أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: قلت عن أبيه، قال: نعم عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة، والعيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وإذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم قرأ بهما)].
يقول النسائي رحمه الله: اجتماع العيدين وشهودهما، يريد بالعيدين: العيد السنوي الذي هو: الأضحى، أو الفطر، وعيد الأسبوع الذي هو: الجمعة، هذا هو المراد بالعيدين اللذين يجتمعان؛ لأن الجمعة هي يوم عيد الأسبوع، وقد شرع للناس فيها تلك الصلاة الخاصة، التي هي ركعتان ويسبقها خطبتان، وشرع للناس في السنة عيدان هما: عيد الأضحى وعيد الفطر، فإذا صار يوم عيد الأضحى، أو عيد الفطر، يوم جمعة، يكون قد اجتمع عيدان.
وقد أورد النسائي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الجمعة، بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وكذلك في العيد، وإذا اجتمعا فإنه يقرأ فيهما جميعاً)، يعني: يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، ويقرأ فيهما بهاتين السورتين، يعني: سورة سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.
فالحديث يدل على أنه عندما يجتمع العيدان، عيد السنة وعيد الأسبوع، بأن يكون يوم عيد الفطر أو عيد الأضحى يوم الجمعة، فيكون قد اجتمع عيدان، وحينئذ يقرأ في كل من صلاتي العيد وصلاة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وأيضاً يدل على شهودهما، وهو أن الإنسان عندما يجتمع يوم عيد ويوم جمعة يصلي العيد، ثم يصلي الجمعة، يحضر صلاة العيد في المصلى، وإذا جاء وقت الجمعة يحضرها، فهذا هو المقصود بقوله: شهودهما.
وهذا هو الذي يقتضيه الحديث، وهذا هو الذي يدل عليه الحديث، فهو يدل على أنه إذا وافق العيد يوم الجمعة، فإن من صلى العيد ينبغي له أن يحضر الجمعة، لكن وردت بعض الأحاديث الدالة على أن من حضر العيد فإنه يرخص له أن يتخلف عن الجمعة، لكن يصليها ظهراً، فالتجميع يحصل؛ ولكن لا يلزم كل أحد أن يحضر كسائر الأيام؛ لأن الجمعة يلزم حضورها؛ لكن إذا اجتمع عيد السنة مع عيد الأسبوع فإن من حضر العيد يرخص له أن يتخلف عن حضور الجمعة، لكن حضورها مع حضور العيد هو الأولى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما بأن يصلي العيد ثم يصلي الجمعة، ولكنه جاء عنه أن من أراد أن يحضر يحضر، وأن من أراد أن يتخلف فله ذلك، لكن لا بد أن يصلي ظهراً؛ لأن اليوم والليلة فيها خمسة فروض، لا يسقط فرض منها في أي حال من الأحوال.
وهو المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن جرير].
هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
وهو إبراهيم بن محمد بن المنتشر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إبراهيم بن محمد بن المنتشر أبوه محمد بن المنتشر.
والذي قال عن أبيه هو محمد بن قدامة، أي: أن إبراهيم يروي عن أبيه، والذي سأل هو محمد بن قدامة شيخ النسائي، والمسئول هو شيخه جرير، لما حدثه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قال له محمد بن قدامة: عن أبيه؟ قال: نعم، ومحمد بن المنتشر، وابنه إبراهيم بن محمد بن المنتشر، كل منهما ثقة، وكل منهما خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب بن سالم].
وهو مولى النعمان بن بشير وكاتبه، وهو لا بأس به، وهو بمعنى: صدوق، وهي تعادل صدوق، فحديثه يعتبر حسناً، إذا جاء منفرداً وليس له ما يعضده فإنه يكون من قبيل الحسن، وهو الذي خف ضبطه عن أن يكون ثقة، وكان دونه، ولكن حديثه معتمد ومقبول. لكن في اصطلاح يحيى بن معين إذا قال: (لا بأس به)، فهي تعادل عنده ثقة، وهذا اصطلاح خاص بـيحيى بن معين؛ لأن كلمة (لا بأس به) عند يحيى بن معين توثيق، تعادل ثقة عند غيره، فإذا جاء أو وجد في ترجمة بعض الأشخاص الثقات الأثبات كلمة (لا بأس به)، فلا يستغرب ذلك؛ لأن كلمة (لا بأس به) في اصطلاح يحيى بن معين بمعنى: ثقة، لكن في اصطلاح غيره هي بمعنى: صدوق، أي: ممن خف ضبطه، ونقص عن درجة الثقة، لكن حديثه معتبر، وحديثه مقبول، وهو يعتبر من قبيل الحسن، وإذا وجد ما يعضده ينتقل أو يرتقي من الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.
وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن النعمان بن بشير].
وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي ابن صحابي، وهو من صغار الصحابة، توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، وقد تحمل الحديث عن رسول الله، وروى أحاديث بلفظ (سمعت)، عبر فيها بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ممن تحمل في صغره، وأداه في حال كبره، وهذا معتمد، ومعتبر عند المحدثين أن الراوي الصغير يتحمل في حال الصغر، ويؤدي في حال الكبر، وكذلك الكافر إذا أسلم يتحمل في حال كفره، ثم إنه بعدما يسلم، يتحدث عن أشياء حصلت، أو سمعها في حال كفره، فالعبرة بوقت الأداء، لا بوقت التحمل، فإذا كان مسلماً وكبيراً في حال التأدية، فإن حال التحمل لا تؤثر، إذا كان تحمل وهو كافر، أو تحمل وهو صغير؛ لأن الأحاديث التي تحملها النعمان بن بشير رضي الله عنه، تحملها وهو صغير؛ لأن عمره حين وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كان ثمان سنوات، وقد روى أحاديث منها ما قال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث المشهور المتفق على صحته: (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)، وهو حديث عظيم، قال فيه النعمان بن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم بعض الأحاديث التي يرويها صغار الصحابة هي مراسيل، ولكن مراسيل الصحابة حجة، ومعتمدة؛ لأنهم غالباً لا يروون إلا عن الصحابة، وإذا رووا عن غير الصحابة بينوا ذلك، فلا محذور في رواياتهم إذا رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم صغار، وليست مشتملة على: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تكون من قبيل المرسل الذي أخذ عن الصحابة، لكن إذا قال (سمعت)، فإنه ليس هناك واسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والنعمان بن بشير رضي الله عنه وعن أبيه صحابي ابن صحابي، وهو صاحب القصة المشهورة، وهي: أن أمه طلبت من أبيه أي: بشير أن يعطيه شيئاً، وأن يخصه به، وأن ينحله نحلة يتميز بها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره وقال: (أكل ولدك أعطيته مثل هذا؟ قال: لا)، يقوله لوالد النعمان بن بشير، فقال: (لا تشهدني على جور، أشهد على هذا غيري، اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فإن هذا الخطاب لـبشير والد النعمان، والذي أعطي المنحة بطلب من والدته، فهو صحابي ابن صحابي، وحديثه في الكتب الستة.
أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن إياس بن أبي رملة قال: (سمعت
أورد النسائي بعدما أورد اجتماع العيدين، أي: الجمعة وعيد الأضحى، أو الفطر وشهودهما، وأنه يصلى العيد ويصلى الجمعة، ويجمع بين صلاة العيد، وصلاة الجمعة في نفس اليوم، ولا تسقط صلاة الجمعة بل تصلى، ولكن لا يلزم كل أحد بحضورها، بل من شهد العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة في ذلك اليوم؛ لأنه حصل الاجتماع العام.
ومما يستدلون به على ذلك: الحديث الذي مر بنا، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج العواتق، وذوات الخدور، وكذلك الحيض، يخرجن إلى المصلى، ويعتزلن المصلى، يحضرن الخير، ودعوة المسلمين، فهذا الحديث يدل على التخلف عن صلاة الجمعة لمن حضر العيد.
وفي هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه سأل زيد بن أرقم: (أشهدت عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ قال: نعم، فصلى العيد في أول النهار ثم رخص في الجمعة)، يعني: رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة، لكن لا يعني أن الجمعة تترك، بل يجمع الإمام، وقد جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما صلى العيد: (إنا مجمعون، فمن أراد أن يحضر فليحضر، وإلا فإنه لا شيء عليه) فأخبرهم بأنه يجمع، وأنه سيصلي الجمعة، وبين أن من أراد أن يتخلف، فإن له حق التخلف؛ لأنه قد حضر العيد، فقال: رخص في الجمعة، يعني: في التخلف عنها، وليس معنى تركها عدم إيجابها أو عدم فعلها، بل تفعل، وتصلى لكن من تأخر عنها لا يعاتب، ومن فقد في الجمعة لا ينكر عليه، ولا يقال له: لماذا لم تحضر، وقد حضر العيد؛ لأن الرخصة جاءت بذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
إذاً: الحديث دال على أن من حضر العيد، فإنه يرخص له في التخلف عن الجمعة، وأما الجمعة فإنها تقام، والذي يرخص فيه ليس تركها وإلغاؤها نهائياً وعدم وجوبها، وأن الناس يصلون ظهراً مكانها، ولكن من حضر العيد من أفراد الناس فله أن يتخلف عن الجمعة، وليس بملزم بحضور الجمعة في ذلك اليوم، ولا ينكر على من تخلف عنها.
وأما كون الجمعة لا تصلى أصلاً، أو أنها لا تصلى الظهر أصلاً، فهذا ليس بصحيح، بل الجمعة تصلى في الجملة، ويجوز التخلف عنها، وأما الظهر فإنها لا تسقط، وإنما يصليها الإنسان إن لم يحضر الجمعة، وكذلك المساجد التي لا يجمع فيها، لهم أن يصلوا فيها ظهراً، ولكن لا تترك صلاة الظهر، وبعض العلماء نقل عنه سقوط صلاة الظهر، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الصلوات الخمس في اليوم والليلة مفروضة، لا يسقط منها فرض واحد في أي يوم من الأيام، دائماً وأبداً، والذي جاء فيه الترخيص ليس ترك الظهر، وإنما هو ترك الجمعة لمن حضر العيد.
وهو الفلاس البصري، وهو ثقة، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
وهو عبد الرحمن بن مهدي البصري، وهو أيضاً ثقة، عارف بالرجال، والعلل، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسرائيل].
وهو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عثمان بن المغيرة].
وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن إياس].
وهو إياس بن أبي رملة، قال عنه الحافظ في التقريب: إنه مجهول، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، لكن الحديث ثابت؛ لأنه جاء عن جماعة من الصحابة، وجاء من طرق متعددة، فالترخيص في الجمعة لمن حضر العيد لم يكن المستند عليه هذه الطريق، وهذا الإسناد، وإنما جاء من طرق أخرى، ومن أحاديث جماعة من الصحابة، منهم: ابن عباس، ومنهم: زيد بن أرقم: هذا الذي معنا في الإسناد، وكذلك غيرهم.
[سأل زيد بن أرقم].
معاوية رضي الله عنه، جاء ذكره في الإسناد لأنه هو الذي سأل، لكن إياس بن أبي رملة هو الذي يروي عن زيد بن أرقم، وكان سبب التحديث بذلك: سؤال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، فهو سأل زيد بن أرقم رضي الله عنه، فأجابه بأنه حضر العيد، وأنه شهد عيدين مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: الجمعة والأضحى، وأنه رخص لمن حضر العيد أن يتخلف عن الجمعة.
وزيد بن أرقم صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وذلك أن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه في عهده اجتمع عيدان: عيد السنة، وعيد الأسبوع، فخرج للناس وصلى بهم العيد لما تعالى النهار، يعني: لما ارتفع النهار، وأطال الخطبة، ثم نزل، ولم يصل بالناس يومئذ الجمعة، وهذا فعل ابن الزبير، لكن كونه مرفوعاً؛ لأنه جاء عن ابن عباس عندما سئل أنه قال: أصاب السنة.
وليس معنى هذا أن الناس تركوا الصلاة، وأنه لم يصل لهم، بل الصلاة لا تسقط، الظهر لا تسقط، والجمعة كذلك لا تسقط عن البعض، وإنما يرخص لمن تأخر، وقد قال ابن عباس: أصاب السنة، وابن عباس رضي الله عنه، هو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما اجتمع عيدان قال: (إنا مجمعون، فمن حضر العيد وأراد أن يحضر الجمعة فليفعل، وإلا فإنه لا حرج عليه)، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص في التخلف عن الجمعة يوم العيد لمن حضر العيد، وابن عباس نفسه هو الذي روى الحديث عن رسول الله، وأنه قال: إنا مجمعون، فمن شاء أن يجمع معنا فليفعل، ومن شاء أن يتأخر فله أن يتأخر، وإلا فإنا مجمعون، أي: من أراد أن يحضر معنا يحضر، ومن أراد أن يتخلف فإنه لا شيء عليه.
فالذي جاء عن ابن عباس هو: الترخيص في التخلف عن الجمعة لمن حضر العيد، وليس معنى ذلك أنها تترك الصلاة، أي: الجمعة، ولا أنها تترك صلاة الظهر أيضاً، فمن حضر الجمعة فقد أدى ما عليه، ومن لم يحضر الجمعة، فيتعين عليه أن يصلي الظهر؛ لأن الظهر لا تسقط بأي حال من الأحوال؛ لأن الصلاة فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، وفي الحديث: (فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، ولم يأت نص واضح صريح بأن الظهر تسقط، وأن الجمعة تسقط، وإنما جاء أن الجمعة تسقط عمن حضر العيد، لكن الفرض الذي يكون لمن يصلي وحده، أو لمن لا يجمعون، هو صلاة الظهر، وصلاة الظهر لا بد منها لمن لم يصل الجمعة، ومن فاتته الجمعة فإنه يصلي ظهراً، ولا يسقط الظهر بأي حال من الأحوال.
محمد بن بشار، وهو: الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة, رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، الثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبد الحميد بن جعفر].
وهو صدوق ربما وهم، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن وهب بن كيسان].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وهو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن عمه، وأحد العبادلة الأربعة، من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ابن الزبير رضي الله تعالى عنه فمجيئه في الإسناد لأنه هو الذي صلى بالناس، وخطب الناس، وسئل ابن عباس عن فعله فقال: أصاب السنة. إذاً: الفعل فعل ابن الزبير ولكن إضافته إلى الرسول ورفعه إليه، هو من قول ابن عباس.
إذاً: الذي روى عن ابن عباس، هو وهب بن كيسان، والحديث متصل من وهب بن كيسان إلى ابن عباس وابن الزبير، هو السبب الذي جعل ابن عباس يحدث بهذا الحديث؛ لأنه لما سئل قال: أصاب السنة، والسنة إذا جاء إطلاقها من الصحابي، وكذلك من غيره فإنه يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأصاب السنة أي: سنة الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن جعفر عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها جاريتان تضربان بدفين، فانتهرهما
أورد النسائي: [ضرب الدف يوم العيد]، والمقصود من هذه الترجمة: أن العيد يرخص فيه باللعب، أو يمكن الصغار من اللعب الذي لا محذور فيه، وكذلك أيضاً بضرب الدف، وكذلك بالغناء، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهذا فيه دليل على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن من النساء الصغيرات، ومن الجواري الصغيرات؛ لأن هذا الفعل إنما هو فعل جاريتين صغيرتين، هما دون البلوغ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أنكر عليهما أبو بكر، وانتهرهما، قال عليه الصلاة والسلام: [(دعهما فإن اليوم يوم عيد)]، ومعناه: أنه يرخص لمثلهن بأن يأتين بمثل هذا الذي أتين به، وهو الضرب بالدف، وكذلك الغناء، كما جاء عن الجاريتين نفسهما، أنهما كانتا تغنيان، وسيأتي.
فالحديث دال على جواز ضرب الدف في العيد، ولكن ليس لكل أحد، وإنما هو للجواري الصغيرات.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد بن جعفر].
وهو غندر، الملقب بـالبصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معمر].
وهو معمر بن راشد الأزدي البصري، نزيل اليمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله، ينتهي نسبه إلى زهرة بن كلاب، وهو ثقة، فقيه، إمام، مكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار التابعين الذين أدركوا صغار الصحابة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وهي أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي روت الحديث الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا محمد بن آدم عن عبدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (جاء السودان يلعبون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، فدعاني، فكنت أطلع إليهم من فوق عاتقه، فما زلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي انصرفت)].
[اللعب بين يدي الإمام يوم العيد] أورد فيه النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، أن السودان، وهم الحبشة كانوا يلعبون بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم بالحراب والدرق، وهي من وسائل الحرب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم، وجاءت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وجعلت تنظر، وأقرها رسول الله، أو رخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنظر، فجعلت تنظر من فوق عاتقه صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه دليل على نظر المرأة إلى الرجال.
قال العلماء: إن نظر عائشة رضي الله عنها إلى الرجال وهم يلعبون، يحتمل: أن يكون لأنها صغيرة، وأنها كانت دون البلوغ، ويحتمل أن ذلك كان قبل أن ينزل القرآن بغض الأبصار من قبل الرجال عن النساء، ومن قبل النساء عن الرجال، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]، ويحتمل أن يكون ذلك بعد، ولكن إنما هو النظر إلى أشخاصهم من بعد، وليس النظر إلى وجوههم، وإلى مقاطعهم، وإنما إلى قصدهم وتحركاتهم.
فالعلماء أجابوا عن نظر عائشة بهذه الأجوبة: إما أن يكون ذلك لكونها دون البلوغ، فلا يسوغ للمرأة أن تنظر إلى الرجال، أو أن ذلك كان قبل نزول المنع، والأمر بغض الأبصار من قبل الرجال، وكذلك من قبل النساء، أو لأنه بعد ذلك، ولكن النظر لم يكن إليهم، وإنما إلى أشخاصهم، كما ينظر إلى الأشخاص من بعد، فإن ذلك ليس كالنظر إلى وجوههم، أو ما يحصل من التلذذ من نظر المرأة إلى الرجل، وما إلى ذلك، بهذه الأجوبة أجاب العلماء عما حصل من عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
ثم أيضاً: الحديث يدل على حصول اللعب، فقد جاء في بعض الروايات، كما سيأتي أنه كان في المسجد، والمساجد كما هو معلوم تصان عن اللعب ولا تمتهن، لكن قال العلماء: إن هذا شيء نادر، وإنه لا يحصل دائماً، وإنما على ندرة، وأيضاً يكون في أمور تتعلق بالحرب، وليس من قبيل اللهو الذي لا خير فيه، وإنما هو تدرب، وإتيان بشيء هو مطلوب في الحرب، وفيه استعداد للحرب، فليس من قبيل اللعب المجرد، الذي لا قربة فيه، ولا يترتب عليه فائدة شرعية، بل هذا من قبيل الاستعداد للحرب، بهذا أجاب العلماء عن حصول لعبهم في المسجد، وكان ذلك بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولهذا أنكر بعض الصحابة كما سيأتي فعلهم هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للذي أنكر ذلك كما سيأتي: دعهم، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم، لكنه نادر، وليس بكثير الاستعمال في المسجد، وليس أيضاً من اللعب الذي هو لهو لا فائدة من ورائه، أو لا قربة من ورائه، بل هو من قبيل الاستعداد للحرب، ومن قبيل الوسائل التي هي من وسائل الحرب.
هو محمد بن آدم بن سليمان الجهني، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن عبدة].
هو عبدة بن سليمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
أخبرنا علي بن خشرم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا أسأم، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [اللعب في المسجد يوم العيد، ونظر النساء إلى ذلك]، وأورد فيها حديث عائشة رضي الله عنها، وهو المتقدم إلا أن فيه بيان أنها صغيرة، وأنها قالت: اقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو، أي: أنه يتسامح في حقها ما لا يتسامح في حق الكبيرات، يعني: أنه تراعى حالها لصغرها، فتمكن من مشاهدة مثل هذا اللعب، وهذا يبين أنها كانت صغيرة، وقد مر أن بعض العلماء أجاب أنها صغيرة دون البلوغ، كما مرت الإجابات الأخرى التي هي: كونها أيضاً قبل نزول آية المنع، والأمر بغض الأبصار، وكذلك أيضاً الجواب الثالث وهو: نظر النساء إلى قصدهم وحركاتهم، لا إلى وجوههم، يعني: أنه نظر من بعد، هذه هي الأوجه الثلاثة التي ذكرناها من قبل، لكن الحديث يشير ويبين من كلام عائشة، نفسها أنها كانت صغيرة السن، وأن الصغيرة تكون حريصة على اللهو وعلى اللعب، فيتسامح في حق الصغار ما لا يتسامح في حق غيرهم، ولهذا الجاريتان اللتان كانتا تغنيان وتضربان بالدف رخص لهما، ولم يمنعهما رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال لـأبي بكر: دعهما، معناه أن الصغيرة يرخص لها في بعض الأحوال، ما لا يرخص في غيرها من الأحوال.
وهو علي بن خشرم المروزي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
وعلي بن خشرم هذا معمر من المعمرين، وقد ذكر في ترجمته أنه قال: صمت ثمانية وثمانين رمضاناً، أي: ثمانية وثمانون عاماً وهو يصوم رمضان، فهو من المعمرين.
[حدثنا الوليد].
وهو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة، كثير التدليس، والتسوية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأوزاعي].
وهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الدمشقي، فقيه الشام، ومحدثها، إمام، مشهور بالفقه، والحديث، وهو مثل الليث بن سعد في مصر، وسفيان الثوري في الكوفة، يعني أنهم محدثون، فقهاء، مشهورون في تلك البلدان.
وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي مشهور بنسبته الأوزاعي، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه؛ لأنه أبو عمرو وأبوه عمرو، ومن أنواع علوم الحديث: معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع: ألا يظن التصحيف فيما لو ذكر بلقبه أحياناً، فإن من لا يعرفه إلا بنسبه، يظن أنه لو قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، أن (أبو) مصفحة عن (ابن)، لكن كلها صواب، إن قيل: عبد الرحمن بن عمرو فهو عبد الرحمن بن عمرو، وإن قيل: عبد الرحمن أبو عمرو، فهو عبد الرحمن أبو عمرو لأن كنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن عمر رضي الله عنه دخل والحبشة يلعبون في المسجد، يعني: في يوم العيد، فزجرهم عمر، وهذا يدل على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه نادر؛ لأن عمر رضي الله عنه كذلك زجرهم، وكذلك الذي مر بالنسبة للجاريتين اللتين كانتا تغنيان، وتضربان بالدف، فأبو بكر زجرهما، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما)، فدل هذا على أن مثل هذا العمل غير مألوف، وأنه ينكر، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم أقر عليه، دل على جوازه، ولكن في بعض الأحيان، وفي مناسبات نادرة، وليس دائماً وأبداً، ولهذا أنكر عمر رضي الله عنه وأرضاه صنيعهم هذا، والرسول قال له: (دعهم فإنما هم بنو أرفدة)، وبني أرفدة، قيل: إنه جد للحبشة، وقيل: إنه لقب على الحبشة.
وهو ثقة، متقن، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له البخاري، ولا أبو داود.
[حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
[عن سعيد بن المسيب].
وهو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو وعروة بن الزبير من الفقهاء السبعة.
[عن أبي هريرة].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحاب الرسول حديثاً.
أخبرنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة أنه حدثه: أن عائشة رضي الله تعالى عنها حدثته: (أن
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: [الرخصة في الاستماع إلى الغناء، وضرب الدف يوم العيد]، وأورد فيه حديث عائشة، وهو الذي تقدم ذكره في ضرب الدف، أورده هنا من أجل الغناء، وأنه رخص فيه في يوم العيد، ولكن للجواري الصغيرات وليس للكبيرات، ولهذا أبو بكر رضي الله عنه أنكر على تلك الجواري؛ لأن هذا غير مألوف، وغير معروف، وهو من الأمور المنكرة، ويعلمون أن الغناء لا يجوز، ولما رأى هذا بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وظن أنه نائم، وأن هذا من غير علمه، أنكر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مسجى في ثوبه، أو متسج ثوبه، أي: متغط، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وجهه وقال: (دعهما، إنها أيام عيد)، ودل هذا على جواز مثل هذا يوم العيد، ولكن في حق الجواري الصغيرات، يرخص لهن بضرب الدف، ويرخص لهن بالغناء الذي لا محذور ولا ريبة فيه، وليس فيه ما لا يصلح، وقالوا: إنه غناء مثل الحداء، أي: إنشاد الشعر على طريقة تشبه حداء الإبل.
قوله: (وهن أيام منى)، يعني: كان عيد أضحى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وأيام منى أي: الذي هو يوم العيد، والأيام التي بعده التي هي أيام التشريق.
هو أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[حدثني أبي].
وهو حفص بن عبد الله النيسابوري، وهو صدوق أيضاً، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثني إبراهيم بن طهمان].
وهو ثقة يغرب، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك بن أنس].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، الذي قال عنه الحافظ: رأس المتقنين وكبير المتثبتين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكر هؤلاء.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر