أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل أخبرنا شريك عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، واللقمة واللقمتان، إن المسكين المتعفف، اقرءوا إن شئتم: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] ) ].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: تفسير المسكين، يعني: من هو المسكين حقاً؛ لأن الحديث فيه تفسير المسكين حقاً، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، إن المسكين المتعفف الذي لا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه ) كما جاء مبيناً في الرواية الأخرى والأحاديث الأخرى، هذا هو المسكين حقاً، المسكين حقاً ذلك الذي يكون شديد الحاجة ويكون متعففاً ولا يمد يده، ولا يفطن له فيتصدق عليه، هذا هو المسكين حقاً، وذاك مسكين لكن ليس هو المسكين حقاً، يعني: ذاك المحتاج الذي يمد يده لا يقال أنه ليس مسكيناً، وإنما الذي نفي عنه المسكنة الحق الأشد؛ لأن هذا يحصل شيئاً يأكله، وأما هذا جالس في بيته متعفف ولا يسأل، فيكون شديد الحاجة ومع ذلك لا يمد يده، فهذا هو المسكين حقاً، وذاك مسكين لكن ليس هو المسكين حقاً، فهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ) يعني: معناه هذا هو الواصل حقاً، وذاك ليس واصلاً حقاً وإن كان هذا شيء طيب وهي المكافأة والمقابلة بالمثل، وكذلك أيضاً ( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يمسك نفسه عند الغضب ) يعني: لا يعني أن القوي ليس بشديد، الذي هو قوي في جسده وفي قوته وفي مغالبته ومصارعته هو قوي شديد، لكن الشديد حقاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، فهذا نفي ليس معنى ذلك أن الذي ينفى عنه لا يكون متصفاً بذلك الوصف، بل أنه ليس متصفاً به على التمام والكمال، وإنما الذي يتصف به على التمام والكمال هو الذي يأتي فيما بعد في الإثبات؛ لأن الجملة تأتي فيها نفي وإثبات، والنفي هو ليس للنفي المطلق بل لنفي الوصف الكامل، والإثبات إنما هو للوصف الكامل.
هو علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ، ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[ أنبأنا إسماعيل ].
هو ابن علية إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن شريك ].
هو شريك بن عبد الله بن أبي نمر، وهو صدوق، يخطئ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي، فإنه لم يخرج له في السنن ولكنه خرج له في الشمائل.
[ عن عطاء بن يسار ].
وقد مر ذكره.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
وفي آخر الحديث ذكر الآية: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273].
لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] وهذه ذكرها الشيخ الألباني أنه شاذ بهذه الزيادة.
يقول النسائي رحمه الله: تفسير المسكين، والمراد من هذه التراجم: المسكين حقاً الذي يستحق أن تدفع له الزكاة وأن تعطى له الصدقات، والفقير والمسكين هما صنفان من الأصناف الثمانية الذين جاء ذكرهم في سورة التوبة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]، فهؤلاء ثمانية أصناف، أولهم: الفقراء والمساكين، وقد قال أهل العلم: إن الفقير والمسكين من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق المعنى، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر فإنه يتسع للجميع، وعلى هذا فإن المسكين والفقير إذا جاء ذكرهما في موضع واحد؛ فيفسر الفقير بأنه الذي ليس عنده شيء أصلاً، والمسكين الذي عنده شيء ولكنه لا يكفيه، وإذا انفرد أحدهما عن الآخر دخل فيه الجميع، كما في قوله في حديث معاذ بن جبل: ( فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم )، فهنا جاء ذكر الفقير ليس معه المسكين، ويكون معناه شاملاً لمن لا يجد شيئاً أصلاً ولمن يجد ما لا يكفيه، والتراجم التي معنا وقد أورد تحتها النسائي الأحاديث فيها بيان المسكين حقاً، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ليس المسكين بذاك الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: الذي ليس عنده غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس ) هذا هو المسكين حقاً.
وليس معنى قوله: ( ليس المسكين بذاك الطواف ) أن الطواف الذي يمد للناس ليس مسكيناً، بل هو مسكين، ولكن ليس هو المسكين حقاً؛ لأن هذا يحصل شيئاً يأكله؛ لأنه يمد يده، لكن الذي يتعفف وليس عنده شيء، ولا يمد يده ولا يفطن له فيتصدق عليه، هذا هو المسكين حقاً الذي ينبغي أن يحرص على معرفته، وأن توصل إليه الزكاة والصدقة.
ومثل هذا الكلام الذي جاء في هذا الحديث في قوله: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه)، مثله ما جاء في بعض الأحاديث: ( ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )، الذي عنده القوة والشجاعة وغلبة الناس عند المصارعة هو شديد، لكن ليس هذا هو الشديد حقاً، الشديد حقاً هو الذي يملك نفسه عند الغضب، ومثله أيضاً ما جاء في الحديث: ( ليس الصيام بالإمساك عن الأكل والشرب، وإنما الإمساك عن اللغو والرفث )، يعني: أن هذا هو الصيام حقاً الذي يمسك عن اللغو والرفث، وإن كان الإمساك عن الأكل والشرب أيضاً إمساكاً، وهو الصيام، والذي لو أكل الإنسان أفطر، ولكن الصيام حقاً هو الصيام عن اللغو والرفث، ومثل قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس الواصل بالمكافئ، إنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها )، ومثله أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال عليه الصلاة والسلام: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج، ويأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه، أخذ من سيئاته فطرح عليه، ثم طرح في النار )، هذا هو المفلس حقاً مفلس الآخرة، ومفلس الدنيا مفلس أيضاً؛ الذي ما عنده شيء يقال له: مفلس.
ولهذا الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، والرسول صلى الله عليه وسلم أراد المفلس حقاً الذي هو المفلس في الآخرة، الذي يأتي وعنده حسنات، ولكن آذى الناس، وتعدى على الناس، فيؤخذ للذين آذاهم واعتدى عليهم من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى عليه أخذ من سيئاتهم فطرح عليه، ثم طرح في النار، هذا هو المفلس حقاً، وإن كان الذي ليس عنده درهم ولا متاع يقال له: مفلس، لكن هذا هو المفلس حقاً.
إذاً: هذه الأحاديث هي من هذا الباب: نفي الشيء على الحقيقة والكمال، وإثباته على الحقيقة والكمال في أمر آخر، ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، هو مسكين في الحقيقة لكن ليس هو المسكين حقاً؛ لأن هذا يمد يده يحصل شيئاً يأكله، ما يموت من الجوع؛ لأن الناس يعطونه، وهو يمد يده، لكن الذي يتعفف ولا يمد يده ولا يقوم ويسأل الناس ولا يفطن له فيتصدق عليه هذا هو المسكين حقاً الذي ينبغي أن يحرص على معرفته حتى توصل إليه الزكاة، وحتى توصل إليه الصدقات.
هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، ثبت، وبغلان قرية من قرى بلخ، وبلخ هي إحدى المدن الرئيسية في خراسان، وهي أربع: بلخ وهرات ونيسابور، والرابعة مرو، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وقد قال عنه الحافظ ابن حجر : هو رأس المتقنين، وكبير المثبتين، فهو في القمة في الثقة والعدالة وفي الحديث والفقه رحمة الله عليه، وهو أحد أفراد السلسلة الذهبية عند البخاري، وهي: مالك عن نافع عن ابن عمر، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وقتيبة بن سعيد يروي عن مالك، ومالك متقدم؛ لأنه توفي سنة 179هـ، وقتيبة عاش تسعين سنة؛ لأنه ولد سنة 150 هـ ومات سنة 240هـ، فعمره تسعون سنة، ولهذا مع كونه متأخراً إلا أنه أدرك المتقدمين؛ لأنه من المعمرين.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني، وأبو الزناد لقب على صفة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن، ولكنه اشتهر بلقب أبي الزناد الذي هو لقب على صيغة الكنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بلقبه الأعرج ، ولهذا يأتي ذكره أحياناً بلقبه وأحياناً باسمه ونسبته، ومعرفة ألقاب المحدثين فائدتها عند المحدثين: أن لا يظن الشخص الواحد شخصين فيما إذا ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه؛ فإن من لا يعرف أن هذا اللقب هو لصاحب هذا الاسم فإنه يظن أن عبد الرحمن بن هرمز شخص، وأن الأعرج شخص آخر، لكن من عرف أن عبد الرحمن بن هرمز لقبه الأعرج فإذا جاء الأعرج في إسناد كما هنا، أو جاء عبد الرحمن بن هرمز في إسناد آخر، فلا يلتبس على من لا يعرف ذلك؛ لأن هذا لقب لصاحب هذا الاسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، والسبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثرهم أبو هريرة، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وجابر، وأنس، وأم المؤمنين عائشة، رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهؤلاء السبعة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وهو مشتمل على ما اشتملت عليه الطريقة السابقة في بيان المسكين حقاً، وأنه الذي ليس الذي ترده الأكلة والأكلتان، والمراد بالأكلة: اللقمة واللقمتان، الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، فالمراد بالأكلة هي اللقمة، فهي مثل اللقمة التي جاءت في الرواية السابقة، والكلام عليه كالكلام في اللفظ السابق في الرواية السابقة.
هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، يعني: اسمه واسم أبيه يوافق اسم جده وجد أبيه، نصر بن علي بن نصر بن علي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الأعلى ].
هو ابن عبد الأعلى البصري ، وهو ثقة أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا معمر ].
هو معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني، وهو ثقة، أيضاً أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، مكثر من رواية الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة المشهورين في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الفقهاء فقهاء المدينة السبعة المشهورين بهذا اللقب فيهم ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، قيل: أبو سلمة الذي معنا هذا، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأما الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، فهم: سعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير بن العوام وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن يسار والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال، أحد الأقوال الثلاثة أن السابع منهم هذا الذي معنا في الإسناد، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث أم بجيد حواء ، صحابية بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سألته: إن المسكين يقف على بابها ولم تجد ما تعطيه شيئاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشدها إلى أن لا ترده بدون شيء، ولو كان ذلك نزراً يسيراً جداً، ولو كان ظلفاً محرقاً، والظلف هو: للغنم والبقر، كالخف للبعير، وكالحافر للفرس، والحمير، يقال: حافر، ويقال: خف، ويقال: ظلف، فالظلف هو للبقر والغنم، والمقصود من ذلك: هذا هو الذي رأس اليدين أو الرجلين، وما يعلق به من الشيء الذي ليس له أهمية، ولكنه ينفع لمن هو محتاج إليه.
والحديث فيه بيان المسكين، وهو أن من يطوف بالأبواب يقال له: مسكين؛ لأن هذا سائل يقف في الباب يسأل، والنسائي أورد الحديث تحت تفسير المسكين، فهو مسكين، ولكن ليس هو المسكين حقاً، بل المسكين حقاً هو الذي بينه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: ( إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس )، فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد أم بجيد أنها لا ترد السائل بدون شيء ولو أن تعطيه شيئاً يسيراً، ولو كان ظلفاً محرقاً.
هو قتيبة بن سعيد، وقد مر ذكره.
[ عن الليث ].
هو ابن سعد المصري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي سعيد ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن بن بجيد ].
معدود في الصحابة، وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
[ عن جدته ].
هي أم بجيد، واسمها حواء، وهي صحابية بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أيضاً أبو داود والترمذي والنسائي.
وليس لها إلا هذا الحديث الواحد، وليس لها شيء في البخاري ولا مسلم ولا عند ابن ماجه، ولها عند أبي داود والترمذي والنسائي هذا الحديث الواحد، فما يأتي ذكرها مرة أخرى في غير هذا الموضع في غير هذا الحديث؛ لأن هذا هو الحديث الوحيد لها في هذه الكتب.
أخبرنا محمد بن المثنى أخبرنا يحيى عن ابن عجلان سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله عز وجل يوم القيامة: الشيخ الزاني، والعائل المزهو، والإمام الكذاب ) ].
أورد النسائي حديث الفقير المختال، معناه: ذمه وبيان سوء فعله، وأنه ممن لا يكلمه الله عز وجل يوم القيامة؛ وذلك لسوء فعله وقبح صنيعه، والفقير المختال هو الذي يتكبر مع كونه فقير، يعني معناه: سبب التكبر ليس موجوداً عنده، ولكنه طبع فيه خبيث.. طبع سيء؛ لأن الغالب أن التكبر يأتي مع الغنى كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، لكن إذا كان فقيراً وليس عنده أسباب التكبر ومع ذلك يتكبر، فهو سوء إلى سوء، يعني معناه: أنه سوء عظيم؛ لأنه تكبر مع الفقر، فهذا هو الفقير المختال، أي: الذي عنده الخيلاء والتكبر، واتصف بهذه الصفة.
أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة )، والمقصود: أنه لا يكلمهم كلام تكريم لهم، وإلا فكونهم يكلمون، وكذلك الكفار أيضاً يكلمون تكليم توبيخ وتقريع، فهذا ثابت، والمثبت غير المنفي؛ لأن المثبت هو الكلام الذي فيه التقريع والتوبيخ، كما قال الله عز وجل: اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108]، فهذا كلام، وهو مثبت، ولكنه الكلام الذي فيه التوبيخ والتقريع، والذي نفي هو الكلام الذي فيه التكريم، ( ثلاثة لا يكملهم الله )، يعني: هذا لا ينفي أنه يكلمهم كلام توبيخ، وإنما النفي هو لكلام التكريم الذي فيه تكريم لهم وإحسان إليهم.
وفي هذا: أن الله تعالى يتكلم إذا شاء كيف يشاء، ويكلم من شاء كيف شاء سبحانه وتعالى، فهو لا يكلم هؤلاء كلام تكريم وإن كان يكلمهم كلام توبيخ وتقريع، وهؤلاء الثلاثة عندهم هذا السوء الذي فيه هذه الصفة، أو في كل واحد منهم صفة، مع أنه ليس هناك ما يكون مدعاة إلى ذلك أو سبباً في ذلك.
فقال: ( الشيخ الزاني ). يعني: الكبير الهرم الذي نفسه معلقة بالخبث ومرتبطة بالسوء، وليس عنده القوة والشدة التي عند الشاب وفي حال الشباب، ولكن لخبث طويته ولتمكنه في المعصية، ولتورطه في المعصية مع عدم الحافز وعدم الدافع وعدم القوة، يعني: يدل على شدة الخبث؛ لأن الزنا إذا حصل من الشاب عنده قوة وعنده نشاط، لكن إذا حصل من شيخ هرم كبير ليس عنده القوة، يعني: هذا يدل على نهاية الخبث، وعلى شدة الخبث.
(والعائل المزهو)، الذي عنده الزهو، يعني: يزهو بنفسه، ويترفع بنفسه، ويتعالى بنفسه، ويختال ويتكبر؛ لأن هذا المقصود بالزهو، وهو الذي عناه المصنف بالفقير المختال؛ لأن محل الشاهد هو العائل المزهو، وهو الفقير المختال الذي عقدت التراجم من أجله.
(والإمام الكذاب)، الحاكم الذي يكذب على الناس؛ لأن الكذب في الغالب يكون لمن هو ضعيف، ولمن هو مضطر إليه، يعني: فيكذب لكونه ضعيفاً، وأما أن يكون ليس عنده ما يقتضيه؛ لأنه ذو ولاية وذو سلطان، فلا يدفعه إلى الكذب إلا سوء الخبث، فهذا يدل على أن من كان كذلك فإنه من هؤلاء الذين لا يكلمهم الله، وهؤلاء الذين ذكروا، يعني: هذه الصفات التي معهم مع عدم وجود ما يدفع إليها؛ لأن الفقير ما عنده غنىً يطغيه، والشيخ الزاني ما عنده القوة، والإمام الكذاب ما عنده شيء يلجئه إلى الكذب؛ لأن الذي يلجأ إلى الكذب هو الضعيف المسكين الذي يقهر ويغلب، فيحتال بالكذب وغير الكذب.
هو العنزي الملقب الزمن، وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، ثبت، بصري، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة، وهو من صغار شيوخ البخاري، وهم: محمد بن المثنى ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن بشار وقد مات هؤلاء الثلاثة في سنة واحدة، أي: سنة 252هـ قبل وفاة البخاري بأربع سنوات؛ لأن البخاري توفي سنة 256هـ ، وشيوخه هؤلاء الثلاثة الذين هم من صغار شيوخه: محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ماتوا في سنة واحدة وهي سنة 252هـ.
[ أخبرنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان، المحدث، الناقد، الثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عجلان ].
هو محمد بن عجلان المدني، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ سمعت أبي يحدث ].
أبوه هو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة ، وهو مدني، قال عنه الحافظ : لا بأس به، وهي تعادل صدوق؛ لأن لا بأس به هي بمنزلة صدوق، إلا عند يحيى بن معين فإنها تعادل ثقة، وهذا اصطلاح خاص بابن معين ، ولهذا يقولون: إن لا بأس به عند ابن معين توثيق، فابن معين يطلق لا بأس به على الثقات الذين هم في القمة، يقولوا عن الواحد منهم لا بأس به، فهذا اصطلاح خاص به، ولا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون.
وعجلان هذا أيضاً أخرج له الذين أخرجوا لابنه: البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي هريرة ].
تقدم ذكره.
أورد النسائي حديثاً آخر لـأبي هريرة، وفيه ذكر أربعة، وفيهم: الفقير المختال وهو الذي يطابق التراجم، والحديث المتقدم العائل المزهو، وهو يعادل الفقير المختال؛ لأنه بمعناه، وهو المقصود بالحديثين، فقال:
أربعة يبغضهم الله، وفيه إثبات البغض لله عز وجل، وأنه يبغض من شاء ويحب من شاء.
( البياع الحلاف ).
البياع الحلاف، أي: الذي يكثر الحلف في البيع، وينفق سلعته بالحلف الكاذب كما سبق أن مر في بعض الأحاديث: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب )، وهنا قال: ( البياع الحلاف )، الذي يبيع ولكن شأنه الحلف، وكلامه في ترويج السلع إنما هو بالحلف، ويكون بالكذب وقد يكون بالصدق، ولا ينبغي للإنسان أن يعود لسانه الحلف ولو كان صادقاً، بل الإنسان يصون لسانه من كثرة الحلف حتى لا يحصل منه ما لا ينبغي، وأما إذا كان الحلف مع الكذب، فهذا سوء إلى سوء والعياذ بالله.
( والفقير المختال ).
والفقير المختال، وهذا هو محل الشاهد، والشيخ الزاني، وقد مر، والإمام الجائر، وهذا مثل ما تقدم إلا أن هناك بوصف الكذاب، وهنا بوصف الجائر، والجور هو ضد العدل.
هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا عارم ].
هو أبو النعمان محمد بن الفضل، لقبه عارم، وكنيته: أبو النعمان، وهو مشهور بكنيته، ومشهور بلقبه، ويأتي ذكره بالكنية، ويأتي ذكره باللقب كما هنا، قال: عارم، وعارم هو: محمد بن الفضل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا حماد ].
هو ابن زيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبيد الله بن عمر ].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، ثبت، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره، وكذلك ذكر المقبري.
أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عز وجل ) ].
أورد النسائي هذه التراجم، وهي: فضل الساعي على الأرملة، والأرملة هي التي لا زوج لها من النساء، وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله عز وجل )، والمراد بالساعي: هو الذي يعمل لتحصيل الشيء الذي يتصدق به على الأرملة وعلى المسكين، أو ينفق به على الأرملة والمسكين، فهو كالمجاهد في سبيل الله؛ لأن هذا مشتغل بالعمل الذي يحصل من وراءه كسباً ليصرفه في هذا السبيل الخير، ألا وهي الصدقة والإحسان على الأرملة التي ليس لها من ينفق عليها، وكذلك المسكين الذي ليس له من ينفق عليه وهو محتاج إلى الصدقة والإحسان، فهو كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، وهذا يدل على فضله؛ لأنه شبه بالمجاهد في سبيل الله عز وجل.
هو النسائي، وهو ثقة، ثبت، أخرج له النسائي وحده.
[ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
يروي عن مالك ، وقد مر ذكره.
[ عن ثور بن زيد الديلي ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الغيث ].
هو سالم المدني مولى ابن مطيع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
وقد مر ذكره.
أخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( بعث
أورد النسائي هذه التراجم، وهي: المؤلفة قلوبهم، والمؤلفة قلوبهم هم: أحد الأصناف الثمانية الذين جاء ذكرهم في أهل الزكاة الذين تصرف لهم الزكاة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60]، والمراد بالمؤلفة قلوبهم: هم الذين يراد بإعطائهم المال استمالتهم حتى يدخلوا في الإسلام، ويرغبوا في الدخول فيه، ولهم أتباع يتبعونهم، ويكون بإسلامهم إسلام الفئات من الناس، والخلق من الناس، فهم متبوعون، فيتألفون ليسلموا أو ليقوى إسلامهم، يعني: إما ليدخلوا في الإسلام، أو ليقوى إسلامهم، ويتألفون على الإسلام بحيث يثبتون عليه، ولا يرجعون عنه بعد أن أكرمهم الله عز وجل في الدخول فيه.
والتأليف يكون لشخص متبوع، يعني: له منزلة وله مكانة، وعظيم في قومه، وكبير في قومه، إذا أسلم أسلم معه الفئام من الناس، فيتألف ويعطى من المال، ومن الزكاة ليثبت على الإسلام، وليسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس، هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم.
وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما كان في اليمن بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، المقصود من ذلك أنها قطعة من الذهب لم تصف، فقسمها بين أربعة من كبار القبائل، وهم: الأقرع بن حابس الحنظلي التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم من بني كلاب، يعني: المقصود بهذه نسبة خاصة، والعامري نسبة عامة، يعني: الأولى نسبة عامة، والثانية نسبة خاصة، يعني: هو من القبيلة عموماً، ولكنه على الخصوص من القبيلة الفلانية، فهو مثل ما يذكر الوصف العام ثم الوصف الخاص، مثل ما يقال: عمرو بن عبد الله أبو إسحاق الهمداني السبيعي؛ لأن سبيعاً جزء من همدان.
ثم أحد بني كلاب؛ لأن بني كلاب هم جزء من بني عامر العامري، جزء ممن ينسب بهذه النسبة، ثم زيد الطائي، ثم من بني نبهان، يعني: من طيء، وهي نسبة عامة، ثم من بني نبهان وهي نسبة خاصة، هؤلاء الأربعة وهم من كبار العرب، وصناديد العرب أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الذهيبة وقسمها عليهم، فقال: [ فغضبت قريش، وقال مرة: صناديد قريش ].
أي: فغضبت قريش، وقال مرة: صناديد قريش، وقالوا: تعطي صناديد نجد وتدعنا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما أعطيتهم لأتألفهم )، وهذا هو محل الشاهد، محل الشاهد من إيراد الحديث للتراجم: أعطيتهم لأتألفهم، فيعطى ولو مع غناه، ما يعطى لفقره، بل وهو غني يعطى؛ لأن المقصود هو ليس سد فاقته، وإنما المقصود تألفه، وكونه يسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس، فهو يعطى ولو كان غنياً، ما يعطى لفقره، يعطى ولو كان غنياً؛ لأن المقصود من إعطاؤه هو تأليفه، وأن يدخل في الإسلام، أو يثبت في الإسلام ويقوى في الإسلام؛ ليسلم بإسلامه الخلق الكثير من الناس.
[ فجاء رجل كث اللحية، مشرف الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس ].
(فجاء رجل كث اللحية) يعني: كبير اللحية، عظيم اللحية، (ناتئ الجبين) يعني: بارز، (مشرف الوجنتين) يعني: بارز الوجنيتن، (غائر العينين) يعني: داخلة، محلوق الرأس، يعني: هذه صفات ذلك الرجل الذي جاء وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: [ اتق الله يا محمد!] وفي بعض الأحاديث: [ اعدل ]، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:
(فمن يطع الله إن عصيته؟! يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني)، يعني: يـأمنني على أهل الأرض إذ يرسلني إليهم كافة لأدعوهم إلى عبادته ولإخراجهم من الظلمات إلى النور، وأنتم ما تأمنوني على مقدار من المال أقسمه وأضعه حيث أرى المصلحة في وضعه، يأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنونني، يعني: يقوله في حق هذا الرجل الذي قال له: اتق الله! وفي بعض الأحاديث أنه قال: اعدل فإنك لم تعدل، فقال بعض الصحابة: دعني أقتله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن له، وقيل: إنه خالد بن الوليد، وقال: إنه يخرج من ضئضئي هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم.
( إن من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان ).
والمراد بذلك الخوارج.
قوله: (إن من ضئضئ هذا)، أي: من نسله، ومن قبيلته، أو من جماعته قوم يقرءون القرآن، يعني: يتصفون بالعبادة، ويعنون بالقرآن، ولكنهم يقرءونه ولا يجاوز حناجرهم، يعني: ما عندهم الإيمان ولا عندهم الفهم، ولكن عندهم الانحراف مع كونهم أهل قرآن ويعنون بالقرآن، ولهذا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ثم قال: يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يعني: شأنهم أنهم يخرجون على الإمام، ويقتلون أهل الإسلام ويقاتلونه، وهذا هو الذي حصل؛ فإنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقاتلوه وقاتلهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد جاء في الحديث: أنهم يخرجون على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق، وقد قاتلهم علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
( يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ).
قال بعض أهل العلم: في هذا دليل على أنهم كفار، والمشهور عن أهل العلم أنهم ليسوا كفاراً، ولكنهم ضلال، ولكنهم مبتدعة، ومن المبتدعين الذين أحدثوا في دين الله عز وجل وفهموا النصوص على غير فهمها، وخرجوا على ولي أمر المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه وقاتلوه وقاتلهم، وقتلهم رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ).
يعني: قتل استئصال، كما قال: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:8]، يعني: أنهم استئصلوا وأهلكوا عن آخرهم بالريح التي تدمر كل شيء بأمر ربها، وأصبح لا يرى إلا مساكنهم.
هو أبو السري الكوفي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن أبي الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم].
هو والد سفيان الثوري؛ لأن سفيان هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، فسعيد بن مسروق هو والد سفيان الإمام المشهور، وأبوه سعيد بن مسروق ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو ابن أبي نعم، عبد الرحمن بن أبي نعم، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته أنه عبد الرحمن بن أبي نعم بضم النون وإسكان العين.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بكنيته أبو سعيد ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي عن حماد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم (ح) وأخبرنا علي بن حجر واللفظ له أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن هارون عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق رضي الله عنه أنه قال: ( تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألته فيها، فقال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة بين قوم فسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك ) ].
أورد النسائي ترجمة: الصدقة لمن تحمل بحمالة وهو: الذي غرم مالاً لإصلاح ذات البين لإطفاء فتنة، ولتخليص الناس من إراقة الدماء، وإزهاق الأنفس، فأصلح بين الناس، وتحمل هذا المقدار، أو تحمل مقداراً من المال، فإن هذا تحل له المسألة؛ حتى يحصل ذلك المبلغ الذي تحمله ثم يمسك.
وقد أورد النسائي حديث قبيصة بن مخارق ، وقد ذكره هنا مختصراً، ذكر الثلاثة، ولكنه ما ذكر إلا واحداً منهم، وهو الذي محل الشاهد للتراجم، وأورد بعد ذلك الحديث من طريق أخرى، وهو مشتمل على ذكر الثلاثة بالتفصيل، هنا ذكرهم إجمالاً ولم يذكرهم تفصيلاً، بل ذكر واحداً منهم، وهو الذي المقصود بالتراجم، أو الذي تدل عليه التراجم، أو الذي هو شاهد للتراجم.
ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن حماد ].
هو حماد بن زيد بن درهم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هارون بن رئاب ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود والنسائي.
[ عن كنانة بن نعيم ].
ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي.
[ ح ].
(ح)، وهي تدل على التحول من إسناد إلى إسناد.
[ وأخبرنا علي بن حجر ].
هو ابن إياس المروزي السعدي ، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[ واللفظ له ].
واللفظ له، أي: اللفظ للشيخ الثاني، وليس للشيخ الأول الذي هو يحيى بن حبيب بن عربي.
[ أخبرنا إسماعيل ].
هو إسماعيل بن علية ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أيوب ].
هو أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما في الإسناد السابق، الذي حصل التحول منه إلى هذا الإسناد.
[ عن قبيصة بن مخارق ].
هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي. يعني: هؤلاء الثلاثة الذين هم: هارون بن رئاب وكنانة بن نعيم وقبيصة بن مخارق أخرج لهم جميعاً هؤلاء الثلاثة: مسلم وأبو داود والنسائي.
أورد النسائي حديث قبيصة بن مخارق من طريق أخرى وهو مشتمل على ذكر الثلاثة الذين تحل لهم المسألة، وأولهم الذي مر ذكره في الحديث السابق هو الذي تحمل الحمالة، والذي له أن يسأل حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش، وما تقدم: أنه حتى يصيب قوماً من عيش ثم يمسك، يعني: يسدد هذا المبلغ الذي تحمله للإصلاح بين الناس.
(ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله ).
(فاجتاحت ماله) يعني: حصل له نكبة، وحصل له أمر قضى على ماله، فكان بعد أن كان غنياً أصبح فقيراً، فإن له أن يسأل حتى يحصل ما يسد به فاقته، وما يكون به قضاء حاجته.
( ورجل أصابته فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلاناً فاقة ).
(ورجل أصابته فاقة) يعني: فقر، يعني: كان فقيراً؛ فيشهد ثلاثة من أهل الحجا، يعني: من أهل العقول، الحجا هو العقل؛ لأن الحجا والنهى المقصود بها العقول، فيشهد ثلاثة من أهل الحجا من قومه أن فلاناً أصابته فاقة، فتحل له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ثم يمسك، يعني: لا يستمر في السؤال ويدوم على السؤال، وينتهي عمره وهو في السؤال، وإنما ترخيص مؤقت وليس دائماً مستمراً.
قال: فما سوى ذلك فهو سحت يأكله صاحبه سحتاً، يعني: ما سوى ذلك، يعني: من المسألة فهو سحت، الإنسان الذي يسأل لغير هذه الأمور الثلاثة هو من السحت، وما يأخذه هو سحت، يعني: يحرم عليه السؤال؛ لأنه إنما يحصل بسؤاله سحتاً، والسحت هو: الحرام الذي لا خير فيه ولا بركة فيه.
صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي.
[ حدثنا حماد عن هارون بن رئاب حدثني كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق ].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.
[ أخبرني زياد بن أيوب حدثنا إسماعيل بن علية: أخبرني هشام حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني هلال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ( جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وجلسنا حوله، فقال: إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح لكم من زهرة، وذكر الدنيا وزينتها، فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: ما شأنك؟ تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يكلمك، قال: ورأينا أنه ينزل عليه، فأفاق يمسح الرحضاء، وقال: أشاهد السائل؟ إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم، إلا آكلة الخضر، فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس، فثلطت ثم بالت ثم رتعت، وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو إن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل، وإن الذي يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) ].
أورد النسائي هذه التراجم وهي: الصدقة على اليتيم، واليتيم هو: الذي فقد أباه الذي يحسن إليه ويرعاه، فالصدقة عليه من خير الصدقات، ومن أفضل الصدقات، وقد أورد النسائي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله، وقال: (إنما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح لكم من زهرة، وذكر الدنيا وزينتها) الرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه لا يخشى عليهم الفقر، ولكن يخشى أن تفتح عليهم الدنيا، وما يحصل فيها من المتع واللذات.
(فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر). يعني: هذه الدنيا التي يفتحها الله علينا، وهي رزق يسوقه الله إلينا أو يأتي الخير بالشر؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم سكت، وكان يوحى إليه، ثم أفاق وقد انتهى الإيحاء إليه يمسح عن وجهه الرحضاء، وهي: العرق الذي يكون كثيراً على الجلد، وهو بسبب الإيحاء إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كان في اليوم الشاتي عندما يوحى إليه يتصبب عرقاً، حتى ينتهي الإيحاء إليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، (فأفاق يمسح الرحضاء عن وجهه)، وهي العرق الكثير الذي غطى الجلد، واستوعب الجلد لكثرته.
(فقال: أشاهد السائل؟). يعني معناه: أنه يقابله، أو أشاهد السائل؟ يعني: هل الذي سأل حاضر حتى يجيبه إلى سؤاله، ثم قال عليه الصلاة والسلام (إنه لا يأتي الخير بالشر).
(وإن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم).
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلين: أحدهما: للذي هو مفرط في جمع الدنيا وتحصيلها، والتهالك عليها، وأن ذلك يفضي به إلى الهلاك، أو إلى مقاربة الهلاك، وكذلك الذي ليس كذلك، وإنما هو مقتصد، وليس مفتتناً في الدنيا، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن مما ينبت الربيع يقتل أو يلم)، إن مما ينبت الربيع، يعني: ما يحصل من النبات في الربيع، ما يكون سبباً في قتل البهائم أو يلم، يعني: يقارب القتل، يعني: من شدة المرض وشدة التضرر من كونها توسعت في الأكل، وأكلت من كل ما تجده من هذا الربيع حتى حصل الاحتباس في بطونها، فتضررت فحصل لها الهلاك أو ما يقارب الهلاك، وهذا مثل للذي يفتتن في الدنيا ويجمعها من أي طريق، ويأخذها من أي طريق، فإنه يكون هذا شأنه؛ فإما يكون ذلك سبباً في هلاكه، أو إما يقارب هلاكه.
قال: (إلا آكلة الخضر). وهذا هو المثل الثاني للذي هو دون ذلك، وقيل: هذا استثناء منقطع، لكن آكلة الخضر، وهي: الدابة التي تأكل الخضر التي هي نوع من أنواع البقول، والتي تكون قليلة، أو قيل: إنها تكون في آخر الربيع فتأكلها الدابة، وإذا امتلأت خاصرتاها وشبعت بركت واستقبلت عين الشمس لتستمرئ هذا الذي أكلته ولتستريح.
(فإنها أكلت حتى إذا امتدت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت ثم بالت ثم رتعت).
فأكلت، فثلطت ثم بالت، يعني: أنه خرج ما في بطنها، يعني: انتفعت به، وخرج ما في بطنها مما هو أذى، وهذا هو شأن الذي لا يكون متهالكاً على الدنيا ومفتتناً في الدنيا، بل يأكل منها ما يكفيه، ويستعمل منها ما يكفيه، فتكون نتيجته أو شأنه مثل هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الدابة التي هي آكلة الخضر التي انتفعت به، ثم ثلطت، يعني: خرج منها بسهولة ويسر، ولم يحصل لها الأذى الذي حصل للتي أكلت من أنواع البقول في شدة الربيع، وفيه ما يضر البهائم، ويكون سبباً في احتباس الطعام في أجوافها، مما يكون سبباً في هلاكها وفنائها.
(وإن هذا المال خضرة حلوة، ونعم صاحب المسلم هو).
نعم صاحب المسلم المال الذي يضعه في موضعه، يأخذه من حله، ويضعه فيما شرع أن يوضع فيه، يعني: نعم المال الصالح للرجل الصالح، نعم صاحب المسلم هو، يعني: المال.
(إن أعطى منه اليتيم والمسكين وابن السبيل).
إن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، وهذا هو محل الشاهد، يعني: الصدقة على اليتيم، إن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل، نعم المال إن كان ينتفع به وينفع غيره، فنعم المال لهذا الرجل.
( وإن الذي يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة ) .
وإن الذي يأخذه من غير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، لا يحصل بركة، ولا يحصل منه فائدة، بل دائماً يأكل وشهيته متفتحة فلا يشبع، فهو دائماً وأبداً في نهمة، ولكنه لا يستفيد من هذا الأكل؛ فهو طعام ورزق منزوع البركة.
هو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
[ حدثنا إسماعيل بن علية ].
وقد مر ذكره.
[ أخبرني هشام ].
هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني هلال ].
هو هلال بن علي ، ويقال: ابن أبي ميمونة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد ]، وقد مر ذكره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر