أخبرنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي حدثنا شريح بن النعمان حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن
يقول النسائي رحمه الله: باب زكاة الغنم، ومراده بذلك بيان التفصيل الذي جاء في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أورد فيه حديث أبي بكر الصديق من طريق أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما الذي فيه كتابة فرائض الصدقة في الإبل والغنم، وكذلك في الرقة التي هي الفضة، وفي هذا الحديث تفصيل ما يتعلق بزكاة الإبل، وما يتعلق بزكاة الغنم، وقد مر هذا الحديث بطوله وبما فيه من التفصيل في باب زكاة الإبل من نفس الطريق إلا أنه من حديث أنس عن أبي بكر ، إلا أنه جاء من طريق أخرى عن الإمام النسائي رحمه الله.
وقد عرفنا ما يتعلق بهذا الحديث هناك عند الكلام على زكاة الإبل، ونذكر ما يتعلق بالإسناد الذي لم يأت من قبل.
قوله: [أخبرنا عبيد الله بن فضالة ].
هو عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا سريج بن النعمان ].
ثقة، يهم قليلاً، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[ حدثنا حماد بن سلمة ].
ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك رضي الله عنه ]
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الصحابة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[إن أبا بكر رضي الله عنه]
أبو بكر الصديق رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة على الإطلاق، وهو خير من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين، صلوات الله وسلامه وبركاته على رسله، ورضي الله عن الصحابة أجمعين، وهو صاحب الفضائل الجمة والمناقب الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأخفافها، كلما نفدت أخراها أعادت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب مانع زكاة الغنم، أي: عقوبته في الآخرة، وقد أورد النسائي حديث أبي ذر رضي الله عنه الذي فيه: (أنه ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم إلا إذا جاء يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، فتطؤه ذات القرون بقرونها، وذات الظلف بأظلافها، وتطؤه ذات الخف بأخفافها، حتى يقضى بين الناس)، ومعنى هذا أنه يعذب بها يوم القيامة، وقد مر الحديث وغيره فيما تقدم في بيان عقوبة مانع الزكاة من الإبل والبقر والغنم، وأنه يعذب بالشيء الذي كان يبخل به، أي: المال الذي كان يبخل بزكاته، يأتي ذلك المال على أوفر حال وأحسن حال، وعلى أسمن ما تكون تلك البهائم التي هي بهيمة الأنعام، فتطؤه ذات الأخفاف بأخفافها التي هي الإبل، وتطؤه ذات الظلف بأظلافها التي هي البقر والغنم، وتطؤه ذات القرون بقرونها التي هي البقر والغنم.
هو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.
[ عن وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقب له اشتهر به.
[ عن المعرور بن سويد ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكرت في درس مضى أن مما ذكر في ترجمته: أنه كان عمره مائة وعشرين سنة، وكان أسود شعر الرأس واللحية.
[ عن أبي ذر ].
هو أبو ذر جندب بن جنادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا
هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة أنه قال: ( أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته، فجلست إليه فسمعته يقول: إن في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن، ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع، فأتاه رجل بناقة كوماء فقال: خذها، فأبى ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الجمع بين المتفرق والتفريق بين مجتمع، وقد أورد فيه حديث مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله لجباية الصدقات؛ لأنه هنا سويد بن غفلة هو ليس صحابياً، وإنما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم إلى المدينة في اليوم الذي توفي فيه رسول الله بعد دفنه، بعدما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل إلى المدينة في ذلك اليوم، فلم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وهو الذي يصلح أن يقال فيه: كاد أن يكون صحابياً.
وقد ذكر في ترجمة الصنابحي أنه قدم من اليمن يريد أن يلقى النبي صلى الله عليه وسلم ويتشرف لصحبته، فلما كان في الجحفة وإذا ركب قدم من المدينة فالتقوا به، فأخبروه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن البارحة، أي: أنه كاد أن يصل، أو كاد أن يكون صحابياً؛ لأنه جاء ليكون صحابياً، فلما وصل إلى الجحفة وهي المكان الذي يقال له: رابغ، وقريباً من رابغ، جاءهم ركب من المدينة يخبرونهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي، وقالوا في ترجمته: كاد أن يكون صحابياً، وسويد بن غفلة كذلك جاء في اليوم الذي دفن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما دفن، فهو كاد أن يكون صحابياً، والحديث عن المصدق، يعني: صاحب الحديث، أو الذي يسند إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسويد بن غفلة لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدركه ولم يره، أدرك زمانه وكان مسلماً في حياته، ولكنه لم يلقه.
فهذا المصدق سمع سويد بن غفلة بعد أن جاء لأخذ الزكاة أنه يقول: إن في عهدي، يعني: العهد الذي عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم به، هذا العهد الذي عهد إليه به، والذي عهد إليه هو الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا يأخذ راضعاً، وفسر الراضع بأنه الذي يرضع، وهذا لصغره، وأخذه يكون فيه مضرة أو عدم فائدة للمساكين والفقراء؛ لأنه كونه يؤخذ الصغير الذي يرضع، يعني: معناه أنه يكون فيه نقص، وضرر في حق المساكين والضعفاء الذين لهم الزكاة، وفسر بأن راضع لبن، أي: ذات راضع، أي: التي هي ذات لبن يرضع أو ترضع، وهذا فيه إضرار بأصحاب الأموال من جهة أنهم يحتاجون إلى لبنها، ويحتاجون أيضاً إلى إرضاع ولدها، فأخذها يكون فيه إضرار بأصحاب الأموال، ففسر راضع لبن بأنه الذي يرضع، وفسر بأنه ذات راضع، وهي الدابة التي ترضع، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم، وفسر أيضاً بتفسير ثالث، وهو أن المراد به أنه لا يؤخذ زكاة المال الذي خصص للبن والذي يعلف من أجل دره ومن أجل لبنه، فيكون عند أهله يعلفونه ويشربون أو يقتاتون من لبنه، يعني: أنه لا زكاة في الذي يحتاج إليه أهله للبنه أو لحمولته أو ما إلى ذلك ويعلفونه، وكذلك إذا كان صغيراً لا يؤخذ زكاة؛ لأن فيه مضرة للفقراء ونقصاً في حق الفقراء، وإذا كانت ذات لبن فإن ذلك فيه مضرة لأصحاب الأموال؛ لأنه يفوت عليهم اللبن لأنفسهم ولأولاد البهائم.
قوله: (ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع)، هذا فيه: أن التفريق والتجميع يكون من المصدق، كما يكون أيضاً من المالك كما سبق أن عرفنا في حديث أنس الطويل، حديث أنس عن أبي بكر الذي مر في باب زكاة الإبل وفي باب زكاة الغنم، وفي آخره: ( ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية )، فذاك دال على هذه الترجمة التي عقدها المصنف هنا، ولكنه أتى هنا بهذا الحديث الذي فيه التنصيص على ذلك من العامل، وفيه أن العامل لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، يعني: من أجل الصدقة، بأن يجد أناساً مجتمعين، يعني: مشتركين خلطاء، ولكل واحد مثلاً، عشرين من الغنم، وعشرين من الغنم، فيجمع بينها من أجل أن يكون فيها شاة، أو يكون شخصان لكل واحد منهم مائة وواحد، فيكون على كل واحد شاة، فيجمع بينها فيكون فيها ثلاث شياه، يعني: لا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع.
قوله: [ فأتاه رجل بناقة كوماء وقال: خذها فأبى ].
يعني: أنها كوماء، يعني: أن الشحم عليها، وسنامها مرتفع، يعني: لسمنها، فأبى، ولعله امتنع أن يأخذها؛ لأنها زائدة على الحق، ومن المعلوم أن ذلك سائغ؛ لأنه جاء في الحديث: ( إلا أن يشاء )، إذا شاء الإنسان أن يعطي شيئاً أكثر مما يجب عليه لا بأس، بل من لا تجب عليه الزكاة أصلاً، إذا أخرج شيئاً من تلقاء نفسه، فإنه يؤخذ منه كما مر في الحديث، ومن كان عنده أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، ومن كان عنده تسع وثلاثون، ومن كان عنده أقل من أربعين شاة واحدة، أي: تسع وثلاثين فليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها، فإذا أعطى بطيبة نفس منه، فإنه يؤخذ منه، وهذا الصحابي الذي هو مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل هذه الناقة الكوماء، ولعله امتنع من ذلك لكونه ما عنده العلم لكونه إذا كان أعطى أكثر مما يستحق أو مما يجب عليه فإنه لا بأس بذلك، كما جاء موضحاً في حديث أنس، أو أنه امتنع من ذلك تورعاً وتعففاً من أن يأخذ شيئاً أكثر من المال أو من الحق الذي هو واجب.
هو هناد بن السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن هشيم ].
هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وقد عرفنا فيما مضى أن التدليس هو رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، أما الإرسال فهو رواية الراوي عن من لم يلقه، وسواء كان مدركاً عصره أو غير مدرك عصره وإذا كان غير مدرك عصره، فهو مرسل جلي، وإذا كان مدركاً عصره فهو المرسل الخفي.
والفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي، وقيل له: خفي لأنه ممكن؛ لأنه معاصر له، لكن الواقع أنه ما حصل، لكن إذا كان لم يدرك عصره هذا جلي واضح؛ لأنه مثلاً هذا ولد بعد أن مات هذا، أو بينه وبينه مسافة طويلة، فهذا مرسل جلي، فـهشيم بن بشير الواسطي ثقة كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن هلال بن خباب ].
صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة:
أبو عبد الله يقول: إنه في تهذيب الكمال هلال بن خباب نص على أنه أخرج له الأربعة، وهذه النسخة الباكستانية في تقريب التهذيب كذلك فيه الأربعة، هلال بن خباب الأربعة.
إذا كان المزي نص على الأربعة فهو المعتمد؛ لأنه ينص بالحروف، ويذكر بالأسماء لا بالحروف، يعني: ينص عليها بالأسماء فلان وفلان، أو الأربعة أو الجماعة، بخلاف هؤلاء فإنهم يرمزون، والرموز للأربعة والجماعة، بينها شيء من التشابه في الرسم.
مقبول، أخرج حديثه أبو داود والنسائي .
[ عن سويد بن غفلة ].
تابعي مخضرم، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وسويد بن غفلة يعني: عمر وعاش مائة وثلاثين سنة، وذكروا في ترجمته: أنه كان يصلي بالناس التراويح في قيام رمضان وعمره مائة وعشرون سنة.
إذاً فـسويد بن غفلة هذا والمعرور بن سويد في الإسناد الذي قبله، كل منهم بلغ عمره هذا المقدار، وهذا سويد بن غفلة أسود شعر الرأس واللحية، وهو كان يصلي بالناس التراويح في رمضان.
[ مصدق النبي صلى الله عليه وسلم ].
عن مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف اسمه، ولا يحتاج إلى معرفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن المجهول منهم في حكم المعلوم؛ لأنه يكفيهم شرفاً ويكفيهم فضلاً إضافتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالمجهول منهم في حكم المعلوم، بخلاف غيرهم فإنه يحتاج إلى معرفته، وقد ذكر هذا الخطيب البغدادي وقد ذكره غيره بأنه ما من رجال الإسناد إلا ويحتاج إلى معرفة حاله ومعرفة شخصه إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يحتاج إلى ذلك، بل يكفي أن يقال عن الواحد منهم: أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعياً مصدقاً، فجاء إلى رجل فأعطاه فصيلاً مخلولاً، والمخلول هو الهزيل الذي خل حتى يصيبه الهزال، فأعطاه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن فلاناً جاءه مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أعطاه فصيلاً مخلولاً، فقال: اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء ذلك الرجل أو بلغ ذلك الرجل ما دعا به عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء تائباً منيباً وقال: أتوب إلى الله، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وجاء بناقة حسناء، فقال: اللهم بارك فيه وفي إبله.
وهذا الحديث لا علاقة له بالترجمة السابقة التي هي: الجمع بن متفرق، والتفريق بين مجتمع؛ لأنه ليس فيه شيء يتعلق بهذا، وهو أقرب ما يكون للباب الذي يليه؛ لأن فيه دعاء لأصحاب الصدقة، والباب الذي يليه يتعلق بصلاة الإمام على أصحاب الصدقة، أي: دعاؤه لهم، فهو أشبه وأقرب إلى الباب الذي يليه، وفي السنن الكبرى أورد هذه الترجمة تحت باب أيضاً ما له علاقة، وهو باب: تراجع الخليطين بينهما بالسوية، وأورد هذا الحديث وحده، وليس فيه شيء يتعلق بهذا الموضوع، ولكن كما أشرت: الذي يبدو أن أقرب شيء إليه الباب الذي يليه، وهو صلاة الإمام على صاحب الصدقة، أي: دعاؤه له، فهو أشبه بالباب الذي يليه، ولا يظهر دخوله في الباب الذي وضع تحته، وهو الجمع بين مفترق، والتفريق بين مجتمع.
والرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه أولاً، فأثر عليه ذلك، فجاء بناقة حسناء، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وقال المعلق عند دعائه عليه قال: إن ثبت على صدقته، يعني معناه: كأن هذا الدعاء أنه مقيد بكونه على هذا النقص، وعلى هذا الذنب الذي اقترفه، وهو كونه لم يؤد الواجب الذي عليه كما ينبغي، لكنه بعد أن جاء به وأدى الحق الذي عليه، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً فدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له في آخر الحديث هو الذي يليق بالباب الذي يليه، وهو الصلاة على صاحب الصدقة؛ لأن الصلاة تأتي بمعنى الدعاء.
قوله: [ بعثنا مصدق الله ورسوله ].
يعني: هذا المصدق كما هو معلوم بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يبعث المصدقين الذي هو إرسال العمال للزكاة بأمر من الله عز وجل.
قوله: [ أتوب إلى الله عز وجل وإلى نبيه ].
يعني معناه: أن الذي حصل منه أنه رجع عنه، وأنه يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه مما حصل منه، وأيضاً يطلب منه أن يدعو له بدل أن دعا عليه.
ولا تقال مثل هذه العبارة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
هارون بن زيد بن يزيد أي: ابن أبي الزرقاء، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
عن أبيه، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا سفيان ].
هو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عاصم بن كليب ].
هو عاصم بن كليب بن شهاب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبيه ].
عن أبيه كليب بن شهاب، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين، وأصحاب السنن.
[ عن وائل بن حجر ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة قال عمرو بن مرة : أخبرني قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى ) ].
أورد النسائي صلاة الإمام على صاحب الصدقة، أي: دعاؤه له؛ لأن الصلاة هي الدعاء، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه صاحب صدقة صلى عليه.
قوله: (إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل على آل فلان، وأنه جاءه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى)، وهي دعاء، ومن المعلوم أن المتصدق يدعى له، يعني: سواء بالصلاة أو بالدعاء، كما جاء في الحديث الذي قبل هذا: (اللهم بارك فيه وفي إبله)، يعني معناه: أن المصدق الذي هو المالك يدعى له عندما تؤخذ منه الصدقة، يعني يدعو له العامل الذي يأخذها منه، ويتقبلها منه.
هو عمرو بن يزيد الجرمي، وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ حدثنا بهز بن أسد ].
هو بهز بن أسد العمي، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال عمرو بن مرة ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب، وفي الإسناد يعني: عندما قال: [عن شعبة، قال عمرو بن مرة: أخبرني]، وهذا فيه تقديم الاسم على الصيغة، ويفعله بعض المحدثين ومنهم: شعبة، وهذا من فعله؛ فإنه يستعمله كثيراً، بأن يقدم الاسم على الصيغة، يعني: بدل ما يقول: حدثني عمرو بن مرة، يقول عمرو بن مرة: أخبرني، هذا تقديم الاسم على الصيغة، ولا بأس به، سواء قدم الاسم أو أخر، يعني قيل: حدثني عمرو بن مرة، أو قيل: قال عمرو بن مرة : حدثني، كل ذلك صحيح، لكن هذا اصطلاح يفعله بعض المحدثين، ومنهم شعبة، وقد ذكرت ذلك في الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى، وأن الحافظ ابن حجر ذكر عن شعبة أنه يستعمل ذلك كثيراً.
[ سمعت عبد الله بن أبي أوفى ].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ له، قالا: حدثنا يحيى عن محمد بن أبي إسماعيل عن عبد الرحمن بن هلال أنه قال: قال جرير رضي الله عنه: ( أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناس من الأعراب، فقالوا: يا رسول الله! يأتينا ناس من مصدقيك يظلمون، قال: أرضوا مصدقيكم! قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم! ثم قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم! قال
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: إذا جاوز في الصدقة، يعني: جاوز الحد المطلوب أو الحد الواجب، والمقصود من هذا أو معنى هذا أنه إذا كان من المالك فهذا سائغ، يعني: إذا كانت المجاوزة في الصدقة، يعني: إخراج أكثر من المطلوب، يعني: عدداً ونوعاً وسناً، فإن ذلك سائغ يقبل من المتصدق، لكن المصدق إذا جاوز في الصدقة بمعنى أنه طلب زيادة فإنه لا يعطى الزيادة؛ لأنه سبق أن مر في حديث أنس عن أبي بكر الطويل يقول فيه: هذه الفريضة التي فرضها الله على المسلمين التي أمر بها رسوله، فمن سئلها على وجهها فليعط، ومن سئل على غير وجهها فلا يعط، يعني معناه: أنه لا يعطي أكثر من المطلوب، لا من حيث العدد، ولا من ناحية السن إلا باختياره وبطواعيته، فالمجاوزة إن كانت من قبل المالك فإنه لا بأس بذلك، إذا كانت المجاوزة والزيادة عن المطلوب حصلت من المالك بطيب نفس منه، وسواء كان ذلك في السن أو في العدد، لا بأس يؤخذ منه، ويدل عليه ما جاء في الحديث: (أنه إذا نقصت عن خمس فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وإذا نقصت عن أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)، معناه: أنه إذا أدى شيء لا يجب عليه فإنه لا بأس بذلك يقبل منه، لكن إذا أخذ منه شيء لا، يعني: إذا أخذه المصدق وهو لا يجب عليه فإنه ظلم، وقد مر في حديث معاذ رضي الله تعالى عنه حين بعثه إلى اليمن، قال: (فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)، يعني: إياك أن تأخذ كرائم الأموال، ( واتق دعوة المظلوم )، يعني: أنك إذا أخذتها ظلمت، والمظلوم يدعو، وليس بين الله وبين دعوة المظلوم حجاب، ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ).
ومعنى هذا: أن التجاوز من جهة المصدق ظلم لا يجوز، وقد أورد النسائي حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: أن ناساً من الأعراب جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن مصدقيك يظلموننا، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بأنهم لا يظلمونهم، ولكنهم هم لشحهم بالمال ولحرصهم على المال، يعني: يجعلون الحق، أو الذي يؤخذ منهم يظنون أنه ظلم، وهو ليس بظلم، ولهذا قال: الأعراب، والأعراب هم الذين فيهم مثل هذه الصفات التي هي الجفاء، وكذلك بعض الصفات الذميمة، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرضوا مصدقيكم، قالوا: وإن ظلم؟ قال: أرضوا مصدقيكم قال: وإن ظلم؟ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن مصدقيه لا يظلمون، وأنه بين لهم وحدد لهم، ولهذا سبق أن مر بنا قريباً الحديث الذي عن سويد بن غفلة الذي يذكر عن مصدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقول: في عهدي، أي: العهد الذي عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم به أن لا يأخذ راضع لبن، وأن لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع من حيث الصدقة، وجاءه رجل بناقة كوماء فأبى أن يقبلها.
فهم لا يحصل منهم الظلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم، وأرسل أناساً هو يأمنهم، ولكن كلام الأعراب فيهم ليس بصحيح، وهذا يدل على أن الكلام في الوالي يعني: أحياناً يكون من أناس غير محقين، مثل ما جاء في قصة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما كان أميراً على الكوفة، وهو من العشرة المبشرين بالجنة، ثم يأتي أناس يتكلمون فيه إلى عمر ويقولون: إنه ما يحسن الصلاة، ما يحسن يصلي، جفاء! شخص يمشي على الأرض، والناس يعرفون أنه من أهل الجنة، ومع ذلك يقعون فيه ويتكلمون فيه حتى في الصلاة، فهم مبطلون وهو محق، ولما استدعاه عمر رضي الله عنه وجاء إليه، وقال: إنهم يقولون: إنك ما تحسن تصلي، فقال: إنني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمد في الأوليين وأقصر في الأخريين، فقال: هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق!
الحاصل: أن بعض الأشخاص الذين يتولى عليهم، يحصل منهم تجاوز الحد إلى أبعد الحدود مثلما حصل من أهل الكوفة لسعد بن أبي وقاص ، وهؤلاء الأعراب جاءوا يقولون: أصحابك أو مصدقيك يظلموننا، والرسول ما أرسلهم إلا وقد ائتمنهم ورسم لهم الخطة التي يسيرون عليها، ويأخذون كذا، ويأخذون كذا، وهذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يروي عنه سويد بن غفلة أوتي بناقة حسناء فأبى أن يقبلها؛ لأنها أكثر من الحق.
[ قال جرير: فما صدر عني ].
قال جرير رضي الله عنه: فما صدر عني مصدق منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صدر عني وهو راض، يعني معناه: أنه يؤدي الحق وأكثر الحق.
محمد بن المثنى هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو مشهور بكنيته ولقبه.
ومثله محمد بن بشار الملقب بندار، فهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر عن الاثنين: وكانا كفرسي رهان، أي: محمد بن المثنى ومحمد بن بشار، كل منهما من أهل البصرة، واتفقوا في الشيوخ والتلاميذ، وكل منهم روى عنه أصحاب الكتب الستة، فهما كفرسي رهان، وكل منهما شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنهم مباشرة وبدون واسطة.
[ قال: واللفظ له ].
واللفظ له، أي: لـمحمد بن بشار الثاني، أي: للشيخ الثاني.
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن أبي إسماعيل ].
ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
[ عن عبد الرحمن بن هلال ].
عبد الرحمن بن هلال، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، يعني: ما أخرج له الترمذي ولا البخاري في الصحيح.
[ قال جرير ].
جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث جرير من طريق أخرى مختصرة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتاكم المصدق فليصدر وهو عنكم راض )، بمعنى: أنه لا يحصل منهم شيء من الشح، وشيء يجعل بينه وبينهم شيء؛ لأنهم أخلوا بالواجب؛ ولأنه تعب معهم في الحصول على الواجب، بل يؤدون بسهولة ويسر حتى يكون هناك ارتياح من الطرفين، وحتى يكون هناك سلامة؛ لأنه ليس معنى ذلك أنه يرضى، بمعنى: أنه يأخذ شيء كثير، أو أنه يعطى أكثر من اللازم، لا! وإنما هم يؤدون الواجب بسهولة ويسر وعدم عناء ومشقة؛ لأنه إذا حصل منهم التلكؤ، وحصل منهم البخل بالشيء الذي هو واجب، يعني: يحصل بينه وبينهم أخذ ورد، وأن هذا لا يجزئ، وأننا نريد كذا وكذا، فهو يريد أن يكون من أول وهلة، يعني: يعطونه الحق فيكون راضياً عنهم، وليس المقصود من ذلك أنهم يعطونه أكثر من اللازم، يعني: رضاه أنهم يعطونه أكثر من اللازم، وإنما معناه أنهم يعطونه الواجب بسهولة ويسر، بدون عناء وبدون إلحاح، وبدون أخذ ورد، يعني: يأتي الإنسان ويؤدي حقه ويمشي، بدون ما يقول: والله هذه ما نقبلها أعطنا غيرها، هذه دون، هذه أقل من الواجب، لا! يعطي من أول وهلة الشيء الواجب، فيكون المصدق راضياً عنه من أول وهلة، ما يكون فيه شيء في النفس أولاً ثم في النهاية يعطونه الواجب.
ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
و ابن علية اشتهر بها، وهي أمه، يعني: نسبة إلى أمه، وقد اشتهر بها.
[ عن داود ].
هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن الشعبي ].
هو عامر بن شراحيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن جرير ].
هو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه، وقد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر