضي الله عنه بقوله: [أما أنا فأكثر ما رأيت النبي عليه الصلاة والسلام ينصرف عن يمينه]، يعني: يتحول من جهة القبلة عن يمينه عليه الصلاة والسلام، وقد مر أن الإمام عندما يصلي ويسلم، يبقى في مكانه الذي صلى فيه مستقبل القبلة، مقدار ما يستغفر ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ولا يبقى إلى جهة القبلة أكثر من هذه المدة التي هي مقدار ما يقول هذا الدعاء، وهذا هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    وجاء في الحديث أن السدي سأل أنس بن مالك رضي الله عنه: كيف ينصرف من صلاته؟ هل عن يمينه أم عن شماله؟ فأجاب أنس رضي الله عنه بما شاهده، وعاينه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على أمرين: الأمر الأول: ما كان عليه سلف هذه الأمة من معرفة السنة، وكيف يعمل الناس في صلواتهم وفي عباداتهم، وأنهم يبحثون عن السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    ثم أيضاً جواب أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد أجاب بالدليل الذي هو فعله عليه الصلاة والسلام، هذا يدلنا أيضاً على أنهم كانوا يجيبون بالآثار، ويجيبون بالسنن، يعني: عندما يسأل الإنسان ما يقول: انصرف على يمينك، أو انصرف على شمالك، فأحياناً يكون جوابهم بذكر الدليل، ومن المعلوم أنه إذا أُتي بالدليل، هذا هو الغاية، وهذا هو المقصود، معناه: أنك تتبع هذا الهدي، وهذه السنة التي جاءت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكان من طريقة أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، أنهم إذا سئلوا عن حكم أجابوا بالدليل، وكان جوابهم ذكر الدليل، ومن المعلوم أن هذا فيه الجواب والزيادة، يعني: معناه أنه قال: انحرف عن يمينك؛ لأنني أكثر ما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم ينحرف عن يمينه، أو ينصرف إلى جهة يمينه عليه الصلاة والسلام.

    ثم إن قوله: (أكثر ما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم)، يدل على أنه في بعض الأحيان التي هي أقل كان ينصرف عن يساره، يعني: معناه قوله: أكثر ما كان ينصرف عن يمينه، له منطوق، وله مفهوم، منطوقه أنه ينصرف عن يمينه أكثر، وينصرف عن يساره أقل، معناه: فيه انصراف من جهة اليمين وانصراف من جهة اليسار، الحديث يدل على الأمرين: الانصراف عن جهة اليمين، والانصراف عن جهة اليسار، إلا أن الأكثر الذي شاهده أنس بن مالك رضي الله عنه من فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، أن الأكثر أنه كان ينصرف عن يمينه إلى جهة المأمومين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا يدلنا على جواز الأمرين، على أن كلا الأمرين سائغ، سواء انصرف عن يمينه أو انصرف عن يساره، والرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وهذا، وجاء في حديث أنس هذا أن الأكثر انصرافه إلى جهة اليمين.

    وفي الحديث الذي بعده عن عبد الله بن مسعود : أن أكثر ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يساره، وكل منهما دال على الأمرين، لكن يظهر التعارض بينهما من جهة الأكثرية، أنس يقول: إن الانصراف إلى جهة اليمين أكثر، وعبد الله بن مسعود يقول: الانصراف إلى جهة اليسار أكثر، والتوفيق بينهما أن كلاً منهما حكى ما شاهده وعاينه، وأن الذي ظهر له، أو الذي علمه مما شاهده وعاينه، أن هذا رأى أن هذا أكثر، وهذا رأى أن هذا أكثر، يعني: على حسب مشاهدته ومعاينته، وقيل في الجمع بينهما وجوه أخرى، يعني: وأن بعضهم أراد حالته الأولى، والثاني أراد الحالة الثانية، لكن القول الأول أو الجمع الأول هو الأظهر؛ لأن كل واحد منهما أخبر عن الذي شاهده، وعن الذي علمه من فعله عليه الصلاة والسلام، وأن الرسول يفعل هذا أحياناً وهذا أحياناً، فهذا ظهر أن هذا أكثر، وهذا ظهر أن هذا أكثر، والأمر في ذلك واسع، انصرف إلى جهة اليمين، أو انصرف إلى جهة اليسار، كل ذلك فعل رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

    تراجم رجال إسناد حديث أنس: (أكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه)

    قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد].

    هو ابن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    وقد ذكرت في درس مضى أنه من المعمرين، قد بلغ تسعين سنة، وكانت وفاته سنة مائتين وأربعين، أي: قبل وفاة الإمام أحمد بسنة واحدة، وولادته سنة مائة وخمسين، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة وولد فيها الإمام الشافعي، فعمره تسعون سنة، ولهذا أدرك من لم يدركه غيره لطول حياته رحمة الله عليه.

    [حدثنا أبو عوانة].

    أبو عوانة هذه كنية اشتهر بها الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، فاشتهر بكنيته أبو عوانة، وكثيراً ما يأتي ذكره بالكنية، ويقل أو يندر أنه يأتي ذكره بالاسم، وإنما الكثير مجيئه بالكنية أبو عوانة، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأبو عوانة من طبقة شيوخ النسائي ، وكذلك من طبقة شيوخ شيوخ البخاري، وهناك أبو عوانة متأخر، وهو صاحب المستخرج على صحيح مسلم المسمى صحيح أبي عوانة، أو مستخرج أبي عوانة، أو مسند أبي عوانة، له ثلاثة أسماء، يقال له: صحيح؛ لأنه مستخرج على الصحيح، ويقال له: مستخرج؛ لأنه مبني على صحيح مسلم، والمستخرج هو أن يروي أحاديث الكتاب بأسانيد لا يمر بها على صاحب الكتاب، وإنما يلتقي مع صاحب الكتاب بشيخه أو شيخ شيخه، يعني: معناه أنه لا يمر على مسلم في مستخرجه عندما يأتي للأسانيد، وإنما يلتقي مع مسلم بشيخه، أو شيخ شيخه، أو من فوق ذلك، وأحياناً إذا ضاق المخرج على المستخرج، لجأ إلى روايته عن صاحب الكتاب، ولهذا يأتي في الفتح كثيراً عندما يأتي الكلام على بعض الأحاديث، وأن أبا نعيم أو الإسماعيلي أو أبا عوانة ، قال: وقد ضاق مخرجه على فلان فرواه من طريق المصنف، يعني: ما وجد سبيل إلى أنه يرتفع عن المصنف، وأنه يلتقي به من فوق، فلم يجد بداً من أن يرويه عن طريق المؤلف.

    [عن السدي].

    هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكوفي، وهو صدوق يهم، وقد أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهذا يقال له: السدي الكبير، وهناك شخص آخر يقال له السدي الصغير، وهو محمد بن مروان صاحب التفسير المعروف الذي يأتي ذكره في التفسير كثيراً، وذاك ضعيف متهم بالكذب، وأما هذا صدوق يهم، ولكنه يذكر في رجال أصحاب الكتب الستة، ويكتب أمامه تمييز، يعني: ذكر للتميز وإلا ليس له رواية، يعني: بدل الرموز يكتب تمييز، ومعناه أنه ذكر تمييزاً حتى لا يلتبس لمن يسمى محمد بن مروان، لأن محمد بن مروان يأتي عدة فيذكرهم، وذكر من له رواية بالرموز، ومن ليس له رواية، يذكر بدل الرموز تمييز، يعني: ليس له رواية في الكتب، ولكنه ذكر للتمييز عن غيره، ويعرف بهذا أنه ليس له رواية.

    وبالمناسبة جاء عطاء بن السائب الثقفي الكوفي ، وكان بعض النسخ التي ترمز رمزوا له بـالبخاري في الأدب المفرد، وبعضها رمزت له في البخاري في الصحيح مع أصحاب السنن الأربعة، وقلت فيما مضى: أن هذه الرموز أحياناً تلتبس، ويذكر شيء مكان شيء، ويظهر فيها الغلط، لكن الفيصل في هذا قلت: الرجوع إلى تهذيب الكمال للمزي، وقلت: إن المزي رحمة الله عليه في تهذيب الكمال عندما يختم الترجمة، ترجمة الشخص الذي يذكر ترجمته، يختمها بأن يذكر من خرج له بالأسماء ليس بالرموز، ففي آخر ترجمة عطاء بن السائب قال: أخرج له البخاري حديثاً واحداً متابعة، وروى له الباقون سوى مسلم، معناه: أخرج له البخاري في الصحيح، ولكن متابعة ومقروناً بغيره، وأخرج له أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج له مسلم، يعني: ذكر هذا بالكلام بالحروف وليس بالرموز، يعني: بالأسماء، قال: أخرج له البخاري حديثاً واحداً متابعة، وأخرج له الباقون سوى مسلم، فالإنسان إذا أراد أن يعرف من خرج لينظر آخر الترجمة، نهاية كل ترجمة يذكر هذه العبارة التي فيها: خرج له الجماعة، خرج له الترمذي ، خرج له مسلم ، خرج له أصحاب الكتب كذا.. إلخ، بالحروف وليس بالرموز، فهذا هو الفيصل، وعلى هذا فالرمز الصحيح (خ) وليس الباء والخاء، والجماعة الذين ذكروا في الصحيحين وفيهم كلام أو تكلم فيهم بشيء، الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري عمل لهم تراجم الذين تكلم فيهم من رجال البخاري ، ترجم لهم في مقدمة الفتح على حروف الهجاء، يعني: مرتبين على حروف الهجاء، الألف ثم الباء.. إلخ، ثم يذكر، يعني: ما قيل في الشخص، ويجيب عن إخراج البخاري عنه بالجواب الذي عنده فيه، ولما جاء عند عطاء بن السائب قال: إنه مختلط، صدوق اختلط، وما روي عنه قديماً هذا صحيح، وما روي عنه بعد الاختلاط هذا غير معول عليه، وذكر الذي تحصل له من الذين سمعوا منه قبل الاختلاط، ومنهم محمد بن زيد، وسفيان الثوري وجماعة، ثم قال: إن البخاري روى له حديثاً واحداً مقروناً بغيره في تفسير: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، يعني: الموضع الذي ورد فيه ذكر عطاء بن السائب في صحيح البخاري في موضع واحد في الصحيح في تفسير: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، تفسير ابن عباس للكوثر، وأنه الخير الكثير، وقد أورده في كتاب الرقاق، باب قول الله عز وجل: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر:1]، وذكر جملة أحاديث، ومنها الحديث الذي ذكر بإسناده عطاء بن السائب مقروناً بشخص آخر، وهذا هو الموضع الوحيد الذي جاء فيه عطاء بن السائب، وقرنه بغيره؛ لأنه من رواية شخص سمع منه بعد الاختلاط، يعني: فالعمدة على غيره وليس عليه؛ لأنه المعتمد على غيره وليس عليه، فأنا أنبه كما قلت على أنها إذا التبست الرموز بين التقريب وتهذيب التهذيب، أو غيرها من النسخ الأخرى، مثل: خلاصة التذهيب أو غيرها، فالإنسان يرجع إلى نهاية الترجمة في تهذيب الكمال للمزي الذي يذكر الأسماء بدون رموز، وإذا كان الشخص متكلم فيه، وهو من رجال البخاري ، يمكن للإنسان أن يرجع إلى مقدمة فتح الباري، ويعرف اعتذار الحافظ ابن حجر عن البخاري في إخراجه للشخص المتكلم فيه.

    [سألت أنس بن مالك].

    صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وخادمه، خدمه عشر سنين، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعمره عشر سنوات، فعمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، منذ قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو يخدمه، فخدمته إياه عشر سنوات، وكان ملازماً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكثر حديثه عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع.

    وأنس بن مالك عمر وكان من المعمرين من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولهذا أدركه وأخذ عنه من لم يدرك الكثير من الصحابة؛ لأن أنس من صغار الصحابة، وعمر فأدركه ولقيه صغار التابعين، فكثر الآخذون عنه، وكثر الرواة عنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

    الأسانيد الرباعية عند النسائي

    وهذا الإسناد رجاله أربعة أشخاص: قتيبة، وأبو عوانة، والسدي، وأنس، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي أربعة أشخاص، وأنزلها عشرة أشخاص، مر بنا حديث في فضل قل هو الله أحد يرويه النسائي بإسناده، وبين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أشخاص، وقد قال النسائي عقبه: وهذا أطول إسناد علمته.

    ومثاله في حديث آخر من رواية قتيبة ، فهو رباعي أيضاً مثل هذا، الذي فيه قتيبة عن أبي الأحوص عن سماك عن جابر بن سمرة ، أربعة أشخاص، يعني: هذان الإسنادان من الأسانيد العالية عند النسائي ، وهي أعلى ما عنده، وأصحاب الكتب الستة ينقسمون إلى قسمين: قسم أعلى ما عندهم الثلاثيات، وقسم أعلى ما عندهم الرباعيات، فـالبخاري، والترمذي، وابن ماجه ، هؤلاء عندهم ثلاثيات، وأما مسلم، وأبو داود، والنسائي فليس عندهم ثلاثيات، وإنما عندهم الرباعيات، فالبخاري عنده اثنان وعشرون حديثاً ثلاثياً، يعني: بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، صحابي، وتابعي، وتابع تابعي، اثنان وعشرون حديثاً في الصحيح كله، وهي أعلى ما يكون عند البخاري، وأنزل ما يكون عند البخاري تسعة أشخاص، وهذا في حديث: (ويل للعرب من شر قد اقترب)، فإن رجال إسناده تسعة أشخاص بين البخاري وبين رسول الله، يعني: مثل أنزل إسناد يعتبر رجاله ضعفي الإسناد العالي عنده.

    والترمذي عنده حديث واحد ثلاثي فقط، وابن ماجه عنده خمسة أحاديث كلها بإسناد واحد، وهو إسناد ضعيف، أما الثلاثة الباقون الذين هم: مسلم، وأبو داود، والنسائي ، فأعلى ما عندهم الرباعيات.

    شرح حديث ابن مسعود: (لقد رأيت رسول الله أكثر انصرافه عن يساره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى قال: حدثنا الأعمش عن عمارة عن الأسود قال عبد الله : لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، يرى أن حتماً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر انصرافه عن يساره].

    أورد النسائي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، الذي يقول فيه: [لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، يرى حتماً عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره].

    من المعلوم أن الانصراف عن جهة اليمين وعن جهة اليسار، كل ذلك حق، لكن الإنسان إذا رأى أن الشيء المندوب يكون واجباً، فيكون هذا مخالفة للسنة، والإتيان بشيء يخالف السنة، فكونه يرى وجوباً أن ينحرف عن يمينه، ما جاءت به السنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما أوجب أن يكون انحراف الإنسان عن اليمين، ولا عن الشمال، فإذا رأى الإنسان أنه حتماً، ولازماً، وواجباً أن الإنسان ينصرف إلى جهة اليمين أو الشمال، معناه أتى بشيء ما جاءت به السنة، وكلام ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه هذا يدلنا على الحث على التزام السنن، وعدم الزيادة والنقصان، لا يغلو الإنسان ولا يجفو، ما يغلو الإنسان بحيث يتجاوز الحد، والشيء الذي ليس بواجب يقول: هو واجب، ولا يجفو بحيث يتساهل ويتهاون في السنن، ويستهين بها، ولا يحسب حساب للمندوبات.

    فكلام ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه هذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من اتباع السنن، والحث على اتباع السنن، وأن الإنسان لا يتجاوز الحدود، ولا يأتي بشيء يخالف السنة، ولا يلزم نفسه بشيء ما جاءت به السنة بالإلزام به؛ لأنه رضي الله تعالى عنه، رأى أن كون الإنسان يرى أنه يلتزم شيئاً معيناً الرسول صلى الله عليه وسلم ما التزمه، ولا جاء عنه ما يدل على التزامه، معنى هذا أن هذا من عمل الشيطان، وأن هذا من كيد الشيطان، والشيطان له مداخل على الإنسان، إذا رأى الإنسان عنده تقصير، وعنده ضعف، أتاه من جهة الترغيب في الشهوات، وتحبيب المعاصي إليه؛ لأنه ما يرى عنده إقدام على العبادة، يرى عنده تقصير في العبادة، وخلل في العبادة، فيأتيه من الجهة التي هو متجه إليها، نفسه تميل إلى الشهوات يرغبه في الشهوات، ويجعله يترك الأمور المطلوبة منه، وإذا رأى الإنسان عنده إقبال على العبادة، أتاه من جهة اتجاهه، وأراد منه أن يزيد، وأن يتجاوز الحد، وأن يغلو، فالشيطان يأتي للإنسان من الجهة التي يميل إليها الإنسان، فإن كان عنده ميل إلى العبادة، وعنده رغبة في العبادة، ولا يستطيع أن يأتيه من جهة الشهوات، والوقوع في المعاصي، جاءه من جهة العبادة، يعني: يريد أن يزيد فيها حتى يبتدع، وحتى يخرج عن السنة، فيكون من جنوده، ويكون له نصيب منه، ولهذا قال رضي الله عنه: [لا يجعل أحدكم للشيطان جزءاً من نفسه، يرى حتماً عليه]، يعني: هذا هو معنى الذي أراد أن يبين كونه يجعل له جزء، يرى حتماً عليه ألا ينصرف إلا عن يمينه، يعني: واجب عليه أن ينصرف إلا عن يمينه، فالذي يفعل هذا من تلقاء نفسه، وليس عنده فيه سنة، هذا من عمل الشيطان، وهذا من إغواء الشيطان للإنسان، وكما ذكرت الشيطان يأتي للإنسان من جهة العبادة، بأن يغلو الإنسان فيها إذا رغب عن الشهوات، وإذا رغب عن العبادة، وأقبل على الشهوات، أتاه من جهة الشهوات ورغبه فيها حتى يبتعد عن العبادة، وحتى يبتعد عن الطاعة، وهذا من باب الغلو، ومن باب إيجاب ما ليس بواجب.

    وكما ذكرت في الحديث الماضي ابن مسعود يقول: رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن يساره، وأنس بن مالك يقول: رأيت أكثر ما ينصرف عن يمينه، وقد عرفنا الجواب فيما يظهر بينهما من التعارض.

    تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود: (لقد رأيت رسول الله أكثر انصرافه عن يساره)

    قوله: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي].

    هو أبو حفص عمرو بن علي الفلاس، والفلاس لقب، واشتهر به، وهو: محدث، ناقد، متكلم في الرجال، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا يحيى].

    هو ابن سعيد القطان ، المحدث، الناقد، ثقة، ثبت، كلامه في الرجال كثير جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا الأعمش].

    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، ومعرفة الألقاب نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدته ألا يظن الشخص الواحد شخصين؛ لأن الإنسان الذي ما يعرف أن الأعمش لقب، وصاحب اللقب اسمه سليمان بن مهران ، لو رأى سليمان بن مهران في موضع، ثم رأى الأعمش في موضع آخر، ظن أن الأعمش شخص آخر غير سليمان بن مهران، لكن من عرف أن سليمان بن مهران شخص محدث لقبه الأعمش ، لا يلتبس عليه، كونه يأتي الأعمش أحياناً أو يأتي سليمان بن مهران أحياناً، أو سليمان بدون نسب أحياناً، لا يلتبس عليه الأمر يعرف أنه شخص واحد، سواء ذكر باسمه أو بلقبه.

    يروي [عن عمارة بن عمير التيمي الكوفي].

    وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن الأسود].

    هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، فقيه، مخضرم، والمخضرم هو الذي أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي عليه الصلاة والسلام، أدرك زمن النبي ولكنه لم يظفر بصحبة النبي عليه الصلاة والسلام، هؤلاء يقال لهم: المخضرمون، قد جمعهم مسلم فبلغوا أكثر من عشرين شخصاً، منهم هذا الذي هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وكذلك شخص سيأتي قريباً، وهو مسروق بن الأجدع، وكذلك سويد بن غفلة، وكذلك المعرور بن سويد ، وكذلك أبو وائل شقيق بن سلمة، يعني: مجموعة يزيدون على عشرين هؤلاء من كبار التابعين، أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام ولم يرو النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم الصنابحي اليماني عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي الذي قدم من اليمن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولما كان بالجحفة بقرب رابغ في طريقه إلى المدينة، جاء ركب من المدينة فأخبروه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وهو في الطريق إليه، ولهذا قال بعض العلماء في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، كاد يعني: ما بينه وبين الصحبة إلا شيء يسير، قرب من أن يكون صحابياً، ولكنه ما تم له ذلك، وما تيسر له ذلك، وما ظفر بذلك، هؤلاء هم المخضرمون، أدركوا الجاهلية، والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

    [عن عبد الله].

    هو ابن مسعود الهذلي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من المهاجرين، ومن علماء الصحابة، ومن متقدميهم، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وبعض العلماء يعده من العبادلة الأربعة، والصحيح أنه ليس منهم، وأن العبادلة كلهم من صغار الصحابة، وأما هذا فهو من كبارهم، والعبادلة الأربعة من صغار الصحابة، وهم عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهم من صغار الصحابة.

    فالمسافة طويلة بينهم، وأما العبادلة فهم متقاربون، وعبد الله بن مسعود أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث عائشة: (رأيت رسول الله يشرب قائماً وقاعداً... وينصرف عن يمينه وعن شماله)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا بقية حدثنا الزبيدي أن مكحولاً حدثه أن مسروق بن الأجدع حدثه عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً، ويصلي حافياً ومنتعلاً، وينصرف عن يمينه وعن شماله].

    أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يشرب قائماً، وقاعداً، ولكن أكثر فعله أنه كان يشرب قاعداً، وقليلاً ما كان يشرب قائماً، وقد جاء عنه في الشرب من ماء زمزم، وجاء عن علي رضي الله عنه الإنكار على من ينكر على من يشرب قائماً، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قاعداً، وشرب قائماً، فالأفضل للإنسان أن يشرب قاعداً، لكنه إذا شرب في بعض الأحيان قائماً فإن ذلك جائز؛ لأنه جاء من فعله ما يدل على أن ما جاء في الإرشاد إلى الشرب جالساً، أنه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب؛ لأنه وجد ما يدل على جوازه من فعله عليه الصلاة والسلام، فدل على أن الشرب قاعداً أفضل وأولى، والشرب قائماً جائز ليس بحرام.

    [ويصلي حافياً، ومنتعلاً]، أي: يصلي وعليه النعال، ويصلي ليس عليه نعال، يعني: يصلي حافياً ليس عليه نعال، ولا خفاف، ويصلي منتعلاً عليه خفاف ونعال، فكان هذا هديه عليه الصلاة والسلام، لكن مما ينبغي أن يعلم أنه إذا كانت المساجد مفروشة، ونظيفة، والدخول فيها بالنعال يترتب عليه توسيخ لها، فلا ينبغي للإنسان أن يدخل بنعاله، ويلوث الفرش بما علق بها، وإنما يصلي أحياناً فيما إذا كان فيه تراب، أو المسجد فيه تراب، أو في بر، أو ما إلى ذلك، يصلي أحياناً الإنسان منتعلاً اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يفعل هذا وهذا، وعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها أخبرت عنه أنه كان يصلي حافياً، ومنتعلاً.

    [وينصرف عن يمينه وشماله]، يعني: من صلاته عن يمينه وشماله، وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في الباب، ينصرف عن يمينه، وعن شماله، كل ذلك سائغ، فحديث عائشة يدل على جواز هذا وهذا، والحديثان المرويان يدل على جواز الأمرين، إلا أن حديث أنس يقول: إن الانصراف عن اليمين أكثر، وحديث ابن مسعود يقول: الانصراف عن اليسار أكثر.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (رأيت رسول الله يشرب قائماً وقاعداً... وينصرف عن يمينه وعن شماله)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    هو ابن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، محدث، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من الأوصاف العالية، والألقاب الرفيعة، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، وراهويه قلت في درس مضى قريباً أن المحدثين يعبرون عنها براهويه، واللغويين يعبرون عنها براهويه، فالمحدثون يأتون بالتعبير بها براهويه، بسكون الواو وضم ما قبله، وفتح الياء التي بعد الواو والهاء ساكنة، وأما اللغويون فيجعلونها مختومة بويه، الواو مفتوحة والياء ساكنة والهاء بعدها ساكنة.

    [حدثنا بقية].

    هو بقية بن الوليد الدمشقي وهو صدوق، يدلس، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا الزبيدي].

    وهذه نسبة صاحبها هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [أن مكحولاً].

    هو الشامي ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [أن مسروق بن الأجدع].

    ثقة مخضرم، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    هي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين زوجة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأكثر الصحابيات حديثاً عنه، وهي أحد السبعة أشخاص الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام، ستة رجال، وامرأة واحدة.

    1.   

    الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة

    شرح حديث عائشة: (كان النساء يصلين مع رسول الله الفجر، فكان إذا سلم انصرفن ... فلا يعرفن من الغلس)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة.

    أخبرنا علي بن خشرم ، أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فكان إذا سلم انصرفن متلفعات بمروطهن، فلا يعرفن من الغلس].

    ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الوقت الذي ينصرف فيه النساء من الصلاة. المراد بذلك أنهن ينصرفن بعد السلام مباشرة، النساء تنصرف والرجال يبقون، ثم بعد ذلك ينصرف الرجال بعدهن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767948103