أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا الوليد بن مسلم حدثني المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس عن بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)].
هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: [رواح الجمعة واجب على كل محتلم]، أورده النسائي في التشديد في التخلف عن الجمعة، وقد مر بعض الأحاديث المتعلقة بالتشديد في التخلف عن الجمعة، وهي واضحة في الترجمة من جهة أن من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه، وقوله: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)، وكلها واضحة الدلالة على الترجمة؛ لأن في ذلك تشديداً وفي ذلك ترهيباً، وبياناً لخطورة التخلف عن الجمعة.
وهنا أورد النسائي هذا الحديث؛ وهو: [رواح الجمعة واجب على كل محتلم]، ومعنى ذلك أن الذهاب إلى الجمعة لازم متحتم على كل محتلم، فإذا أخل في ذلك، وتخلف عن الإتيان بهذا الواجب المتحتم فإنه يأثم، ويعرض نفسه لسخط الله ومقته، ففيه وجه لما ترجم له المصنف، لكن الأحاديث السابقة هي التي أوضح في التشديد، أو أوضح في الترجمة؛ لأن فيها بيان خطورة التخلف، وأنه يترتب عليها الختم على القلب، أو الطبع على القلب.
وقوله: [واجب على كل محتلم]، المراد بالمحتلم: البالغ الذي بلغ الحلم، وهو التكليف وصار مكلفاً، ومن المعلوم أن الإنسان قد يبلغ الحلم قبل سن الخامسة عشرة، وذلك بأن يحصل له الاحتلام والإنزال، فيكون ذلك دلالة على وصوله سن البلوغ.
وقوله: [واجب على كل محتلم]، يدل على أن النساء لا تجب عليهن الجمعة، ومن المعلوم أن الجمعة والجماعة هي من خصائص الرجال من حيث الوجوب، والنساء إذا حضرت الجمعة والجماعة فإن لها أن تحضر، وتؤدي فرضها بهذا الحضور الذي حضرته، لكن ليست الجمعة ولا الجماعة واجبة عليها، وإنما الوجوب واللزوم على كل محتلم، ومفهومه أن الصغير لا تجب عليه الجمعة، ولكنه يؤمر بها كغيرها من الصلوات الأخرى التي قال عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، فالوجوب شيء، والأمر بها لكون الإنسان يعتادها ويألفها، ويكون على علم ومعرفة بها قبل أن يصل إلى سن التكليف، هذا شيء آخر، والوجوب إنما هو لمن بلغ الحلم.
وإذا بلغ الإنسان أو أكمل خمسة عشر سنة فإنه يكون بالغاً، وإذا حصل له الاحتلام قبل ذلك فإنه يكون بالغاً، وكذلك إذا حصل الإنبات في الشعر الخشن حول القبل، فإنه يكون بذلك بالغاً. فهذه من علامات البلوغ وأمارات البلوغ التي يكون بها التكليف، ويكون بها الإنسان قد خرج من كونه غير مكلف إلى كونه مكلفاً.
هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود فإنه لم يخرج له شيئاً.
[حدثنا الوليد بن مسلم].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، يعني: مدلس تدليس الإسناد، وتدليس التسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني المفضل بن فضالة].
هو ابن عبيد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عياش بن عباس].
هو عياش بن عباس المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بكير بن الأشج].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج ينسب إلى جده، فهنا هو منسوب إلى جده وإلا فأبوه عبد الله، وهو أيضاً مصري، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
هو مولى ابن عمر، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، فهؤلاء السبعة اشتهروا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
[عن حفصة].
هي أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وبنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنها، وعن أبيها، وعن الصحابة أجمعين، وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار)].
هنا أورد النسائي باب كفارة من ترك الجمعة من غير عذر، والمقصود من هذه الترجمة أن من تركها بعذر فهو معذور ولا شيء عليه، والحديث الذي مر قبل هذا: (رواح الجمعة واجب على كل محتلم)، عام في كل مكلف، إلا أنه يخص منه من كان معذوراً في ترك الجمعة، وفي التخلف عن الجمعة، وهذه الترجمة فيها بيان كفارة من ترك الجمعة من غير عذر.
وقد أورد فيه حديث سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فمن لم يجد فبنصف دينار]، فالكفارة التي دل عليها هذا الحديث هي دينار إن كان واجداً، وإن كان غير واجد للدينار فإنه يتصدق بنصف الدينار، لكن الحديث الذي فيه هذا الحكم وهو الكفارة بحق من ترك صلاة الجمعة متعمداً غير ثابت؛ لأن في إسناده قدامة بن وبرة، وهو مجهول، فهو غير ثابت.
ويضاف إلى الجهالة في الإسناد النكارة في المتن، وهو كونه ترك أمراً خطيراً، وأمراً عظيماً؛ التي هي الجمعة يكفيه أن يتصدق بدينار، أو بنصف دينار، ويكون ذلك كفارة له، فهذا فيه نكارة من حيث المعنى، بالإضافة إلى الضعف في الإسناد، وكون فيه رجلاً مجهولاً وهو قدامة بن وبرة، ففيه: النكارة في المتن، وأن الإنسان إذا أتى بالكفارة أنها تكفر ذلك العمل الخطير الذي تركه، وهو كونه ترك الجمعة من غير عذر، مثل هذا لا يكفره دينار، ولا غير دينار، فالمتن فيه نكارة، والسند فيه رجل مجهول، فالحديث غير ثابت.
هو الرهاوي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي.
[حدثنا يزيد بن هارون].
ثقة، متقن، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا همام].
هو ابن يحيى بن دينار البصري، وهو ثقة، ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن قدامة بن وبرة].
مجهول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن سمرة بن جندب].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
هنا أورد النسائي حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله أن من ترك صلاة الجمعة متعمداً فيتصدق بدينار، وإن لم يجد يتصدق بنصف دينار، والحديث من الأحاديث التي وجدت في هامش بعض النسخ، وقد رواه ابن ماجه في سننه بهذا الإسناد نفسه الذي هو إسناد النسائي، وذكر الشيخ الألباني أنه ضعيف، وذكر أن فيه انقطاعاً كما قال المنذري، ولعل الانقطاع المراد به رواية الحسن عن سمرة، فإن رواية الحسن عن سمرة اختلف فيها، هل سمع الحسن من سمرة، أو أنه حديثه عنه مرسل؟ وفيه ثلاثة أقوال لأهل العلم، منهم من قال: إنه لم يسمع منه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه سمع منه مطلقاً، ومنهم من قال: إنه سمع حديث العقيقة دون غيره، وهذا هو الذي ذكره النسائي كما سيأتي بعد بابين أو ثلاثة، فإنه قال: إن الحسن لم يسمع من سمرة بن جندب إلا حديث العقيقة، ففيه الانقطاع، وقد ذكر هذا الشيخ الألباني في التعليق على المشكاة، والحديث في سنن ابن ماجه بنفس الإسناد الذي عند النسائي هنا.
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، يعني: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، يعني: اسمان مكرران، نصر بن علي بن نصر بن علي، فهو حفيد للذي قبله؛ لأن من الرواة الذين خرج لهم نصر بن علي الجهضمي وحفيده نصر بن علي، فهو نصر بن علي بن نصر بن علي اسمان مكرران، ومثله خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط، يأتي أحياناً بعض الأسماء تكرر، يعني: اسم الرجل واسم أبيه مع اسم جده وجد أبيه؛ فيتفق اسم الراوي مع اسم جده، واسم أبيه مع اسم أبي جده، نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنبأنا نوح].
هو نوح بن قيس البصري، وهو صدوق، رمي بالتشيع، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد].
هو خالد بن قيس، وهو أخو نوح بن قيس فيروي عن خالد بن قيس، وهو صدوق يُغرب، وقد أخرج حديثه مسلم، والترمذي في الشمائل، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري ولا الترمذي في السنن، وإنما خرج له في كتاب الشمائل.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي، وقد مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن الحسن].
هو الحسن بن أبي الحسن البصري، المحدث، المشهور، محدث، فقيه، ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سمرة بن جندب].
قد مر ذكرها في الإسناد الذي قبل هذا.
أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثنا عبد الرحمن الأعرج: أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: فضل يوم الجمعة، وأورد فيه النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها]، فالحديث دال على الترجمة؛ لأنه قال: [خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة]، وهذا يدل على فضله، وأنه أفضل الأيام، وهذا بالنسبة لأيام الأسبوع، وأما بالنسبة لأيام العام فأفضلها يوم عرفة، وصوم يوم عرفة لغير أهل عرفة هو آكد صيام التطوع، وأفضل صيام التطوع، وهو يكفر السنة الماضية والسنة الآتية، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا وافق يوم عرفة يوم جمعة تجتمع الفضيلتان؛ فضيلة يوم عرفة الذي هو أفضل الأيام، وفضيلة يوم الجمعة الذي هو أفضل أيام الأسبوع.
والنبي عليه الصلاة والسلام بين شيئاً من خصائصه، فقال: [فيه خلق آدم]، فإن أبا البشر آدم عليه الصلاة والسلام خلق يوم الجمعة، ودخوله في الجنة كان يوم الجمعة، وإخراجه منها كان يوم الجمعة، وقيام الساعة يكون يوم الجمعة، ففيه: بداية خلق الإنسان، ونهاية الإنسان، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة كما جاء في بعض الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخصائص الجمعة كثيرة ذكرها ابن القيم في كتابه زاد المعاد في أوله، وقد أوصلها إلى ما يزيد على أربعين خصيصة وفضيلة، وهي كلها تتعلق في هذا اليوم، وقد أُلف فيه بعض الكتب الخاصة بفضائل يوم الجمعة، والحديث دال على فضل الجمعة؛ لأنه قال: [إنه خير يوم طلعت عليه الشمس]، ومما يجري فيه أن خلق أبي البشر كان فيه، ونهاية وجود البشر في هذه الحياة الدنيا إنما يتم يوم الجمعة وينتهي يوم الجمعة، فالساعة تقوم يوم الجمعة، فلا تقوم في أيام الأسبوع الأخرى، ولكن في أي شهر؟ وفي أي عام؟ لا يعلم ذلك إلا الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا سئل عن الساعة، إما أن يجيب بعدم علمه بها، أو يجيب بأمارة من أماراتها، أو شيء من العلامات التي تكون قبلها، أو يصرف النظر إلى ما هو أهم من ذلك كما في الرجل الذي سأله قال: (متى الساعة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: وماذا أعددت لها؟ قال: أعددت لها حب الله ورسوله، قال عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب)، وإنما الذي جاء في يوم الجمعة أنها فيه تقوم الساعة، ففيه بداية الخلق، وفيه نهاية الخلق.
ولهذا كان من الأمور المشروعة في يوم الجمعة أنه يقرأ: ألم السجدة، وهل أتى على الإنسان في صبيحتها، وفي فجر يومها؛ وذلك لأنها مشتملة على بدء الخلق ونهاية الخلق، ففي ذلك تذكير بالمبدأ، والمعاد؛ لأن هذا اليوم كانت فيه بداية خلق البشر، وفيه نهاية البشر، فقراءة الإنسان لهاتين السورتين في فجر يوم الجمعة، فيه استذكار لما حصل في يوم الجمعة، ولما يحصل في يوم الجمعة في المستقبل، لما حصل في الماضي في يوم الجمعة من خلق آدم أبي البشر، ولما يحصل في المستقبل من قيام الساعة في يوم الجمعة، كما أخبر بذلك رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
هو سويد بن نصر المروزي، ولقبه الشاه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وهو راوية عبد الله بن المبارك، وهو يروي هنا عن عبد الله غير منسوب، والمراد به عبد الله بن المبارك المروزي، فكلما جاء سويد بن نصر يروي عن عبد الله مهمل غير منسوب، فالمراد به عبد الله بن المبارك؛ لأنه راويته، وهما مروزيان.
وعبد الله بن المبارك المروزي ثقة، ثبت، حجة، إمام، مجاهد، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في التقريب بعدما ذكر جملة من خصاله الحميدة، قال: جمعت فيه خصال الخير، وبعض العلماء قال: هو أجل من أن يقال فيه: ثقة، يعني: أنه بلغ الغاية في التوثيق، يعني: ثقة قليلة في حقه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو ابن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب أخو قصي بن كلاب، فيلتقي نسبه مع نسب النبي عليه الصلاة والسلام بـكلاب الذي هو والد قصي.. الذي من سلالته النبي صلى الله عليه وسلم، وزهرة الذي منه الزهري، فينسب إليه يقال: الزهري، نسبة إلى جده زهرة بن كلاب.
وينسب أيضاً إلى جده شهاب الذي هو جد جده، الذي هو عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، وهو إمام متفق على جلالته، وإمامته، وإتقانه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة.
وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز، وقد قال فيه السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
أي: أمره بذلك عمر بن عبد العزيز في زمن خلافته رحمة الله عليه.
[عن عبد الرحمن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز، والأعرج لقب، واسمه عبد الرحمن بن هرمز، فأحياناً يذكر بلقبه فقط وهو الأعرج، وأحياناً باسمه ونسبته عبد الرحمن بن هرمز، وأحياناً يجمع بين اسمه ولقبه فيقال: عبد الرحمن الأعرج، وهو مدني، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.
أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا حسين الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله! وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي: يقولون: قد بليت، قال: إن الله عز وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام شرعت في مواضع؛ منها يوم الجمعة، وليلة الجمعة، ومنها بعد الأذان، ومنها عند دخول المسجد والخروج منه، وعند ذكره، فكلما يذكر صلى الله عليه وسلم يصلى ويسلم عليه، عليه الصلاة والسلام، وقد جاء في بعض الأحاديث: (إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، صلى الله عليه وسلم، فيصلى ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً، ويكثر من الصلاة والسلام عليه، ولكن جاء في السنة في مواضع يصلي عليه فيها كما أشرت إلى بعضها.
فأورد النسائي هذه الترجمة وهي: إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وأورد فيها حديث أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه، أنه قال: [إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء].
ومحل الشاهد هنا قوله: (فأكثروا من الصلاة علي)، وهذا يدلنا على الأمر أو الحث على إكثار الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة، وليلة الجمعة، والحديث فيه ما في الذي قبله من جهة خيريته، إلا أن هنا قال: [من أفضل أيامكم]، والحديث الأول قال: (خير يوم طلعت عليه الشمس)، وهو دال على فضل يوم الجمعة، ودال أيضاً على ما دل عليه الذي قبله من جهة أنه خلق فيه آدم، وفيه قبض، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، فكل ذلك حصل يوم الجمعة، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فالنفخة التي هي النفخ الذي يكون فيه البعث، وموت من كان على قيد الحياة في ذلك الزمان، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة، وينفخ في الصور يوم الجمعة، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
ففيه نفخة الموت التي هي نفخة الصعق، ونفخة البعث التي هي النفخة الثانية، ففيه بداية الخلق، وفيه نهاية الخلق، وهذه من الأمور التي تحصل في يوم الجمعة التي منها ما حصل، ومنها ما لم يحصل ولكنه سيحصل في المستقبل، كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا من الإيمان بالغيب؛ لأن الإخبار عن أمور ماضية، والإخبار عن أمور مستقبلة، كله من الإيمان بالغيب، والحديث دال على الإيمان بالغيب ماضياً ومستقبلاً؛ لأن الحديث هذا فيه خلق آدم، وإدخاله الجنة، وإخراجه منها، وهو قد مضى، وهو غيب لا نعلمه إلا عن طريق الوحي، وفي المستقبل فيه النفخة، وفيه الصعقة، وهذا أمر يحصل في المستقبل وهو غيب لا نعلمه إلا بالإخبار عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو دال على الإيمان بالغيب ماضياً ومستقبلاً، ففيه الاثنان.
ثم إن النبي عليه الصلاة السلام أرشد ورغب وحث على الصلاة عليه في يوم الجمعة، بل والإكثار من ذلك في يوم الجمعة وليلة الجمعة.
وقوله: [إن صلاتكم معروضة علي] يعني: أنه يبلغ إياها، وتصل إليه الصلاة والسلام، وذلك بواسطة الملائكة السياحين كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سياحين، يبلغوني عن أمتي السلام)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)، فيصل إليه، ويبلغ الصلاة والسلام عليه، عليه الصلاة والسلام، وكما جاءت بذلك الأحاديث.
وقوله هنا: [فإن صلاتكم معروضة علي] يفسره الحديثان الذين أشرت إليهما، وهو إبلاغ الملائكة إياه، حيث قال: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)، والحديث الآخر: (ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
ولما قال: [فإن صلاتكم معروضة علي] وكانوا يعلمون أن الناس إذا قبروا أنهم يذهبون في التراب، وأنها تتلاشى أجسامهم، وتذهب في التراب، والله عز وجل قال: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، يعني: فنحن نعلم ما يذهب من أجسادهم من ذرات تختلط بالتراب، ونحن نعلم ذلك ونعيده؛ نعيد تلك الذرات التي راحت في التراب، ونستخرجها من التراب حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، ويبعث في الإنسان الذي كان في الدنيا، ليس جسداً جديداً يوجد لا وجود له في الدنيا، بل الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، وتكون إعادته بأن ذراته التي راحت في التراب، الله تعالى يستخرجها ويعيدها حتى ترجع كل ذرة إلى مكانها، ويعود الإنسان على هيئته، فالجسم الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، وهو الذي ينعم، ويعذب، وليس هو جسم جديد ينعم، ويعذب، وإنما الذي ينعم ويعذب هو الجسد الذي كان في الدنيا؛ لأنه هو الذي أحسن وأساء، وقد جاء ذلك مبيناً في القرآن: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]، فما تشهد إلا التي كانت في الدنيا، لا يشهد جسد جديد يخلق، ويخرج من القبر مخلوقاً، لا وجود له في الدنيا، ولا يعرف شيئاً عن الدنيا، وإنما الجسد الذي يكون يوم القيامة، والذي يعاد بعثه، هو الجسد الذي كان في الدنيا، فيعاد ويثاب على إحسانه إن كان محسناً، ويعاقب على الإساءة إذا كان مسيئاً، ويصل الثواب والعقاب إلى من حصل منه الإساءة، وليس إلى جسد جديد.
قالوا: [وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟] فقد فهموا أن الإنسان إذا دفن أنه يتلاشى مع التراب، ويختلط بالتراب، ولكن أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن شأن الأنبياء يختلف عن الناس، قال: [إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء]، والله تعالى يقول مبيناً البعث وقدرته عليه، قال: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، يعني: فنحن نعيد ذلك.
وقصة الرجل الذي من بني إسرائيل الذي جاء في الحديث الذي قال: إذا أنا مت فأحرقوني في النار، واسحقوني ثم خذوا الرماد وذروه في الهواء، واجعلوا منه جزء في البحر، وجزء في البر، فإن قدر الله علي ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين، فالله عز وجل أمر البحر أن يخرج ما فيه، والبر أن يخرج ما فيه، حتى عادت كل ذرة إلى مكانها، وعاد نفس الجسد، وهذه كيفية البعث، فالجسد الذي في الدنيا هو الذي يبعث. وقصة إبراهيم حين قال: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ [البقرة:260]؛ يأخذ أربعة من الطيور ثم يقطعهن قطعاً، ثم يخلطها مع بعض، ثم يجعل على كل جبل قطعة من هذه المجموعة، ثم الله عز وجل يأمرها بأن تخرج تلك القطع المتجمعة حتى ترجع الطيور على ما كانت على هيئتها، وعلى شكلها، وتلك القطع من اللحم التي خلطت، وجمع بعضها إلى بعض، وفرقت في أماكن متعددة، يأتي كل جزء منها حتى يركب في مكانه، ويستقر في مكانه الذي كان عليه قبل أن تذبح وتقطع، فهذه كيفية الخلق، وإعادة الخلق يوم القيامة؛ أن نفس الأجساد التي كانت في الدنيا هي التي تعاد.
وقوله: [إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء]، هذا يدل على أن أجساد الأنبياء في قبورهم كما كانوا، ولا يتأثرون، ولا تغيرهم البلاء وطول المكث، ولا يختلطون بالتراب.
وأما بالنسبة لغير الأنبياء، فإنه لم يأت نص يدل على بقاء أجسادهم بدون تأثر، وبدون تغير، والشهداء الذين أخبر الله عز وجل أنهم عند ربهم يرزقون، لا يجزم ببقاء أجسادهم على ما هي عليه دون أن تتأثر، ودون أن تتغير؛ لأنه لم يأت نص في ذلك، وهذه الأمور من أمور الغيب التي لا يتكلم فيها إلا بدليل، لكن قد وجد من بعض الشهداء بعد مدة على حاله التي دفن عليها لم يتغير، ولم يتأثر، وهو عبد الله بن حرام الأنصاري والد جابر بن عبد الله رضي الله عنه، فإنه استشهد يوم أحد، ودفن في أرض أحد، ثم إن الوادي قرب من قبره، فخشي أن يجترفه السيل، وأن يحمله من مكانه الذي هو فيه، فنبشه ابنه جابر رضي الله عنه، بعد ستة أشهر، ووجده كهيئته التي دفن عليها لم يتغير جسده، ولم تأكل الأرض شيئاً من جسده رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهذا لا يدل على بقاء الشهداء دائماً وأبداً، وإنما يدل على أنه قد تبقى مدة كما حصل في قصة عبد الله بن حرام والد جابر، ولكن البقاء إلى يوم البعث والنشور لم يأت فيه نص يدل عليه، وإنما جاء النص في حق الأنبياء، فيثبت ما جاء في الدليل، ويسكت عما لم يأت به الدليل، والله تعالى على كل شيء قدير.
هو الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[حدثنا حسين الجعفي].
هو حسين بن علي الجعفي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن أبي الأشعث الصنعاني].
هو شراحيل بن آده، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أوس بن أوس].
هو صحابي سكن الشام، وقد أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
الجواب: على كل أقول: الله تعالى أعلم، لكن ما دام أنه حي، والحياة موجودة فهي لا تسقطه وإنما تتركه، ويمكن أن كشفهم يكون خطأ.
الجواب: التداوي سائغ وجائز، وهو مباح وليس بلازم، لكن هناك بعض العلاجات التي منها الاسترقاء والاكتواء، والتي جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنه، في قصة السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، فالاسترقاء جائز، وكذلك الكي، ولكن إذا تركه الإنسان توكلاً على الله عز وجل، فإنه يكون من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يترك الدواء، ولا يستعمل الدواء، بل يستعمل الدواء، والرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى التداوي، وقال: (تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر