أخبرنا محمد بن بشار حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام: (أنه لقي
أورد النسائي: باب قيام الليل؛ وهي: صلاة الليل، وهي من النوافل التي هي غير الرواتب، أو الراتبة التي تكون بعد صلاة العشاء، هذا يقال له: قيام الليل، وأورد تحت هذه الترجمة حديث عائشة رضي الله عنها الذي فيه: أن سعد بن هشام بن عامر، جاء إلى ابن عباس يسأله عن الوتر؟ فقال: ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال: عائشة، اذهب إليها.
فقوله: [ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض]، هذا فيه الدلالة على أن الإنسان إذا سئل عن شيء، وهو يعلم أن غيره يكون أعلم منه، وعنده الإجابة الشافية الكافية، فإنه يدله عليه، ويحيله إليه، ويشير بالذهاب إليه؛ لأن ابن عباس رضي الله عنه أرشد هذا الرجل إلى أن يسأل عائشة، وقال: إنها أعلم أهل الأرض؛ وذلك لأن صلاة الليل إنما تكون في البيوت وأهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم هم أعلم الناس بما يحصل منه، وبأفعاله التي تكون في البيوت، فذهب إلى حكيم بن أفلح، وطلب منه أن يذهب معه إليها، فامتنع وقال: [إنني كنت نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين فأبت إلا المضي]، يعني: من ذلك ما جرى من الحروب، ومن الاختلاف الذي حصل بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
فامتنع، فألح عليه، وأقسم عليه أن يذهب، فذهب؛ أقسم عليه فبر بقسمه، وذهب، وإن كان لا يريد الذهاب إليها؛ للسبب الذي ذكره وأشار إليه، ولما ذهب كانت تعرف حكيماً، سألته: [من هذا الذي معك؟] لأن هذا الذي جاء يسأل، هو الذي يسأل عنه، وكأنه طلب منه أن يذهب؛ لأنه على علم أنها على معرفة به، وأنها تعرفه، أي: تعرف حكيم بن أفلح، فقال: [سعد بن هشام، قالت: ومن هشام؟ قال: ابن عامر، فترحمت على عامر وأثنت عليه]، وهذا فيه دليل على أن الإنسان إذا حضر إليه أحد لا يعرفه، أنه يسأل عنه حتى يعرفه، وحتى يكون هناك تعارف، وحتى لا يكون جاء، ويسأل، ويذهب وهو لا يعرف، وإنما سألت عنه: [من هذا الذي معك؟ فأخبرها بأنه سعد بن هشام]، وهذا فيه دليل على أن مثل ذلك سائغ، وأنه هو الذي ينبغي، ومثل هذا ما جاء في حديث جابر الطويل في قصة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحديث في إسناده أن محمد بن علي بن الحسين جاء ومعه أربعة أشخاص إلى جابر وقد عمي وكبر، فجاءوا وجلسوا إليه، وأرادوا أن يسألوه، فسأل عن أسمائهم واحداً واحداً، وهم خمسة، حتى عرف أن فيهم محمد بن علي بن الحسين، فقربه إليه؛ لأنه يريد أن يحدثه، ففتح أزارره ووضع يده على صدره، وجعل يحدثهم بالحديث الطويل حديث جابر.
فمحل الشاهد من إيراد ذلك: أنه شبيه بالذي حصل من عائشة؛ من سؤالها عن الرجل الذي لا تعرفه، وأنه ينبغي للإنسان عندما يأتي إليه أحد فإنه يسأل عنه؛ حتى يكون على علم، وحتى يعرف، وحتى في المستقبل لا يحتاج إلى أن يسأل عنه، كما كان حكيم بن أفلح معروفاً عندها، فلم تحتج إلى السؤال عنه، فيكون هذا الشخص عندما يأتي مرة أخرى لا تحتاج إلى السؤال عنه، ولو جاء وذهب وهي لا تعرف اسمه بقي مجهولاً عندها.
فسألوها عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: [أليس تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلقه القرآن] ومعنى خلقه القرآن عليه الصلاة والسلام: أنه يطبق ما جاء في القرآن من الأخلاق، والأعمال، والنهي والأمر فيتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بالأخلاق التي جاءت في القرآن، ويمتثل الأوامر التي جاءت في القرآن، وينتهي عن النواهي التي جاءت في القرآن، فكان خلقه القرآن.
ومن الأمثلة التي توضح هذا الحديث: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3]، قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، بعد أن أنزلت عليه هذه السورة، إلا قال في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، يعني: ينفذ القرآن؛ لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، ويقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تنفيذاً لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، فكان عليه الصلاة والسلام يطبق ما أُمر به من التسبيح، والاستغفار بقوله في الركوع والسجود: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي.
قوله: [يتأول القرآن]، أي: يطبقه وينفذه؛ لأن التأويل هو ما يؤول إليه الشيء؛ لأن التأويل يأتي بمعنى التفسير، ويأتي بما يؤول إليه الأمر من الحقيقة، ويأتي بمعنى التأويل الذي هو معروف، وهو صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنىً بعيد عن ظاهره، والذي هو تأويل المتأولين الذين يصرفون النصوص عما تدل عليه، إلى معاني بعيدة لا تدل عليها، فقوله: [يتأول القرآن]، أي: ينفذ القرآن.
فهذا مثال من أمثلة ما جاء في هذا الحديث أن خلقه القرآن، أي: يمتثل ما جاء في القرآن فعلاً وتركاً، ويتخلق بأخلاق القرآن، ويتأدب بآداب القرآن، فكان خلقه القرآن عليه الصلاة والسلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بأنه على خلق عظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فقالت: [أليس تقرأ هذه السورة: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ [المزمل:1]؟ إن الله عز وجل أنزل على رسوله أول هذه السورة، فكان يقوم، وكذلك أصحابه يقومون سنة، حتى تورمت أقدامهم، ثم إن الله عز وجل خفف عنهم فأنزل آخر السورة التي فيها التخفيف]، والتي فيها بيان أن قيام الليل صار تطوعاً بعد أن كان فريضة، فخفف الله تعالى عن نبيه عليه الصلاة والسلام، وصار تطوعاً وفريضة، وكان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل وهو تطوع، ولهذا لما قالت له عائشة وكان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه: ( كيف تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: يا
قال: [فهممت أن أقوم فبدا لي وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم]، وهذا هو الذي كان سأل به ابن عباس أولاً عنه، وأرسله إلى عائشة للسؤال عنه، وقال: إنها أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها صاحبة البيت، وصلاة الليل إنما تكون في البيت، والوتر إنما يكون في البيت، فهي أعلم، وأدرى من غيرها.
قال: [قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله عز وجل لما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثمان ركعات].
قوله: [يا أم المؤمنين]، هذا من الأدب، والتأدب مع أمهات المؤمنين، بحيث يخاطبونهن بهذا الوصف الذي وصفهن الله تعالى به، وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6]، فهن أمهات المؤمنين، فكانوا يخاطبونها: يا أم المؤمنين، أو يقول بعضهم: يا أماه؛ لأنه من المؤمنين وهي أمه، فمنهم من يقول: يا أماه، ومنهم من يقول: يا أم المؤمنين، وهذا من الأدب مع زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام، حيث كان يخاطبونهن بقولهم: يا أم المؤمنين.
ثم أيضاً هي في جوابها كانت تقول: يا بني! وهذه أيضاً من العبارات التي يقولها الكبير للصغير، بحيث يقوله له: يا بني، وهذا فيه عطف، ورفق، وإحسان، وأسلوب حسن يبعث في نفس الصغير الفرح والسرور، فكانت تقول له كما جاء في الحديث: يا بني، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لـأنس: يا بني.
وكان صغار الصحابة يقولون لكبارهم: يا عم، وإن كان ليس من قرابته، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوم بدر، أنه قال: (فنظرت فإذا عن يميني وشمالي شابان صغيران، فالتفت إليه أحدهما وقال: يا عم، أتعرف
قالت: [كنا نعد له سواكه وطهوره]، الطهور: هو الماء الذي يتطهر به، أي: يتوضأ به، وهي من الألفاظ التي يفرق بين فتح أولها وضمه، بالفاء وبالعين، يعني: الطهور بالفتح: يراد به الماء الذي يتوضأ به، والطهور بالضم: المراد به الوضوء الذي هو الفعل، أي: الحركة التي هي أخذه وغسل الوجه، هذا يقال له: طُهور، ما يقال له: طَهور، وأما الماء الذي يتوضَأ به يقال له: طَهور، كما يقال: وَضوء ووُضوء. ومثله: سَحور وسحور؛ السَّحور هو الطعام الذي يقدم ليؤكل آخر الليل لمن يريد أن يصوم، والسُّحور هو الأكل، أي: كون الإنسان يأخذ ويتناول، هذا يقال له: سحور بالضم.
ومثله: الوَجور والوُجور، الوَجور وهو الذي يوضع في فم المريض؛ يقال له: وَجور، والوضع بالفعل يقال له: وُجور.
وكذلك الصَّعوط والصُّعوط الذي يوضع في الأنف، يعني يقال له: صَعود نفس المسحوق أو الشيء الذي يوضع في الأنف، يقال له: صَعوط، ونفس الوضع يقال له: صُعوط، فالطَّهور والطُّهور، والسَّحور والسُّحور، والوَضوء والوُضوء، والوَجور والوُجور، والصَّعوط والصُّعوط، كلها من الألفاظ التي يفرق بين فتح أوله وضمه، فما كان مفتوحاً يراد به العين أو الشيء الذي يستعمل، يعني كما هنا الطَّهور هو الماء؛ يعدون له ماء يتوضأ به إذا قام، وسواكه حتى يتسوك ويستاك عند وضوئه، وعند قيامه من الليل عليه الصلاة والسلام.
قالت: [فيبعثه الله عز وجل لما شاء من الليل]، يعني: يقيمه من النوم، يقال له: بعث هنا؛ لأن النوم أخو الموت، والله عز وجل يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]، يعني: يبعثه مثلما يبعث الأموات، فالموت الذي هو الخروج من هذه الحياة بالبعث، والنشور، كذلك عندما يوقظ الله الإنسان ويجعله يستيقظ يقال له: بعث؛ لأنه مثل ذلك البعث؛ لأن هذا انتهاء تلك النومة أو هذه الموتة، وذاك انتهاء ذلك الموت بخروجه، فأطلق عليه بعث؛ لأنه بعث من نوم، فيبعث الناس من قبورهم فيحيون، بعد أن كانوا أمواتاً، فيحيون عند النفخ في الصور النفخة الثانية، وهنا إذا شاء الله عز وجل أن يبعثه بعثه.
ومنه ما جاء في حديث علي رضي الله عنه لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى علي، وفاطمة وقال: (ألا تقومان فتصليان؟ فقالا: إنما أنفسنا بيد الله، إذا شاء أن يبعثنا بعثنا)، يعني: أنهم ينامون، والله إذا شاء أن يبعثهم من نومهم.. (فالنبي صلى الله عليه وسلم ذهب وهو يضرب يده على فخذه ويقول: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]).
قالت: [فيتسوك ويتوضأ ويصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، يجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم، ثم يصلي ركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني].
ذكرت له وتر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثمان لا يجلس إلا في آخرها، فيجلس ويذكر الله عز وجل، ويسلم تسليماً يسمعهم إياه، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يقوم ويأتي بركعة، فتلك إحدى عشرة ركعة، فهذا هو وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: صلاته في الليل، والتي آخرها ركعة واحدة توتر تلك الركعات.
وقد قال النسائي في آخر الحديث: [ولا أدري ممن الخطأ في بيان موضع وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم]، ومقصوده هذه الجملة؛ لأن الذي جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي عليه الصلاة والسلام يصلي ثماني ركعات، كما جاء في بعض الروايات، ثم يجلس يذكر الله عز وجل، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يأتي بركعة، ثم يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، فهذه إحدى عشر ركعة؛ تسع كانت متصلة، وهو قائم فيها، وركعتين وهو جالس، فالخطأ الذي أشار إليه كون الركعتين التي صلاهما وهو جالس، كانتا قبل الوتر، وإنما المحفوظ والمعروف أنهما بعد الوتر.
يعني: أنه لما أسن، وتقدمت به السن عليه الصلاة والسلام، صلى سبعاً، أي: وتراً، ثم صلى ركعتين وهو جالس، وهذا ليس فيه خطأ؛ لأن الركعتين وهو جالس جاءت بعد الوتر، وإنما الخطأ في الجملة التي تقدمت؛ وهي أن الركعتين التي صلاهما وهو جالس قبل أن يأتي بركعة الوتر، وهذا أقل ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام؛ أنه أوتر بسبع، هذا أقل شيء حصل منه، وأكثر شيء جاء عنه أنه صلى ثلاث عشرة ركعة.
قوله: [وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى صلاة أحب أن يدوم عليها]، يعني: أنه يداوم على الصلاة التي يصليها، فكان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكنه لما كبر صلى سبعاً، وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يداوم على الشيء، وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل).
وقول عائشة رضي الله عنها: [وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة]، هذا يدلنا على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يداوم على صلاة الليل، ويداوم على قيام الليل، وأنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة، وكان يداوم على ذلك، وكان من هديه أنه إذا عمل عملاً داوم عليه عليه الصلاة والسلام، وإذا شغله شاغل عن قيام الليل من نوم أو وجع أو مرض، فإنه يصلي من النهار اثنتي عشرة ركعة؛ قضاءً، أي: يقضي الإحدى عشرة ركعة، ولكنه لا يصليها إحدى عشرة كما كانت، فيصلي الوتر في النهار، وإنما يصلي مقدار تلك الركعات وزيادة ركعة، حتى يكون أتى بالمطلوب وزيادة، وحتى لا يكون أتى بالوتر في النهار.
وهذا يدلنا على أن الإنسان إذا نسي وتره، أو نام عن وتره، أو شغله شاغل عن وتره، ولم يذكره حتى طلع الفجر، فإنه يقضيه في النهار ويزيد إليه ركعة، فإن كان من عادته أنه يصلي ثلاث ركعات، فإنه يصلي أربعاً، وإن كان من عادته أن يصلي خمس ركعات، فيصلي ستاً، وإن كان من عادته أن يصلي سبعاً، فيصلي ثمان ركعات في النهار، وإن كان من عادته أن يصلي تسعاً، فيصلي عشراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه يصلي إحدى عشرة ركعة، فكان يصلي اثنتا عشرة ركعة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وهذا يدلنا على أن الراتبة الفائتة تقضى إذا فاتت؛ لأن قضاءها فيه ملازمة لها، بخلاف ما لو فاتت وتركها ولم يقضها، فإنه قد يجر إلى تساهل، لكن إذا فاتته يقضيها، ومعناه: أنه مداوم عليها، وملازم لها، ولو فاتته ما يتخلى عنها، بل يقضيها.
ومثل ذلك الرواتب التي قبل الصلوات وبعد الصلوات، إذا حرص على أدائها في وقتها، وإذا فاتته أو انشغل عنها، فإنه يقضيها، لا شك أن هذا هو الأولى، وهو الأكمل، وليس بلازم، لكن هذا هو الأولى وهو الأفضل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقضي صلاة الليل إذا فاتته، أو إذا شغل عنها؛ بأن يصلي من النهار اثنتا عشرة ركعة، وكان عليه الصلاة والسلام شغل عن ركعتي الظهر اللتين بعد الظهر فقضاها بعد العصر، وكان يداوم على ذلك، ولكنه لما سئل: هل نقضيهما إذا فاتتنا؟ يعني بعد العصر. قال عليه الصلاة والسلام: لا. فدل هذا على أن هذا من خصائصه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [ولا قام ليلة كاملة حتى الصباح]، يعني: أنه يحصل منه صلاة، ويحصل منه نوم، فليس كل ليله صلاة، وليس كل ليله نوم، بل ليس كل ليله صلاة، وليس كل نهاره صوم، بل يصلي وينام، ويصوم ويفطر عليه الصلاة والسلام، فما قام ليلة حتى الصباح؛ يعني: أنه يصلي وينام، يجمع بين هذا وهذا.
قوله: [وما صام شهراً كاملاً إلا رمضان]، يعني: أنه ما كان يصوم شهراً كاملاً إلا رمضان، وكان أكثر ما كان يصوم في شعبان، وكذلك في المحرم، فأكثر صومه في ذلك، ولكن لم يكن يصوم الشهر كله، بل جاء عنه أو عن بعض الصحابة: ( أنه كان يصوم حتى يقولون: لا يفطر، ويفطر حتى يقولون: لا يصوم )، فمعناه أنه أحياناً يكثر الصيام من الشهر، وأحياناً يقل الصيام من الشهر، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها فقال: صدقت، أما أني لو كنت أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني مشافهة].
إن ابن عباس لما سأله سعد بن هشام، ودله على عائشة، طلب منه أن يعود إليه ويخبره بجوابها له، ولما رجع إليه وأخبره وقص عليه الحديث الذي سمعه منها، قال: [صدقت، ولو كنت أدخل عليها لذهبت إليها وسمعته منها مشافهة]؛ ولعل كونه لا يدخل عليها، لكونه حصل بينه وبينها شيء، يعني: أغضبها عليه، وإلا فإن سعد بن هشام الذي ذهب إليها، وسمع منها مشافهة، مثله ابن عباس لو لم يكن هناك شيء يحول بينه وبين الذهاب إليها، ولعله صار في نفسها عليه شيء لأمر أغضبها عليه، فكان لا يذهب إليها لسبب ذلك، ويحصل أحياناً من بعض الصحابة أن يحصل بعض الكلمات التي تجعل البعض يتألم منها، وأذكر من الأمثلة: أن ابن الزبير رضي الله تعالى عنه، كانت عائشة رضي الله عنها تنفق كثيراً، ولا يبقى في يدها شيء، فقال كلمة آلمتها وغضبت عليه، ومنعته من أن يأتي إليها، قال عنها: تستحق أن يحجر عليها، فغضبت عليه غضباً شديداً، كونه يقول هذه الكلمة، فيمكن أن يكون ابن عباس حصل بينه وبينها شيء مثل هذا الكلام، أو ما إلى ذلك، فصار لا يذهب إليها، ولكن مع وجود ما يحصل بينهم من الشيء الذي قد يمنع من الذهاب في بعض الأحيان، ما كانوا يتقاطعون أو في قلوبهم شيء، بل ابن عباس لما جاءه سعد دله عليها، وقال: ألا أدلك على أعلم أهل الأرض؟ أم المؤمنين عائشة، اذهب إليها، ثم طلب منه أن يعود ويخبره بالحديث الذي تحدثه به، رضي الله تعالى عن عائشة، وعن ابن عباس وعن الصحابة أجمعين.
أما قول أبي عبد الرحمن: (لا أدري ممن الخطأ في موضع وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) فإنه سبقت الإشارة إليه عند بيان أو عند ذكر قيامه الليل، وأنه لما ذكرت له الحديث، قالت: (إنه يقوم ثمان ركعات لا يجلس في شيء إلا في آخرها، ثم يجلس يذكر الله تعالى ويثني عليه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا إياه، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يسلم، ثم يقوم ويأتي بركعة)، هذا الذي جاء عند النسائي، وعند مسلم بيان الوتر أنه قبل الركعتين التي وهو جالس، يعني نفس الحديث موجود عند مسلم، إلا أن فيه بيان موضع الوتر، وأنه قبل الركعتين؛ الركعتين كانت في الآخر وليست في الأول. فإذاً: موضع الوتر هل هو قبل الركعتين وهو جالس أو بعدها؟ عند النسائي جاء أن الركعتين قبل، والوتر جاء بعدها، وعند مسلم أنه أتى بالوتر ثم أتى بالركعتين وهو جالس.
قال النسائي: وجدت في كتابي هكذا، يعني: أن الركعتين وهو جالس كانتا قبل ركعة الوتر التي هي الأخيرة، وفي بعض الأحاديث: أنه كان بعدها، وهذا هو المحفوظ والمشهور، فقال: إن هذا خطأ، والموجود ما أدري ممن الخطأ؟ يعني من أي الرواة حصل الخطأ في بيان موضع وتره؟ هل هو قبل الركعتين وهو جالس أو بعده؟ لأنه هنا الخطأ في كون الركعتين قبل الوتر، ولهذا فيما يتعلق بالسبع الركعات صار الوتر قبلها، يعني عند النسائي نفسه في الحديث هذا: أن الركعتين وهو جالس كانتا بعد الركعة التي هي الوتر، صلى سبعاً، ثم صلى بعدها ركعتين وهو جالس، يعني صلى الوتر ثم أتى بالركعتين وهو جالس، فـالنسائي رحمه الله تعالى قال: وجدت في كتابي هكذا، ولا أدري ممن الخطأ في بيان موضع وتره عليه الصلاة والسلام؟ التي هي في الركعة الأخيرة.
هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثني يحيى بن سعيد].
هو القطان البصري، ثقة، ثبت، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد].
هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، ثبت، كثير التدليس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن زرارة].
هو زرارة بن أوفى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وقال الحافظ: إنه مات فجأة في الصلاة، وقد ذكر ابن كثير في تفسير قول الله عز وجل: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر:8-9]، قال: إن زرارة بن أوفى وكان أميراً كان يصلي بالناس الفجر، فقرأ المدثر، ولما جاء عند هذه الآية بكى وشهق ثم وقع ثم مات. يعني: مات وهو يصلي بالناس وهو يقرأ سورة المدثر.
[عن سعد بن هشام].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولاسيما الأمور التي تتعلق بالبيوت، وهي واحدة من سبعة أشخاص من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
فالبحر هو ابن عباس، وزوجة النبي هي عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر