أخبرنا عتبة بن عبد الله بن عتبة قرأت على مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك (أن
أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن البكاء على الميت، وذكر في الترجمة السابقة في البكاء على الميت، والمراد من ذلك الجواز، وهذه الترجمة فيها النهي، والفرق بين ما يجوز وما لا يجوز، وأن الجائز هو الذي يكون -كما أسلفت- عن حزن في القلب، ودمع من العين، وأما الذي لا يجوز فهو الذي يكون معه رفع صوت، فهذا هو الذي لا يجوز.
إذاً: فهناك ترجمتان: ترجمة في البكاء، أي: في جوازه، وترجمة في النهي عن البكاء على الميت، وهو الذي يكون على الصفة التي جاءت الأحاديث في المنع منها، وهي ما يكون فيها رفع صوت، ونياحة على الميت.
وقد أورد النسائي حديث جابر بن عتيك رضي الله تعالى عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى عبد الله بن ثابت يعوده وهو مريض، فوجده قد غلب عليه، أي: أنه قد فقد وعيه فجعل يصيح به، وكان: يناديه وهو لا يتكلم، فقد غلبنا عليك يا أبا الربيع. (فصاح به فلم يجبه فاسترجع رسول الله).
(صاح به) أي: ناداه، يا فلان، يعني: معناه رفع صوته يناديه وهو لا يجيبه؛ لأنه إما أنه لا يستطيع الإجابة، أو أنه قد أغمي عليه فهو لا يشعر.
(فاسترجع رسول الله) وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قوله:[(فصحن النساء وبكين)] أي: أقاربه، فجعل ابن عتيك يسكتهن فقال عليه الصلاة والسلام: [(دعهن، فإذا وجب فلا تبكين باكية)]. وهذا هو محل الشاهد، أي: إذا مات فلا تبكين باكية، وهذا نهي مؤكد بنون التوكيد الثقيلة (فلا تبكين باكية)، والمقصود البكاء الذي معه صوت، أما البكاء الذي لا صوت معه فقد فعله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفعل بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام، كما حصل لـجابر رضي الله تعالى عنه، وكما حصل لـفاطمة رضي الله عنها بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم، وقد مرت الأحاديث في ذلك.
قوله: [قالت ابنته: إني لأرجو أن تكون شهيداً قد قضيت جهازك]، أي: أنه تهيأ للجهاد، وقضى واستعد وجهز العدة للجهاد في سبيل الله عز وجل، فهي ترجو أن يكون شهيداً، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى قد أوقع أجره عليه على قدر نيته)، يعني: أن ما نواه من الخير، وما نواه من العمل الصالح فالله تعالى يثيبه على ذلك، وهو لم يتمكن من هذا، أعد العدة وتجهز، ولكنه لم يتمكن؛ وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الجهاد يكون بالنية كما جاء في الحديث: (إن في المدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر) يعني: إلا كانوا معكم بنيتهم وقصدهم، هذا هو الذي يدل على أن الإنسان يؤجر بنيته، وكذلك الإنسان الذي يتمنى أن يكون مثل غيره؛ ليعمل مثل عمله العمل الصالح فهذا على خير، وأما الحديث الذي ورد: (نية المؤمن خير من عمله) فهذا ضعيف لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(ما تعدون الشهادة؟)] أي: من الذي تعنونه بالشهادة؟ قالوا: الذي يقتل في سبيل الله عز وجل.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (الشهادة سبع سوى القتل) يعني: أن هناك شهداء، ولهم أجر الشهادة وإن لم يقتلوا في سبيل الله عز وجل، وذكر سبعة منهم في هذا الحديث، وقد جاءت أحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في ذكر جماعة من الشهداء، أي: في ثواب الآخرة، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأشار إلى أن الذين ثبتت فيهم أحاديث يبلغون عشرين أو قريباً من ذلك والإمام النووي في كتابه رياض الصالحين عقد ترجمة أورد تحتها جملة من الأحاديث التي فيها أمثال هؤلاء الشهداء، فقال: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة ويغسلون ويصلى عليهم، وذكر أنهم يغسلون ويصلى عليهم، وإنما هذه الشهادة إنما هي في الأجر والثواب، ولذلك قال النووي: باب ذكر جماعة من الشهداء في ثواب الآخرة، ويغسلون ويصلى عليهم، بخلاف الشهيد في قتال الكفار فإن هذا لا يغسل ولا يصلى عليه، ثم ذكر هؤلاء السبعة في هذا الحديث، وهم: المطعون، وهو: الذي أصابه الطاعون أو مات بسبب الطاعون، والمبطون وهو: الذي مات بسبب وجع البطن، وقيل: المرأة تموت في نفاسها، يعني: بسبب ولادتها، والغريق الذي يحصل له الغرق في الماء، وصاحب الهدم الذي يكون عليه انهدام بيت أو بناء، وصاحب ذات الجنب وهو: المرض الذي يكون في الجنب، ويكون سبباً في الوفاة، ويسمى بهذا الاسم، وصاحب الحرق، يعني: الذي أصابه احتراق بالنار، والمرأة تموت بجمع، يعني: في بطنها ولد، فهي شهيدة، فهؤلاء السبعة من جملة الشهداء الذين وردت فيهم أحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام تدل على أنهم شهداء وإن لم يكونوا من شهداء المعركة في الجهاد في سبيل الله، وقتال الكفار في سبيل الله عز وجل.
هو عتبة بن عبد الله بن عتبة المروزي، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده.
[قرأت على مالك].
هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، قال عنه الحافظ في التقريب: رأس المتقنين، وكبير المثبتين، يعني: أنه في القمة في الثقة، والحفظ، والعدالة رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك].
عبد الله بن عبد الله بن جابر وقيل: جبير بن عتيك الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أن عتيك بن الحارث وهو جد عبد الله بن عبد الله].
هو جد الذي قبله لأمه، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[أن جابر بن عتيك أخبره].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو صحابي، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
أورد النسائي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها في النهي عن البكاء على الميت، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء نعي خبر وفاة واستشهاد عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وهم الأمراء في غزوة مؤتة، وكانوا استشهدوا واحداً إثر الآخر، وجلس رسول صلى الله عليه وسلم وعليه الحزن يظهر على وجهه؛ لفقدهم ووفاتهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
[تقول: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف فيه الحزن وأنا أنظر من صئر الباب، فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين].
(فجاءه رجل فقال: إن نساء جعفر يبكين) وهو أحد الثلاثة الذين قتلوا في تلك الغزوة، وهي غزوة مؤتة، فقال: اذهب فانههن عن البكاء، هذا هو محل الشاهد، فذهب ونهاهن، ولم يحصل انتهاؤهن، فقال: إنهن أبين أن ينتهين، ولعل المقصود بقوله: (أبين أن ينتهين) أي: لم يحصل منهن الامتناع، والسكوت على البكاء، وليس المقصود أنهن قلن: إننا لا نمتنع، وإنما المقصود أنه يخبر بأنهن ما حصل منهن السكوت، وامتثال ما نهين عنه بقول: لا تبكين، فما استجبن لذلك، وصرن في البكاء، وحصل الاستمرار في ذلك هذا هو المقصود بقوله: [فأبين أن ينتهين]، ثم رجع إليه، فقال: (ارجع فانههن، فذهب ورجع، ثم جاء وقال: انههن... فقال: احث في أفواههن التراب، فـعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عرفت أن ذلك فيه إتعاب للرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك من كثرة المراجعة، وأن هذا الذي حصل منه، مع حصول الإتعاب منه للرسول صلى الله عليه وسلم ما هو فاعل لهذا الشيء الذي أرشد إليه، ولهذا قالت: [أرغم الله أنف الأبعد، إنك والله ما تركت رسول الله].
أي: ما تركت الرسول صلى الله عليه وسلم من المراجعة والترداد عليه، وإتعابه في الكلام، والأخذ، والرد، [وما أنت بفاعل]، أي: لا هذا ولا هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما استراح من مراجعتك، ومن ترددك، وأنت ما أنت بفاعل أي: هذا الذي أرشدت إليه.
أورد النسائي هذا الحديث من حديث عمر رضي الله عنه وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [(إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)] وهذا يدل على تحريم البكاء والنهي عنه، وأنه لا يبكى على الميت؛ ما دام الميت يعذب في قبره بسببه، فهذا يدل على النهي عن البكاء على الميت.
والمقصود بكونه يعذب بهذا البكاء إنما إذا كان عن رضى منه، أو عن رغبة فيه، أو وصية منه، وكان يعجبه ذلك ويحب ذلك، هذا هو الذي يعذب بسببه، وأما إذا ما رضي وكرهه ونهاهم عنه ثم بكي عليه، فالذي بكى وحصل منه النياحة ورفع الصوت يأثم، وأما الميت فإنه لا يصيبه شيء من ذلك العذاب، ولا يناله العذاب ولن يكون بكاء الحي سبباً في عقابه، وإنما الذي يعذب إذا كان سبباً في ذلك في كونه يرغب أو أوصى بأن يبكى عليه، أو يعجبه البكاء عليه، ويحب من غيره أن يبكي عليه، ويعلمون منه الرغبة في ذلك، وهم بكوا تحقيقاً لرغبته فهذا هو الذي يأثم؛ لأن وصول العذاب إليه بسببه هو وليس من غيره.
هو السرخسي ثقة، مأمون، سني، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وهو عبيد الله العمري المصغر تمييزاً عن أخيه عبد الله المكبر وعبيد الله ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وأما عبد الله المكبر، فهو ضعيف، فهم يقولون عند ذكره عبيد الله العمري المصغر يعني: أنه عبيد الله بالتصغير.
[عن نافع].
هو نافع مولى ابن عمر، وهو، ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عمر].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله تعالى عنهم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد مر ذكرهم آنفاً.
[عن عمر].
هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وأنه ذكر عنده الميت يعذب ببكاء الحي، فقال عمران: قد قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا هو محل الشاهد، وهو مرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكره عند هذا الكلام فقال: (قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام)، يعني: أنه رفعه عمران بن حصين إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو مثل المتن الذي قبله.
هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[حدثنا أبو داود].
هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج وقد مر ذكره قريباً.
[عن عبد الله بن صبيح].
صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[سمعت محمد بن سيرين].
هو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عند عمران بن حصين].
هو عمران بن حصين أبو نجيد صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله: (يعذب الميت ببكاء أهله عليه)، وهذا إذا كان راضياً بذلك، وراغباً فيه، أو أوصى به أو ما إلى ذلك، أما إذا كان من غير رضاه فإن هذا لا يعذب؛ لأنه ما تسبب في شيء، وإنما الذي يعذب هو المتسبب في البكاء.
قوله: [أخبرنا سليمان بن سيف].
هو أبو داود الحراني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يعقوب بن إبراهيم].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو سعد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب تابعي مشهور، وهو ثقة، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال في السابع منهم؛ لأن السابع منهم فيه ثلاثة أقوال، قيل: سالم هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[سمعت عبد الله بن عمر].
وقد مر ذكره.
[قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه].
عمر وقد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر