أخبرنا قتيبة في حديثه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله تعالى عنه (أنه أخبره أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ماتت فآذنوني، فأخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان منها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله، كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات)].
يقول النسائي رحمه الله: باب الإذن في الجنازة، المقصود من هذه الترجمة: الإخبار بالجنازة حتى يصلى عليها، وقد أورد النسائي رحمه الله، حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه في قصة المسكينة التي مرضت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعودها وكان يعود المساكين، وهي من جملتهم، فأمرهم أن يخبروه عنها إذا ماتت وذلك ليصلي عليها صلى الله عليه وسلم، وكانت قد ماتت في الليل، وذهبوا بها ودفنوها، ولم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنهم كرهوا أن يوقظوه، وأن يخبروه بذلك، فلما أصبح أخبر عنها، وقال: ألم آمركم أن تخبروني وتؤذنوني، فقالوا: إنا كرهنا أن نوقظك، فذهب وصف على قبرها معه جماعة من أصحابه وصلى عليها.
المقصود من الحديث هو قوله: (آذنوني)، يعني: أخبروني، وهذا يدل على جواز الإخبار عن الميت إذا مات حتى يصلى عليه، وحتى يعلم الناس أو بعض الناس ممن يهمهم ذلك بوفاته.
فلو أخبر بعض أئمة المساجد عن جنازة معينة، بأنه سيصلى عليها في الوقت الفلاني في المسجد النبوي أو في غير ذلك، فإن هذا لا بأس به، وهذا الحديث يدل على ذلك؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بأن يخبر عن وفاتها إذا ماتت حتى يصلي عليها، فدل هذا على أن مثل ذلك سائغ، وفي ذلك فائدة كبيرة، ومصلحة عظيمة حتى يصلي عليه كثير من الناس، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث.
والحديث فيه: بيان ما كان عليه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام من الرأفة والرحمة بالمساكين، والتواضع لهم، وأنه كان يعود المساكين في مرضهم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لم يخبروا النبي عليه الصلاة والسلام بوفاتها مع أمره إياهم بذلك؛ لأنهم كرهوا أن يطرقوا عليه، ويوقظوه من نومه ليخرج معهم إلى البقيع لدفن هذه الجنازة، والنبي عليه الصلاة والسلام لما لم يصل عليها قبل دفنها، فإنه ذهب وصلى معه جماعة من أصحابه على قبرها، وهذا يدلنا على أنه يجوز لمن فاتته الصلاة على الجنازة أن يصلي عليها على القبر بعد دفنها بمدة وجيزة، أما إذا طال الأمد وبعد العهد في الوفاة، فإنه لا يصلى عليها، ولكن يدعو الإنسان لصاحبها بدون صلاة، أما إذا كان الدفن حديثاً والعهد قريباً، فإنه يصلى عليها لفعل النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، هذا وهو كونه ذهب وصلى عليها، ولا يقال: إنه لم يصلَّ عليها فلذلك صلى عليها رسول الله، بل هذه صلاة أخرى، وصلاة ممن لم يصل، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لا يدفنونها بدون أن يصلوا عليها، فقد علموا الصلاة على الجنازة.
وفيه: دليل على جواز الدفن بالليل، ولكن الدفن بالنهار أولى ليكون فيه كثرة المصلين، بخلاف الليل، فإنه إذا مات الميت في الليل، ثم صلي عليه، والناس نائمون وذهب به ودفن، لا يحصل أن يصلي عليه مثل من يصلي عليه ما لو كان ذلك في النهار.
وفيه: أيضاً دليل على أن عدد التكبيرات في الجنازة أربعة، وهذا هو الغالب على فعله عليه الصلاة والسلام، وهو الذي فعله الخلفاء الراشدون من بعده، وإلا فإنه جاء زيادات على الأربع في أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي هو غالب والذي عمل به الخلفاء أربع تكبيرات.
ثم أيضاً في قوله: (كرهوا أن يوقظوه) أي: أن يشقوا عليه بالذهاب في ليلة ظلماء.
وفيه: ما يدل على بطلان ما يقوله بعض الذين يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام، والذين يقولون: إنه لا ظل له، وأنه إذا كان يمشي في الشمس، فإنه لا يكون له ظل، لأن نوره يقابل نور الشمس فلا يكون له ظل، فإن هذا من الغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام، ولو كان الأمر كذلك لما كان بحاجة إلى أن يكره أن يذهب في الظلام، وإذا مشى عليه الصلاة والسلام في الطريق يكون مضيء إضاءة حسية، والأمر ليس كذلك، بل نوره، وإشراقه، نور العلم، والإيمان، والحق، والهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه يكون يمشي في الظلام، ولا يقال: أنه لا يكون هناك ظلام ما دام أنه موجود؛ لأنه يضيء كما تضيء المصابيح، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أنه كان يصلي في حجرتها، وكان البيوت ليس فيها مصابيح، فإذا سجد غمزها حتى تؤخر رجلها، فإذا قام يصلي، مدت رجلها، ولو كان الأمر كما يقول هؤلاء الغلاة لما احتيج إلى أن يقول: والبيوت ليس فيها مصابيح، لأنه يكون مضيئاً، يعني: لكل ما حوله، ولا يكون هناك ظلام مع وجوده صلى الله عليه وسلم.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام، المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، والجماعة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن زهرة بن كلاب يلتقي نسبه مع نسب الرسول صلى الله عليه وسلم في كلاب، وقصي وزهرة أخوان وهما أبناء كلاب، وهو مشهور بالنسبة إلى زهرة فيقال: الزهري ومنسوب إلى جده شهاب فيقال: ابن شهاب، وهو إمام، فقيه، ومحدث جليل، ومكثر من رواية حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو الذي قام بجمع السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، كما قال السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمر له عمر
والمراد بهذه الأولية بالنسبة للجمع الذي يكون بتكليف من السلطان وولي الأمر، وإلا فإن الجمع والكتابة التي تكون بجهود فردية، وبأعمال خاصة هذا موجود من قبل ذلك، وفي الصحابة من كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك في التابعين، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه هو ممن كان يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه.
فإذاً: الجمع الذي قام به عمر أو الأولية التي حصلت من عمر هي بالنسبة لعمل السلطان والتكليف من ولي الأمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف].
وأبو أمامة رضي الله تعالى عنه، مشهور بكنيته واسمه: أسعد، قيل: إنه سمي باسم جده أسعد بن زرارة جده لأمه هو أسعد بن سهل بن حنيف، وهو معدود في الصحابة وله رؤية ولم يسمع من النبي عليه الصلاة والسلام، فحديثه من قبيل المرسل، ولكن أمثاله الغالب إنما كانوا يأخذون عن الصحابة الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن مهران أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ويلي أين تذهبون بي)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: السرعة بالجنازة، أي: الإسراع بدفنها إذا ماتت، فتجهز، وإذا حملها الناس يسرعون بها، لكن الإسراع الذي لا يحصل به مضرة بحيث يصير فيه سقوطها، أو إضرار بعضهم ببعض، يعني: لا يكون المشي بطيئاً، وإنما يكون سريعاً السرعة التي لا يحصل بها مضرة لا على الناس، ولا على الجنازة بحيث تسقط.
وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل يعني: السوء على سريره قال: يا ولي أين تذهبون بي؟) قوله: الرجل هنا ليس له مفهوم، بل النساء كذلك، وليس هذا خاصاً بالرجال، ولكن ذكر الرجل؛ لأن الغالب على الخطاب وعلى التكاليف أنه يخاطب بها الرجال، وأنه يذكر بها الرجال، وإلا فإن الأصل أن النساء مثل الرجال، إلا إذا جاء شيء يدل على اختصاص الرجال عن النساء، فعند ذلك يصار إلى ما دل على الاختصاص، أما حيث لا دليل على الاختصاص، فإنه يستوي الرجال والنساء كما هنا، فإذا وضع الرجل ليس له مفهوم، وكذلك مثله إذا وضعت المرأة على السرير أي: على النعش، لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وقد جاء في نصوص كثيرة يعني: تأتي الأحكام مضافة إلى الرجال، وليس المقصود بذلك خصوص الرجال، ومثل ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه) فقوله: (إلا رجل) ليس له مفهوم، بل مثله المرأة التي كانت تصوم مثل الإثنين والخميس وصادف أن الإثنين والخميس يوم (30) من شعبان أو (29) من شعبان فإن الرجال والنساء في ذلك سواء، وكذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد متاعه عند رجل، قد أفلس فهو أحق به من الغرماء) فكذلك المرأة إذا كانت مدينة، وأفلست ووجد المبيع عند المرأة، فإن الحكم كذلك، فذكر الرجال في بعض النصوص، ليس له مفهوم، وذلك أن الغالب على الخطاب إنما هو للرجال، فهذا من هذا القبيل.
فقوله: (إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني) يعني: قدموه إلى القبر أسرعوا به إلى القبر، وإذا كان بخلاف ذلك والعياذ بالله، قال: يا ولي أين تذهبون بي؟ وهذا يدلنا على أن الصالح والطالح كل منهما يعرف مصيره ويعرف حاله وهو بين أهله قبل أن يصل إلى قبره؛ لأن الرجل الصالح يقول: قدموني قدموني للشيء الذي بشر به، والذي بخلاف ذلك يقول: يا ويلي، وقد جاء في النصوص ما يدل على حصول ذلك من قبل عند خروج الروح، كما في حديث البراء بن عازب الطويل الذي فيه تفصيل ذلك، قال: (وأن الرجل إذا كان في إقبال من الآخرة وإدبار من الدنيا، أتته ملائكة بيض الوجوه، ومعهم كفن من الجنة، وحنوط من الجنة، فيكونون حوله، فيقول الملك: اخرجي أيتها الروح الطيبة إلى روح وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج تسيل كما يسيل القطر من في السقاء، وكذلك عكسه إذا قيل لها: اخرجي إلى سخط وإلى غضب تتفرق في الجسد فيستخرجونها من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول) وهي: الحديدة التي فيها أشواك إذا أدخلت في الصوف، ثم جرت منه ونزعت، فإنها لا تخرج إلا بتمزق ما يقابل تلك الأشواك التي هي معترضة، فيعلم الإنسان مصيره من أول وهلة من حين ما يخرج من هذه الحياة الدنيا يجد البشارة بالخير أو يجد البشارة والعياذ بالله بالسوء وبالعذاب.
وسيأتي في الحديث أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه الإنسان لصعق، يعني: أن الله عز وجل جعل هذا الصوت يسمع، ولكن الله تعالى أخفاه على بني الإنسان، لأن الإنسان لو سمعه لصعق.
وأيضاً من الحكمة في إخفاء ذلك التمييز بين من يؤمن بالغيب، ومن لا يؤمن بالغيب.
هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
هو عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، ثبت، جواد، مجاهد، عابد، قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب بعد ما ذكر جملة من صفاته الحميدة: جمعت فيه خصال الخير. وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي ذئب].
هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد المقبري].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن مهران].
هو عبد الرحمن بن مهران المدني، وهو مقبول، أخرج حديثه مسلم، والنسائي.
[عن أبي هريرة].
رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو عبد الرحمن بن صخر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين.
أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي هريرة إلا أن فيه زيادة أنه يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق، وهو مثل الذي قبله تماماً إلا أن فيه العدول عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة، وهذا من الرواة أو من الراوي من أجل الابتعاد عن الألفاظ، أو نسبة الألفاظ التي هي غير حسنة إليه، وإلا فإن الأصل أنها تقول: يا ويلي أين تهذبون بي؟ مثلما جاء في حديث أبي هريرة، هذا هو قولها مثلما قالت: قدموني قدموني في الصالحة، والطالحة تقول: يا ويلي أين تذهبون بي؟ لكن الراوي بدل ما يقول: يا ويلي أين تذهبون بي، قال: يا ويلها أين تذهبون بها؟ بدل ما يحكي لفظها الذي فيه ضمير التكلم أتى بضمير الغيبة، يعني: ابتعاداً كون الإنسان يتحدث ولو مجرد التحدث بأن يكون يضيف ذلك إلى نفسه فقال: يا ويلها، وهذا من جنس ما جاء في قصة وفاة أبي طالب وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، كلمة (هو) هو ما قال (هو) قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الراوي بدل ما يقول: أنا قال: هو على ملة عبد المطلب، فعدل عن ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة مراعاة للابتعاد عن ذكر التلفظ بالشيء وإن كان ليس هو المتكلم به، وإنما هو حكاية لغيره، فقوله: [(يا ويلها أين تذهبون بها)] هي في الأصل أنه قال: يا ويلي أين تذهبون بي، مثلما جاء في حديث أبي هريرة، لكن هذا من الراوي من أجل الابتعاد عن التكلم بضمير المتكلم، وإنما يكون بضمير الخطاب.
ثم أيضاً فيه: بيان قدرة الله عز وجل على أن الشيء الذي يحصل يسمعه أحد، ولا يسمعه أحد، فإن هذا الصوت يسمعه كل شيء إلا الإنسان، الحيوانات تسمع، والإنسان لا يسمع لأن الله تعالى حال بينه وبين أن يسمع ذلك، ومثله ما جاء في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فهو عليه الصلاة والسلام، كان يسمع وهم لا يسمعون، والله تعالى أخفى ذلك عليهم لحكم وفوائد، منها: التمييز بين من يؤمن بالغيب ومن لا يؤمن بالغيب، ومنها: ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لولا ألا تدافنوا)؛ لأنه لو ظهر للناس ما يجري في القبور من الصراخ، والصياح، والعذاب، والأمور الهائلة المهولة لمات الناس جزعاً، وضعفوا بحيث لا يستطيع بعضهم أن يدفن بعضاً، بسبب الضعف الذي يحصل لهم، لما يسمعونه من الصراخ، والصياح الذي يكون في القبور (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع)، فهو عليه الصلاة والسلام يسمع، وهم لا يسمعون، والحيوانات تسمع وهم لا يسمعون، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه: أن أهل الشام كانوا إذا احتبس الطعام في بطون الخيل يذهبون بها عند القبور، أي: قبور بعض الكفار لتسمع أصوات ما يجري في القبور فيحصل لها الانطلاق، يعني: الذي في بطنها فيحصل لها ذعر، وخوف، فيحصل انطلاق بسبب ذلك وخروج ما في بطنها بسبب ما حصل لها من الأمر الذي يفزعها، وهو: سماع ما يجري في القبور.
وقد مر ذكره.
[حدثنا الليث].
هو الليث بن سعد المصري، وهو المحدث، الفقيه، فقيه مصر ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه].
سعيد بن أبي سعيد هو المقبري وقد مر ذكره.
[عن أبيه].
هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري].
هو سعد بن مالك بن سنان صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، مشهور بكنيته أبي سعيد ونسبته الخدري، واسمه: سعد بن مالك بن سنان، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة، فخير تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) وهذا مثل الذي قبله لما كانت صالحة، فخير تقدم إليه، يعني: أنها تقدم إلى خير يسرع بها لتصل إلى الخير الذي بشرت به، وإن تك غير ذلك فشر يضعونه عن رقابهم، فهو مثل الذي قبله من حيث الدلالة على الإسراع بالجنازة؛ لأنها إن كانت على خير، فهي مقدمة على خير، وإن كانت مقدمة على شر، فهي تصل إلى شر، ولكن يتخلصون من حمل ذلك الشر على رقابهم.
وقد مر ذكره.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسفيان هنا غير منسوب ولكنه يروي عن الزهري، وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري فالمراد به ابن عيينة؛ لأن سفيان بن عيينة هو المعروف بالرواية عن الزهري كما قال ذلك الحافظ ابن حجر، وسفيان الثوري ذكر الحافظ ابن حجر في بعض المواضع في فتح الباري أنه لا يروي عن الزهري إلا بواسطة.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن سعيد].
هو سعيد بن المسيب، وهو ثقة، فقيه، أحد الفقهاء السبعة المعروفين في المدينة في عصر التابعين، وهو أحد السبعة باتفاق، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
ثم أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مثل الذي تقدم.
قوله: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله].
وقد مر ذكرهما قريباً.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن أبي أمامة عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي فيه أنه في جنازة عبد الرحمن بن سمرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معهم زياد بن أبيه، وكان جماعة من آله يعني: آل عبد الرحمن بن سمرة ومواليهم يتقدمون على الجنازة، وهم يسرعون بها أي: الحاملين بها، ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً بارك الله فيكم، يعني: يطلبون منهم أن يتمهلوا، أي: يسبقونهم، ثم يلتفتون إليهم ويمشون على أعقابهم ويقولون: رويداً رويداً، فلحقهم أبو بكرة رضي الله عنه، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: خلوا، يعني: اتركوهم لا تقولون لهم يمشون رويداً رويداً، وأخبر أنهم كانوا يكادون يرملون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في الجنازة، أي: أنهم يسرعون، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث هنا في الإسراع بالجنازة، أي: أنهم لما كان آل عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، يشيرون إلى الناس بالتمهل، وأن يمشوا رويداً رويداً قال: خلوا، يعني: اتركوهم يسرعون بها، وأخبر أنهم كانوا يسرعون مع رسول الله عليه الصلاة والسلام بالجنازة، وهذا فيه دليل على الإسراع بالجنازة، وهو محل الشاهد من إيراد الحديث هنا.
هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن].
هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو عبد الرحمن بن جوشن البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي بكرة].
هو أبو بكرة نفيع بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشهور بكنيته أبي بكرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث أبي بكرة من طريق أخرى، مختصراً مع ذكر آخره وهو المراد والمطابق للترجمة بالإسراع بالجنازة، وأنهم كانوا يرملون بها مع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهو مثل الذي قبله، مختصر ولكن فيه آخر الذي قبله.
قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
هو السعدي المروزي، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[عن إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وهشيم].
هو ابن بشير الواسطي، هو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة].
وقد مر ذكرهم.
الجواب: نعم يجزئ هذا، ولكن الأولى للإنسان أن يصوم الستة، والثلاثة، بحيث يصوم تسعة، ولكن لو نوى ذلك وكان عادته أن يصوم البيض فصام في البيض، ونوى ما كان يعتاده من صيام البيض، وكذلك أنها ست من شوال لا بأس بذلك، ولكن الأولى هو أن يأتي بالتسعة.
الجواب: كما هو معلوم هذا في المرض، وكما هو معلوم حصول المرض وشدة المرض هذا فيه زيادة أجر وثواب، وتكفير للسيئات في حق من عليه سيئات، وزيادة رفعة، وعلو درجة، فالأمر كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولو حصل شدة في المرض وشدة فيما يشاهده الناس، ويعاينه الناس، لكن بالنسبة لخروجها الذي لا يشاهده الناس، ولا يعاينه الناس هي بهذا الوصف الذي قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام، والناس لا يدركون هذا الذي يجري لا من جهة الروح التي تتفرق في الجسد، ويستخرجونها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، ولا بالنسبة للتي تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء تخرج بسهولة، ويسر كما تسيل القطرة من في السقاء.
الجواب: إذا كان هذا التعدد مقصوداً، يعني: بأن يصلي جماعة على حدة وجماعة على حدة، أو جماعة لا يصلون وراء أناس مثل ما يحصل في بعض البلاد من وجود التفرق في المذاهب، بحيث يصلي الحنفية على حدة، والشافعية على حدة، والمالكية على حدة، والحنابلة على حدة، وهذا موجود في بعض البلاد، وموجود في الشام، في الجامع الأموي يصلي جماعات متعددة، يعني: على اختلاف المذاهب، فهذا لا يجوز طبعاً، ومثل هذا العمل لا يسوغ، بل يجب أن يصلى في المسجد جماعة واحدة، وكان هذا موجوداً في المسجد الحرام، يعني: قبل مجيء الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، ولما جاء قضى على هذه الجماعات، وكان هناك مقامات في أطراف المطاف، هذا مقام الحنفي، وهذا مقام الشافعي، وهذا مقام المالكي، وهذا مقام الحنبلي، بنايات في الأطراف هي مقامات يقوم بها الأئمة في المذاهب الأربعة، وقد قضى على ذلك الملك عبد العزيز رحمة الله عليه.
وكانت المباني موجودة إلى عهد قريب حتى وسع المطاف، ثم أزيلت، ولكن منذ تولى الملك عبد العزيز رحمة الله عليه، فإنه جمع الناس على إمام واحد، ومنع تعدد الجماعات في المسجد.
فإذا كان المقصود أن أحداً لا يصلي وراء أحد وتتعدد جماعات في المسجد على اعتبار أن هؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء هذا الإمام، وهؤلاء يصلون على حدة ولا يصلون وراء ذلك هذا لا يجوز، بل يجب أن يكونوا جماعة واحدة، وكذلك أيضاً إذا كان هناك جماعة تأخرت عن الجماعة لتصلي جماعة وحدها مع قدرتها على أن تحضر الجماعة الأولى فأيضاً مثل ذلك لا يجوز.
أما إذا كانت الجماعة الثانية مسبوقة وكانت حريصة على أن تدرك الصلاة ولكن فاتتها الصلاة، فهذه لها أن تصلي جماعة، أو لهؤلاء أن يصلوا جماعة؛ لأنها قد فاتتهم الصلاة، وهم جاءوا للصلاة، ويريدون أن يدركوا الصلاة، ولكنها فاتتهم فلهم أن يصلوا جماعة، والدليل على هذا أن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء رجل قد فاتته الصلاة وقد صلى الناس قال: (من يتصدق على هذا فيصلي معه) فهذا يدلنا على أن الجماعة الثانية إذا وجدت للذي دخل ولو عن طريق الصدقة، فإنها من باب أولى إذا لم يكن هناك حاجة إلى الصدقة، يعني: إذا جاء شخص واحد نبحث عن واحد يصلي معه، وإذا جاءنا اثنين نقول: كل واحد يصلي في بيته، ليس الأمر كذلك، بل لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إيجاد الجماعة الثانية ولو عن طريق الصدقة، فيدل على جواز وجودها حيث لا حاجة إلى الصدقة من باب أولى، فلا مانع من إقامة الجماعة لمن فاتته الجماعة، أما إذا كان بالصفات التي ذكرت يعني جماعة ما يريدون أن يصلوا وراء جماعة أو جماعة لا يريدون أن يصلوا وراء الإمام، فهذا لا يجوز.
الجواب: المزح سائغ، لكن لا يصلح التوسع فيه، والانهماك فيه، وإذا حصل المزح يكون بما هو حق، لا يكون بما هو باطل، ولا يكون بما هو كذب، وإنما يكون مزح فيما هو فيه سلامة، لكن إذا كان المقصود منها بيان كذب الكاذبين وكيف وصل بهم الحد إلى كذا، فلا بأس بذلك، لكن التوسع بالمزاح ليس بلائق، ولهذا كانوا يعيبون على الشخص بكثرة المزح وكثرة المزاح، كما في بعض تراجم الرواة.
الجواب: يبدو والله أعلم، أنه حسي، يعني: تضيء، وفيها إضاءة وإشراق، أو هما معاً الحسي والمعنوي، هي في غاية الحسن، والجمال، وتكون تشرق هذا الإشراق.
الجواب: لا يجزم؛ لأن من كان عاصياً، فأمره إلى الله عز وجل إن تجاوز الله عنه، فإنه لا يعذب في قبره، وقد ذكر العلماء عشرة أسباب للسلامة من عذاب القبر، ذكرها شارح الطحاوية وذكرها غيره، ومنها: عفو أرحم الراحمين، يعني: تجاوز الله عز وجل، ومنها أسباب أخرى، لكن لزوم أو تعين حصول العذاب في القبر لا يجزم به، بل إذا تجاوز الله عز وجل عن الإنسان، فإنه لا يعذب.
الجواب: الإنسان يكون نظيف الفم عندما يصلي، لكن إذا كان صار في فمه شيء، فإنه لا يؤثر، ما دام أنه ما انشغل به عن الصلاة، لكن على الإنسان أن ينظف فمه قبل أن يدخل في الصلاة حتى لا يكون في فمه ما يشغله.
الجواب: يقضي أولاً؛ لأن القضاء فرض، والست نفل، والفرض مقدم على النفل، وأيضاً الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال) والذي عليه قضاء من رمضان لا يقال أنه صام رمضان، بل رمضان باق عليه (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) يعني: أدى الذي عليه فرضاً، ثم أتى بالنفل، فالذي عليه قضاء ما يعتبر صام رمضان، فرمضان لا يزال باقياً عليه، بل عليه أن يصوم الفرض ويتخلص من الدين، ثم يأتي بالنفل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر