أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس أبو حصين، حدثنا عبثر، حدثنا حصين، عن الشعبي، عن محمد بن صيفي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء: (أمنكم أحد أكل اليوم؟ فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان، فهل يصوم بقية يومه؟
المقصود من هذه الترجمة: أن المسافر رخص له في الإفطار لسفره، والحائض يلزمها أن تفطر، وألا تصوم لحيضها، لكن إذا طهرت الحائض في أثناء النهار في رمضان، واغتسلت، والمسافر قدم من سفر، وانتهى السفر، وجاء إلى أهله في أثناء النهار، فهل يمسك بقية يومه؟ عليه أن يمسك بقية يومه، وليس له أن يأكل؛ لأن الترخيص انتهى، والرخصة كانت للسفر وقد انتهت، فلا يأكل عند أهله وهم صائمون؛ لأنه صار حاضراً، وانتهى من السفر، فالإمساك بقية اليوم متعين؛ لأن الترخيص صار لسبب، ولو كان ذلك الإمساك لا يفيده شيئاً من حيث أن ذلك اليوم هو ملزم بقضائه، لكن حرمة الشهر، وحرمة الزمن والوقت، والسبب الذي من أجله حصل الترخيص قد انتهى، فإذاً عليه أن يكون ممسكاً.
ومثل ذلك لو كان خبر دخول الشهر ما ظهر إلا في أثناء النهار، أي: علم بأن الهلال رؤي البارحة، ولكن ما علموا إلا بعد طلوع الفجر، فإنه يلزمهم أن يمسكوا بقية اليوم، وعليهم القضاء، فالحائض إذا طهرت في أثناء النهار، والمسافر إذا قدم في أثناء النهار، وانتهى سفره، ومثل ذلك خبر الشهر إذا جاء بعد دخول النهار، فإن الواجب هو الإمساك، وعدم الأكل في نهار رمضان، والإنسان حاضر مقيم، هذا هو المقصود من هذه الترجمة.
[عن محمد بن صيفي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء: (أمنكم أحدٌ أكل اليوم؟ فقالوا: منا من صام ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم)].
أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم عاشوراء: (أمنكم أحدٌ صائم؟ قالوا: منا الصائم، ومنا المفطر، فأمرهم أن يتموا بقية يومهم)، الصائمين، وغير الصائمين، ومحل الشاهد هو الكلام في غير الصائمين، الذين كانوا مفطرين، أمروا بأن يتموا بقية يومهم، وفسر هذا على أساس أن صيام عاشوراء مستحب، وأنه تطوع مؤكد، وإذا كان في حق التطوع فالواجب من باب أولى، وفسر أيضاً بأنه كان في أول الأمر قد فرض صيام عاشوراء، ثم بعد ذلك نسخ، وفرض صيام رمضان، ولكنه مخير فيه بين الصيام وبين الإفطار والإطعام كما عرفنا آنفاً، ثم ألزم بالصيام، ونسخ التخيير بين الصيام. والإفطار مع الإطعام، وعلى هذا فيكون على أساس أنه فرض وأنه واجب، وعلى كل حال سواءً كان فرضاً، وأن هذا في أول الأمر، أو كان تطوعاً والرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الإمساك، فإن كان فرضاً فالأمر واضح، وإن كان تطوعاً وقد أمر بالإتمام، فإن الفرض يكون من باب أولى، معناه أنه يمسك بقية يومه، وعلى هذا استدل النسائي على أن الحائض والمسافر مثل هؤلاء يمسكون بقية يومهم، بما جاء في هذا الحديث من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام الصيام في حق من كان فإنه يواصل، ومن كان مفطراً فإنه يمسك بقية يومه.
ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي. وهنا كما رأينا النسائي ذكر شيخه وأطال في نسبه، أي: أن التلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، يطيل في نسبه أو يختصر نسبه، له ذلك، وإنما الذي ليس له ذلك هو من كان دونه، وإذا أراد أن يأتي بشيء يوضح فإنه يأتي بكلمة (هو) أو بكلمة (يعني)، وهنا نرى أن النسائي أطال في ذكر نسب شيخه، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا عبثر].
هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حصين].
هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الشعبي].
هو عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن صيفي].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه النسائي، وابن ماجه.
أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن يزيد أنه حدثنا سلمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل: (أذن يوم عاشوراء: من كان أكل فليتم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم)].
أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: إذا لم ويجمع من الليل، يعني: إذا لم يعزم النية، ويعقد النية، يجمع العزم على الصيام من الليل، فهل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟، وهنا قال النسائي: من التطوع، وأورد حديث عاشوراء الذي سبق أن مر، وهذا فيه أن النسائي بناه على أنه تطوع، ومن المعلوم أنه إذا كان هذا في التطوع، فإن الفرض يكون من باب أولى، وعلى القول الآخر الذي ذكرت، وهو أن صوم عاشوراء كان أولاً واجباً، وأنه فرض ثم نسخ إلى صيام رمضان مع التخيير، ثم نسخ بالإلزام بصيام الشهر بدون تخيير، وهنا الترجمة على أن صيام عاشوراء أنه تطوع، والمقصود أن الإنسان إذا لم يجمع النية من الليل، فإن له أن يمسك، وله أن يعقد النية في أثناء النهار، ما دام أنه لم يأكل فينوي، وتنعطف النية، وترجع إلى ما كان من قبل، لكن إذا كان الإنسان قد أكل، فإنه يعتبر مفطراً، ولكن الحديث أمر بالإمساك في حق من كان مفطراً، أما إذا كان في صيام التطوع، أكل بعد طلوع الفجر فليس بإمكانه أن يصوم؛ لأنه أكل في النهار، ومن أصبح غير آكل، فإن له أن ينوي من أثناء النهار، ويكون ما مضى داخلاً في الصيام، وتنعطف النية على ما مضى، يعني الذي سبق الشروع في الصيام، فيكون الذي مضى، والذي يأتي كله داخلاً في النية، وهذا في النفل دون الفرض، أما الفرض فلا بد من نية من الليل كما سيأتي في الأحاديث، ولهذا لو لم يأت الخبر في شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر، ولو كان الإنسان لم يأكل شيئاً، فيجب عليه أن يمسك، وعليه القضاء.
ولا تكفي النية في أثناء النهار للفرض؛ لأنه لا بد أن تكون جميع أوقات النهار داخلة في النية، والنية متقدمة، وليست متأخرة، والنية المتأخرة تنفع في النفل، ولا تنفع في الفرض، فالفرض لا بد من نية من الليل، لأن صيام التطوع يكون بنية من الليل، وبنية من النهار، لكن بشرط ألا يكون قد أكل، أما إذا كان قد أكل بعد الفجر، فلا سبيل إلى صيامه، ولا إلى تطوعه؛ لأنه لا يعتبر صائماً النهار من أوله إلى آخره.
[عن سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (أذن يوم عاشوراء: من كان أكل فليتم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم)].
[من أكل فليتم بقية يومه]، معناه: أنه يمسك، [ومن لم يأكل فليصم]، يعني: إذا لم يأكل فليصم، وتنعطف النية، وهذا هو المقصود، يعني إذا لم يجمع النية من الليل، فإنه في التطوع يأتي بالنية في أثناء النهار، ويدخل فيها ما مضى قبل النية وبعد النية، والمقصود بـ [أذن]، أي: أعلم الناس وأخبرهم، وقد مر في الحديث الذي قبل هذا.
[فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم]، معنى أهل العروض: أهل أطراف المدينة ونواحيها، والتي تتبعها، يعني يبلغون هذا الذي بلغ به أهل المدينة، حتى يعملوا كما عملوا.
هو أبو موسى العنزي الملقب بـالزمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يزيد].
هو يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع، وقد مر ذكره، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
[حدثنا سلمة].
قد مر ذكره.
أخبرنا عمرو بن منصور، حدثنا عاصم بن يوسف، حدثنا أبو الأحوص، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا، قال: فإني صائم، ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إليّ حيسٌ، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله، إنه أهدي لنا حيسٌ فخبأت لك منه، قال: أدنيه، أما إني قد أصبحت وأنا صائم فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها)].
أورد النسائي رحمه الله: النية في الصيام، والاختلاف على طلحة، يعني المراد بالنية هنا: النية المتعلقة بصيام النفل، وهي إما أن تكون في أثناء النهار كما سبقت الإشارة إليه، وأما بالنسبة للفرض فإنها لا تكون في أثناء النهار، بل لا بد أن تكون من الليل، بحيث تكون النية سابقة لجميع الوقت، ونية الصيام قد سبقته قبيل طلوع الفجر، أي: بحيث يكون من أول الصيام، والنية موجودة، أما إذا طلع الفجر، ولم توجد النية، فإنها لا تنفع، أو لا ينفع صيام الفرض والحالة هذه؛ لأنها ما وجدت النية في جميع أجزاء النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يعني مضى جزء من الوقت ليس فيه نية، والنية لا بد أن تتقدم في صيام الفرض، ولا يلزم أن تتقدم في صيام النفل، والأحاديث التي أوردها بعد هذه الترجمة مباشرة تتعلق بالنفل.
فـعائشة رضي الله عنها تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليهم في النهار ولم يكن قد أكل شيئاً من الليل بعد طلوع الفجر، فقال: هل هناك أكل فقالوا: لا، قال: [إني صائم]، يعني: عزم على الصيام أو نوى الصيام، ولكنه سأل إذا كان هناك شيء فسيأكل، ولكنه لم يجد شيئاً فنوى أنه صائم، فانعطفت النية فشملت المستقبل وانعطفت إلى الماضي من الزمن، قال: [إني صائم]، ومعنى هذا أن النية ما وجدت في التطوع إلا في أثناء النهار.
ثم لما جاءها وقد أهدي لهم حيس فخبأت، والحيس: هو طعام مؤلف من تمر وسمن وأشياء أخرى كالإقط، لكن فيه التمر والسمن، ومعه شيء آخر يضاف إليه، هذا يقال له: الحيس، ويضرب المثل بشدة الاختلاط، فيقال: اختلط الناس اختلاط الحيس، يعني مثل ما يختلط السمن مع التمر مع غيره إذا عجن ودخل بعضه في بعض، فهذا هو الحيس.
قوله: [ثم أهدي إليّ حيس، وخبأت للنبي صلى الله عليه وسلم].
[وخبأت]، معناه: أنني أخذت قطعةً منه أو جزءاً منه، ووضعته في مكان لا يصل إليه أحد؛ مخبأ، ما هو أمام الناس، ولا أمام الأنظار، فجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله: [وكان يحب الحيس، قلت: يا رسول الله، إنه أهدي لنا حيسٌ فخبأت لك منه، قال: ادنيه، أما إني قد أصبحت، وأنا صائم، فأكل منه].
يعني أصبح وهو صائم، وكان قد نوى الصيام، ثم إنه أكل منه، وهذا يدل على الجواز، الإنسان إذا أصبح صائماً وهو متطوع، وأراد أن يفطر فله ذلك، ولكن الأولى كما هو معلوم أن الإنسان يتم صومه، لكن إن أراد أن يفطر، فإن له ذلك كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والمقصود هو ما يتعلق بالجملة الأولى التي فيها أنه أصبح وهو لم يأكل شيئاً، وبعد ذلك سأل: هل عندهم شيء يأكله، فقالوا: لا، فنوى الصيام، فوجدت النية للتطوع في أثناء النهار، وانعطفت على الماضي، فصار الصيام بهذه النية التي في أثناء النهار شملت ما بعد النية وما قبل النية.
قوله: [ثم قال: إنما مثل الصوم].
أي: إنما مثل صوم التطوع مثل الإنسان الذي اقتطع قطعةً من ماله ليتصدق بها، فإن أمضاها أمضاها، وإن حبسها حبسها؛ لأنها ما دام أنها لم تصل إلى من يستحقها، فإن الأمر يرجع إليه، ولكن الإمضاء خير من الإمساك، كما أن الصيام، ومواصلة الصيام خير من الإفطار.
هو عمرو بن منصور النسائي، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا عاصم بن يوسف].
ثقة، أخرج له البخاري، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا أبي الأحوص].
هو أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة متقن، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن يحيى بن طلحة].
هو طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، يعني جده أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو صدوق يخطئ، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة رضي الله عنها].
قد مر ذكرها.
أورد النسائي رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الطريق السابقة، لكن هنا إنما مثل في غير رمضان.
هذا بالنسبة للتطوع ففيه الاستمرار أو الإفطار، وأما في رمضان، وقضاء رمضان فليس له أن يفطر، والعبارة غير واضحة في السياق؛ لأنه في غير رمضان أو التطوع؛ لأن التطوع هو غير صيام رمضان، وغير القضاء، يعني ما عدا ذلك يقال له: تطوع، إلا شيء ألزم الإنسان نفسه به، فهذا يلزمه بإلزامه، وما عدا ذلك فإنه تطوع، وهذا هو الذي ضرب له المثل، في أنه مثل صاحب الصدقة، إن شاء أن يمضيها أمضاها أو يمضي بعضها، وإن شاء أن يمسك أمسك، ما دام أنها لم تصل إلى من يستحقها، وهي في حوزته، فإن ذلك إمكان الإمضاء، وإمكان عدمه.
هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يزيد].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا شريك].
هو شريك بن عبد الله القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن مجاهد عن عائشة].
وقد مر ذكر هؤلاء الثلاثة.
أورد النسائي رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهي مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا عبد الله بن الهيثم].
هو العبدي، وهو لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده. و(لا بأس به) تعادل (صدوق)، وهي مثل صدوق إلا عند يحيى بن معين فهي تعادل ثقة، وغير يحيى بن معين فهي دون الثقة، وهي تعادل صدوق.
[حدثنا أبي بكر الحنفي].
هو عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، حجة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن طلحة بن يحيى، عن مجاهد، عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر