أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (كان
يقول النسائي رحمه الله: القيام لجنازة أهل الشرك، الترجمة السابقة هي مطلقة، وهي القيام للجنازة، وهنا هذه الترجمة مقيدة وهي: جنازة أهل الشرك، والمقصود من الترجمة أن القيام الذي كان قد شرع، هو أنه للموت، وعلى هذا فيستوي جنازة المسلم وجنازة الكافر؛ وأن القيام ليس للجنازة نفسها، وإنما القيام هو للموت، ولتعظيم شأن الموت وللفزع منه والتنبه له، وعدم الغفلة عنه، فهذا هو المقصود من القيام، ولهذا جاء القيام في جنازة غير المسلمين.
أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث سهل بن حنيف وقيس بن سعد بن عبادة كانا في القادسية ومر عليهما بجنازة فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: أليست نفساً، يعني: أن الجنازة إنما هي نفس حصل لها الموت، والمقصود هو القيام من أجل الموت وليس من أجل الجنازة حتى ينظر هل هي مسلمة أو كافرة، وقولهم: هي من أهل الأرض يعني: من أهل البلاد التي فتحت، والتي صار أهلها أهل ذمة، والمقصود أنها ليست جنازة من جنائز الأجناد الذين جاءوا يجاهدون، وإنما هي من أهل الأرض التي أهلها كفار، الذين فتحت بلادهم عنوة ودخل واستولى عليهم المسلمون، فهذا هو المقصود من قوله: من أهل الأرض يعني: أهل البلد الذين هم كفار.
ثم أورد أنه لما قام، وقيل لهما ما قيل، استشهد بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم واستدل به على (أنه مر بجنازة فقام فقيل له: إنه يهودي فقال: أليست نفساً)، يعني: حصل لها الموت والتعظيم إنما هو لشأن الموت، وليس للجنازة لا المسلمة ولا الكافرة، فالقيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وللفزع منه، وللتنبه له، هذا هو المقصود من القيام التي جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا خالد].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن مرة].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن أبي ليلى].
ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[كان سهل بن حنيف].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هو ابن سعد بن عبادة سيد الخزرج، فأبوه سيد الخزرج، وقيس هذا ابنه، وهو صحابي مشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالطول فقد كان طويلاً جداً، وقيل: إن واحداً من النصارى قال: إنه أطول منه، وأراد أن يطاوله فلم يطاوله، ولكنه قال: أعطوه سراويلي فبلغت إلى حلق ذلك النصراني.
أورد النسائي رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وهو واضح في المقصود، وفيه بيان أن القيام إنما هو لتعظيم شأن الموت، وليست للميت، والنبي عليه الصلاة والسلام مر عليه بجنازة فقام، فقيل له: إنها يهودية [(فقال: إن للموت فزعاً فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)]، وهذا يدل على التعميم، وأن القيام يكون للجميع، للجنازة المسلمة والكافرة، وليس القيام من أجل الميت وإنما هو من أجل الموت وتعظيم شأنه، ولهذا قال: [(إن للموت فزعاً)]، وهذا يشمل حصوله للمسلم والكافر، ثم عقب ذلك بقوله: [(فإذا رأيتم الجنازة فقوموا)] يعني: الجنازة مطلقاً، يعني: سواء كانت مسلمة، أو كافرة، والتعظيم إنما هو لشأن الموت وليس للجنازة.
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[(ح) وأخبرنا إسماعيل بن مسعود].
قال: (ح) وهي علامة للتحول من إسناد إلى إسناد، وإسماعيل بن مسعود قد مر ذكره قريباً.
[حدثنا خالد].
هو ابن الحارث، وقد مر ذكره أيضاً قريباً.
[حدثنا هشام].
قد مر ذكره.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو ابن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة ثبت، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن مقسم].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم، وعن الصحابة أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في ألفيته بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر كالخدري وجابر وزوجة النبي
ثم قال: [واللفظ لـخالد] أي: للشيخ الثاني؛ لأن النسائي أورده من طريقين الطريق الأولى علي بن حجر عن إسماعيل عن هشام، والطريق الثانية عن إسماعيل بن مسعود عن خالد عن هشام، فقوله: واللفظ لـخالد أي: لشيخ شيخه في الطريق الثانية، وليس لشيخ شيخه في الطريق الأولى.
أخبرنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر قال: كنا عند علي فمرت به جنازة فقاموا لها فقال علي رضي الله تعالى عنه: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى رضي الله تعالى عنه، فقال: (إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ولم يعد بعد ذلك)].
أورد النسائي رحمه الله: الرخصة في ترك القيام في الجنازة، والمقصود من ذلك، أن الأمر الذي كان أولاً فيه الأمر بالقيام للجنازة، وردت أحاديث تدل على الترخيص في ترك القيام، وقد اختلف العلماء في ذلك أي: في القيام للجنازة وعدم القيام فيها، فذهب جمهور العلماء إلى أنه منسوخ، أي: واستدل على ذلك بهذه الأحاديث التي ستأتي من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام، ثم لم يعد بعد ذلك، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه قام للجنازة وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس، يعني: وأمرهم بترك القيام، فقال جمهور العلماء: إن هذا منسوخ، ومن العلماء من قال إن الأمر في القيام للجنازة يبقى على الاستحباب، وما جاء من الترك يدل على عدم وجوبه، وأنه بقي على الاستحباب، وأن الإنسان إن فعله فهو خير، وإن لم يفعله، فإنه لا شيء عليه، لكن ما جاء في بعض الروايات من كونه قام وأمرهم بالقيام، ثم جلس وأمرهم بالجلوس قد يكون فيه وضوح من جهة النسخ؛ لأن هذا كان أولاً، ثم هذا كان آخراً، يعني: أنه أمر بالقيام أولاً، ثم أمر بالجلوس ثانياً، وبهذا قال جمهور أهل العلم على أن القيام للجنازة منسوخ، والناسخ هو هذه الأحاديث التي أوردها النسائي وغيرها من الأحاديث التي جاءت عند غير النسائي والتي هي أوضح مما جاء عند النسائي كما عند الإمام أحمد وغيره، أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، ومعناه: أنه لم يقم، وأمر بترك القيام، وتعبير النسائي هنا بالرخصة يشعر بأن الأمر كأنه ما قاله بعض أهل العلم من أن الأمر بقي على الاستحباب وأنه حصل رخصة في عدم القيام، فيبقى الأمر على الاستحباب؛ لأن ذكر الترخيص يدل على أن الأمر كان عزيمة أولاً، وصار رخصة.
وأورد النسائي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه مر بجنازة فقاموا لها، فقال: ما هذا؟ قالوا: أمر أبي موسى، يعني: أن أبا موسى الأشعري روى لهم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر بالقيام للجنازة، يعني: أمر أبي موسى الذي جاء عنه مسنداً ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم بينوا مستندهم في القيام، وأن أبا موسى أمرهم بأمر استند فيه إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه: (إنما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية ثم لم يعد). يعني: ترك القيام، وما فعله بعد ذلك، فيكون ذلك ناسخاً، ومن المعلوم أنه جاءت أوامر للقيام للجنازة، وليس مجرد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، بل اجتمع فيها فعله وأمره، والترك أيضاً جاء فعله وأمره، يعني: أنه جلس، وأمرهم بالجلوس، فأولئك استندوا إلى ما بلغهم عن أبي موسى رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه بين أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مع جنازة يهودية، ثم إنه لم يعد بعد ذلك إلى القيام للجنازة.
وهذا يدل على ترك القيام، وأصرح منه ما جاء أنه قام وأمرهم بالقيام، ثم إنه جلس وأمرهم بالجلوس، وذلك متأخر الذي هو الترك، والأمر بالترك.
هو الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن أبي نجيح].
هو عبد الله بن يسار المكي وهو ثقة، ربما دلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بالتفسير والرواية عن ابن عباس فروى عنه التفسير.
[عن أبي معمر].
هو عبد الله بن سخبرة الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن علي].
هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره وأبو الحسنين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنه وعنهما وعن الصحابة أجمعين، وفضائله جمة ومناقبه كثيرة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من كتب أهل السنة أحاديث كثيرة تدل على فضله، ونبله، وعلو قدره رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفيه الغنية والكفاية دون حاجة إلى ما وضعه الوضاعون وكذبه الكذابون بحقه، ومما أضافوه إليه مما لم يثبت في حقه رضي الله عنه، ولكنه ثبت في حقه الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل هذه الأمة بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان وترتيب الخلفاء الراشدين في الفضل كترتيبهم في الخلافة، فأفضلهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (كنا نخير ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي فنقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام ولا ينكره)، فدل على تقديم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ويأتي بعدهم علي رضي الله تعالى عنه، وعن الصحابة أجمعين.
أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما (أنه مر فيهما جنازة فقام
وهذا الحديث فيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التعويل على الأدلة؛ لأن الحسن قام، وابن عباس لم يقم، وكل معه حجة ومعه دليل، فـالحسن لما قام، ولم يقم ابن عباس قال له: أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني: لماذا لم تقم، وقد قام الرسول صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودية؟ فقال ابن عباس: إنه جلس بعد ذلك، معناه: أن ابن عباس جلس؛ لأنه مستند إلى الترك الذي حصل من رسول الله عليه الصلاة والسلام، والحسن مستند إلى الفعل الذي حصل منه، ولعله لم يكن بلغه الترك، ولهذا أنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس بين له السبب في عدم القيام، وأن الفعل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم تركه بعد ذلك فلم يقم صلى الله عليه وسلم وإنما جلس، فلم يحصل بعد ذلك منه القيام.
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن زيد وهنا جاء غير منسوب مهمل، وهو يحتمل، والذي اشتهر بهذا وهم في زمن واحد، وفي وقت واحد، هما: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة وهما ثقتان، ولكن أحدهما اشتهر عنه رواة، انفردوا بالرواية عنه، وحماد ممن انفرد بالرواية عنه قتيبة، فإذا جاء قتيبة يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به ابن زيد؛ لأن قتيبة إنما روايته عن حماد بن زيد، وليس عن حماد بن سلمة، فهو ما روى عن حماد بن سلمة، ومثل ذلك أيضاً السفيانين إذا جاء قتيبة يروي عن سفيان فالمراد: ابن عيينة وليس المراد به: الثوري.
وقد عقد المزي في كتابه تهذيب الكمال بعد ترجمة حماد بن سلمة؛ لأن ترجمة حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، الأولى ترجمة حماد بن زيد ثم حماد بن سلمة؛ لأن هذا بالزاي وهذا بالسين، والسين مجاورة للزاي -، فصلاً وذكر فيه الاشتباه فيهما عند الإطلاق، وعند عدم النسبة، ثم ذكر من الذي يروي عن حماد بن زيد، ومن الذي يروي عن حماد بن سلمة، وأنه إذا جاء فلان، وفلان، وفلان يرويان عن حماد فالمراد به: ابن زيد، وإذا جاء فلان وفلان يروون عن حماد غير منسوب فالمراد به: ابن سلمة.
ومنهم أي: من الذين يروون عن حماد بن زيد ولا يروون عن حماد بن سلمة قتيبة هذا الذي معنا في الإسناد، وحماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أيوب].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد].
هو ابن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[مرت بـالحسن بن علي].
هو الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو والحسين سيدا شباب أهل الجنة رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أحد العبادلة الأربعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أحد العبادلة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل الذي قبله، فالحسن قام، وأنكر على ابن عباس عدم قيامه، وابن عباس أقر بأنه قام، ولكنه قعد بعد ذلك، فمعنى: [قعد] أنه ترك القيام، ولم يقم، فهو مثل الذي قبله تماماً.
هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله في كونه شيخ لأصحاب الكتب الستة محمد بن بشار الملقب بندار، ومحمد بن المثنى الملقب الزمن، وهؤلاء الثلاثة ماتوا في سنة واحدة، وكل منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد كانت وفاتهم سنة (252هـ)، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، البخاري توفي سنة (256ه) وهؤلاء الثلاثة وهم من شيوخ البخاري بل من شيوخ أصحاب الكتب الستة كلهم ماتوا في هذه السنة التي هي سنة (252هـ).
[حدثنا هشيم].
هو ابن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي.
والمراد بالتدليس رواية الراوي عمن لقيه وسمع منه، يروي ما لم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، فهذا هو التدليس، يعني: تلميذ يروي عن شيخه الذي عرف بالرواية عنه ما لم يسمعه منه، وذلك بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال)، أما إذا أتى بـ(سمعت)، أو (حدثني)، أو (أخبرني) فهذا ما فيه تدليس؛ لأنه صرح فيه بالسماع، (أما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يسمع منه، فإن هذا هو الإرسال الخفي، يعني: المعاصرة موجودة، ولكنه ما سمع منه، والإرسال هو كون الإنسان يروي عمن لم يسمع منه، أو عمن لم يلقه، أما إذا كان بينه وبينه مسافة فهذا صار إرسالاً جلياً كأن يروي عن شخص ما أدركه، يعني: يروي عن شخص مات قبل أن يولد وهذا يقال له إرسال، وهو إرسال بالمعنى العام، وليس بالمعنى المشهور عند المحدثين، فالمرسل عندهم هو الذي يقول فيه التابعي: قال رسول الله؛ لأن هذا الذي اشتهر، ويطلق الإرسال على ما هو أعم من ذلك، وهو كون الإنسان يروي عمن لم يلقه، أو لم يدرك عصره فذلك يكون إرسالاً جلياً، فكونه يروي عمن لم يدرك عصره كالتابعي الذي يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا يقال له: مرسل، لكن إذا كان الشخص قد أدرك عصره، ولكنه لم يلقه، ولم يسمع منه، فهذا يقال له: إرسال خفي؛ لأن المعاصرة فيها إشعار احتمال اللقيا والسماع، فـهشيم بن بشير الواسطي هذا كثير التدليس والإرسال الخفي، فهذا هو الفرق بين التدليس والإرسال الخفي، أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي.
[أخبرنا منصور].
هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن سيرين].
هو محمد بن سيرين.
وقد مر ذكرهما في الإسناد الذي قبل هذا.
أورد النسائي رحمه الله حديث ابن عباس والحسن من طريق أخرى مثل تلك الطرق إلا أنه أبهم فيها القائم والجالس، والطريقان السابقان جاء فيها تبيين القائم وهو الحسن، والجالس وهو ابن عباس، والمتن هو نفس المتن أحدهما احتج بقيام الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني احتج بأنه ترك القيام، وأنه جلس بعد ذلك ولم يقم.
يعقوب بن إبراهيم قد مر ذكره، وابن علية قد مر ذكره، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم.
[عن سليمان التيمي].
هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي مجلز].
هو لاحق بن حميد السدوسي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي مجلز.
أورد حديث الحسن الذي فيه ترك القيام، وعلل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة اليهودي؛ لأنه كان جالساً فأراد ألا تعلو رأسه، وهذا التعليل مخالف لما ورد في الروايات السابقة، التي فيها أنه قام من أجل الموت، وكما سيأتي أن القيام من أجل الملائكة، وليس من أجل الجنازة، لكن هذا التعليل قيل: أنه فهم فهمه الحسن من قيام رسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن النبي عليه الصلاة والسلام بين في أحاديث أخرى أن القيام إنما هو للموت، ولهذا قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام من بيان السبب فهذا هو الصحيح، وأما ما جاء عن الحسن رضي الله تعالى عنه، فقيل: أنه فهم فهمه، والمعتمد والمعول عليه، هو ما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام من أنه قام من أجل الموت، لأنه قال: (إن للموت فزعاً، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا) فقام وأمر الناس بالقيام، يعني: فلا يكون المقصود هو كونها مرت عليه فتكون أعلى من رأسه، كما فهمه الحسن رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
صدوق، أخرج حديثه الترمذي في الشمائل، والنسائي.
[حدثنا حاتم].
هو حاتم بن إسماعيل، وهو صدوق يهم، صحيح الكتاب، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن محمد].
هو جعفر بن محمد بن علي بن حسين، وهو الملقب بـالصادق، قد قال عنه الحافظ في التقريب: هو صدوق، فقيه، إمام، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ومثله أبوه محمد الملقب بـالباقر.
[عن أبيه]
هو محمد بن علي بن حسين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وهذان إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بهم.
فأهل السنة والجماعة هم الذين يتكلمون باعتدال، وينزلون الناس منازلهم، وأما أولئك فيتجاوزون الحدود، ويوصلونهم إلى منازل لا يستحقونها، بل يصفونهم بصفات لا تليق بهم، ومن تلك الصفات التي يصفونهم بها أنهم يقولون كما في كتاب الكافي للكليني أنهم يعلمون ما كان، وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم أي: الأئمة الاثنا عشر الذين منهم: جعفر الصادق، ومحمد الباقر، وكذلك قولهم في الكافي، مع أن قول صاحب الكافي -والأحاديث التي أوردها في الكافي هي مكذوبة بلا شك-: إن الأئمة يعلمون جميع الكتب المنزلة على المرسلين، وإنها عندهم، وإنهم يعلمونها بلغاتها، وكذلك قولهم في بعض الأحاديث المكذوبة: إنه ليس شيئاً من الحق إلا ما كان من عند الأئمة، وإن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، معناه: فكل شيء خرج عن طريق الصحابة يعني: عن أبي بكر، وعمر، وعثمان والصحابة، فإنه من الباطل وليس من الحق، والحق هو ما خرج من عند الأئمة.
وكذلك أيضاً يقول في الكافي: إن واحداً من الأئمة يقول لبعض الشيعة: الناس ثلاثة: عالم، ومتعلم، وغثاء، فنحن العالمون -يعني: الأئمة- وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس غثاء، يعني: الذين ليسوا من أئمة الاثني عشر، ولا من شيعة الأئمة الاثني عشر هؤلاء غثاء، فهذا حديث من أحاديث الكافي وهذا كلام المتقدمين، أما كلام المتأخرين المعاصرين، فيقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية: (وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، وقوله: (إن من ضروريات مذهبنا) أي: مذهب الرافضة، (أن لأئمتنا) أي: الاثني عشر ومنهم: جعفر، ومحمد الذي هو معنا في هذا الإسناد (مقام لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل)، هذا كلام المتأخرين المعاصرين، وذاك كلام المتقدمين، وكلها غلو وإطراء وتجاوز للحدود، وخروج عن الصراط المستقيم، أما أهل السنة والجماعة فهم يحبون أهل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام ويتولونهم، ومن كان منهم من أهل الإيمان والتقى يحبونه لإيمانه ولتقواه، ويحبونه لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، يقول: (والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)، والأثر في صحيح البخاري، ويقول: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) والأثر في صحيح البخاري.
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فإنه يقول للعباس: (والله لإسلامك أحب إليّ من إسلام الخطاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحب إسلامك)، فهو يحب، ويفرح بإسلام العباس أعظم من فرحه بإسلام الخطاب، وذلك لمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لإسلام العباس، فهذا كلام أئمة أهل السنة، والمقدمين عند أهل السنة والجماعة أبي بكر، وعمر هذا هو الذي قالوه في أهل البيت، وأهل السنة والجماعة على طريقتهم يتولونهم، ويحبون من كان منهم مؤمناً، ويحبونه أيضاً لقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعفر بن محمد، ومحمد بن علي، والحسن هؤلاء ثلاثة من أئمة أهل السنة، وهم من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويقولون فيهم ما قالوا، وبئس ما قالوا.
أورد النسائي رحمه الله حديث جابر من طريقين وهي من طريق واحد، ولكنها بلفظين، أي: أبو الزبير يروي عن جابر وسمع جابراً، ورواه النسائي عنه من طريقين عن أبي الزبير أنه قال: [قام النبي لجنازة يهودي مرت به حتى توارت].
يعني: حتى تجاوزت، ومضت، ونفذت، فهو مثل الذي قبله، فعندنا لفظان الأول قوله: [قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي مرت به حتى توارت]، ثم اللفظ الآخر قوله: [.. جنازة يهودي].
وهذا اللفظ لا يتفق مع هذه الترجمة؛ لأنه يتعلق بالقيام للجنازة، والترجمة إنما هي للرخصة في ترك القيام للجنازة، فليس فيه دلالة على الترجمة؛ لأن فيه إثبات القيام للجنازة حتى توارت، فهو يناسب للترجمة السابقة التي هي القيام للجنازة.
هو القشيري النيسابوري يتفق مع الإمام مسلم، في نسبه ووطنه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر