أخبرنا علي بن حرب حدثنا محمد بن فضيل حدثنا أبو سنان ضرار بن مرة عن أبي صالح عن أبي سعيد أنه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله تبارك وتعالى يقول: الصوم لي، وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فجزاه فرح، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)].
ثم أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، الأول حديث علي، وهنا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل ما تقدم بالجمل الثلاث: (الصوم لي وأنا أجزي به)، (وللصائم فرحتان)، (ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، كل هذه الجمل الثلاث التي كل واحدة منها تدل على فضل الصيام، قد تقدمت في الطريقين السابقتين، والكلام فيها نفس الكلام.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه زيادة أن الأعمال التي يعملها الإنسان غير الصيام الحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف له إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال الله عز وجل: (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، يعني: أنه يجزي به بغير حساب، ففيه: زيادة ما ذكر في أوله من كون الله يثيب على الحسنة بعشر أمثالها، وأن الله يضاعف أضعافا كثيرة إلى سبعمائة ضعف، إلى أكثر من ذلك.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما تقدم، إلا أن المتقدم فيه الزيادة، والذي قبله فيه زيادة وهي قوله: [(يدع شهوته وطعامه من أجلي)]؛ لأن هذا من الأمور الخفية، وهو يدعها من أجل الله، ولا يطلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى؛ ولا يطلع عليها الناس، وهنا قال في الحديث الذي معنا.
قوله: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب)، (لا يرفث)، الرفث: يطلق على الفاحش من القول، كما يطلق أيضاً على الجماع، وأسباب الجماع، فقوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ يَتَّقُونَ [البقرة:187]، المقصود به: الجماع، ومقدمات الجماع، فيأتي الرفث يراد به الجماع، ويأتي مراداً به الفاحش من الكلام، ومن المعلوم أن الصائم ممنوع من الجماع، وممنوع أيضاً من الفاحش من القول، وهذا دائماً وأبداً، ليس خاصاً في الصيام، ولكن التنصيص على الصيام دليل على أن الأمر أعظم، والأمر أشد، فمن باب أولى أن الإنسان يمنع من الفاحش من القول حال الصيام، وليس معنى ذلك أنه في غير الصيام يفعل هذا الرفث الذي هو الفاحش من القول، بل لا يفعله دائماً وأبداً، ولكن الأمر يكون في الصيام أعظم، مثل قول الله عز وجل في الأشهر الحرم: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة:36]، والظلم ممنوع، أي أن: الإنسان ممنوع من الظلم دائماً، لكن في الأمكنة الفاضلة وفي الأزمنة الفاضلة، يكون الأمر أشد، والأمر أعظم، فلا يظلم الإنسان نفسه، لا في الأشهر الحرم، ولا في غيرها، لكن في الأشهر الحرم الأمر أعظم إذا وجد الظلم، كما أنه في الأمكنة الفاضلة عندما توجد المعاصي، فالأمر أعظم، فليست المعصية في الحرم كالمعصية في البلاد البعيدة النائية، وليس من يعصي الله عند الكعبة كمن يعصيه في البلاد النائية والأماكن البعيدة، فمن يعصي الله في مكة والمدينة أخطر، وأعظم ممن يعصي الله في أي مكان؛ لأن المكان له شرفه وله ميزته، وكذلك الزمان أيضاً له شرفه وميزته.
قوله: [(ولا يصخب)]، يعني: يصيح وتصدر منه أصوات مزعجة، وفيها إزعاج وإيذاء، فلا يفعل ذلك، وإنما يكون على هدوء وسكينة، (فإن سابه أحدٌ أو شاتمه فليقل: إني صائم)، يقولها بنفسه، وبلسانه، يتذكر في نفسه أنه صائم، فهو لا يقابل ذاك، وإن كان للإنسان أن يقابل السيئة بالسيئة، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، لكن كونه يمتنع، ولا يقابل، ويتذكر الصيام ويقول: إني صائم، هذا هو الذي ينبغي.
وهذه الطريق من طرق حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، في بيان حديث فضل الصيام، الذي جاء فيه الفضل للصيام من وجوه عديدة، منها قول الله عز وجل في الحديث القدسي: (الصوم لي وأنا أجزي به، كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها)، قال الله عز وجل للصوم: (فإنه لي، وأنا أجزي به، والصوم جنة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان: فرحةٌ عند فطره، وفرحةً عند لقاء ربه)، فهذه الجمل الدالة على فضل الصيام، قد تقدم ذكرها في الأحاديث السابقة، أو في الطرق السابقة، وهي دالة على فضل الصيام من هذه الوجوه العديدة، من جهة إضافة الصيام إلى الله عز وجل، والأعمال كلها لله سبحانه وتعالى، لكن الصوم له ميزة يتميز بها، وهي: أنه أبعد ما يكون عن الرياء في الأعمال، ذلك لأنه من الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، وكذلك أن الصوم جنة، وهو جنة من النار، وجنة من المعاصي، والأمور المحرمة؛ لأنه يخفف على الإنسان فيجعله ليس فيه من قوة تدفعه إلى أن يسترسل مع الشهوات، فالصوم يكون سبباً في عدم جموحه، وعدم حصول القوة التي تدفعه إلى الوقوع في الشهوات، وقد بين عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود لما قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أحصن للفرج، وأغض للبصر، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، أي: بمنزلة الخصاء الذي لا يكون للإنسان شهوة معه، وذلك لما يحصل للإنسان بسبب الصوم وقلة الأكل، والتمتع بالنعم، من عدم القوة التي قد توقعه في الأمور المحرمة.
وكذلك الصيام، الصائم له فرحتان: فرحة عند فطره يفرح بفطره، وعند لقاء ربه يفرح بصومه، فهو يفرح في الدنيا لأنه أتم عبادة، ويفرح في الآخرة لأنه عمل عملاً يثاب عليه في الدار الآخرة، وكذلك جاء في الحديث: (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحدٌ أو سابه، فليقل: إني صائم)، المقصود بالرفث: الفاحش من القول، ويطلق أيضاً على الجماع، ومقدمات الجماع، وكل هذه ممنوعة في حال الصيام، أما الفاحش من القول فهو ممنوع في حال الصيام، وفي غير حال الصيام، ولكنه يكون آكد في حال التلبس بالعبادة التي هي: الصيام، فإن الأمر يكون في ذلك آكد، وإلا فإن المنع من الفاحش من القول مطلوب من الإنسان دائماً وأبداً في حال صيامه، وفي غير حال صيامه.
وأما الرفث الذي هو الجماع، ومقدماته، فهو فيما أحل الله عز وجل، فهو ممنوع في حال الصيام، ومباح في ليلة الصيام، كما قال الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [البقرة:187]، وهو جماع النساء، ومقدمات الجماع، فإن ذلك مباحاً في ليلة الصيام، ولكنه غير جائز في حال الصيام، (ولا يصخب)، والصخب هو: رفع الصوت، وحصول الأصوات المزعجة التي تدل على قلة الحياء، وقلة المروءة، فلا يصخب الإنسان، وإن سابه أحد أو شاتمه فليذكر نفسه أنه صائم، وليذكر من يقابله بأنه صائم، فيقول بنفسه، وبلسانه: إنه صائم، وذلك يكون سبباً في عدم وقوعه في المقابلة بالشتم، وبالسب، والعيب.
وقوله: [(ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك)]، الخلوف هو: الرائحة التي تنبعث من الجوف في آخر النهار بسبب الامتناع عن الأكل والشرب، فإنه يخرج من الجوف رائحة مستكرهة تنبعث منه، وهذه الرائحة المستكرهة التي تحصل في حال الصيام بسبب التلبس في هذه العبادة، وبسبب الامتناع عن الأكل والشرب، شأنها عظيم عند الله عز وجل، وهي يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك، وهذا مثل ما جاء في الشهيد، يأتي يوم القيامة يثعب دمه، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فالدم وإن كان مستكرهاً، وخروجه من البدن لا تميل إليه النفوس، ولكنه لما كان خروج الدم في سبيل الله، فإن شأنه عظيم عند الله، ولهذا يأتي يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وهذه الرائحة المستكرهة في هذه الحياة الدنيا شأنها عظيم عند الله عز وجل، وهي أطيب عند الله من ريح المسك، ذلك لأنها رائحة غير مستحسنة، ومستكرهة، ولكنها كانت في طاعة الله، وفي سبيل الله، فيكون شأنها عظيماً عند الله، وتكون أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك.
المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن حجاج].
هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو ابن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح الزيات].
يأتي في بعض الروايات: أبي صالح السمان، واسمه: ذكوان، وكنيته: أبو صالح، ولقبه: الزيات، والسمان، ويقال له: الزيات لأنه كان يجلب الزيت يبيعه، ويقال: السمان لأنه يجلب السمن يبيعه، فقيل له: السمان، والزيات لذلك، ولا تنافي بين كونه يأتي في بعض الروايات: السمان، وفي بعض الروايات: الزيات، فكلها صحيحة؛ لأنه يبيع السمن، ويبيع الزيت فيقال له: الزيات، ويقال له: السمان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتملت عليه الطريق السابقة من ذكر خصال عديدة، كل واحدة منها تدل على فضل الصوم، وقد عرفنا تلك الخصال، أو تلك الجمل، ودلالتها على فضل الصيام.
قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].
هو محمد بن حاتم بن نعيم، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن سويد].
هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
[عن عبد الله].
هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن جريج].
وقد مر ذكره.
[عن عطاء بن أبي رباح].
وقد مر ذكره.
[أخبرني عطاء الزيات].
وليس هناك شخص يقال له: عطاء الزيات، والصواب: أبو صالح الزيات الذي مر ذكره في الروايات السابقة، وإنما هذا خطأ، والمقصود: أبو صالح الزيات، وليس عطاء الزيات؛ لأن صاحب الرواية والمعروف بها هو أبو صالح الزيات، والحافظ ابن حجر لما ذكر عطاء الزيات في التقريب ذكر أنه وقع في النسائي بهذه الصورة، والصواب عن أبي صالح الزيات، ولم يذكر شخصاً يعرف بـعطاء الزيات، ولكنه قال: إن الصواب هو: أبو صالح الزيات، هو الذي عرفنا أنه ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
ثم قال: [وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة، وسعيد بن المسيب]، يعني: سعيد بن المسيب يرويه عن أبي هريرة؛ لأنه جاء من الطرق المتقدمة عن أبي هريرة، وفيه عطاء بن أبي رباح يروي عنه غيره، ثم ذكر أن هذا الحديث جاء أيضاً عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وقد ذكر طريقين من هذه الطرق، أو ذكر طريقين فيهما رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ثم ذكرهما بعد ذلك.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق سعيد بن المسيب رحمة الله عليه، وهو يشتمل على جملتين من الجمل المتقدمة الدالة على فضل الصيام، وهي: [ (الصوم لي وأنا أجزي به، ولخلفة فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) ].
قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].
والربيع بن سليمان اثنان هما: الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وهما مصريان، وهما يرويان عن ابن وهب، ولا ندري أيهما؟ لكن كيفما كان، فإن كل منهما ثقة.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب].
ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى من طريق سعيد بن المسيب، وهو مشتمل على الجملة الأولى الدالة على فضل الصيام وهي: [ (الصوم لي وأنا أجزي به) ]، وقد مر ذلك.
هو أحمد بن عيسى المصري، وهو صدوق، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا ابن وهب].
وقد مر ذكره.
[عن عمرو].
هو عمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكير].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.
فعبد الله الذي تقدم يذكر عنده هو ابن مسعود.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر