الترجمة التي عقدها النسائي والتي مرت قبل: أرواح المؤمنين وغيرهم. وقد أورد النسائي في ذلك عدة أحاديث سبق أن مر بعضها، وقد أورد فيها هذا الحديث وبعض الأحاديث التي بعده، وليس فيه تنصيص على ما يتعلق بالروح نفسها من حيث أين تذهب، وأين تكون بعد مغادرة الجسد، أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(كذبني ابن آدم، ولم يكن له أن يكذبني، وشتمني ابن آدم وما كان ينبغي له أن يشتمني، أما تكذيبه إياي فقوله: إنني لا أعيد الخلق كما بدأته، وأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولداً، وأنا الله الواحد الأحد، الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد)]. ليس فيه كما أشرت نص يتعلق بالروح، ومن المعلوم أن العمل إنما يكون من الروح والجسد في هذه الحياة الدنيا، والعذاب والنعيم يكون في الآخرة على الروح والجسد؛ لأن العمل لم يحصل من الجسد بدون الروح، ولم يحصل من الروح بدون الجسد، والجزاء إنما هو للذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، والعقاب على الذي عمل، والذي عمل هو الروح والجسد، فهو بمجموع الأمرين.. فالثواب لمجموع الأمرين الروح والجسد، والعقاب لمجموع الشيئين الروح والجسد.
وهذا حديث قدسي، والأحاديث القدسية هي: التي تضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم مسنداً إياه إلى ربه، وهذا هو الذي يشتمل على ضمائر المتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى، والتي لا يمكن أن يتكلم بها غيره؛ لأن الضمائر ترجع إليه، ولا ترجع إلى غيره، فقول الله عز وجل: (كذبني وشتمني) هذا ضمير متكلم يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، فالمتكلم بذلك هو الله سبحانه وتعالى، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما يحكي كلام الله سبحانه وتعالى، وغالباً ما تكون الأحاديث القدسية أنها تأتي مصدرة بقوله: (قال الله عز وجل)، أو (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا)، ثم ترجع الضمائر إلى الله عز وجل كما في الأحاديث مثل: (الصوم لي، وأنا أجزي به) (يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني) (يا عبادي، كلكم عار) (يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) فالذي يقول: يا عبادي، هو الله سبحانه وتعالى، وهذه هي الأحاديث القدسية التي تضاف إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوحي الغير متلو؛ لأن الوحي وحيان وحي متلو هو القرآن، ووحي غير متلو وغير متعبد بتلاوته وهي السنة، ويدخل تحتها الأحاديث القدسية؛ لأنها ليست متعبداً بها، وهي من كلام الله سبحانه وتعالى، لكن هل لفظها أو لفظ الأحاديث القدسية من الله؟ فلو أن الأحاديث القدسية ما دخلتها الرواية بالمعنى، لكان المتكلم بها هو الله سبحانه وتعالى، لكن لما كانت الأحاديث القدسية كغيرها من الأحاديث تدخلها الرواية بالمعنى، وتأتي بألفاظ مختلفة وهي من تصرف الرواة ومن عمل الرواة؛ لأن الراوي إذا أتقن المعنى ولم يتقن اللفظ، فله أن يرويه وأن لا يكتمه، وإذا عقل اللفظ والمعنى جميعاً فيأتي بهما جميعاً وهذا هو الأحسن.
إذاً: فالأحاديث القدسية هي التي تأتي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً إياها إلى ربه سبحانه وتعالى، وهي مشتملة على ضمائر للتكلم ترجع إلى الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(كذبني ابن آدم وما كان له أن يكذبني)] ثم بين ذلك بأنه قال أي: ابن آدم أن الله تعالى لا يعيده، والله تعالى أخبر بأنه يعيد الخلق مرة أخرى، وأنه قادر على ذلك، قد جاء في القرآن آيات كثيرة تحكي عن الكفار زعمهم إنكار البعث، وأن الله عز وجل لا يعيد الإنسان بعد أن أفناه، وبعد أن أكلته الأرض، ولهذا جاء في القرآن في سورة يس في آخرها: أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس:77] وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78] يعني: أنها إذا اختلطت بالأرض، وانتشرت، وتفرقت فلا تعاد، والله عز وجل قال: وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78] وفي هذا الجواب يكفي، لكن جاء بعدها قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس:79] يعني: فجاء الجواب مرتين، مرة في قوله: (ونسي خلقه) ومرة بعد ذلك في أن الله تعالى هو الذي أنشأها لأول مرة، وهو الذي يعيدها سبحانه وتعالى، فهذا هو التكذيب الذي حصل من ابن آدم، أن الله تعالى أخبر بأنه يعيد وهو يقول: إن الجسد لا يعاد، وكيف يعاد إذا كان عظاماً؟ وكان رفاتاً؟ وكان تراباً؟ ولهذا الله عز وجل يقول: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: فنحن نعيد، ونستخرج من التراب هذه الأجزاء التي اختلطت بالتراب.
والبعث وإعادة الخلق إنما تكون للخلق الأول، وليس خلقاً جديداً، فعندما يبعث الناس لا يخلقون خلقاً جديداً، وإنما يبعث الجسد الذي كان في الدنيا، والذي أكلته الأرض واختلط بالأرض، فهذا هو الذي يعاد، ولهذا قال: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4] يعني: فنحن نعلمه، ونستخرجه من الأرض، ونجمع الأجزاء بعضها على بعض، حتى يعود الجسد الذي كان في الدنيا ليلقى الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن كان محسناً حصل الثواب، وإن كان مسيئاً حصل العقاب.
والجزاء إنما هو على الجسد والروح، الجسد الذي كان في الدنيا هو الذي يعاد، ويثاب، ويعاقب، والروح كذلك معه؛ لأن النعيم للروح والجسد، والعذاب للروح والجسد، وليس خلقاً جديداً؛ لأنه لو كان خلقاً جديداً، لكان العذاب يقع على جسد غير الذي أساء، لكن العذاب يقع على الجسد الذي أساء، وليس على جسد جديد لا وجود له في الدنيا، وقد جاء ذلك مبيناً في القرآن: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ [يس:65] فمعناه: أن الأيدي تقول: بطشت في الدنيا، والأرجل تقول: مشيت، الجوارح تشهد بما حصل منها، وتلك التي تشهد هي التي كانت في الدنيا ليست أجساداً جديدة لا وجود لها في الدنيا، ولم يحصل لها وجود في الدنيا، وإنما التي وجدت في الدنيا هي التي أعيدت، وهي التي تنعم وتعذب، تجازى بالإحسان إحساناً، وتعاقب على الإساءة بالعقوبة التي يستحقها المسيء، فهذا هو التكذيب، يعني في كونه يستبعد أن تكون الأجزاء المتفرقة تجتمع.
والله عز وجل بين في القرآن كيفية البعث، وكيفية الإعادة بالنصوص، أي أن: الله تعالى أحيا بعض المخلوقات في الدنيا التي منها يتبين كيفية البعث يوم القيامة، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام، لما أمره الله عز وجل بأن يأخذ أربعة من الطيور، ثم يقطعهن ويمزق لحمهن، ويخلطه بعضه إلى بعض، ثم يأخذ من كل هذه اللحم المخلوط من الطيور الأربعة قطعة، ويضع كل قطعة في جهة، ثم يدعهن، فتنطلق تلك الأجزاء التي اختلطت الأربعة، وكل طير تجتمع أجزاؤه حتى يعود الطير على هيئته التي كان عليه، وقد اجتمع لحم الطيور الأربعة وخلط بعضه ببعض، حتى صار قطعة واحدة، ولكن الله عز وجل يجعل كل جزء من هذه الأجزاء تذهب وتثبت في مكانها الذي نزعت منه، حتى يعود الجسد كما كان قبل أن تذبح تلك الطيور، فهذه كيفية البعث.
وجاء في السنة أيضاً ما يوضح هذا، كما سيأتي في الحديثين الآتيين ففيهما بيان ذلك.
وأما قوله: [(شتمني)] فما زعمه وادعاه بأن الله تعالى اتخذ الصاحبة والولد، والله عز وجل هو الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وهذا هو الذي اشتملت عليه سورة الإخلاص، وهذا مقتضى سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4]، وهو سبحانه وتعالى الصمد الذي تصمد إليه الخلائق بحوائجها، فكل من سواه مفتقر إليه لا يستغني عن الله لحظة.
وكذلك من يكون له والد، ومن يكون له ولد يكون محتاجا ويكون غير مستغن؛ لأن الولد غير مستغن عنه الوالد؛ لأنه هو الذي نشأه ورباه، والوالد أيضاً يحتاج للولد يساعده، ولا سيما إذا كبر، وكذلك ليس هناك من يكافئه ويساويه ويماثله، فالله تعالى مستغن، وهو منزه عن الأصول، والفروع، والأشباه، والنظراء، فليس معه أصول، وهذا هو معنى قوله: (لم يولد)، أس: لم يكن له أصل، يعني: لم ينشأ عن ولادة، ولم يكن له فرع، فلم يتفرع منه ولد، فهو مستغن عن الأصول والفروع، النظراء والأشباه والنظائر، وهذا هو معنى قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4] فهو مستغن عن الأصول والفروع، والنظراء، والأشباه، والنظائر، وهذا فيه كمال غناه سبحانه وتعالى، وكمال عظمته وجلاله أنه الواحد، الأحد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فهذا شتمه لربه، وهذا سبه لربه كونه قال هذه المقالة، وأضاف ذلك إلى الله عز وجل.
هو الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي صاحب الشافعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا شعيب بن الليث].
هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبيه].
هو الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، إمام، مشهور، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عجلان].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي الزناد].
هو عبد الله بن ذكوان المدني لقبه أبو الزناد على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، كنيته أبو عبد الرحمن ولقبه أبو الزناد على صيغة الكنية اللقب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعرج].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني مشهور بلقبه الأعرج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه، يعني: أنه وقع في ذنوب وخشي أن الله تعالى يعاقبه على ذنوبه، فانقدح في ذهنه أنه إذا عمل عملاً، فإنه ينجو من عذاب الله، وأوصى بنيه إذا مات أن يحرقوه ويسحقوه، ثم يذروه في البحر في الهواء حتى تتساقط أجزاء ذلك الرماد الذي جاء نتيجة لإحراقه وسحقه في البحر، وقال: [(لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين)]، فوقع في ذهنه أنه إذا صار على هذه الطريقة أنه يتلاشى جسده ويضمحل وأنه يسلم من عذاب الله عز وجل.
وهذا الرجل من المسلمين وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا يغفر لهم، وهذا قد غفر له، ولكنه صاحب معاص أسرف على نفسه، وظن لجهله أنه إذا فعل بجسده ذلك أنه ينتهي، وأنه لا يناله العذاب، وأن الله تعالى لا يعذبه، فالله عز وجل أمر كل شيء أخذ منه شيئاً أن يؤديه، يعني: أن يلفظه وأن يخرجه، فخرجت تلك الأجزاء التي انتشرت في البحر، ورجعت حتى عاد الجسم كما هو، فإذا هو قائم على هيئته قبل أن يحرق، وقبل أن يفرق وتذر أجزاؤه في الهواء، فالله تعالى أعاد تلك الذرات حتى عاد الجسد كما كان، قال: [(ما حملك على ذلك، قال: خشيتك)]، أي: يخشى من عقاب الله عز وجل، فغفر الله له، وهذا يدل على أنه من المؤمنين، وليس من الكفار؛ لأن الكفار لا سبيل إلى المغفرة لهم، ولا سبيل إلى نجاتهم وسلامتهم، بل ليس أمامهم إلا النار، ولا يغفر الله تعالى لهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فكل ذنب دون الشرك فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عن صاحبه وإن شاء عذبه، ولكنه إذا عذبه لا بد له أن يخرجه من النار ويدخله الجنة، أما الكافر، فإنه لا سبيل له إلى المغفرة، ولا سبيل له إلى الجنة؛ لأن الله تعالى شاء أن لا يغفر للكفار، سبقت مشيئة الله عز وجل وقضاؤه وقدره، أن الكافر لا يغفر له، أما غيره فهو تحت المشيئة إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه، وإذا عذب ينجو الإنسان في آخر الأمر ويسلم، ويدخل الجنة، والكافر هو الذي يدخل النار ويستمر فيها أبد الآباد، ولا يخرج منها بأي حال من الأحوال.
فالحديث واضح الدلالة على أنه مسلم، ولكنه حصل عنده ذهول، وحصل عنده شيء أذهله من الخوف حتى قال هذه المقالة، ويشبه هذا الكلام الذي قاله في حال الذعر، وشدة الخوف، فتكلم بهذا الكلام وظن هذا الظن أن الله تعالى لا يعذبه إذا كان بهذه الطريقة.. وهذا يشبه في جانب شدة الفرح قصة الرجل الذي قال: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، حصل له شيء جعله يذهل، ويتكلم بكلام غير صحيح فعكس القضية، يعني: الأصل أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، وهذا أخطأ من شدة الذعر، وهذا الذي في الحديث أخطأ وتكلم بهذا الكلام من شدة الذعر، ومن شدة الخوف، وهذا أخطأ من شدة الفرح، فهذا فيه خطأ في جانب الفرح، وهذا منه خطأ في جانب الخوف والخشية، فغفر الله له.
وفي هذا: دليل على كيفية البعث، وكيفية إعادة خلق الإنسان بعد الموت، وأنه تعاد أجزاؤه ولو كانت تفرقت في البر والبحر، الله عز وجل يأمر كل من وقع عليه جزء من هذه الجزئيات بأن يؤديه، يعني: بأن يلفظه وأن يتركه، وأن يخرج منه، فتخرج تلك الأجزاء حتى تعود كل ذرة إلى مكانها، ويعود الجسد كما كان.
والحديث كما هو معلوم ليس فيه شيء يتعلق بذكر الروح؛ لأن الروح إذا مات الإنسان نزعت الروح، ولها اتصال بالجسد، والجسد هو الذي أحرق، ومزق، وذر في الهواء حتى صار متفرقاً في البحر، فخرجت تلك الأجزاء من البحر حتى عاد الجسد كما كان، والله عز وجل يقول: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق:3] قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4]، فنحن نعيد تلك الأجزاء من الأرض حتى تركب كل ذرة في مكانها، وحتى يعود الجسد على هيئته التي كان عليها.
هو كثير بن عبيد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن محمد].
هو محمد بن حرب الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[الزبيدي].
هو محمد بن وليد الحمصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[الزهري].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري من صغار التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
هو حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
ثم أورد النسائي من حديث حذيفة رضي الله عنه، يعني: في قصة الرجل الذي أسرف على نفسه والذي كان في الأمم السابقة، وحصل منه ما حصل وأوصى بهذه الوصية، وأهله نفذوا هذه الوصية، وفيه، أنه قال: [(فأمر الله الملائكة فتلقت روحه)]، ومن المعلوم أن الملائكة تتلقى الأرواح من الأجساد سواء كانت محسنة، أو مسيئة، وقد جاء ذلك مبيناً في أحاديث إذا كانت طيبة تخرج وتبشر قبل خروجها، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء من سهولة خروجها؛ لأنها تخرج إلى ما بشرت به، وأما إذا كانت بخلاف ذلك -والعياذ بالله- تبشر بالعذاب، فإنها تتفرق في الجسد، ويبين ما أمامها من الوعيد وما أمامها من العذاب، فتستخرج من الجسد كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، يعني: الحديدة التي فيها أشواك، ثم تكون في صوف، فإذا جرت فإنه يتمزق من الصوف ما يكون مقابل تلك الأشواك، يعني: معناه شدة الإخراج، فهذا تشبيه لشدة الإخراج، فهي لا تريد الخروج؛ لأنها ستخرج إلى عذاب، فالملائكة تتلقى الأرواح إن كانت طيبة، فتكون في كفن من الجنة وحنوط من الجنة، وإذا كانت سيئة يؤتى بشيء من النار والعياذ بالله فتوضع فيه، كما جاء ذلك مبيناً في حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه في مسند الإمام أحمد وغيره.
فقال هنا: [(تلقت الملائكة روحه)]، وأما الكلام على الحديث فهو مثل الرواية السابقة يعني: من جهة أنه أوصى بأن يحرق، وأن يطحن، وأن يذر في الهواء، وأنه إن قدر الله عز وجل عليه لا يغفر له، فالله عز وجل أمر الذرات بأن تعود كل ذرة إلى مكانها، وقال له: (ما حملك على ذلك، قال: مخافتك فغفر له).
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المشهور بـابن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، وهو ممن وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث، فقيه.
[حدثنا جرير].
هو جرير بن عبد الحميد الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو ابن المعتمر الكوفي من أقران الأعمش، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ربعي].
هو ربعي بن حراش الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن حذيفة].
هو حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا قتيبة قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: البعث، وفي الحقيقة الأحاديث التي مرت هي ألصق بالبعث؛ لأن فيها كيفية البعث، فالأول كون الله عز وجل يعيد الجسد، وأن ابن آدم كذب الله أنه لا يعيده، والله تعالى يعيده، والثاني والثالث في قصة الذي أسرف على نفسه، والله تعالى أعاد تلك الذرات حتى رجعت كل ذرة إلى مكانها، وهذه كيفية البعث، وأن أجسادهم تعود كما كانت، لا أنه يخلق أجساداً جديدة.
وقد أورد النسائي في هذه الترجمة حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: [(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ويقول: إنكم ملاقو الله عز وجل حفاة، عراة، غرلاً)].
سمع ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم يخطب، على المنبر يقول: [(إنكم ملاقو الله حفاة، عراة، غرلاً)] فهذا فيه: البعث، وأن الناس يلاقون الله عز وجل عندما يبعثون في مكان الفصل بين الناس، ومكان الحشر، حفاة، عراة، غرلاً، حفاة ليس على أرجلهم شيء، وعراة ليس على أبدانهم شيء، وغرلاً غير مختونين، كما خلقوا أولاً يعادون، حتى أنهم لما خلقوا في الأول غير مختونين فإنه يعاد خلقهم غير مختونين على الهيئة التي كانوا عليها؛ لأن الله قال: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] يعني: نفس الهيئة التي كان عليها عند الإيجاد الأول، يكون عليها عند الإيجاد الثاني من جهة أنه يولد أغرل ويوجد حافياً، ويوجد غير كاس، فكذلك يعاد ويبعث على الهيئة التي كان عليها حافياً، عارياً، أغرل، وهو غير مختون، وليس على رجليه شيء، وليس على جسده شيء، فالناس يبعثون على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية.
وجاء خلقهم ثانياً غرل؛ لأن الله تعالى وعد بأن يعيد الخلق كما كان أول مرة، ولما كانت العزلة موجودة أول الخلق وجدت عند الخلق الثاني، فيكون الخلق الثاني مطابقاً للخلق الأول حتى في الغرلة التي كان عليها في الخلق الأول: [(إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلاً)].
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وبغلان قرية من قرى بلخ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو].
هو عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه [أن الناس يحشرون عراة، غرلاً، وأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم قرأ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104]]، يعني: فيه توضيح لكونهم يخلقون حفاة، عراة، غرلاً، فكذلك يكون بعثهم على هذه الهيئة، وعلى هذه الكيفية.
فهذا الحديث مثل الذي قبله، ولكن فيه زيادة إيضاح أن خلقهم غرلاً، ويعاد خلقهم غير مختونين حتى يكون ذلك مطابقاً لما حصل لخلقهم الأول، والله تعالى قال: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] يعني: على الهيئة التي كان عليها تماماً، حتى الغرلة تكون موجودة.
ثم قال: [(أول من يكسى إبراهيم)] أي: بعد ما يخرجون حفاة عراة، فأول من يكسى ويستر جسده هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ثم يكسى الناس بعده، وقيل في تخصيص إبراهيم بهذه الميزة وتقديمه على غيره أقوال من أحسنها: أنه لما رمي في النار فتجرد لله عز وجل جازاه على صبره، وإيمانه، بأن جعله هو الذي يكسى أولاً، ومثل هذه الفضيلة لإبراهيم لا تعني أن يفضل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، بل هذا يدل على فضله، ولا يدل على أفضليته على من هو أفضل منه، وهو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن أفضل الأنبياء والمرسلين هو نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، ويليه إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
هو العنزي البصري الملقب الزمن، والمكنى بـأبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو من شيوخ أصحاب الكتب الستة، كلهم رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، ومثله في ذلك شخصان آخران، وهما: محمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الثلاثة جميعاً ماتوا في سنة واحدة وهي سنة (252هـ) أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة (256هـ).
[حدثنا يحيى].
هو ابن سعيد القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثني المغيرة بن النعمان].
هو المغيرة بن النعمان الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب إلا الترمذي فإنه لم يخرج له شيئاً.
[عن سعيد بن جبير عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهما.
أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وأن الناس يبعثون [حفاة عراة غرلاً، فقالت: فكيف بالعورات] أي: كيف يحشرون حفاة، عراة، غرلاً، الرجال ينظرون للنساء والنساء ينظرن إلى الرجال، [فقال عليه الصلاة والسلام: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37]] يعني: جاءهم ما يشغلهم عن أن يفكروا بالعورات، وأن ينظروا إلى العورات، فالأمر أعظم من ذلك؛ لأن عندهم ما يذهلهم من شدة الخوف، ومن شدة الفزع الذي هم فيه لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:37] يغنيه من أن يفكر بهذه الأمور، وأن ينقدح في ذهنه شيء من هذه الأمور، بل عنده ما يشغله، وعنده ما يغنيه عن أن يفكر في ذلك.
هو عمرو بن عثمان الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[حدثنا بقية].
هو بقية بن الوليد الحمصي، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[أخبرني الزبيدي].
هو محمد بن الوليد الحمصي، أخرج له الجماعة إلا الترمذي.
[عن الزهري].
وقد مر ذكره.
[عن عروة].
هو عروة بن الزبير بن العوام، أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
أي: خالته عائشة أم المؤمنين، وهي الصديقة بنت الصديق التي حفظ الله تعالى بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به من الإثم في آيات تتلى من كتاب الله عز وجل، وكان من فضلها ونبلها أنها تحتقر نفسها وترى أنها دون هذا الذي خصت به، وأعطيت إياه، وكانت تقول رضي الله عنها: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) قالت: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا، يعني: يحلم في المنام على أنها بريئة، ولكن الله تعالى برأها بقرآن أنزله على رسوله، يتلو الناس فيه على مر العصور والدهور براءتها، وهذا من فضلها، ونبلها، وتواضعها لله عز وجل، تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى) يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه: (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) عندما جاء ذكر الآل، وأن أمهات المؤمنين داخلات فيه، ذكر تراجم مختصرة لهن جميعاً، وذكر شيئاً من مناقب كل واحدة، ولما ذكر عائشة رضي الله عنها، ذكر من مناقبها في هذه الترجمة أنها لتواضعها ونبلها وفضلها كانت تقول هذه المقالة، فقال رحمه الله: (فأين هذا ممن يصوم يوماً، أو يصلي ليلة، ثم يقول: أنا فلان، وأنا فلان). أي: يتبجح بعمله، ويدل بعمله، وهذه الصديقة بنت الصديق يحصل لها ما يحصل من الفضل ثم تقول: (ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى)، وهذا شأن أولياء الله عز وجل، أنهم مع كمالهم، ومع شرفهم، ونبلهم يتواضعون لله عز وجل.
ثم أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وفيه ما في الذي قبله إلا أنه قال لما قالت: [(الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض، قال: الأمر أعظم من أن يهمهم ذلك)]، يعني: عندهم ما يشغلهم، وعندهم من الهول، والفزع، والذعر ما يشغلهم أن يفكر بعضهم في العورات، أو النظر إلى العورات؛ لأن عندهم ما يشغلهم عن ذلك.
هو عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى القطان، وهو ثقة، ناقد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبو يونس القشيري].
هو حاتم بن أبي صغيرة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر