أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ح وابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا اليوم الذي كتب الله عز وجل عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله عز وجل له، يعني: يوم الجمعة، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الجمعة. لما أورد كتاب الصلاة والكتب المتعلقة به، وهي الفرائض التي أوجبها الله عز وجل في اليوم والليلة خمس مرات، وما يتعلق بها من جماعة، وإمامة وغير ذلك، انتقل إلى هذا الفرض الذي يأتي في الأسبوع مرة وهو الجمعة، فهذا هو وجه إيراد الجمعة بعد إيراد الكتب المتعلقة بالصلاة، وما يتعلق بها من جماعة، وإمامة وغير ذلك؛ لأن الصلوات الخمس تأتي في اليوم والليلة خمس مرات، والجمعة تأتي في الأسبوع مرة، وبعد ما فرغ مما يأتي، أو من الأحكام المتعلقة بالذي يأتي في اليوم والليلة خمس مرات، وهو الصلوات الخمس المفروضة، أتى بما يتعلق بيوم الجمعة، وهو أن الفرض في ذلك اليوم في وسط النهار الجمعة وليس الظهر، فتختلف عن بقية الأيام، فلهذا أورد كتاب الجمعة بعد الكتب المتعلقة بالصلاة.
ثم قال: باب إيجاب الجمعة، يعني: كونها واجبة على هذه الأمة، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أن أهل الكتاب أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه بعدهم، كتب الله عليهم الجمعة فاختلفوا فيه، فهدانا الله عز وجل إليه، فالناس لنا فيه تبع، اليهود يوم غد، والنصارى بغد غد)]، اليهود يعني يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، هذا حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي أورده النسائي تحت هذه الترجمة.
والمقصود منه قوله: (كتب الله عز وجل عليهم)، يعني: فيه التعبير بالكتب، والكتب فيها الإيجاب، والفرض، فاختلفوا فيه، وتحولوا إلى غيره، وأبدلوه بغيره، وهذه الأمة هداها الله عز وجل إليه فقبلته، وثبتت عليه، واستقرت عليه، فصار لهذه الأمة التي هي خير الأمم، وهو خير أيام الأسبوع، وأفضل أيام الأسبوع، فجعله الله لهذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن لهذا اليوم الذي هو يوم الجمعة خصائص كثيرة، أوصلها ابن القيم إلى ما يزيد عن أربعين خصيصة، وألف أيضاً فيه بعض المؤلفات التي تدل على فضله وعلى خصائصه، وما يتعلق بذلك اليوم الذي أكرم الله تعالى به هذه الأمة، وخص به هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: [(نحن الآخرون السابقون)]، أي: الآخرون من حيث الزمان والوجود، وغيرنا من الأمم تقدم علينا، فنحن آخر الأمم، ومع كوننا الآخرين، فنحن السابقون يوم القيامة، فيحشرون ويقضى بينهم قبل الناس، ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو أول من ينشق عنه القبر كما جاء ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع)، فتحشر هذه الأمة ويقضى بينها، وتدخل الجنة، فتكون متأخرة من حيث الزمان، ولكنها سابقة في المنزلة والدرجة، والسبق إلى الخير، والتقديم إلى الخير، [(نحن الآخرون السابقون)].
ثم إنه لما جاء ذكر السابقين قال: [(بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)]، يعني: اليهود، والنصارى، أهل الكتاب، والمراد بالكتاب الجنس، وهو التوراة، والإنجيل، كتابان وليس كتاباً واحداً، فالإفراد فيه ليس للوحدة وإنما هو للجنس، وكثيراً ما يأتي في القرآن ذكر الكتاب مراداً به الجنس، وليس مراداً به الوحدة أو الكتاب الواحد، كما في قول الله عز وجل: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة:177]، فالكتاب المراد به: الكتب، يعني: والكتب والنبيين، فهو جنس، وكذلك قول الله عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25]، المراد بالكتاب: الكتب، لم ينزل الله على الأنبياء كتاباً واحداً، وعلى الرسل كتاباً واحداً، وإنما أرسل عليهم كتباً، وكذلك قول الله عز وجل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ [المائدة:48]، أي: من الكتب، أي: مصدقاً لما بين يديه من الكتب، فيأتي لفظ (الكتاب) على لفظ الإفراد محلاً بالألف واللام، وكذلك يأتي مضافاً كما في قوله عز وجل عن مريم: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ [التحريم:12]، فيأتي محلاً بالألف واللام، ويأتي مضافاً، وكل منهما يراد به الجنس، ولا يراد به الوحدة أو الكتاب الواحد، فأهل الكتاب، أي: التوراة والإنجيل، وهما كتابان، فالمراد من ذلك الجنس.
(وأوتيناه)، أي: الكتاب، وهو غير الكتابين، وإنما هو القرآن الذي أنزله الله على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، يعني: أوتوا الكتاب الذي هو: التوراة والإنجيل، ونحن أوتينا القرآن، آتاه الله نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فجعل نبينا خير الأنبياء، وجعل كتابه خير الكتب والمهيمن عليها، وجعل لهذه الأمة ذلك اليوم الذي هو الجمعة الذي هو خير الأيام، وأفضلها.
قوله: [(نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا)]، بيد أي: مع أنهم، متقدمون في الزمان، ونحن متأخرون من حيث الزمان والوجود، إلا أننا نسبقهم يوم القيامة، ونتقدم عليهم يوم القيامة؛ لأن الله تعالى أكرم هذه الأمة بخير رسول، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، فهي الآخرة السابقة، الآخرة في هذه الدنيا، السابقة يوم القيامة، المتقدمة على غيرها يوم القيامة.
قوله: [(وهذا اليوم الذي كتبه الله عليهم)]، هذا اليوم الذي كتب الله عليهم، أي: على أهل الكتاب الذي هو الجمعة، فاختلفوا فيه، وتحولوا إلى غيره، فاليهود صار لهم السبت، والنصارى صار لهم الأحد، وهدى الله عز وجل هذه الأمة إليه.
قوله: [(فهدانا الله عز وجل)[، أي: لهذا اليوم الذي هو يوم الجمعة، فصار اليوم الذي لهذه الأمة يوم الجمعة، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فأيامهم تابعة ليومنا، وهي بعد يومنا، ونحن متأخرون عليهم في الزمان، ولكننا متقدمون عليهم في الرتبة، والمنزلة في يوم القيامة.
(فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً، والنصارى بعد غد).
(فالناس لنا فيه تبع)، يعني: في هذا اليوم، فنحن يوم الجمعة، واليهود والنصارى بعدنا، اليهود يوم السبت الذي يلي يومنا، والنصارى يوم الأحد الذي يلي يوم النصارى.
ثقة، أخرج حديثه النسائي، والترمذي.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، حجة، إمام، فقيه، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو يدلس، ولكنه لا يدلس إلا عن الثقات، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو هنا غير منسوب، ويسمى المهمل في علم المصطلح، يعني: عندما يذكر الاسم ولا يذكر النسب، ويكون محتمل لأشخاص، فهو مهمل، يعني: غير منسوب، ومعرفة تعيينه يكون بالرجوع إلى الطرق الأخرى للحديث عند الأئمة، ويكون أيضاً بالرجوع إلى التلاميذ، والشيوخ، ومن المعلوم أن سفيان بن عيينة متأخر عن سفيان الثوري مقدار سبع وثلاثين سنة تقريباً في الوفاة، فـسفيان الثوري توفي سنة مائة وواحد وستين، فهو متقدم، وأما سفيان بن عيينة فهو قريب من المائتين، مائة وسبع وتسعين، فبينهما مسافة طويلة، لكن من يكون معمراً فإنه يدرك، يعني سفيان الثوري، أو ممن كان في أوائل القرن الثالث يدرك سفيان الثوري.
وإذاً: فعلى هذا فالمسافة التي بين سفيان الثوري وبين سفيان بن عيينة، يكون في الغالب أنه إذا كان الشخص متأخر أنه ما أدرك سفيان الثوري، وهنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي توفي سنة مائتين وتسعة وأربعين، والثوري مائة وواحد وستين، أي: بين وفاة هذا وهذا تسع وثمانون سنة، فلا يدركه إلا إذا عمر فوق المائة، فهذا مما يعرف به كون الشخص مدرك أو ما يدرك، لكن قد نص على أنه سفيان بن عيينة في بعض الطرق، ومن حيث الزمان واضح أن سعيد بن عبد الرحمن لم يدرك زمن الثوري؛ لأن بين وفاتيهما تسع وثمانون سنة، يعني: مسافة طويلة جداً، وحديث سفيان بن عيينة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزناد].
هذا لقب بلفظ الكنية، واللقب يأتي أحياناً بلفظ الكنية، ويأتي والأصل فيه أنه كنية إذا قيل: أبو فلان، أم فلان، الغالب أن هذه كنية، لكن أحياناً تأتي لقباً وليست كنية، مثل: أبي الزناد، ومثل أم المساكين زينب بنت خزيمة، يقال لها: أم المساكين لعطفها على المساكين، فهذا لقب، وأبو الزناد لقب وكنيته أبو عبد الرحمن وهو عبد الله بن ذكوان القرشي المدني، وهو: مشهور بهذا اللقب الذي بلفظ الكنية أبو الزناد، اسمه عبد الله بن ذكوان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هذا لقب، وصاحب اللقب هو عبد الرحمن بن هرمز المدني وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وألقاب المحدثين ومعرفتها لها أهمية، وهذه الأهمية يتضح بها أو يتبين بها أن الشخص الواحد قد يظن شخصين فيما إذا لم يعرف أن هذا اللقب لصاحب هذا الاسم، فمن لا يعرف أن عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج، يظن عبد الرحمن بن هرمز شخص والأعرج شخص، لو وجد لفظ الأعرج في إسناد، ووجد بعده في إسناد آخر عبد الرحمن بن هرمز، يظن أن عبد الرحمن بن هرمز شخص وأن الأعرج شخص آخر، لكن من عرف أن هذا لقب لهذا لا يلتبس عليه الأمر، ولهذا فإن معرفة ألقاب المحدثين نوع من أنواع علوم الحديث.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، المعروفون بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام سبعة، أكثر هؤلاء السبعة أبو هريرة، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر
أي: ابن عباس.
كالخدري وجابر وزوجة النبي
ثم هذا الإسناد الذي هو أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، هذه نسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وهي بإسناد واحد، ومشتملة على أحاديث كثيرة، أول الأحاديث هذا الحديث: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، وهناك نسخة أخرى يقال لها: نسخة همام بن منبه عن أبي هريرة، وأولها أيضاً حديث: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، ونسخة همام تبلغ مائة وأربعين حديثاً كلها بإسناد واحد يفصل بين كل حديث وحديث بجملة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر حديثاً، ثم يقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يذكر حديثاً، ويقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأتي: وقال رسول الله مائة وأربعين مرة، ونسخة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة متقاربة مع هذه النسخة، وبداية كل من النسختين هذا الحديث الذي هو: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة).
وطريقة العلماء في الرواية من النسخ: أن جمهورهم أو أن الكثير منهم على أن المحدث يأتي بالإسناد، ثم يأتي بأي حديث من الأحاديث الكبيرة ويجعله وراء الإسناد، أي: بعد الإسناد مباشرة، وهذه طريقة البخاري وغيره، وبعض العلماء يأتي بالإسناد، ثم يأتي بأول حديث الذي هو: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة) هذا، ثم يأتي بالحديث الآخر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتي بالحديث الذي يريد من النسخة، سواء كان من وسطها، أو من آخرها، المهم أنه يأتي بالحديث الأول يلي الإسناد، ثم يأتي بالحديث الذي يريد، ويقول: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.
أما الإمام مسلم رحمة الله عليه، فإنه في صحيحه سلك مسلكاً تميز به عن غيره في الأخذ من الصحيفة، فإنه روى أحاديث كثيرة من صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة، وهي تتفق مع صحيفة أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة في كثير من الأحاديث، وفي البداية الذي هو حديث الجمعة: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)، فكان من طريقته أن يسوق الإسناد، وإذا انتهى إلى آخره قال: فذكر أحاديث عن أبي هريرة، ثم يقول: فذكر أحاديث. هذه الجملة يأتي بها: فذكر أحاديث، منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، ويأتي بالحديث الذي رقمه مائة أو مائة وعشرين، ويركبه على هذا الإسناد، لكنه أتى بهذه الجملة التي تبين أن الإسناد ما هو على هذه الطريقة، وإنما فيه أحاديث سابقة لهذا الذي قاله عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: فذكر أحاديث، منها: وقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي يريد أن يأتي به.
وصحيفة همام بن منبه، وصحيفة أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، هي صحيحة وبإسناد واحد، والإمام البخاري، ومسلم اختاروا من هذه الصحيفة أحاديث، واختار البخاري أحاديث انفرد بها عن مسلم، واختار مسلم أحاديث انفرد بها عن البخاري، وكلها من الصحيفة وهي بإسناد واحد، وكلها صحيحة، وهذا من أوضح ما يستدل به على أن البخاري، ومسلم ما قصدا استيعاب الصحيح، وجمع الأحاديث الصحيحة كلها؛ لأنهم لو كانوا أردوا ما تركوا شيئاً من الصحيفة، مع كونها بإسناد واحد، وهم يأخذون ويتركون، يأخذون منها ويتركون منها، مع أنها كلها بإسناد واحد، يعني: في الثبوت هي كلها ثابتة، إلا أن البخاري اختار منها أحاديث، ومسلم اختار أحاديث، واتفقوا على اختيار أحاديث تلاقوا عليها، وتركوا أحاديث منها، فلو كان البخاري، ومسلم قصدا استيعاب الأحاديث الصحيحة، ما تركا شيئاً من هذه الصحيفة، مع أنها بإسناد واحد، هذا من أوضح ما يستدل به على أن البخاري، ومسلم رحمة الله عليهما لم يقصدا استيعاب الأحاديث الصحيحة، لم يستوعباها، ولم يقصدا استيعابها، ولهذا فالاستدراك عليهما، أو كونه يقال: فاتهما كذا وهو صحيح، لا وجه له؛ لأنهم ما التزموا حتى يفوتهم، وأوضح دليل هذه الصحيفة، صحيفة همام بن منبه، وصحيفة أبي الزناد عن أبي هريرة، فإنها بإسناد واحد، وقد أخذوا وتركوا.
[ح وابن طاوس].
كلمة (ح) هذه للتحويل، والغالب أن الإتيان بالتحويل يؤتى به بالنسبة لأسانيد المصنف، مثلما يأتي كثيراً عند مسلم، وعند البخاري، وعند النسائي، يعني يتحول الإسناد إلى إسناد، والإسناد الثاني هو للمصنف، لكن أحياناً يأتي التحويل في أعلى الإسناد، ولا يرجع إلى المصنف، ولهذا قال: وابن طاوس، وابن طاوس يعني معطوف على أبي الزناد، يعني: سفيان بن عيينة يروي عن أبي الزناد، ويروي عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة، فالملتقى هو سفيان، أي: مبدأ الإسنادين من سفيان، وليس من أول الإسناد، وإنما هو من سفيان، وابن طاوس هو: عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يروي عن أبيه طاوس بن كيسان، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
عن أبي هريرة، وهو صحابي الحديث.
أورد النسائي حديث أبي هريرة، وحذيفة رضي الله عنه، وهو بمعنى الذي قبله: [(أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله عز وجل بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة، ونحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق)]، وهذا فيه توضيح السبق والتأخر، (فنحن الآخرون في الدنيا)، أي: وجودنا متأخر عن وجودهم، ونحن السابقون يوم القيامة، يعني: نسبقهم ونتقدم عليهم، ففيه توضيح للسبق والتأخر الذي أُجمل في الحديث المتقدم، قال: (نحن الآخرون في الدنيا السابقون يوم القيامة).
قوله: [(المقضي لهم قبل الخلائق)].
وهذا أيضاً يوضح قضية السبق، وأن يوم القيامة أنه يقضى بينهم قبل الخلائق، فالخلائق يتأخرون عنهم في القضاء بينهم، وهذه الأمة هي التي تقدم على غيرها، وإذا قضي بينها فإنها تذهب إلى مكانها من الجنة أو النار، فتتقدم على غيرها، وتسبق غيرها إلى الجنة، من كان من أهل الجنة يسبق غيره من أهل الجنة.
هو واصل بن عبد الأعلى الأسدي الكوفي، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
[حدثنا ابن فضيل].
هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، رمي بالتشيع، وتكلم فيه من أجل التشيع، لكن جاء عنه عبارة ذكرها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح تدل على سلامته من البلاء الذي وقع فيه من وقع من الشيعة أو المتشيعين، وتلك العبارة هي قوله: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. معلوم أن الشيعة لا يترحمون على عثمان، والرافضة لا يترحمون على عثمان، وإنما يسبونه، ويشتمونه، ويصفونه بالظلم، ويصفون بخلافته وخلافة أبي بكر، وعمر بأنها جائرة، وأنها اغتصاب، فكون محمد بن فضيل الذي وصف بالتشيع، ورمي بالتشيع، وقدح فيه من أجل التشيع، كونه يقول هذه الجملة، ويقول هذه العبارة في حق عثمان، هذا يدل على سلامته، وعلى أنه على طريقة أهل السنة، وعلى منهج أهل السنة، فيقول: رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم على عثمان. يدعو لـعثمان ويدعو على من لا يدعو لـعثمان، فهذا يدل على سلامته مما أضيف إليه ومما رمي به.
وممن رمي بالتشيع أيضاً الفضل بن دكين أبو نعيم شيخ البخاري؛ فإن الحافظ ابن حجر أيضاً نقل في ترجمته في مقدمة الفتح أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية. ومن المعلوم أن سب معاوية هذا من أسهل الأشياء عند الرافضة، مثل شرب الماء عندهم في السهولة، يسبونه ولا يترددون في سبه، ولهذا يعتبره بعض العلماء أنه هو المدخل إلى الصحابة، فالذي يسبه أو يجرؤ على سبه يجرؤ على سب الصحابة، وعلى سب غيره من الصحابة، فهو يقول: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية.
الزيدية الذين هم أقل من الرافضة، وهم كلهم من أهل البدع، يتكلمون في معاوية، ويسبونه، ولا يسبون أبا بكر وعمر، لكن يسبون معاوية، وسب معاوية يكاد أن يكون قدر مشترك بين الذين حرموا أن يكونوا من أهل السنة، كل من لم يكون من أهل السنة ممن ابتلي بهذه المذاهب الخبيثة، سب معاوية هذا من أسهل الأشياء عندهم، يكاد يكون قدراً مشتركاً بينهم، يقول به أدناهم وأبعدهم، من يكون أسهل ومن يكون أشد، كلهم يلتقون عند سب معاوية، ولهذا يقول الفضل بن دكين رحمة الله عليه: ما كتبت علي الحفظة، أي: الملائكة الذين يكتبون أقوال الإنسان، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، يقول: ما كتبت علي الحفظة أني سببت معاوية، وهذا يدل على سلامته مما رمي به ومما أضيف إليه، وهو من شيوخ البخاري، بل من كبار شيوخ البخاري.
[عن أبي مالك الأشجعي].
هو سعد بن طارق الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي حازم].
هو سلمان الأشجعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة] رضي الله عنه.
وقد تقدم.
ثم قال: وعن ربعي بن حراش، يعني: أن هذا إسناد آخر معطوف على الذي قبله، لأن الذي قبله.. الذي يروي عن أبي حازم أبو مالك الأشجعي، فأبا مالك الأشجعي يروي من طريقين: من طريق أبي حازم عن أبي هريرة، والطريق الآخر من طريق ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، هذا طريق آخر، لكنه ما جاء بلفظ التحويل مثل الذي قبله، وهو مثله، يعني: اثنان تحويل أو التقاء إنما هو في أعلى الإسناد وليس في أوله، أي: ليس التحويل يرجع إلى أول الإسناد، وإنما إلى أعلى الإسناد أو قريب من أعلى الإسناد، وعن ربعي، يعني: أن أبا مالك الأشجعي كما أنه يروي هذا الحديث عن أبي حازم عن أبي هريرة، فهو أيضاً يرويه عن ربعي بن حراش عن حذيفة، وربعي بن حراش ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
عن حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [أول جمعة جمعت بعد جمعة جمعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في مسجد جواثى في البحرين في قرية لعبد القيس]، يعني: هذا الحديث ذكر في بعض النسخ نسخ النسائي وفي بعضها لم يذكر، وهو موجود في السنن الكبرى، وفيه: [أن أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة].
وقد اختلف العلماء في فرض الجمعة متى كان؟ هل كان في مكة أم كان في المدينة؟ فمنهم من قال: أنه في مكة، ومنهم من قال: أنه بالمدينة، وقال الحافظ ابن حجر: أنه مشهور أنه في المدينة، وهذا يدل على أنه بمكة، إن كان محفوظاً فهو واضح الدلالة على أنه بمكة. وعبد القيس، وهم ممن تقدم إسلامهم، وكانوا يسكنون البحرين، والبحرين هي جهة الأحساء وما حولها، يعني: في الاصطلاح المعروف سابقاً، وليس ما هو معروف في هذا الزمان، فإنها تشمل تلك الجهة كلها، يعني: كل ما كان قريباً من الساحل هناك يقال له: البحرين، الأحساء، وما حولها.
وقرية لبني عبد القيس، يعني: أول جمعة جمعت بعد تجميع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في تلك القرية التي اسمها جواثى، وهي اسم لقرية لبني عبد القيس، وبني عبد القيس هم من ربيعة أخو مضر بن نزار، وقد جاء في الصحيحين: مجيئهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وإخبارهم بأن قولهم: بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولا نستطيع أن نأتي إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نأخذ به، ونبلغه من وراءنا، فقال: (آمركم بالإيمان، أتردون ما الإيمان؟) ثم بين لهم تلك الأمور التي هي من الإيمان، ونهاهم عن أشياء، يعني تتعلق بآنية الخمر، والحديث في الصحيحين وفي غيرهما، وهو مشهور بحديث وفد عبد القيس، فإسلامهم متقدم، وسبقهم إلى الإسلام متقدم، وتجميعهم، أو صلاتهم الجمعة.
هو محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا المعافى].
هو ابن عمران الموصلي، وهو ثقة.
[عن إبراهيم بن طهمان].
ثقة، يغرب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن زياد الجمحي].
ثقة، ثبت، ربما أرسل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
والله تعالى أعلم.
الجواب: الفضل بن دكين، هذا ابن فضيل ما أدركه البخاري، كلامنا في الشخص الثاني الذي هو: الفضل بن دكين، أما محمد بن فضيل، أنا ذكرت الثاني من أجل التشابه في الكلمتين الجميلتين التي تدل على البراءة من الرمي بالبدعة، لكن الذي هو من شيوخ البخاري هو: أبو نعيم الفضل بن دكين، وأما محمد بن فضيل فهذا ما أدركه البخاري، يعني: البخاري يروي عنه بواسطة، وهو الذي يروي عنه البخاري حديث آخر في صحيح البخاري : (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقليتان في الميزان) فإنه يرويه عنه عن محمد بن فضيل بواسطة أحمد بن إشكاب؛ لأن شيخ أحمد بن إشكاب يروي عن محمد بن الفضيل هذا، فـالبخاري يروي عنه بواسطة، وأما الفضل بن دكين أبو نعيم فهو من شيوخه الكبار.
الجواب: الحواجب لا يتعرض لها الإنسان في شيء، يتركها ولا يتعرض لحاجبه. لكن إذا كان الهدب نزل على العين ويترتب عليها مضرة، يزال الضرر.
الجواب: يعرف ذلك بالتنصيص عليه؛ لأنهم ذكروا أن هذا كنيته أبو عبد الرحمن وقالوا: يعرف بـأبي الزناد، يعني: أنه لقب له وليس كنية، لأن التكنية بالكبير من الأولاد، وقد يكنى الإنسان وهو ليس له ولد، لكن قد يكون مشهوراً بلقب على صيغة الكنية كهذا.
الجواب: نعم، هو قد يجتمع في الحديث أن يكون صحيحاً، وأن يكون غريباً، والصحيح فيه غرائب، صحيح البخاري، ومن غرائب الصحيح التي جاءت بإسناد واحد أول حديث في البخاري، وآخر حديث البخاري، الفاتحة والخاتمة، أول حديث فيه، وآخر حديث فيه، هما حديثان غريبان، حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، يرويه عمر بن الخطاب عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر