أخبرنا حميد بن مسعدة أخبرنا يزيد أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا، قلت: هل أقام بمكة؟ قال: نعم أقمنا بها عشراً)].
يقول النسائي رحمه الله: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. مقصود النسائي من هذه الترجمة المكث في البلد الذي تقصر في مدته الصلاة، أي: أن الإنسان إذا قدم بلداً ومكث فيها، فمتى يحق له أن يقصر وهو مقيم؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، أي: المدة التي إذا مكثها الإنسان في بلد وهو مسافر، أنه يعتبر في حكم المسافر: يقصر، ولا يعتبر مقيماً. وهذه المسألة اختلف فيها العلماء، منهم من قال: إن الإنسان إذا كان مسافراً، سواءً كان سائراً أو مقيماً، فإنه يقصر، لكن القول الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا عزم على إقامة في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يعتبر في حكم المقيم من حين وصوله إلى ذلك البلد، فليس له قصر، بل عليه الإتمام، ويستدلون على ذلك بما حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، حيث قدم مكة في اليوم الرابع، ومكث فيها أربعة أيام إلى اليوم الثامن، حيث خرج منها إلى منى، وهذه المدة هي المدة التي ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام أقامها، أو عنده العزم على إقامتها عند قدومه مكة، فأخذ جمهور العلماء منه أن المدة التي إذا عزم على أكثر منها يعتبر في حكم المقيم وليس في حكم المسافر: أربعة أيام، استناداً إلى ما حصل في حجة الوداع من مكثه في مكة قبل الحج أربعة أيام؛ لأنه منذ قدم وهو ينتظر الحج، والحج يبدأ في اليوم الثامن، فتكون هذه المدة أربعة أيام فأقل، من أقامها يقصر الصلاة، ومن عزم على إقامة أكثر منها، أي: من أربعة أيام، فإنه يتم ولا يقصر.
وقد أورد النسائي عدة أحاديث، منها: حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: (خرجنا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام يقصر الصلاة، يصلي ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة. هل أقام بمكة؟ قال: عشراً)، أي: أقام عشراً، لكن هذه العشر ليست بمكة وحدها، وإنما هي بمكة وما حوالي مكة من عرفات ومنى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أقام بمكة أربعة أيام قبل الحج، ثم ذهب إلى منى وأقام فيه بقية اليوم الثامن وليلة التاسع، ثم ذهب إلى عرفة وأقام فيها اليوم التاسع، ثم رجع إلى منى، وأقام فيها العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ثم رجع إلى مكة وطاف طواف الوداع، وسافر واتجه إلى المدينة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فتكون المدة التي مكثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وما حوالي مكة، منذ أن قدم مكة حتى غادر مكة، عشراً، وذلك في حجة الوداع.
فهذا الحديث ليس فيه العزم على إقامة عشرة أيام في بلد واحد، إنما هي في مكة أربع، ثم منها يوم في منى، ويوم في عرفة، وثلاثة أيام بعد ذلك بمنى، ثم النزول بالمحصب، ثم الوداع والسفر، فهذه العشر ليست إقامةً في مكان واحد، أو في بلد واحد، وإنما هي موزعة بين الإقامة بمكة، وعرفة، ومنى، فالإقامة المحققة هي الأربعة الأيام التي قبل الحج، ولهذا أخذ جمهور العلماء بها، واعتبروا أن العزم على إقامة أكثر من أربعة أيام عند قدومه البلد، يجعله في حكم المقيم، أما إذا دخل بلداً، وما كان عنده عزم على مدة معلومة، بل يريد قضاء حاجة، ولا يعلم متى تنقضي حاجته، هل تنقضي في يوم أو يومين أو أكثر؟ فإنه يعتبر مسافراً ولو طالت المدة، ويقصر ولو طالت المدة؛ لأنه ما قصد الإقامة، وإنما كل يوم يقول: إذا انتهت حاجتي أغادر وأنهي الإقامة، فمن كان كذلك فله حق القصر ولو طالت المدة، أما من عزم على إقامة عند دخوله البلد تزيد على أربعة أيام، فهذا حكمه حكم المقيمين، وليس حكمه حكم المسافرين.
حميد بن مسعدة هو البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرنا يزيد].
وهو ابن زريع البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق].
هو يحيى بن أبي إسحاق البصري، وهو صدوق ربما أخطأ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
وهذا الحديث من الأسانيد الرباعية، وهو مسلسل بالبصريين؛ لأن كلاً من هؤلاء الأربعة من أهل البصرة: الذي هو حميد بن مسعدة، ويزيد بن زريع، ويحيى بن أبي إسحاق، وأنس بن مالك، هؤلاء بصريون، فهو مسلسل بالبصريين، وهو من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن أعلى الأسانيد عند النسائي هي الرباعيات؛ لأنه ليس عنده ثلاثيات، وإنما أعلى ما عنده الرباعيات.
أورد النسائي حديث ابن عباس: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أقام خمسة عشر يصلي ركعتين ركعتين)، المقصود من ذلك: في عام الفتح، وليس في حجة الوداع، حجة الوداع هو الذي مر في حديث أنس، لكن جاء في بعض الأحاديث الصحيحة: أنه أقام فيها تسعة عشر يوماً، وهذا إنما كان بمكة، فإذاً الصحيح الثابت أنه أقام بها تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، لكن هذا محمول كما هو واضح على عدم قصد الإقامة عند دخوله مكة؛ لأنه دخل مكة فاتحاً، وفتح الله عليه مكة، ومكث فيها، وليس هناك ما يفيد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عنده عزم على إقامة تسعة عشر يوماً، ومن المعلوم أن المسافر إذا عزم على إقامة تزيد على أربعة أيام، فحكمه حكم المقيم، وإذا كان هناك شيء يدل على قصده الإقامة، وإنما تتابعت الأيام ومضت الأيام دون أن يكون عنده عزم على إقامة معينة لأيام معلومة، فإنه يقصر ولو طالت المدة، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة في عام الفتح، فيكون هذا محمول على أنه ما كان هناك قصد إقامة تسعة عشر يوماً عندما دخل مكة، وإنما دخل فاتحاً ثم يرجع إلى المدينة؛ لأنها دار الهجرة، ولم يبق في مكة، ولن يرجع إلى مكة ليقيم بها، ولينزل بها، بل يبقى في دار هجرته صلى الله عليه وسلم المدينة، فهذا يحمل على أنه ما كان هناك قصد، وليس هناك شيء يدل على قصد هذه المدة، وهذا هو الذي أجاب به الجمهور عن كونه مكث تسعة عشر يوماً، وهو في مكة نفسها يقصر الصلاة، يعني: في بلد واحد، ليس كحجة الوداع، فحجة الوداع في مكة، وغير مكة، لكن في عام الفتح كان الجلوس في مكة، فيحمل على عدم قصد الإقامة، هذا هو الذي حمله الجمهور عليه.
وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا محمد بن ربيعة].
محمد بن ربيعة، ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الحميد بن جعفر].
عبد الحميد بن جعفر، صدوق ربما وهم، وأخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن يزيد بن أبي حبيب].
يزيد بن أبي حبيب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عراك بن مالك].
وهو ثقة، فاضل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الثقفي، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه أقوال ثلاثة: فقيل: إن السابع: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: إن السابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: إن السابع: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، وعبيد الله هذا من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة.
وقد ذكرهم ابن القيم في أول كتابه (إعلام الموقعين) عندما ذكر فقهاء الأمصار في البلاد المختلفة في العراق، والحجاز، ومصر، واليمن، وغير ذلك، وعندما جاء ذكر المدينة، وذكر الفقهاء في عصر الصحابة، والفقهاء في عصر التابعين، ذكر أن منهم الفقهاء السبعة، ولكن ذكر السابع منهم: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وذكر بيتين من الشعر اشتمل ثانيهما على الفقهاء السبعة، وهو قول الشاعر:
إذا قيل: من في العلم سبعة أبحر روايتهم ليست عن العلم خارجه
فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجه
هؤلاء هم الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين.
[عن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة الكرام، والعبادلة الأربعة يطلق على أربعة من صغار الصحابة كانوا في زمن متقارب، وفياتهم متقاربة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير، وأيضاً ابن عباس أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعائشة أم المؤمنين، قد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر
البحر الذي هو ابن عباس. يقال له: البحر، ويقال له: الحبر.
وأنس والبحر كـالخدري وجابر وزوجة النبي
أورد النسائي حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله تعالى عنه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)، المقصود من ذلك أن الذين هاجروا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، وتركوا مكة منتقلين إلى المدينة لنصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، أنهم يبقون على هجرتهم وفي دار هجرتهم، ولا يرجعون إلى مكة، ويقيمون بها، وإنما عليهم إذا جاءوا، وإذا أدوا النسك أن يمكثوا فيها ثلاثاً، ولا يبقوا فيها، بل يبقون في دار هجرتهم، ولا يمكثون في البلد الذي هاجروا منها، وهي: مكة؛ لأنهم تركوها من أجل نصرة دين الله عز وجل، فإذا جاءوا إليها لنسك فيمكثون بعد الحج ثلاثاً، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يكرهون أن يبقوا في مكة، ويخشون الموت بمكة، ولهذا كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما أصابه مرض بمكة، كان يخشى أن يموت بها، وألا يحصل له الموت في دار هجرته التي هاجر إليها.
وذكر الثلاث في هذه الترجمة إشارة إلى أن المسافر، أو الحاج إذا بقي في مكة بعد الحج ثلاثة أيام، أنه في حكم المسافر، وأنه يقصر الصلاة، لكن إذا أقام بها أربعاً وزاد على ذلك، فإنه حكمه حكم المقيم، ويكون شأنه شأن الذي أقام أكثر من أربعة أيام، أو جلس في بلد أكثر من أربعة أيام، فإنه يتم ولا يقصر، لكن إذا أقام ثلاثاً، أو أربعاً، بحيث لم يتجاوز أربعة أيام، فإن هذا مثل ما حصل قبل الحج من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه مكث في مكة أربعة أيام، فإيراد النسائي للحديث في هذه الترجمة إشارةً إلى أن المسافر، أو أن الحاج عندما يمكث في مكة بعد الحج ثلاثة أيام، أنه في حكم المسافر، وأن له أن يقصر الصلاة، وأن هذه من المدة التي إذا مكثها الإنسان فإنه يقصر ولو كان مقيماً، هذا هو مقصود النسائي من إيراد الحديث في هذا الباب.
وهو محمد بن عبد الملك بن زنجويه أو ابن زِنجويه، المحدثين يقولون: ما كان من هذا النوع بسكون الواو وضم ما قبلها، وفتح الياء وسكون الهاء، وأما اللغويون فيأتون به مختوماً بويه، الواو مفتوحة والياء ساكنة، والهاء بعدها ساكنة، (زنجويه)، (راهويه)، وغير ذلك ما كان من هذا القبيل، وأما المحدثون فيقولون، وينطقونه فيقولون: (راهويه)، و(زنجويه)، وغير ذلك، وما أشبه ذلك، واللغويون يجعلونه من قبيل ما هو مختوم بـ(ويه)، ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه أو ابن زنجويه ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. لم يخرج له الشيخان، بل خرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن عبد الرزاق].
وهو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني، وهو ثقة، حافظ، مصنف، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد].
هو إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً، مثل إسحاق بن راهويه الذي يأتي ذكره كثيراً، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، فهذا مثله.
[أن حميد بن عبد الرحمن].
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبره أن السائب بن يزيد].
السائب بن يزيد، وهو صحابي صغير، حج به مع رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره سبع سنين، وله أحاديث يرويها عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
ويروي هنا عن صحابي، وهو العلاء بن الحضرمي، وهو صحابي مشهور، وهو الذي تولى إمارة البحرين في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك في زمن بعض الخلفاء، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث العلاء بن الحضرمي من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، أن المهاجر يقيم بعد قضاء النسك ثلاثاً، وحكمه حكم المسافر، يقصر الصلاة في هذه المدة.
يعني: النسائي، والذي قال: (أخبرنا) هو ابن السني الذي روى المجتبى عنه، فهذه رواية ابن السني، الذي أظهر أبا عبد الرحمن وقال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، وليس على وفق ما تقدم؛ لأن الذي تقدم يقول النسائي: أخبرنا فلان، فـالنسائي هو الذي يقول: أخبرنا فلان، وأما هنا فيقول ابن السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن، لماذا؟ لأن النسائي ما قال عن الحارث بن مسكين: أخبرنا، وإنما قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، وقد سبق أن ذكرت أن النسائي له مع الحارث بن مسكين حالتان: حالة كانت تراضي بينهما، وحالة كان فيها شيء من الوحشة، فكان في إحدى الحالتين التي كان أذن له بالرواية عنه، وسمح له بحضور مجلسه، فكان يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه. النسائي نفسه يقول: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، فيعبر النسائي بقوله: أخبرني الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع.
الحالة الثانية: أنه كان منع من حضور مجلسه، فكان يأتي، ويجلس من وراء الستار ويسمع، فيقول: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ما يقول: أخبرني؛ لأنه ما أراد إخباره، وما قصد إخباره، وما قصد أن يأخذ عنه، فمن دقة النسائي رحمه الله أنما كان من هذا القبيل يكتفي بأن يقول: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ومن أجل هذا قال ابن السني: أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، فمن أجل هذا أُظهر اسم النسائي هنا؛ لأنه بدلاً من كونه يبدأ الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، ولم يسبقها أخبرني، من أجل ذلك أظهر ابن السني اسم شيخه في هذا الإسناد، وقال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع، هذا هو السبب الذي جعل النسائي يظهر اسمه هنا، والذي أظهره تلميذه الذي هو راوي السنن عنه، فراوية المجتبى -الذي هو السنن الصغرى- ابن السني هو الذي قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن، ولا أذكر في موضع أنه مر مثل هذا الموضع الذي فيه تسمية أبو عبد الرحمن، وكما قلت: الحارث بن مسكين مر ذكره مراراً، وفي بعضها يقول: أخبرني الحارث بن مسكين، وأحياناً يقول: أخبرنا فلان والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، لكن كونه يأتي الحارث بن مسكين، وليس فيه ذكر: أخبرني، وليس مسبوقاً بشخص آخر من شيوخ النسائي، هذا هو الموضع الذي لعله أول موضع يمر بنا، وهذا هو وجه إظهار اسم النسائي في هذا الإسناد، والحارث بن مسكين ثقة، فقيه، مصري، قاضي مصر، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.
[عن سفيان].
وهو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن حميد].
وهو عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، أي: ابن الذي في الإسناد الأول، حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهذا عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، وكل من الأب والابن يروي عن السائب بن يزيد.
السائب بن يزيد روى عنه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وروى عنه عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، الأب والابن اشتركا في الأخذ عن السائب بن يزيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الرحمن بن حميد كأبيه ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن السائب بن يزيد عن العلاء].
وقد مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما وصلت مكة قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قصرت، وأتممت، وأفطرت، وصمت، فقال: أحسنت يا
المقصود من إيراد الحديث: قولها فيه: (قصرت، وأتممت)، لكنه ليس واضح للترجمة؛ لأن الترجمة هي المدة التي يمكثها وله أن يقصر، وهذا ليس فيه ذكر المدة، ولا يتعلق بالمدة التي يمكثها الإنسان في البلد، وإنما كان في الطريق لما وصل إلى مكة، قالت: إنك فعلت كذا وكذا، وأنا فعلت كذا وكذا. وقد اختلف في ثبوت هذا الحديث، فمن العلماء من ضعف وتكلم فيه وقال: إنه منكر؛ لأن عائشة رضي الله عنها، ما يليق أنها تفعل فعلاً يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي معه، بحيث يفعل هو فعلاً، وهي تفعل شيئاً بخلافه، والذي ثبت عنها: أنها أتمت، ولكن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنها تأولت كما تأول عثمان، الذي مر بنا سابقاً، وأن أحسن ما قيل فيه: أنه رأى أن القصر إنما يكون فيما إذا كان سائراً، أو أنه فعل ذلك حتى لا يفهم الأعراب الذين يحضرون الموسم، أن القصر هو فرض الصلاة دائماً وأبداً، فقيل: إنها تأولت كما تأول عثمان، والذي قيل في تأولها: أنها رأت أنه لا يشق عليها، وأن القصر إنما هو من أجل المشقة، وهي ما رأت أنه ليس هناك مشقة، فتأولت هذا التأويل. وأما فعلها بحضرته ومعه عليه الصلاة والسلام، وكونها تخالفه، فهذا استبعده بعض أهل العلم، وقال: إن هذا يبعد من عائشة أن تفعل فعلاً يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً تكلم فيه من جهة عبد الرحمن بن الأسود هل سمع منها، أو لم يسمع؟ وبعض العلماء يثبت سماعه منها، وبعضهم يقول: إنه مرسل، وليس بسماع؛ لأنه لم يسمع منها، لكن بعض العلماء استبعدوا أن يكون ذلك منها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنها تفعل فعلاً يخالفه، والرسول عليه الصلاة والسلام هو القدوة والأسوة لأمته صلى الله عليه وسلم، والإتمام ثابت عنها بعد وفاته، ولهذا قال الراوي: تأولت كما تأول عثمان، وهذا هو الذي يناسب، كونها حصل منها اجتهادها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا ثابت في صحيح البخاري أنها تأولت كما تأول عثمان.
ومما أيضاً ذكر أنه جاء في بعض الروايات ولكن ليست عند النسائي أنها قالت: (في رمضان)، والرسول صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه أنه اعتمر في رمضان، اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربع عمر وكلها في ذي القعدة، وليس منها شيء في رمضان، ولما دخل مكة عام الفتح ما دخل معتمراً، وإنما دخل وعلى رأسه المغفر.
هو العابد الكوفي، وهو ثقة، خرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي نعيم].
وهو الفضل بن دكين الكوفي، فأبو نعيم كنيته اشتهر بها، ويأتي ذكره بالكنية كما هنا، ويأتي ذكره بالاسم فيقال: الفضل بن دكين، والفضل بن دكين ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقد قيل عن الفضل بن دكين: أن فيه تشيعاً، لكن جاء عنه ما يدل على سلامته من ذلك، وأنه قال: ما كتبت عني الحفظة أنني سببت معاوية، فالذي يقول هذا الكلام يسلم الله لسانه من أن يتكلم في معاوية، هذا يدل على سلامته مما رمي به، وأن لسانه سلمه الله من أن يتكلم في صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم معاوية، الذي الكلام فيه عند الرافضة من أسهل ما يكون، بل الزيدية أنفسهم لا يتورعون عن أن يسبوا معاوية، إن لم يسبوا الشيخين، ويتكلموا في الشيخين، ويسبوهما، فإن سب معاوية عندهم، وعند غيرهم من أسهل ما يكون، فالذي يقول: إنه ما كتبت عليه الحفظة أنه سب معاوية. معنى هذا يدل على سلامته، وأنه على طريقة أهل السنة الذين أكرمهم الله عز وجل بسلامة قلوبهم، وألسنتهم لأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام جميعاً، سلم الله قلوبهم وألسنتهم من أن تكون القلوب فيها شيء على الصحابة، وألسنتهم أن تتكلم بما لا يليق في الصحابة، بل قلوبهم مليئة بحب الصحابة، وألسنتهم تذكر الصحابة بالجميل وتثني عليهم، وتترضى عنهم، وتدعو لهم، وتعرف فضلهم وسابقتهم، وأنهم وعدوا الحسنى جميعاً، كما قال الله عز وجل: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، وأبو نعيم هو من كبار شيوخ البخاري الذين ما أدركهم بعض الأئمة بعد البخاري؛ لأنه توفي سنة مائتين وثمانية عشر، والنسائي ولد مائتين وخمسة عشر، فعمره عند وفاة الفضل بن دكين ثلاث سنوات، ولهذا يروي عنه بواسطة؛ لأنه ما أدركه، فهو من كبار شيوخ البخاري المتقدمين، وممن اشتهر بـأبي نعيم : الأصبهاني صاحب الحلية، وصاحب معرفة الصحابة، فهذا متأخر، لكنه مشهور بهذه الكنية أبو نعيم. وأما أبو نعيم الفضل بن دكين الذي هو من كبار شيوخ البخاري، فكانت وفاته سنة مائتين وثمانية عشر، أو مائتين وتسعة عشر.
[حدثنا العلاء بن زهير الأزدي].
وهو الأزدي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا عبد الرحمن بن الأسود].
هو عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي الصحابية الوحيدة التي أكثرت الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا فالذين عرفوا بكثرة الحديث عنه صلى الله عليه وسلم سبعة أشخاص: ستة رجال، وامرأة واحدة، هي أم المؤمنين عائشة، فهي من أوعية السنة، وممن حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، لاسيما الأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، أمور البيوت التي لا يعلمها إلا النساء فإن عائشة رضي الله عنها وأرضاها حفظت السنن الكثيرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في بيوته، وفي خارج بيوته مما يتعلق بالسنن التي لا يعلمها إلا أهل البيوت، وكذلك مما يعلمه أهل البيوت، وغير أهل البيوت، روت الكثير عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ورضي الله عنها وأرضاها.
أخبرني أحمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو نعيم ، قال: حدثنا العلاء بن زهير، قال: حدثنا وبرة بن عبد الرحمن، قال: (كان
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك التطوع في السفر، المقصود بذلك: الرواتب التي تسبق الصلاة وتلحق الصلاة، وأما النوافل المطلقة فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتنفل وهو على الراحلة، وقد مر بنا بعض الأحاديث التي تتعلق باستقبال القبلة عند التنقل على الراحلة، وأن هذا مما يعفى عنه، الإنسان يركب على الراحلة ويدخل في الصلاة وهو مستقبل القبلة، ثم تتجه دابته إلى الوجهة التي يريدها من أي الجهات، ويتنفل على الراحلة يوميء إيماءً وهو راكبٌ على راحلته.
المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحافظ على شيءٍ من الرواتب إلا على ركعتي الفجر والوتر، ركعتي الفجر كان يحافظ عليها دائماً وأبداً في الحضر والسفر، والوتر كذلك ما كان يتركه لا في الحضر ولا في السفر، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. فالمقصود من ترك التطوع الرواتب التي تسبق الصلاة المفروضة وتتبعها.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان لا يزيد على ركعتين في السفر)، يعني: لا يزيد على الرباعية ركعتين، فلا يصلي قبلها ولا بعدها، (فقيل له: ما هذا؟ قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع)، أي: أنه ما كان يتنفل قبل الراتبة ولا بعدها.
أحمد بن يحيى هو الذي تقدم، وأبو نعيم ، وكذلك العلاء بن زهير ، هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
[حدثنا وبرة بن عبد الرحمن ]
وبرة بن عبد الرحمن ثقةٌ، خرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
[كان ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وقام إلى طنفسةٍ كانت له فجلس عليها، والطنفسة: بساطٌ له خمل، فرأى أناساً يسبحون، يعني: يتنفلون؛ لأن التسبيح المقصود به هنا التنفل والصلاة، يعني صلاة النافلة يقال لها: سبحة، ولهذا يقال: سبحة الضحى، يعني: نافلة الضحى، فالتسبيح يطلق ويراد به قول: سبحان الله، ويطلق ويراد به صلاة النوافل، يقال لها: سبحة، أنه يسبح يعني يتنفل، (فرأى قوماً يسبحون)، يعني: يصلون نافلة بعد الصلاة، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يسبحون، يعني: يصلون، فقال: (صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين).
وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان ، يعني: صحبتهم وكانوا يفعلون كذا، أي: أنهم لا يزيدون في السفر على ركعتين، يعني: لا يتمون ولا يتنفلون، وقال: (لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها)، والسنة جاءت بالقصر، وأنها تصلى ثنتين، فلا ترفع إلى أربع، ولا يصلى قبلها ولا بعدها، (ولو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها)، لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتم ولا أنه تنفل، مع أن الإتمام أولى من التنفل، لو كانت القضية قضية الإتيان بزيادة في الركعات ولو كان ذلك سائغاً لكان الإتمام أولى من النافلة.
نوح بن حبيب ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا يحيى بن سعيد ].
هو يحيى بن سعيد القطان ، ثقةٌ ثبتٌ ناقدٌ متكلمٌ في الرجال جرحاً وتعديلاً، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم].
هو عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ثقةٌ، أخرج حديثه الجماعة إلا الترمذي، يعني: أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[حدثني أبي]
أبوه حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، وهو ثقةٌ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: كنت مع ابن عمر ].
ابن عمر رضي الله عنهما مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر