أخبرنا محمد بن سلمة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءةً طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءةً طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا حتى يفرج عنكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت في مقامي هذا كل شيءٍ وعدتم، لقد رأيتموني أردت أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم، ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها
يقول النسائي رحمه الله: نوع آخر من صفة الكسوف عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد سبق أن مر جملة من الأحاديث المتعلقة بكيفية صلاة الكسوف، وكلها ترجع إلى بيان صفة صلاة الكسوف؛ أي: أن غالبها يرجع إلى بيان صفة صلاة الكسوف على الوجه الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي أن صلاة الكسوف تصلى ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجدتان، وقد مر بعض الأحاديث التي فيها بيان كيفية صلاة الكسوف؛ وأن في كل ركعة ثلاثة ركوعات أو أربعة ركوعات، وما كان غير الركوعين في الركعة الواحدة فإنه يعتبر من قبيل الشاذ، وإنما الصحيح الثابت عنه ما كان على الكيفية التي كثرت فيها الروايات؛ وهي أن صلاة الكسوف تكون ركعتين، ويكون في كل ركعة ركوعان وسجدتان، ويكون في الصلاة أربعة ركوعات وأربع سجدات.
وقد أورد النسائي هنا حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وفيه تفصيل لصلاة الكسوف، وبيان لكيفيتها، [وأن الشمس خسفت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه قام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ قراءةً طويلة، ثم ركع، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قرأ قراءةً طويلة، ولكنها أقل من القراءة السابقة، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم أتى بالركعة الثانية مثل الركعة الأولى -إلا أنها تقل عنها- ثم قام وخطب الناس، وقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فصلوا حتى يفرج عنكم]، أي: حتى يكشف عنكم، وقال صلى الله عليه وسلم: [رأيت في مقامي هذا كل شيءٍ وعدتم به، ورأيت الجنة حين رأيتموني أردت أن آخذ منها قطفاً، ورأيت النار يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت ورأيت فيها ابن لحي]، وهو: عمرو بن لحي، [الذي سيب السوائب]، أي: أتى بتلك الأمور المنكرة، والأمور المحدثة التي هي تخصيص شيء من المال -الذي هو من الدواب- للأوثان، فكان هو أول من عمل هذا العمل، فرآه رسول الله عليه الصلاة والسلام في النار يعذب بها.
فهذه الكيفية التي بينتها عائشة رضي الله عنها، في فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام مشتملة على تفصيل وتوضيح لصلاة الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان، إلا أن القراءة والركوع في القيام الأول أطول من القراءة والركوع بعد الركوع الأول.
وفيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب الناس، وبين لهم شيئاً من الأمور التي تتعلق بهذه المناسبة، وبين أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وأنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما يغيرهما الله عز وجل، ويطري عليهما التغير ليخوف الله عباده بذلك؛ حتى يتذكروا. وهذين النيرين الله تعالى غير حالهما وبدل حالهما من الإضاءة إلى ضدها، فهو المتصرف في الكون كيف يشاء، فعلى العبد أن يخشى الله عز وجل، وأن يتوب إليه، وأن ينيب إليه، وأن يتذكر عظمة الله وجلاله، فيخشاه ويراقبه سبحانه وتعالى.
ثم قال: [رأيت في مقامي هذا كل شيءٍ وعدتم به]، وبين ذلك في الكلام الذي بعد ذلك، وهو موضح في بعض الروايات الأخرى، وهي أنه رأى الجنة، ورأى فيها عناقيد العنب متدلية، وجاء في بعض الروايات الصحيحة: أنه مد يده ليتناول قطفاً من العنب، ثم إنه ترك ولم يأخذ، وقال عليه الصلاة والسلام: (لو أخذت منه لأكلتم ما بقي في الدنيا)، أي: لو أخذ من هذا العنقود قطفاً من تلك العناقيد لأكل الناس من هذا القطف حتى تنتهي الدنيا، وهذا يبين لنا عظم نعيم الجنة، وأن هذا الشيء القليل منه يأكل الناس منه إلى نهاية الدنيا، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام ترك ذلك؛ حتى تبقى أمور الغيب غيباً، وأمور الآخرة غيباً، ولا تحصل في الدنيا، وحتى يتميز من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب؛ لأنه لو جاء نعيم الآخرة للدنيا، وحصل للناس في الدنيا، لم يتميز من يؤمن بالأمور المغيبة، ويصدق بوعد الله ووعيده، ومن لا يؤمن ولا يصدق؛ لأنه شيء مشاهد ومعاين، لكن الله عز وجل أخفى ذلك عن الناس.
ولهذا فإن رؤية الله عز وجل لم تحصل في الدنيا، وشاء الله عز وجل أن يكون حصولها في الآخرة؛ لأنها أكمل نعيم يحصل لأهل دار النعيم في الآخرة، ولم يشأ أن تكون في الدنيا؛ حتى تتميز الآخرة على الدنيا، حتى يكون للآخرة ميزة على الدنيا، وذلك أن رؤية الله أكمل نعيم، ومع ذلك فإن الله عز وجل جعلها تكون في الجنة لأهل دار النعيم، فلم يشأ أن تكون في الدنيا، ولو شاء لفعل، وقد جاء في الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا)، فهذا يبين لنا أن الله عز وجل جعل رؤيته لا تكون إلا في الآخرة.
ثم إنهم رأوه تأخر وتقهقر؛ وكان ذلك لأنه رأى النار يحطم بعضها بعضاً، ورأى من يعذب فيها، ورأى أن ممن يعذب فيها: عمرو بن لحي الخزاعي، الذي هو أول من سيب السوائب.
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى جده زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، الذي هو: أبو قصي بن كلاب، وأبو زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب، نسبةً إلى جد جده شهاب، فينسب إلى هذين الجدين، وهذا هو الذي يأتي ذكره كثيراً في الكتب وفي الأسانيد اختصاراً، وهو ثقة، فقيه، إمام، جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز في زمن خلافته، وفيه يقول السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
[أخبرني عروة بن الزبير].
هو ابن الزبير بن العوام، ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة المعروفين في عصر التابعين، وهم: عروة بن الزبير بن العوام، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وهؤلاء ستة متفق على عدهم من الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، فيأتي في الكتب أو يأتي في مسألة فقهية يقال: قال بها الفقهاء السبعة، فكلمة (الفقهاء السبعة) تعني: هؤلاء السبعة الذين هم من التابعين في هذه المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعروة بن الزبير حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الكثير من حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا سيما ما يتعلق في الأمور البيتية التي تكون بين الرجل وأهله، فإن هذه السنن وغيرها؛ أي: المتعلقة بالبيت وغير البيت، مما حفظته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي الصحابية الوحيدة التي تعتبر مكثرةً إكثاراً شديداً من رواية الحديث، وهم سبعة؛ ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة الواحدة هي عائشة رضي الله عنها، وهذا الإسناد مكون من ستة أشخاص؛ نصفه الأسفل مصريون، والنصف الأعلى مدنيون، فـمحمد بن سلمة، وابن وهب، ويونس بن يزيد الأيلي، هؤلاء مصريون، والزهري، وعروة، وعائشة، هؤلاء مدنيون.
وهذا الحديث فيه: دليل على أن الجنة والنار موجودتان الآن، وقد خلقتا ووجدتا، والوقت الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي فالجنة عرضت عليه، وكذلك النار عرضت عليه، فهذا يدل على وجودهما، وعلى أنهما قد خلقتا، لكن لا يعني أن خلقهما انتهى، وأنه لا يزاد فيها شيء بعد أن خلفت، بل لا يزال الله يُوجِد فيهما، ولهذا جاء في الحديث: من قال كذا غرس له كذا في الجنة، وحصل له كذا في الجنة، أو بني له بيت في الجنة، أو ما إلى ذلك، فالجنة موجودة، والنار موجودة، وقد خلقتا؛ لأن بعض المبتدعة يقول: إن الجنة والنار لا تخلقان إلا يوم القيامة؛ لأنهما كيف يخلقان ولا يستفيد أحد منهما؟! وهؤلاء الذين يعولون على العقول، ويبنون على ما يتخيل في عقولهم، وهذه الأحاديث تدل على وجودهما.
ثم هذا الكلام الذي قالوه: إنهما لا ينتفع بهما إلا يوم القيامة، هذا كلام باطل، بل يحصل الانتفاع في الدنيا، وكذلك الانتفاع قبل يوم القيامة، والتضرر قبل يوم القيامة، كما جاء في حديث البراء بن عازب في الذي يقبر، وأنه يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، ويفتح له باب إلى النار فيأتيه من عذابها وسمومها، فالتنعيم حاصل قبل يوم القيامة، والتعذيب حاصل قبل يوم القيامة، وكذلك ما قاله الله عز وجل عن آل فرعون: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، فهم يعذبون في النار قبل يوم القيامة، وهم في قبورهم يعذبون في النار، وكذلك ما جاء في أن شدة الحر هو من فيح جهنم وشدة البرد من زمهريرها مما يدل على وجودها، وقولهم: إنهما لا يستفاد منهما قبل يوم القيامة، وأن خلقهما عبث، فهذا كلام باطل؛ لأنه إذا جاءت النصوص فيجب التسليم، وهذه النصوص تبين بأن التنعم حاصل قبل يوم القيامة، والتعذيب حاصل قبل يوم القيامة.
هنا أورد النسائي حديث عائشة مختصراً، وفيه أنه لما خسفت الشمس -يأتي في بعض الروايات: كسفت، وبعضها: خسفت- فنودي في الصلاة: [الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعاتٍ في ركعتين، وأربع سجدات]، أي: أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان؛ لأن الركعات الأربع هي الركوعات، والركعتين يعني هي الركعة المستقلة التي فيها ركوع وسجود، فكل ركعة تشتمل على ركوعين وسجودين، فهذه كيفية مجملة، والرواية السابقة مفصلة، وموضحة للكيفية، وأن في هذه قراءة طويلة، ثم ركوع طويل، ثم كذا ثم كذا إلى آخره، فهذه مجملة، والتي قبلها مفسرة.
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راويه الحنظلي المشهور بـابن راهويه، وهو ثقة، ثبت، مجتهد، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[حدثنا الوليد بن مسلم].
هو الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، أي: يدلس ويسوي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأوزاعي].
هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، وهو ثقة، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
قد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
هنا أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه مثل ما في الرواية الأولى التي قبل السابقة، وهي الرواية الأولى من الروايتين الماضيتين السابقتين، وفيها التفصيل لصلاة الكسوف، وأن الإطالة تكون في القراءة في الأول، ثم يكون الركوع، ثم قراءةً بعده أقل، ثم الركعة الثانية مثل ذلك؛ إلا أنها أقل، ثم بعد ذلك كونه خطب الناس، وقال: [إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، ثم قال: فإذا رأيتموهما فادعوا، وكبروا، وتصدقوا]، وهذا فيه دلالةً على دعاء الله عز وجل مع الصلاة، وكذلك التصدق، وأنه يتصدق في هذه المناسبة، فعندما يحصل هذا الأمر، فإنه تشرع الصدقة كما جاء بهذا الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: [إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته]، وهذا فيه دليل على اتصاف الله عز وجل بالغيرة على ما يليق بكماله وجلاله سبحانه وتعالى، ثم قال عليه الصلاة والسلام: [لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً]، يعني: لو يعلمون ما علمه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطلعون على ما اطلع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، لقل ضحكهم وكثر بكاؤهم؛ لما يرونه من الأهوال، والأفزاع، والأمور التي تجري من أمور الغيب التي يُطلع الله عليها رسوله، ولم يطلعهم عليها، ومن ذلك هذا الذي حصل في صلاة الكسوف، حيث رأى الجنة، ورأى النار يحطم بعضها بعضاً، ورأى الذين يعذبون فيها، والله عز وجل أخفى ذلك عن الناس؛ لأنهم رأوا يده ممدودة، وما رأوا الذي مدت إليه اليد، ورأوه تأخر، وما رأوا الشيء الذي تأخر عنه وهي النار، فهو قال عليه الصلاة والسلام: [لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً]، يعني: يقل ضحكهم ويكثر بكاؤهم لما يشاهدونه، ولما يسمعونه.
ومن ذلك ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بعذاب القبر، فإن الله تعالى أطلع عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يطلع الناس عليه، وقد جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فهو عليه الصلاة والسلام يسمع، وأطلعه الله على ما يجري في القبور. ولما مر بالقبرين كما جاء في الحديث المتفق على صحته، قال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)، فهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: [لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو ابن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة، المعروفة بمذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه عن عائشة].
هنا أورد النسائي حديث عائشة، وفيه أيضاً تفصيل صلاة الكسوف على الكيفية التي مرت في الروايتين السابقتين المفصلتين لكيفية صلاته صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: [إنها جاءتها امرأة من اليهود، وقالت: أجارك الله من عذاب القبر]، ولم تكن عائشة رضي الله عنها تعلم شيئاً عن ذلك، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال: [عائذاً بالله]، أي: أعوذ بالله، [ثم إنه خرج مخرجاً، وخسفت الشمس، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بالناس تلك الصلاة التي جاء بيانها]، ثم قال في خطبته أو مما جاء في خطبته: [إن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال]، ثم قالت: [رأيناه بعد ذلك يتعوذ بالله من عذاب القبر]، وهذا الذي جاء في هذا الحديث من ذكر هذه اليهودية وقولها: [أجارك الله من عذاب القبر]، فيه: أن عذاب القبر كان مبيناً في الشرائع السابقة؛ لأنها قالت ذلك لما هو موجود في شريعتهم، وأيضاً وقد جاء مبيناً في سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل قد جاء مبيناً في القرآن في قول الله عز وجل: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر:46]، فإن هذا عذاب القبر، فإنهم يعرضون على النار، أي: في القبر، فعذاب القبر حق ثابت في الكتاب والسنة، وهو أيضاً موجود في الشرائع السابقة، ثم فيه: أن النبي خرج مخرجاً، يعني: خرج من بيته، فكسفت الشمس، فجاء وصلى، [فخرجنا إلى الحجرة]، أي: في الرواية الأخرى: (أنه بين الحجرة)، أي: حول الحجرة، التي هي المسكن التي هي حجرة عائشة رضي الله عنها.
وقوله: [فاجتمع إلينا نساء، وأقبل إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ضحوة].
هذا فيه: أن الكسوف حصل في النهار ضحى ذلك اليوم.
وهذا الحديث مشتمل على بيان أن الناس يفتنون في قبورهم كفتنة الدجال.
وقوله: [فلما انصرف قعد على المنبر].
وكلمة [قعد] لا أدري ما المراد به هل المراد به، القعود الحقيقي الذي هو الجلوس أو أنه كان على المنبر؟ والمعروف عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يخطب قائماً.
مر ذكره قريباً.
[عن ابن وهب].
كذلك مر ذكره.
[عن عمرو بن الحارث].
هو المصري، ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد].
هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو من صغار التابعين.
[أن عمرة حدثته].
هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية، أكثرت من الرواية عن عائشة، وهي ثقة، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[أن عائشة حدثتها].
عائشة قد مر ذكرها.
وهذا الإسناد فيه محمد بن سلمة، وعبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وهؤلاء مصريون، وفيه يحيى بن سعيد، وعمرة بنت عبد الرحمن، وعائشة، وهؤلاء مدنيون، فثلاثة مصريون، وثلاثة مدنيون.
أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا يحيى بن سعيد هو الأنصاري سمعت عمرة قالت: سمعت عائشة تقول: (جاءتني يهودية تسألني فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله! أيعذب الناس في القبور؟ فقال: عائذاً بالله، فركب مركباً يعني. وانخسفت الشمس، فكنت بين الحجر مع نسوة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من مركبه، فأتى مصلاه فصلى بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام قياماً أيسر من قيامه الأول، ثم ركع أيسر من ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فقام أيسر من قيامه الأول، ثم ركع أيسر من ركوعه الأول، ثم رفع رأسه فقام أيسر من قيامه الأول، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات، وانجلت الشمس، فقال: إنكم تفتنون في القبور كفتنة
هنا أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، ومشتمل على ما اشتملت عليه الطريقة السابقة، وفيه بيان كيفية صلاة الكسوف وتفصيلها كما جاء مبيناً في الرواية السابقة.
هو الفلاس، المحدث، الناقد، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
هو القطان، المحدث، الناقد، الثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة].
هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا، وهم يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، وعائشة، ويحيى بن سعيد الأول هو القطان، ويحيى بن سعيد الثاني هو الأنصاري المدني، والأنصاري المدني من صغار التابعين الذين هم من طبقة الزهري.
أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: [أنه صلى بهم الكسوف في صفة زمزم أربع ركعات وأربع سجدات]، أي: أربع ركوعات، وأربع سجدات، أي: ركعتين.
والحديث صحيح إلا ذكر [صفة زمزم] فإن هذه تعتبر شاذة؛ لأن غير النسائي، بل الرواية المتقدمة التي هي من طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة، ليس فيها ذكر الصفة، والرسول صلى الله عليه وسلم المعروف أن الشمس كسفت مرةً واحدة، وكان ذلك في المدينة، ولم يأت فيه شيء من الروايات أن ذلك حصل بمكة أو في غيرها، فتكون هذه الرواية التي جاءت في هذا الإسناد شاذةً، أي: حصل وهم بها، وخطأ من بعض الرواة، والغالب أن هذا حصل من عبدة بن عبد الرحيم؛ لأن الإسناد كما هو معلوم جاء في الإسناد المتقدم من طريق الأنصاري عن عمرة عن عائشة، وليس فيه ذكر الصفة، ولم يأت ذكر الصفة إلا عن النسائي في هذه الرواية، وغير النسائي في الصحيحين وفي غيرهما ما جاء ذكر الصفة، والمعروف أنه لم تحصل صلاة الكسوف إلا مرةً واحدة في زمنه عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك يوم مات إبراهيم فقط.
هو عبدة بن عبد الرحيم المروزي، نزيل دمشق، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
[أخبرنا ابن عيينة].
هو سفيان بن عيينة الهلالي المكي، وهو ثقة، ثبت، إمام، حجة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة].
قد مر ذكرهم.
هنا أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو مشتمل على تفصيل كيفية صلاة الكسوف، وهي مثل التفصيل الذي جاء في روايات حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومشتمل على بيان أن هذا الاعتقاد، أو هذا الظن الذي هو أن الشمس والقمر ينكسفان لموت عظيم، فأخبر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنهم كانوا يقولون ذلك، وأن هذا من الأمور التي تقال في الجاهلية، وأن الكسوف والخسوف للشمس والقمر إنما هو من الله عز وجل يخوف الله تعالى به عباده، وأنهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته.
وقوله: [كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر].
هذه الرواية تدل على أن الكسوف كان في الصيف، وأنه في وقت شدة الحر، والرواية السابقة عن عائشة تدل على أنه حصل في الضحى.
هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا أبو علي الجنفي].
هو أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد البصري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام صاحب الدستوائي].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ويقال له: صاحب الدستوائي، وأصل النسبة أنه كان يبيع الثياب التي تأتي من بلدة دستواء، فيقال: الدستوائي، ويقال: صاحب الدستوائي، أي: صاحب الثياب الدستوائية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي الزبير].
هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر بن عبد الله].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر