أخبرنا هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم وهو ابن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا أهل القرآن! أوتروا فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر)].
يقول النسائي رحمه الله: باب الأمر بالوتر، المقصود من هذه الترجمة: بيان أن الوتر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر أمر ندب واستحباب، والوتر من آكد السنن، بل جاء عن بعض أهل العلم كالإمام أحمد رحمة الله عليه أنه قال: (إن الذي لا يصلي الوتر رجل سوء) والنبي عليه الصلاة والسلام ما ترك الوتر لا في حضر، ولا في سفر، ولا في جميع أحواله عليه الصلاة والسلام، وهذا يدلنا على تأكده، وعلى أن المسلم لابد أن يحرص عليه كما يحرص على الرواتب بصورة خاصة، وعلى النوافل الأخرى التي هي دونها.
وقد أورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه [(أن النبي عليه الصلاة والسلام أوتر وقال: يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)]، فكان يوتر عليه الصلاة والسلام، والمراد من الوتر ما بعد صلاة الليل التي هي: موضع القراءة، والتي فيها المجال لقراءة القرآن، وختامها الوتر الذي هو: ركعة يوتر بها ما مضى كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى).
وقوله عليه الصلاة والسلام: [(أوتروا يا أهل القرآن)] خص أهل القرآن؛ لاشتغالهم بالقرآن، ولحرصهم على تلاوة القرآن، فإن صلاة الليل فيها مجال واسع لقراءة القرآن، وتدبر القرآن، والتأمل في القرآن، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (فإن الله وتر يحب الوتر)، فمن أسمائه الوتر، ويحب الوتر، وهذا الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الإيتار في الصلاة، وأمره أهل القرآن أن يوتروا، هذا مما يحبه الله عز وجل؛ لأن هذا من الأعمال الصالحة التي يحبها الله، بل إن هذا من آكد النوافل وأهمها كما أشرت.
وقوله: [(إن الله وتر)] هو: من أسمائه سبحانه وتعالى، فالوتر هو: الواحد بذاته، وبصفاته، وبأفعاله سبحانه وتعالى، والله عز وجل يحب مقتضى أسمائه، ولهذا جاء في متون كثيرة فيها ذكر أسماء الله عز وجل وفيها محبته لمقتضى أسمائه مثل: (إن الله جميل يحب الجمال)، إن الله محسن يحب الإحسان، إن الله رفيق يحب الرفق، وهنا (إن الله وتر يحب الوتر)، فمقتضى أسمائه سبحانه وتعالى مثل ما جاء في هذه الأسماء التي فيها ذكر اسم الله، ثم تعقيبه بكون الله عز وجل يحب مقتضى ذلك الاسم وهذا من هذا القبيل (فإن الله وتر يحب الوتر).
هو أبو السري الكوفي ،وكنيته توافق اسم أبيه، فـأبوه السري وكنيته أبو السري، وهذا نوع من أنواع علوم الحديث، معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفائدة معرفة هذا النوع أن لا يظن التصحيف، فيما لو كان معروفاً عند البعض بنسبه دون كنيته، فإذا وجده مكنى بدل النسبة بأن كان يعرف أنه هناد بن السري، فوجده هناد أبو السري فيظن أن (أبو) مصحفة عن (ابن)، لكن إذا عرف أن الاسم وافق الكنية، أو أن الكنية توافق الاسم، فإنه لا يلتبس عليه الأمر، سواء جاء هناد بن السري أو جاء هناد أبو السري؛ لأن كل ذلك صواب، وكل ذلك حق.
وهناد بن السري الكوفي ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو من المعمّرين توفي سنة 238هـ وعمره إحدى وتسعون سنة، وهو في الطبقة العاشرة، ويروي عن أبي بكر بن عياش، وهو في الطبقة السابعة، ومن هاهنا يأتي اختصار الطبقات، وكون الشخص يروي عن طبقة متقدمة عنه بطبقتين لكونه معمراً؛ لأنه توفي سنة 238هـ وعمره عند وفاته إحدى وتسعون سنة، فقد أدرك المتقدمين لأنه عاش طويلاً، وهذا مثل قتيبة بن سعيد الذي مر بنا ذكره وأنه توفي 240هـ وولد سنة 150هـ فأدرك المتقدمين، ومن هنا يكون اختصار الطبقات وكون الإنسان يروي لطبقة ثم يروي عن طبقة متقدمة، مثل هذا في العاشرة يروي عن شخص في الطبقة السابعة، وسبب ذلك كون الإنسان عمر وأدرك المتقدمين.
[عن أبي بكر بن عياش].
هو الكوفي وهو ثقة، تغير أخيراً، وكتابه صحيح، وقد أخرج له مسلم في مقدمة الصحيح، والبخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
ثم إن رواية مسلم في المقدمة عنه لا يعني كونه فيه شيء عند مسلم؛ فكم من راوٍ لم يخرج له مسلم، أو خرج له في المقدمة، مع أنه من الثقات الأثبات، ومن هؤلاء عبد الله بن الزبير المكي، شيخ البخاري الذي روى عنه أول حديث في صحيحه: (إنما الأعمال بالنيات) قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، فـعبد الله بن الزبير هذا خرج له مسلم في المقدمة وما خرج له في الصحيح، فلا يعني أنه ضعيف عنده، وإنما لعله هكذا اتفق له أن روى عنه شيئاً في المقدمة، ولا يعني أنه إذا لم يرو عنه في الصحيح يكون فيه شيء.
وهناك أئمة ثقات أثبات ما خرج لهم في الصحيحين، ومنهم: أبو عبيد القاسم بن سلام، فإن هذا ما خرج له في الصحيحين، وهو إمام جليل، وعالم كبير، وذلك أن صاحبي الصحيح لم يلتزما إخراج كل صحيح، ولم يلتزما الرواية عن كل ثقة، أو الإخراج عن كل ثقة، فكم من حديث صحيح لا يوجد في الصحيحين، وكمن ثقة لا يوجد له رواية في الصحيحين.
[عن أبي إسحاق].
هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي نسبة خاصة، والهمداني نسبة عامة، ينسب إلى قبيلة في اليمن، وسبيع بطن من همدان، ولهذا اشتهر بالنسبة إلى هذه النسبة الخاصة، وهو: مشهور بـأبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم].
هو عاصم بن ضمرة، وهو الكوفي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وأبو السبطين الحسن، والحسين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه أنه قال: (الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهذا يبين أن الأمر في قوله: (أوتروا) في حديث علي المتقدم، أنه ليس للوجوب وليس للفرض والحتم، وإنما هو للندب والاستحباب المؤكد؛ لأن تعقيب ذلك الحديث لهذا الحديث هو قوله: (إن الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة) هذا يفيد أن الأمر بقوله: (أوتروا) ليس للوجوب وللحتم، وكلام علي رضي الله عنه يبين هذا حيث قال: (إن الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة، ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) فهو من سنة النبي عليه الصلاة والسلام بل من السنن المؤكدة التي جاء الحث عليها، والترغيب فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه ليس من الأمور التي أوجبها الله عز وجل كالصلوات الخمس؛ فإن الذي أوجبه الله في اليوم والليلة خمس صلوات، ولم يوجب سواها، ولكن الوتر متأكد ومن آكد السنن.
ومن المعلوم أن السنن سياج للفرائض، ومن تهاون بالسنن تهاون بالفرائض، والسنن يكمل بها الفرض، إذا حصل فيها نقص، وخلل فإنه يكمل من النوافل، وقد سبق أن مر بنا الحديث: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن أحسن فيها وإلا يقول الله عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به) والحديث في سنن النسائي، فهي وقاية وسياج للفرائض؛ حيث إنه من يحافظ عليها فهو محافظ على الفرائض من باب أولى، ومن تهاون بها فإنه قد يتهاون في الفرائض، ثم أيضاً تكمل بها الفرائض كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
قوله: [(سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم)] معلوم أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام يدخل تحتها كل ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، وهي: تأتي بمعنى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والحديث كل ذلك يقال له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لما بلغه أن جماعة من أصحابه تكلموا في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقالوها، وقال واحد منهم: أنا أصوم الدهر أبداً فلا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم الليل فلا أنام، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء، فقال عليه الصلاة والسلام: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم، وأفطر، وأصلي، وأنام وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)، المراد بالسنة الطريقة، وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كل ما جاء به القرآن والسنة، فالسنة تطلق إطلاقاً عاماً يشمل الكتاب والسنة، ومنه ما جاء في هذا الحديث في قوله: (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي، فليس مني) أي: من رغب عن طريقتي التي هي: السير على منهاج الكتاب والسنة، فليس منه صلى الله عليه وسلم.
وتأتي السنة يراد بها الحديث، كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث فإنه يقال له سنة، ومن أمثلة ذلك ما يأتي في كتب الفقه، والحديث، وفي شروح الحديث، عندما يأتي مثلاً يقول: دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، فإذا جاءت السنة معطوفة على الكتاب الذي هو القرآن، فالمراد بها: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما أضيف إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قول، أو فعل، أو تقرير، أو وصف خلقي أو خلقي، كل هذا يقال له سنة، أي: كل حديث عنه فإنه يطلق عليه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه)، يعني: يريد بذلك السنة، ومن المعلوم أن الوحي وحيان: وحي متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به، ووحي متعبد بالعمل به، ذاك الذي تعبد بالتلاوة، والعمل القرآن، والذي تعبد بالعمل به هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وتأتي السنة في مقابل البدعة، ولهذا يأتي عند أهل السنة كتب عديدة باسم السنة يريدون بها بيان العقيدة، وبيان ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته، والتابعين، في العقيدة، فيطلقون على ذلك سنة، ويريدون بذلك في مقابل البدعة، فالسنة يعني: ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم في باب العقائد هذا يقال له سنة، ولهذا يأتي كتب كثيرة باسم السنة، كالسنة للإمام أحمد، والسنة لـعبد الله بن الإمام أحمد، والسنة لـابن أبي عاصم، أو السنة لـمحمد بن نصر المروزي، والسنة للطبراني، كلها بلفظ السنة، وكلها في العقيدة.
وفي اصطلاح الفقهاء هي: ما يثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه، ويطلبه الشارع طلباً غير جازم، معناه: أنه ليس على الحتم وإنما على الاستحباب، هذا يقال له سنة، مثل المستحب والمندوب، يستحب كذا يندب كذا يسن كذا، هذا هو معناه عند الفقهاء.
وقوله هنا: (ولكنه سنة سنها رسول الله عليه الصلاة والسلام) هو من السنن التي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه كما جاء في أول الأثر عن علي أنه قال ليس بحتم، ولكنه من السنن التي هي مندوبة، ويرغب فيها وفيها أجر عظيم، بل هي من آكد السنن ومن أهمها التي لم يتركها النبي عليه الصلاة والسلام لا في حضر، ولا في سفر.
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي الكوفي البصري، وهو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده، ومحمد هذا، وأبوه من الثقات، وأبوه مشهور بـابن علية، واسمه: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهناك ابن لـإسماعيل أخ لـمحمد هذا ولكنه من المبتدعة ومن أهل الضلال، وقد قال عنه الذهبي في الميزان: جهمي هالك، وهو: إبراهيم بن إسماعيل، ويأتي ذكره في مسائل الفقه الشاذة، يقولون: قال فيها ابن علية كذا، فالمراد: بـابن علية هنا إبراهيم، وقد ذكره ابن رشد في بداية المجتهد عند الإجارة وذكر أنه خالف فيها ابن علية والأصم وقالوا: أنها لا تجوز الإجارة، وابن علية المراد به هو هذا إبراهيم، وأما الأصم فالمراد به أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي، وليس أبو العباس الأصم شيخ الحاكم؛ لأن ذاك ثقة، ولكن المقصود أبو بكر بن كيسان الأصم المعتزلي.
[عن أبي نعيم].
هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد قيل عنه أنه يتشيع، لكن نقل الحافظ ابن حجر عنه في مقدمة الفتح أنه قال كلمة تدل على بعده عن مذهب الشيعة وعن طريقة الشيعة، وهي: قوله رحمة الله عليه: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية)، ومن المعلوم: أن سب معاوية من أسهل الأمور عند الرافضة، بل وعند الشيعة من الزيدية الذين هم أخف من الرافضة كلهم يسبون معاوية ويشتمون معاوية، وهذا الفضل بن دكين أبو نعيم الذي قيل أنه يتشيع، يقول: (ما كتبت عليّ الحفظة أنني سببت معاوية)، وهذا يدل على سلامته، وعلى استقامته، وعلى بعده عن الانحراف في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، والفضل بن دكين أبو نعيم حديثه عند أصحاب الكتب الستة.
وقد اشتهر بهذه الكنية شخص متأخر مؤلف من المؤلفين، صاحب الحلية، وصاحب معرفة الصحابة وهو أبو نعيم الأصبهاني المتوفى سنة ثلاثين بعد الأربعمائة، فذاك متأخر وأما هذا متقدم، بل هذا من كبار شيوخ البخاري، ولهذا النسائي لا يروي عنه إلا بواسطة، وأما البخاري فهو يروي عنه مباشرة، وهو من كبار شيوخه الذين ما أدركهم النسائي.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي وهو ثقة، ثبت، حجة، إمام، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل، وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي].
وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
أخبرنا سليمان بن سلم ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن النضر بن شميل حدثنا شعبة عن أبي شمر عن أبي عثمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: النوم على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحث على صلاة الوتر قبل النوم، المراد بهذا هو من يعرف من نفسه أنه لا يستيقظ، أو يخاف أن لا يستيقظ في آخر الليل، فإن المستحب في حقه، والذي ينبغي في حقه، أن يوتر قبل أن ينام حتى لا يطلع عليه الفجر وهو لم يوتر، أما إذا علم من نفسه أنه يقوم آخر الليل، فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح أتى بركعة توتر ما مضى)، وهذا يدلنا على أن من وثق بأنه يقوم آخر الليل فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل، وأما من خشي أن لا يقوم فإنه يوتر قبل أن ينام، وقد جاء في ذلك أحاديث منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا الذي قال فيه: (أوصاني خليلي)، وهذا هو الذي فيه بيان الحث؛ لأن هذا فيه وصية، أي: معناه: أن فيه حث على الوتر قبل النوم، ولكنه يحمل ما على إذا كان الإنسان يخشى أن لا يستيقظ، أما إذا طمع بأن يستيقظ في آخر الليل، فإنه يجعل الوتر في آخر الليل، ولا يجعله في أول الليل.
قوله: [(أوصاني خليلي)] هذا كلام أبي هريرة رضي الله عنه، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت
فإذاً أبو هريرة يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خليله وقال: (أوصاني خليلي)، والنبي صلى الله عليه وسلم ما اتخذ أبا هريرة، ولا غيره خليلاً، ولو كان متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً كما ثبت في ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً لا تنافي بين ما جاء في هذا الحديث وبين حديث: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً).
قوله: [(النوم على وتر)]، يعني: أنه ينام وقد أوتر، وهذا كما قلنا فيما إذا كان يخشى أن لا يستيقظ (النوم على وتر وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى).
وجاء أيضاً عن أبي الدرداء رضي الله عنه في صحيح مسلم، وحديث أبي هريرة متفق عليه، وأما حديث أبي الدرداء فقد أخرجه مسلم وهو مثل حديث أبي هريرة، ولكنه يقول: (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث) يعني: عبر بحبيبي، وأبو هريرة عبر بخليلي، (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد).
هو سليمان بن سلم البلخي، وهو ثقة أخرج له أبو داود، والترمذي، والنسائي.
[و محمد بن علي].
هو محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن النضر بن شميل].
ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي شمر].
هو أبو شمر الضبعي البصري، وهو مقبول، أخرج له مسلم، والنسائي.
[عن أبي عثمان].
هو أبو عثمان النهدي وهو عبد الرحمن بن مل (مَل أو مِل أو مُل) مثلث الميم، وهو ثقة، ثبت، مخضرم، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة على الإطلاق حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو: مثل الذي قبله مشتمل على الوصايا الثلاث التي أوصى النبي عليه الصلاة والسلام أبا هريرة بها، والمقصود منه الجملة الأولى وهي: كونه يوتر في أول الليل.
قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].
هو الملقب بندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد].
وهو غير منسوب يروي عن شعبة والمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر، وكلما جاء محمد غير منسوب يروي عن شعبة، ويروي عن محمد بن بشار، أو محمد بن المثنى، فالمراد به محمد بن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو ابن الحجاج، وقد مر ذكره.
[ثم ذكر كلمة معناها: عن عباس الجريري].
يعني: معناها: أن قوله عن عباس الجريري، أنه ما أتقن الكلمة التي قالها عندما ذكر الاسم أو الصيغة التي هي عنه، ولهذا قال معناها عن عباس الجريري، وعباس هو: عباس بن فروخ الجريري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت أبا عثمان عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.
أخبرنا هناد بن السري عن ملازم بن عمرو حدثني عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق قال: (زارنا أبي
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة، والمقصود من هذا: أن الوتر في الليلة الواحدة يكون مرة واحدة ولا يتكرر، وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الذي أورده هنا طلق بن علي: [(لا وتران في ليلة)]، وكان عليه الصلاة والسلام كما سبق أن مر بنا في حديث عائشة، أنه إذا شغله عن وتره، وصلاته في الليل وجع، أو مرض، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، يعني: أنه يقضيه، ولكنه يقضيه مشفوعاً لا يقضيه وتراً، فالليلة الواحدة لا يؤتى فيها بالوتر أكثر من مرة واحدة، ومن أوتر أول الليل ثم استيقظ في آخر الليل، فإن له أن يصلي ما أمكنه ولكن لا يوتر مرة أخرى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا وتران في ليلة).
وأورد النسائي حديث طلق بن علي رضي الله تعالى عنه، أنه قال عنه ابنه قيس: أن أباه زارهم وأنه صلى بهم وأوتر بهم، ثم انحدر إلى مسجد فصلى بأصحابه، ولما بقي الوتر قدم واحداً منهم وقال: أوتر بهم فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا وتران في ليلة)] هو لا يوتر؛ لأنه قد أوتر قبل ذلك، فهو لا يكرر الوتر، ثم استدل بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: (لا وتران في ليلة) أي: أن طلق بن علي رضي الله تعالى عنه أوتر بالجماعة الأولى التي زارهم، ثم لما ذهب إلى ذلك المسجد وصلى بأصحابه ولم يبق إلا الوتر قدم شخصاً ليوتر بهم، ثم بين السبب في كونه، لا يوتر بهم لأنه قد أوتر من قبل، وقال: فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا وتران في ليلة)].
والحديث واضح الدلالة على الترجمة، وعلى أنه لا يجوز للإنسان أن يوتر مرتين، وأنه إن كان يثق من نفسه أنه يقوم آخر الليل فليجعل الوتر آخر الليل، وإن كان لا يثق فليوتر أول الليل، لكن إن قام فليصلِ ما شاء لكن لا يوتر مرة أخرى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(لا وتران في ليلة)] وكلمة: [(لا وتران في ليلة)] الأصل أن يقال: لا وترين في ليلة، لكن قيل هذه على لغة بعض العرب الذين ينصبون المثنى بالألف بدل الياء.
وقد مر ذكره قريباً ،كوفي، ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن ملازم بن عمرو اليمامي].
نسبة إلى اليمامة، صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وفي نسخة التقريب: اليماني، كما قلت أن كلمة اليمامي واليماني يكون التصحيف فيما بينها، مثل البخاري والنجاري متقاربة يكون التصحيف فيما بينها، وهنا في ترجمة ملازم في نسخة التقريب المصرية قال: اليماني، وهو: اليمامي وليس اليماني، بل هو منسوب لليمامة.
[حدثني عبد الله بن بدر].
هو اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن قيس بن طلق].
هو قيس بن طلق اليمامي أيضاً، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن طلق بن علي].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ممن وفد إلى النبي عليه الصلاة والسلام من الوفود التي وفدت إلى النبي عليه الصلاة والسلام، بل وفد إليه في وقت مبكر، فإنه جاء عنه أنه قال: (جئت وهم يؤسسون المسجد)، يعني: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في أول السنة الأولى من سني الهجرة، فإنه قال: (قدمت وهم يؤسسون المسجد)، وذلك في حديث طلق بن علي مع بسرة بنت صفوان الذي تقول فيه: (من أفضى إلى ذكره فليتوضأ) وحديث طلق بن علي يقول: (وهل هو إلا بضعة منك)، فهو متقدم الوفادة، وحديث بسرة فيه الأمر بالوضوء وذاك متقدم، وطلق بن علي أيضاً جاء عنه أنه ممن روى حديث: (الوضوء من مس الذكر)، وطلق بن علي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج له أصحاب السنن الأربعة، وعلى هذا فهذا الإسناد الذي معنا فيه أربعة من اليمامة، وكل منهم خرج له أصحاب السنن الأربعة، وهم ملازم بن عمرو، وعبد الله بن بدر، وقيس بن طلق، وطلق بن علي، أربعة من اليمامة وكل واحد من هؤلاء الأربعة أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان ينام أول الليل، ثم يقوم فإذا كان من السحر أوتر، ثم أتى فراشه، فإذا كان له حاجة ألم بأهله، فإذا سمع الأذان وثب، فإن كان جنباً أفاض عليه من الماء وإلا توضأ ثم خرج إلى الصلاة)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: وقت الوتر، ووقت الوتر هو الليل كله، كما جاء في الأحاديث، وهذا الحديث فيه الوتر بآخر الليل، هذا الحديث الذي أورده النسائي ،حديث عائشة الأول أنه أوتر في آخر الليل في السحر، قالت أنه ينام، ثم يستيقظ ويصلي. فإذا جاء السحر أوتر، ثم نام، فإن كان له حاجة من أهله ألم بها -يعني: كناية عن الجماع- ثم إذا جاء الوقت وثب مسرعاً، فإن كان عليه جنابة، اغتسل وإلا توضأ وخرج إلى الصلاة، والحديث دال على أن الوتر يكون من أوقاته السحر، بل أفضل أوقاته أن يكون في آخر الليل لمن تمكن من القيام آخر الليل.
هو العنزي الملقب بالزمن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا محمد].
هو ابن جعفر، الملقب غندر وقد مر ذكره قريباً.
[حدثنا شعبة].
كذلك مر ذكره.
[عن أبي إسحاق].
وقد مر ذكره.
[عن الأسود بن يزيد].
هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله براءتها بآيات تتلى من سورة النور، فمن رماها بالإفك فإنه كافر مكذب بالقرآن، وبما أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام، من هذه الآيات العشر التي تتلى في سورة النور، وهي: من أوعية السنة، وحفاظها، ولا سيما ما يتعلق بأحكام البيوت التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها روت الكثير عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة، ستة رجال وامرأة واحدة.
وهذا فيه بيان وقت الوتر، وأن الليل كله وقت للوتر، أول الليل وأوسطه وآخره، والنبي عليه الصلاة والسلام أوتر في أول الليل، وأوتر في وسطه، وأوتر في آخره، فدل هذا على أن الليل كله وقت للوتر، فإنه أوتر في أول الليل وأوسط الليل وأوتر في آخر الليل، وانتهى وتره إلى السحر، أي: أنه كان في آخر أمره عليه الصلاة والسلام أنه كان يوتر في السحر كما دل عليه الحديث المتقدم، الذي جاء عن عائشة أنه كان ينام، ثم يستيقظ، ثم يصلي ويوتر في السحر، ثم ينام بعد ذلك، فالحديث دال على أن الليل كله وقت للوتر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، وهذا، وهذا.
أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: (من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك)، وهذا فيه بيان أن الوتر يكون في آخر صلاة الليل، سواء كانت الصلاة في أول الليل أو وسطه أو آخره، فإن صلاة الليل تختم بالوتر، والتفصيل كما ذكرت آنفاً من وثق من نفسه أن يقوم فليوتر آخر الليل، ومن لم يثق فإنه يوتر قبل أن ينام كما أوصى النبي عليه الصلاة والسلام بذلك الصحابيين الكريمين أبا هريرة وأبا الدرداء رضي الله تعالى عنهما والله أعلم.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث بن سعد المصري].
ثقة، ثبت، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع مولى ابن عمر].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي وأحد العبادلة الأربعة وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي مر ذكرهم قريباً، وهذا الإسناد من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأنه من الرباعيات؛ لأن بين النسائي وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام أربعة أشخاص: قتيبة، والليث، ونافع، وابن عمر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر