أخبرني عمرو بن عثمان حدثنا الوليد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم أن عمه حدثه أنه: (خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين فقرأ فجهر)].
يقول النسائي رحمه الله: باب تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء. ويريد بهذه الترجمة رحمه الله تعالى أن الإمام عندما يخطب الناس ويذكرهم في الاستسقاء يتحول إلى القبلة، ويحول رداءه إذا أراد أن يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: [أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي فحول رداءه وحول للناس ظهره ودعا، ثم صلى ركعتين وقرأ فجهر]. فالحديث واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف من جهة أنه يستقبل القبلة، ويستدبر المأمومين، ويدعو، وعند هذه الحال يحول رداءه، فيجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين. ففيه: مشروعية التحول إلى القبلة، واستقبالها في الدعاء. وفيه: تحويل الرداء؛ وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين بدون تنكيس، وإنما بتحويل ما يكون على اليمين على الشمال، وما كان على الشمال على اليمين. وفيه: أن صلاة الاستسقاء ركعتين، وأن فيها قراءة، ويجهر بالقراءة، وصلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد. وفيه: أنه بعدما استسقى ودعا، وحول إلى الناس ظهره، وحول رداءه، أنه صلى ركعتين.
وهذا قد يفهم منه أن صلاة الاستسقاء إنما تكون بعد الدعاء، وبه قال بعض العلماء، ومنهم من يقول: بأن صلاة الاستسقاء تقدم على الخطبة كما يكون في العيدين، ومعلوم أن الحديث الذي فيه عن أبي سعيد الخدري، وإنكاره على مروان أنه قدم الخطبة على الصلاة، فهذا اللفظ في هذا الحديث استدل به بعض أهل العلم على أن صلاة الاستسقاء تؤخر فيها الصلاة عن الدعاء والخطبة، ومن العلماء من قال: إن الصلاة تقدم كما هو بالنسبة للعيدين، ولكن هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على الجواز.
هو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. أي: أخرج له أصحاب السنن إلا الترمذي.
[حدثنا الوليد].
هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس والتسوية، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة، المشهور بـابن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، فاضل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، ويلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم بـكلاب، وقصي وزهرة أخوان، وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى جده زهرة بن كلاب فيقال: الزهري، وأيضاً مشهور بالنسبة إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو جد جده، والزهري محمد بن مسلم ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه في زمن خلافته بتدوين السنة، وفيه يقول السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
والمراد بالتدوين: التدوين بتكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بجهود فردية، وبأعمال شخصية كان موجوداً من قبل، فإن الصحابة فيهم من كان يكتب، وكذلك في التابعين قبل خلافة عمر بن عبد العزيز، ولكن الذي فعله عمر هو اجتهاد السلطان ولي الأمر، وتكليفه لبعض الناس بأن يقوم بجمع السنة، وكان عمر بن عبد العزيز قد كلف الزهري بهذه المهمة العظيمة.
[عن عباد بن تميم].
هو عباد بن تميم المازني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن عمه].
هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري، وهو عمه أخو أبيه لأمه؛ أخو تميم لأمه، فهذه هي جهة العمومة التي بينه وبينه، وقد مر في الأحاديث التنصيص على اسمه، وهو أنه يروي عن عبد الله بن زيد بن عاصم، وهنا قال: عن عمه، والمراد به: عبد الله بن زيد بن عاصم، وهو صحابي مشهور، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وصلى ركعتين، وقلب رداءه)].
هنا أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي تقليب الإمام الرداء عند الدعاء عند الاستسقاء، والمراد من هذه الترجمة: تحويل الرداء بحيث يكون ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه الذي تقدم، ولكنه أورده من طريق أخرى، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج للاستسقاء صلى ركعتين، وحول رداءه ودعا.
وقيل: إن هذا العمل فيه تفاؤل بأن يقلب الله من حال إلى حال؛ أي: من حال الجدب والقحط إلى الخصب والرخاء، والحديث دال على ما ترجم له المصنف من التحويل، وقلب الرداء، وجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هنا غير منسوب، وهو يسمى المهمل في علم المصطلح؛ كونه يذكر الشخص ولا ينسب، فيكون محتملاً لعدة أشخاص، وسفيان هو ابن عيينة؛ لأن قتيبة لا يروي إلا عن ابن عيينة، ولا يروي عن الثوري، ليس له روايةً عن الثوري، وليس الثوري من مشايخه، والثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وقتيبة ولد سنة مائة وخمسين في السنة التي مات فيها أبو حنيفة، وولد فيها الشافعي، وأما سفيان بن عيينة فكانت وفاته بعد التسعين ومائة؛ مائة وسبع وتسعين، أو قريب من ذلك، فهو عندما يأتي قتيبة يروي عن سفيان فالمراد به ابن عيينة، ولا يراد به الثوري، فالإهمال ليس فيه إشكال ولا فيه لبس؛ لأن قتيبة ليس من مشايخ الثوري، بل من مشايخ ابن عيينة، وسفيان بن عيينة الهلالي المكي ثقة، ثبت، حجة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن أبي بكر].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عباد بن تميم].
قد سبق أن مر بنا هذا الإسناد، وأن سفيان روى الحديث من طريقين: من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم، ومن طريق أبي بكر الذي هو والد عبد الله، وكل من أبي بكر وابنه عبد الله يرويان عن عباد بن تميم، وعباد بن تميم وعمه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني مر ذكرهما.
أخبرنا قتيبة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يقول: سمعت عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة)].
أورد النسائي هذه الترجمة؛ وهي متى يحول رداءه في الاستسقاء؟ أي: ما هو الوقت الذي يحول فيه الرداء؟ أو ما هي الحالة التي يحول عندها الرداء؟ وأورد فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني من طريق أخرى، وفيه أنه استسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة؛ أي: أنه عندما استقبل القبلة وتحول من جهة المأمومين إلى جهة القبلة، وحول إليهم ظهره، في تلك الحال حول رداءه، إذاً: حول رداءه عندما استقبل القبلة، وولى ظهره للمأمومين، فهذه هي الحال التي تحول فيها الرداء، أو الوقت الذي يحول فيها الرداء، بحيث يجعل ما على اليمين على الشمال، وما على الشمال على اليمين.
مر ذكره في الإسناد الذي قبل هذا.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، أحد الثقات الأثبات، الذي قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: رأس المتقنين؛ أي: أنه قمة في الإتقان والحفظ، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
ومذاهب أهل السنة أربعة، ليس من مذاهب أهل الحق سوى هذه الأربعة، التي تنتسب إلى السنة، وليس وراءها مذاهب أخرى؛ كمذاهب المبتدعة الآخرين الذين يقولون: إن مذاهبهم مثل مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، لا، ليس الأمر كذلك، بل هذه مذاهب أهل السنة، أي: الأئمة الذين جمعت مذاهبهم وأقوالهم، ولا يعني ذلك أن غيرهم من الأئمة والعلماء ليسوا من أهل الاجتهاد، وليسوا من أهل العلم، بل ما أكثر العلماء في زمانهم، وقبل زمانهم، الذين هم مثلهم، ولكن الفرق بين هؤلاء وغيرهم: أن هؤلاء حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، وتركيبه، وتنظيمه، وأما غيرهم فما حصل لهم مثل ما حصل لهؤلاء، وإلا فإن الكل أئمة أجلة منهم: سفيان الثوري، ومنهم إسحاق بن راهويه، ومنهم الليث بن سعد، ومنهم الأوزاعي، فهم أئمة كثيرون، وهم من أهل الاجتهاد، وأهل الفقه.
وإنما قيل لهذه المذاهب الأربعة: المذاهب الأربعة؛ لأن الأئمة الأربعة حصل لهم أتباع عنوا بفقههم، ولكن لا يعني أن الحق لا يعدوهم، وأنه يجب أو يلزم تقليد واحد منهم، بل الواجب هو البحث عن الحق، والبحث عن الدليل، والسؤال عن الدليل، وهذا به الأخذ بوصايا الأئمة الأربعة؛ لأن كل واحد منهم حث على أن تتبع السنة، وإذا وجد له قول قد جاء حديث صحيح بخلافه، فإن العبرة بالحديث وليس بقوله.
فكل واحد من الأئمة جاء عنه نصوص جميلة، نصوص واضحة جلية يوصون بها باتباع السنن، والأخذ بما ثبتت به السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكان مما نقل عن الإمام الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أن يدعها لقول أحد كائناً من كان، لكن لا يعني هذا أن يحصل جفاء للأئمة، وإعراض عن فقههم، والنيل منهم، أبداً، وإنما الواجب هو محبتهم، والثناء عليهم، وتقديهم، وإجلالهم، والاستفادة من علمهم، ومعرفة أنهم لا يعدمون الأجر أو الأجرين، من اجتهد منهم فأصاب فله أجران: أجر على الاجتهاد، وأجر على الإصابة، ومن اجتهد منهم فأخطأ، فخطؤه مغفور، وله أجر على اجتهاده، هذا هو الواجب في حق الأئمة، لا غلو، ولا جفاء، لا يقال: إن مذهب فلان هو الحق الذي لا شك فيه، وأنه هو الذي معه الدليل، وأنه هو قوله الذي يعتمد وغيره ليس كذلك، لا يقال هذا، وإنما يقال: كل واحد منهم يخطئ ويصيب، فالحق وسط بين الإفراط والتفريط، فطرفا الحق وسط بينها، هذا هو الواجب في حق الأئمة رحمة الله عليهم.
ولهذا يقول الطحاوي رحمة الله عليه في عقيدة أهل السنة: وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من اللاحقين، أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. فقوله: فأهل الخبر والأثر -الذين هم المحدثون- أو من أهل الفقه والنظر -الذين هم الفقهاء- لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.
ثم إن الذي يذكرهم بسوء، ويجفو فيهم، ويتكلم فيهم بما لا ينبغي، هذا لا يضرهم شيء، وإنما يضر نفسه، ويجني على نفسه، ويجلب الإثم على نفسه، وإنما الحق هو الاعتدال والتوسط؛ محبتهم، وتقديرهم، وإجلالهم، والرجوع إلى كتبهم، والاستفادة من علمهم.
والإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه كان يحدث في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان مما قاله: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المعصوم، هو الذي لا بد من توحيده في المتابعة.
ويقول شارح الطحاوية: إن هناك توحيدين لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل، توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل وهو الله عز وجل بالعبادة، وإخلاص العبادة لله عز وجل، وهذا هو معنى الكلام المأثور عن بعض العلماء: أن دين الإسلام مبني على ركنين أساسيين لا بد منهما: أن تكون العبادة لله خالصة، وأن تكون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام موافقة، وهذا هو معنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله عليه الصلاة والسلام، فلا بد من تجريد الإخلاص لله وحده، وذلك بإخلاص العبادة لله وحده، ولا بد من تجريد المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، فهو الذي يجب اتباعه، والأخذ بما جاء عنه، وأن الحق معه، وأنه هو المعصوم عليه الصلاة والسلام، إذاً: توحيدان لا نجاة للعبد إلا بهما: توحيد الرسول، وتوحيد المرسل؛ توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتوحيد المرسل -وهو سبحانه وتعالى- بإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
[عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم].
قد مر ذكرهم.
أخبرنا هشام بن عبد الملك أبو تقي الحمصي حدثنا بقية عن شعيب عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه رضي الله تعالى عنه أنه: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل القبلة، وقلب الرداء، ورفع يديه)].
النسائي أورد هذه الترجمة، وهي رفع اليدين في الاستسقاء؛ أي: أنه يرفع يديه في الاستسقاء عندما يدعو، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه من طريق أخرى، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى قلب رداءه، واستقبل القبلة، ورفع يديه، ففيه دليل على رفع اليدين في الاستسقاء في الدعاء، وأن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه بذلك، وهذا من المواطن التي ترفع فيها الأيدي في الدعاء، وفيه أيضاً الذهاب إلى المصلى، وكان لا يرفع يديه في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام، ولكنه عندما استسقى في الجمعة، وفي خطبة الجمعة، رفع يديه، فدل هذا على أنه عند الاستسقاء، سواءً كان في خطبة الجمعة، وسواءً كان ذلك في الدعاء في المصلى، فترفع الأيدي، وأن ذلك سنة ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شعيب].
هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه].
هؤلاء الثلاثة مر ذكرهم.
أخبرنا شعيب بن يوسف عن يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه)].
أورد النسائي هذه الترجمة: كيف يرفع؛ أي: كيف يرفع اليدين في الاستسقاء، وأورد فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه إلا في الاستسقاء، فإنه رفعهما حتى رؤي بياض إبطيه عليه الصلاة والسلام، وهذا يدل على ثبوت رفع اليدين في الاستسقاء، وعلى بيان الكيفية، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه.
وقوله: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء] أي: هذا فيه نفي رفع اليدين في غير الاستسقاء، ولكنه قد جاء في أحاديث كثيرة ثبوت رفع اليدين في مواضع، فيمكن أن يوفق بين ما جاء في هذا الحديث، وبين ما جاء في غيره: أن أنساً رضي الله تعالى عنه قال: [كان لا يرفع يديه في شيءٍ من الدعاء إلا في الاستسقاء أن النفي] هنا على اعتبار علمه، وأنه لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، وغيره علم رفع اليدين في مواضع جاءت في الأحاديث المختلفة المتعددة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيحمل النفي على حسب علمه، ولا ينافي كون غيره أثبت ذلك، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، فيحمل على هذا.
أو يحمل على أن أنساً رضي الله عنه لم يرد بقوله: [كان لا يرفع يديه]، مجرد الرفع، وإنما أراد الوصف الذي أشار إليه بقوله: [فإنه كان يرفعهما]، أي: أنه يبالغ في رفعهما، فيكون النفي محمولاً على نفي الصفة الخاصة، وليس لمجرد الرفع، وبهذا يوفق بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث، ثم أيضاً دعاء الاستسقاء جاء فيه صفة تخصه، فلعل هذا أيضاً مما أشار إليه أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان عندما يرفع يديه في الأدعية المختلفة فيجعل بطونها إلى السماء، وأما في الاستسقاء فإنه يجعل ظهورها إلى السماء وبطونها إلى الأرض، فتكون على هذا الدعاء في الاستسقاء ورفع اليدين في الاستسقاء، له خصيصة يتميز بها عن سائر الأدعية، وذلك أنه لم يثبت في حديث من الأحاديث أن ظهور الأكف تكون إلى السماء، وبطونها إلى الأرض إلا في الاستسقاء، فيكون هذا مما لم يحصل، ولم يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا في الاستسقاء، فتكون الهيئة الخاصة هي التي أشار إليها أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أي: المبالغة في الرفع.
ولعل آخر الحديث يشعر إلى ما أراده أنس بن مالك من النفي؛ لأن قوله: [فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه]، يوضح أنه يقصد أن النفي لهذه الهيئة، وإلا كان يمكنه أن يقول: أنه ما كان يرفع يديه إلا في الاستسقاء، ولكنه قال: فإنه كان يرفع حتى كذا، إذاً هو يشير إلى هيئة خاصة.
هو النسائي، أي: هو من بلد النسائي، وهو شيخ النسائي، وهو من أهل بلده، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يحيى بن سعيد القطان].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو محدث، ثقة، ثبت ،ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكلامه في الرجال كثير، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، كثير التدليس، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. وهو من أثبت الناس في قتادة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس بن مالك].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث آبي اللحم الغفاري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام: [أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحجار الزيت يستسقي وهو مقنعٌ يديه يدعو]، يعني: رافع يديه يدعو، فالشاهد للترجمة قوله: [يكفيه يدعو] وهو مقنع.
قد مر ذكره.
[حدثنا الليث].
هو ابن سعد المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، إمام، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن خالد بن يزيد].
هو الجمحي المصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي هلال].
هو مصري أيضاً، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد بن عبد الله].
هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، وهو ثقة مكثر، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وهو كثيراً ما يأتي ذكره منسوباً إلى جده الهاد، فيقال: ابن الهاد، وكثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث: ابن الهاد، وأحياناً يأتي ذكره باسمه واسم أبيه، كما جاء هنا..
[عن عمير مولى آبي اللحم].
هو صحابي شهد خيبر، وحديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن آبي اللحم].
آبي اللحم، كلمة (آبي) هذه على وزن فاعي؛ أبى يأبى فهو آب على وزن فاعي آبي، وهو بمعنى: من يأبى الشيء لا يريده، ويمتنع منه، ويقال له: آبي اللحم، يعني إنه لا يريد اللحم، أو ممتنع عن اللحم، وقالوا في سبب تسميته: أنه كان يأبى اللحم الذي يذبح للأصنام، فقيل له: آبي اللحم، وصار لقباً له، واسمه خلف، وقيل: غير ذلك، وهو غفاري، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: [أن رجلاً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وطلب منه أن يستسقي، فرفع يديه قبل وجهه، واستسقى]، ومحل الشاهد قوله: [حذاء وجهه]؛ لأن فيه كيفية رفع اليدين، أو الدلالة على ما ترجم له، وهي: كيف يرفع، ثم إن الله أنزل المطر، وهم في المسجد، واستمر المطر إلى الجمعة الأخرى، حتى لما كان يخطب في الجمعة الثانية، وإذا رجل يقول: [ادع الله أن يمسك السماء عنا]، وقال: [لا أدري هل هو الرجل الأول أو غيره؟] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [اللهم حوالينا ولا علينا، ولكن على الجبال، ومنابت الشجر]، فهذا فيه الأدب في الدعاء، ما قال: اللهم أمسك عنا الماء، وإنما قال: [اللهم حوالينا ولا علينا]، يعني: المطر يبقى وينزل، ولكنه ما يكون على بلدنا، وإنما يكون في البراري والفلوات، وعلى منابت العشب، وعلى بطون الأودية والآكام، ومنابت الشجر، فهذا هو الأدب مع الله عز وجل، وكون الإنسان لا يستغني عن رحمة الله، وعن فضل الله، لا يطلب رفعه، ولكنه يقول: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على بطون الأودية، ومنابت الشجر.
فتقطع السحاب، وتقشع، وصارت السماء صحواً بعد أن دعا رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجمعة الثانية، والحديث سبق أن مر، ولكنه أورده هنا من أجل الاستدلال به على الرفع، وأنه قبل وجهه عندما رفع يديه يستسقي في خطبة الجمعة.
هو التجيبي المصري، ولقبه زغبة، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[أخبرنا الليث].
قد مر ذكره.
سعيد هو ابن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر].
شريك بن عبد الله بن أبي نمر صدوق يخطئ، وحديثه أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي في الشمائل، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه]
قد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر