أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي حدثنا حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: (أن
عقد الترجمة لقوله: سرد الصيام، وكان مقصوده منها؛ لأنه جاء في نفس الحديث: (إنني أسرد الصيام)، والمقصود: أنه يكثر منه، ويوالي صيامه، لكنه لا يدل على أنه يصوم الدهر، لكنه يدل على أنه يكثر من الصيام وأنه يواليه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الصيام في السفر؟ فقال: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر).
فقد مر حديث حمزة بن عمرو الأسلمي من طرق عديدة فيما يتعلق بالصيام في السفر، وهنا أورده من أجل السرد؛ لأن له علاقة بصوم الدهر من جهة أن فيه ذكر السرد، لكنه ليس كصيام الدهر، ولا يدل على صيام الدهر، وإنما يدل على الإكثار من الصيام، وليس فيه صيام الدهر.
فالرسول قال: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)، أي: الإنسان في السفر له أن يصوم، وله أن يفطر، وقد عرفنا فيما مضى أن الصيام في السفر وعدم الصيام، يكون هذا أولى في بعض الأحوال، وهذا أولى في بعض الأحوال.
هو يحيى بن حبيب بن عربي البصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا حماد].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء يحيى يروي عن حماد غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد كما عرفنا ذلك من قبل.
[عن هشام].
هو هشام بن عروة بن الزبير، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
هي أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وأرضاها.
[أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم].
إذاً هو من مسند عائشة، لكنه سبق أن جاء أنه من مسند حمزة بن عمرو الأسلمي، وأن حمزة هو الذي يخبر عن نفسه، وهنا عائشة تخبر أنه حصل من حمزة كذا وكذا، وهنا ليس من رجال الإسناد، لكن فيما تقدم هو من رجال الإسناد، وهو الذي ينتهي الحديث إليه، ويخبر عن سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم إياه، وقد جاء ذلك من طرق عديدة، وحمزة أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: رجل يصوم الدهر، قال: وددت أنه لم يطعم الدهر، قالوا: فثلثيه، قال: أكثر، قالوا: فنصفه، قال: أكثر، ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر: صوم ثلاثة أيام من كل شهر)].
أورد النسائي صوم ثلثي الدهر، لما ذكر ترجمة الدهر ذكر ترجمة ثلثي الدهر، والمقصود من ذلك: عدم الإقرار على ذلك، وعدم شرع ذلك، وأن الذي ينبغي للإنسان أن يصوم ما هو أقل من ذلك بكثير، فهو ليس المقصود ما ورد في صوم ثلثي الدهر، وإنما الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى ما هو أقل من ذلك بكثير، هذا هو المقصود من هذه الترجمة، لكنه عقد الترجمة؛ لأنه جاء في الحديث ذكر ثلثي الدهر، فأتى بالترجمة بثلثي الدهر، وأن الإنسان لا يصومه، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم أرشد إلى صيام ما هو أقل من ذلك بكثير، ثم أورد النسائي حديثاً عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: رجلٌ يصوم الدهر؟ قال: وددت أنه لم يطعم الدهر)].
أي: ما أكل ليلاً، ولا نهاراً، حتى يموت جوعاً، وأن هذا عمل مذموم، وأن الإنسان يفوت على نفسه مصالح كثيرة، يعني فهذا دليل على ذم صيام الدهر، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يقدم عليه، لما يترتب عليه من المفاسد، وهذا من ذم الرسول صلى الله عليه وسلم لصيام الدهر، (وددت أنه لم يطعم الدهر).
قوله: [(قالوا: فثلثيه)]، أي: إذا ما كان كذلك، من أن يصوم الدهر، إذاً ثلثيه قال: (أكثر)، أي هذا أكثر من الحد الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وهو ليس المقصود من ذلك أنه أكثر وراء ذلك؛ لأن فيه تنزل الدهر، ثم الثلثين، ثم النصف، وهكذا نزول، وليس المقصود الأكثرية الذي وراء يكون أكثر، وإنما المقصود أن هذا أكثر من الذي ينبغي، أي: هذا المقدار أكثر من المقدار الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، هذا المقصود بأكثر هنا، وليس المقصود أنه ينتقل إلى ما وراءه، وأنه ينتقل إلى ما هو أكثر، بل كل ما وراء أقل، لكن كل واحد يقال: أكثر فيه، يعني أكثر من المقدار أو الحد الذي ينبغي أن يصومه الإنسان، والذي يستحب للإنسان أن يصومه، هذا أكثر من الحد، والنسائي أورد الترجمة هنا من أجل ذكر ثلثي الدهر.
قوله: [(قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر)]، أي: هذا أكثر من الحد الذي ينبغي للإنسان.
قوله: [(ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ قالوا: بلى، قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر)]، فوحر الصدر فسر بأنه: غشه ووساوسه، وفسر بأنه الغيظ، والحقد، وفسر بغير ذلك، والمقصود أن الإنسان إذا صام من الشهر ثلاثة أيام، معناه: أنه صام الصيام الذي ينفعه، ولا يضره، بحيث يكون الإنسان على صلة بالعبادة، لا يغفل عنها، فيصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر حصل أجر الدهر، وفي نفس الوقت ما غفل عن العبادة، بل كان على صلة بالعبادة، إذ يصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فهذا فيه بيان الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان في الصيام، وهو أن يحرص على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام، وركعتي الضحى)، وحديث أبي هريرة المتفق عليه، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم، وكلها تدل على صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
مر ذكره.
[حدثنا عبد الرحمن].
هو ابن مهدي البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأعمش].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب اشتهر به.
[عن أبي عمار].
هو عريب بن حميد أبو عمار الدهني، وهو ثقة، أخرج له النسائي، وابن ماجه.
[عن عمرو بن شرحبيل].
هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. وهو مثل أبي عمار همداني.
[عن رجل].
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عرفنا أن المجهول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المعلوم؛ لأنهم عدول بتعديل الله عز وجل، وتعديل رسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فلا يحتاجون إلى تعديل المعدلين، وتوثيق الموثقين، بل يكفي الواحد منهم أن يقال عنه: إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى خصهم، وأثنى عليهم في كتابه العظيم بخصائص، ووعدهم الحسنى بقوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10]، فمناقبهم عظيمة، والمجهول منهم في حكم المعلوم، وأما غير أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا بد من معرفة الشخص، ومعرفة حاله، حتى يعول على روايته أو لا يعول، أما الصحابة فيكفي أن يكون الشخص منسوباً إلى صحبة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الشيخ: لا، ليست متتالية، يمكن أن تكون مفرقة، ويمكن أن تكون متتالية، يمكن أن تكون البيض الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، ويمكن أن تكون متفرقة، مثل ما جاء في الحديث: (صوم الإثنين والخميس من جمعة، والإثنين من جمعة أخرى)، أو إثنين وخميسين، وهذا سبق أن مر في بعض الأحاديث ذكر أن الصيام يكون هكذا ويكون هكذا، فلا يشترط التوالي، بل يمكن أن تتوالى، ويمكن أن تتفرق، يمكن أن تتوالى إذا صام الإنسان أيام البيض ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر كما سيأتي في بعض الأحاديث، وكما سبق أن مر، وكذلك يمكن أن تتفرق بأن يصوم الإنسان الإثنين والخميس، الإثنين من أسبوعين وخميس، أو الإثنين من أسبوع وخميسين من أسبوع.
ويمكن أن يصوم الثلاثاء والأربعاء، وكونه يصوم أيام البيض أو يصوم إثنين وخميس أولى، وإن صام ثلاثة متوالية من أي مكان من الشهر تدخل تحت قوله: (صوم ثلاثة أيام من كل شهر).
ثم أورد النسائي حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مثل ما تقدم، في سياقه وفقراته.
قوله: [أخبرنا محمد بن العلاء].
هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو مشهور بكنيته ومشهور باسمه، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي معاوية].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل].
وقد مر ذكرهم.
الحديث في صورته مرسل؛ لأن عمرو بن شرحبيل هو من التابعين مخضرم، فإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو مرسل، لكنه كما عرفنا جاء في الحديث السابق، كونه أسنده إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا المرسل في حكم المعلوم أنه هناك صحابي، أن الذي بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه صحابي، والمرسل إذا عرف الواسطة فيه، وأنه صحابي، ليس فيه إشكال؛ لأن المحظور في المرسل احتمال أن يكون الساقط تابعي، وأما إذا كان الساقط الصحابي فلا يؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول.
ثم أورد النسائي حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، أن عمر رضي الله عنه، قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله: [(قال: كيف من يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر)]، فهنا دعاء عليه، وأنه ما حصل منه الصيام الذي يحصل من ورائه الأجر الكامل، بل فيه خلل وفيه نقص، وما أفطر الإفطار الذي يجعله يتمكن من القيام بالأمور المترتبة عليه، والتي يتطلبها إفطاره، وتأدية الحقوق إلى أهله من الزوجة، والأهل، والضيوف، وغير ذلك كما جاء مبيناً في بعض الروايات التي ستأتي.
ثم قال: (يصوم يومين ويفطر يوماً)، أي: ثلثي الدهر؛ لأنه إذا صام يومين، وأفطر يوماً، معناه صام الثلثين، فقال: (أو يطيق ذلك أحد؟)، أي: هذا بالنسبة لغالب الناس، وإلا فإنه قد يطيقه بعض الناس، لكن يترتب عليه مضرة، لكن في الغالب أنه لا يطاق، ومن أطاقه فإنه أيضاً يحصل به شيء من المشقة، أو شيء من الأضرار التي تترتب على ذلك، وفي ذلك إشارة إلى عدم صيامه، أي: صيام يومين، وإفطار يوم الذي هو ثلثي الدهر، ثم (قال: من يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: ذلك صيام داود عليه الصلاة والسلام)، وهو سائغ لمن يفعل ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد عبد الله بن عمرو بن العاص إلى صوم يوم، وإفطار يوم، وقال: (إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال: لا أفضل من ذلك)، وقال: (إن هذا صيام داود)، وجاء في بعض الروايات كما تقدم: (أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً).
وقوله: [(فكيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال عليه الصلاة والسلام: وددت أني أطيق ذلك)].
من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يطيق ذلك، وأنه كان يصوم وكان يواصل، وقد قال له أصحابه: (إنك تواصل) قال: (إنني لست كهيئتكم، إنني أطعم، وأسقى)، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى حقوق الأهل، وحقوق من له علاقة به، معناه: أن عنده زوجات ولهن حقوق، والصيام لا يحصل به تأدية الحقوق كما ينبغي، ثم أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم يريد ألا يشق على أمته في تكلف الصيام الذي يلحقهم به ضرر ومشقة، وهو عليه الصلاة والسلام كان يصوم، ويفطر، كما عرفنا في صومه صلى الله عليه وسلم (كان يصوم من الدهر حتى يقولوا: لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولوا: لا يصوم)، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، هذا صوم الدهر كله)]؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، فإذا صام الإنسان من كل شهر ثلاثة أيام، ورمضان يصومه فرضاً، فذلك صيام الدهر، بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد].
هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن غيلان عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة].
وقد مر ذكرهم.
قال وفيما قرأ علينا أحمد بن منيع حدثنا هشيم أخبرنا حصين ومغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً)].
ثم أورد النسائي صيام يوم وإفطار يوم، وأورد فيه: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصيام صيام داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً)، يعني فهذا يدل على أن صيام يوم، وإفطار يوم جاءت به السنة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأنه (أحب الصيام إلى الله صيام داود)، وكما أرشد إلى ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص.
أي أنهم أخذوا منه وهو يقرأ من كتاب، أي: يحدثهم من كتابه، ولهذا قال: فيما قرأ علينا أحمد بن منيع، وأحمد بن منيع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشيم].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس، والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا حصين].
هو حصين بن عبد الرحمن السلمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ومغيرة].
هو مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وذكروا عنه أنه احتلم، وبلغ وعمره اثنا عشر سنة، وكذلك عمرو بن العاص احتلم وهو صغير، وتزوج وهو صغير، وولد له ابنه عبد الله فقالوا: إن بينه وبينه اثنا عشر أو ثلاث عشرة سنة، ومغيرة بن مقسم حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الصحابة الذين يكتبون لأنفسهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأنه زوجه امرأة ذات حسب، فكان عمرو رضي الله عنه يأتي إليها ويسألها عن بعلها، يعني: يسألها عن عبد الله بن عمرو، فكانت تقول: (نعم الرجل منذ أتيناه ما..).
ثم أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، وهو يتعلق بقصة تزويج والده له من امرأة، وأنه كان مشغول بالصيام، والقيام، فجاء عمرو يسأل زوجته عنه، فقالت: نعم الرجل يصوم النهار، ويقوم الليل، معناه: أنه ما يؤديها حقها الذي تريده المرأة من الرجل، فوقع به، يعني: لامه، وشدد عليه، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأرشده إلى أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فقال: إنه يطيق أكثر من ذلك، فقال له: (صم يوماً، وأفطر يوماً)، الذي هو صيام داود، ولم يزده على ذلك، ولم يوافقه على أن يصوم أكثر من ذلك.
(اقرأ القرآن في كل شهر)، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فكان يزيده أو ينقص من الأيام حتى وصل إلى خمسة عشر، يعني: في نصف الشهر، يقرأ القرآن، فبدل ما يقرأ في كل شهر، يقرأه في نصف شهر، ومعنى أنه يقرأ وهو يصلي في الليل، فأرشده إلى أن يصوم يوماً، ويفطر يوماً، وأن يقرأ القرآن في خمسة عشر يوما لقوله: [(ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك)].
ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا عبثر].
هو عبثر بن القاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حصين عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، في صيامه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه إلى داره، وقال: (ألم أخبر أنك تصوم، وتقوم الليل)، فقلت: بلى يا رسول الله، فقال: (قم، ونم، وصم وأفطر فإن لعينك عليك حقاً، وإن لجسدك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لصديقك عليك حقاً)، ومن المعلوم أن هذه الحقوق لا تتأتى مع صيام الدهر، ومع مواصلة الصيام، فإنه يحصل الإخلال بها، وعدم القيام بها كما ينبغي، لا من حيث إجهاد العين بالسهر، وعدم النوم، ولا من حيث الجوع الذي يحصل للإنسان بصفة دائمة، ولا يعني من حيث الجسد، يعني: كونه يصيبه النحول، والتأثر بسبب كثرة الصيام، وكذلك بالنسبة للزوجة وما تتطلب من الحقوق، وكذلك الضيف، وكذلك الصديق، وغير هؤلاء ممن للإنسان بهم علاقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى بيان الأمور التي تترتب على مواصلة صيام الدهر، وأن تحصل هذه المحاذير التي يخشى منها، والتي تترتب على صيام الدهر، فقال: (صم ثلاثة أيام من كل شهر، فذلك صيام الدهر، والحسنة بعشر أمثالها، فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم صيام داود، قال: وما صيام داود؟ قال: يصوم يوماً ويفطر يوماً).
قوله: [(وإنه عسى أن يطول بك عمر)]، يعني: فتعجز عن الشيء الذي التزمته، والشيء الذي اجتهدت فيه، فتعجز عن ذلك؛ لأن الإنسان إذا عمل عملاً يواصله، ويستمر عليه، وينبغي للإنسان أن يدوم على العمل الصالح، ولا ينقطع عنه، والإنسان إذا التزم شيئاً فقد يعجز عنه في المستقبل، لكن صيام ثلاثة أيام من كل شهر هي سهلة على الإنسان إذا التزمها يداوم عليها كبيراً، وصغيراً.
(أنك تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، والحسنة بعشر أمثالها، وذلك كصيام الدهر)، الإنسان يصوم الدهر بصيام ثلاثة أيام، الحسنة بعشر أمثالها، واليوم بعشرة أيام، قال: (فشددت فشدد علي، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال صم من كل جمعة ثلاثة أيام. قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فشددت فشدد علي. قال: صم صوم نبي الله داود عليه السلام. قلت: وما كان صوم داود؟ قال: نصف الدهر).
انتهى إلى صيام يوم، وإفطار يوم، وأنه يعادل نصف الدهر، وقوله: [(شددت فشدد علي)]، يحكي ما حصل له في آخر الأمر من كونه كبر، وصار لا يقدر على أن يحقق هذا الشيء الذي كان عزم عليه وأراده.
هو البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا أبي إسماعيل].
هو أبو إسماعيل القناد، وهو إبراهيم بن عبد الملك، وهو صدوق في حفظه شيء، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[حدثنا يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أن أبا سلمة].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، هو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثه: أن عبد الله بن عمرو].
وقد مر ذكره.
أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول: (لأقومن الليل، ولأصومن النهار ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت الذي تقول ذلك؟ فقلت له: قد قلته يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم، وأفطر، ونم، وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر. قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يوماً، وأفطر يومين، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله، قال: فصم يوماً، وأفطر يوماً وذلك صيام داود، وهو أعدل الصيام، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا أفضل من ذلك. قال
يقول النسائي رحمه الله تحت ترجمة: صوم يوم وإفطار يوم، أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق، وقد مر بعض الطرق التي جاء منها الحديث، أي: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أورده من طريق أخرى بعد الطرق المتقدمة، والمتعلقة بصيامه، واستمراره في الصيام، وقد بلغ النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لأصومن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الذي تقول ذلك: قال: نعم. قال: فإنك لا تستطيع، صم، وأفطر، وقم، ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، وذلك كصيام الدهر)؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، واليوم عن عشرة أيام، فيكون الإنسان كأنه صام الدهر، فقال: (إنه يستطيع أفضل من ذلك، قال: صم يوماً وأفطر يومين)، يعني معناه: أنه يصوم عشرة أيام، ويفطر عشرين يوماً، يعني: يصوم ثلث الشهر، ويفطر ثلثيه، يعني: فيصوم يوماً ويفطر يومين، عشرة أيام من ثلاثين يوماً، فيكون عشرة صائم، وعشرين مفطراً، فقال: (إنه يستطيع أفضل من ذلك، قال له: صم يوماً وأفطر يوماً)، يعني: يكون نصف الشهر خمسة عشر يوماً من ثلاث إلى عشر إلى خمسة عشر التي هي نصف الشهر، قال: (وذلك أعدل الصيام)، صيام داود كان أعدل الصيام، (قال: إني أستطيع أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك). ثم إن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، لما كبر، وشق عليه الصيام، وكان قد ألزم نفسه أو التزم الشيء الذي راجعه عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى هذا المقدار، ندم على ذلك وقال: (لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام أحب إلي من أهلي ومالي)، إشارة إلى ما حصل له بعد تقدم سنه من الضعف وعدم القدرة، وتمنى أن يكون قبل ما أرشده إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
الحاصل أن الحديث يدل على صيام يوم وإفطار يوم، وهو ما ترجم له المصنف.
الربيع بن سليمان يحتمل أنه المرادي، ويحتمل أنه الجيزي، وكل منهما ثقة، وكل منهما روى عنه النسائي، وهما يرويان جميعاً عن عبد الله بن وهب.
[حدثناعبد الله بن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس]
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني سعيد بن المسيب].
أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وأبو سلمة].
هو ابن عبد الرحمن بن عوف، هو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن سعيد بن المسيب لا خلاف في عده في الفقهاء السبعة، وأما أبو سلمة فالسابع منهم فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو سلمة هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وحديث أبي سلمة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمرو].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، إلا أن فيه أنه يصوم من الجمعة يومين: الاثنين، والخميس، يعني يصوم من السبعة الأيام يومين، ثم إنه قال: يقوى على أكثر من ذلك، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم، إلى صيام داود، كان يوماً صائماً، ويوماً مفطراً.
و(كان إذا وعد لم يخلف، وإذا لاقى لم يفر)، قوله: (إذا لاقى لم يفر)، إشارة إلى أن ذلك الصيام الذي هو صيام يوم، وإفطار يوم لا يضعفه، وهذا بالنسبة لبعض الناس، وإلا فإنه قد يحصل الضعف في صيام يوم، وإفطار يوم، لكن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام، كان لا يفر إذا لاقى، أي: ولم يؤثر الصيام عليه وعلى جسده، فكان لم يؤثر ذلك فكان لا يفر إذا لاقى، مع أنه يصوم يوماً، ويفطر يوماً.
هو الحراني، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا محمد].
هو ابن سلمة الحراني، وهو ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة. وكلمة هو الحراني، هذه قالها من دون أحمد بن بكار، إما النسائي أو من دون النسائي.
[عن ابن إسحاق].
هو ابن إسحاق محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه البخاري تعليقا، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن محمد بن إبراهيم].
هو محمد بن إبراهيم التيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو].
وقد مر ذكرهما.
وفي أول الحديث يقول أبو سلمة بن عبد الرحمن لـعبد الله بن عمرو: أي عم! حدثني عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشأن صيامه، فقوله: يا عم، هذه يقولها الصغير للكبير من باب الأدب، وإن لم يكن عماً من النسب أو من جهة القرابة، وإنما هذا من الأدب الذي يخاطب به الصغير الكبير، ولو كان ليس قريباً له، وهذا شيء معروف في كلام الصحابة، وكلام التابعين؛ لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن من التابعين، وأما الصحابة فقد جاء في الحديث في معركة بدر، وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فيها، شابان من الأنصار أحدهما عن يمينه، والآخر عن يساره، فكان أن غمزه من كان على يمينه وقال: أي عم، أتعرف أبا جهل ؟ قال: نعم وماذا تريد منه؟ قال: إنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا موتاً، أي: حتى يموت من أجله قريب، إما أنا، وإما هو، ثم غمزه الآخر، وقال مثلما قال.
فالحاصل أن هذين الصحابيين الشابين، وكانا قد شهدا بدراً، قال كل واحد منهما لـعبد الرحمن بن عوف: أي عم، وعبد الرحمن من المهاجرين، وهؤلاء من الأنصار، ما في قرابة بينهم، وإنما هذا من باب الأدب؛ لأن الصغير يتأدب مع الكبير فيقول له: يا عم، عندما يخاطبه، وإن لم يكن من قرابته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر