أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي حدثنا أبو هشام واسمه المغيرة بن سلمة حدثنا الربيع بن مسلم حدثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فقال: (إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج، فقال رجل: في كل عام، فسكت عنه، حتى أعاده ثلاثاً، فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بالشيء، فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه)].
فهذا الكتاب: كتاب مناسك الحج وهو من العبادات وهو الكتاب الأخير من الكتب المتعلقة بأركان الإسلام بعد الشهادتين، الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وقبل الصلاة ما لا بد منه للصلاة وهو الطهارة، ويأتي بعد كتاب مناسك الحج كتاب الجهاد.
والحج هو لغة: القصد، أي: القصد المطلق، الذي يشمل أي قصد يقال له: الحج، هذا من حيث اللغة، وأما من حيث الاصطلاح ومن حيث الشرع فهو: القصد إلى مكة أو القصد إلى بيت الله الحرام لأعمال مخصوصة، فهو قصد خاص وقصد معين، وقد ذكرت فيما مضى أن المعاني الشرعية تعتبر في الغالب جزئية من جزئيات المعاني اللغوية، أي أن المعنى اللغوي يكون واسعاً ويكون المعني الشرعي جزءاً من جزئياته، وهنا كذلك؛ لأن الحج في اللغة القصد المطلق الذي لا يتقيد بالذهاب إلى مكة ولا بغير الذهاب إلى مكة بل هو عام في كل قصد، وأما في الشرع فهو قصد مخصوص، وهو: قصد إلى بيت الله الحرام لأعمال مخصوصة التي هي مناسك الحج، من إحرام وطواف وسعي ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ومنى ورمي الجمرات وذبح الهدي إذا كان قارناً أو متمتعاً، وما إلى تلك الأعمال التي يقوم بها الحاج: على حسب نسكه.
والحج كما هو معلوم أنساك ثلاثة تمتع، وقران، وإفراد، سيأتي تفصيلها وبيانها وذكر الأحاديث التي وردت في ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وعلى هذا فالحج عرفنا أنه في الشرع جزء من جزئيات المعاني اللغوية؛ لأن الاصطلاحات الشرعية في الغالب تعتبر من جزئيات المعاني اللغوية، ثم عنون بأول ترجمة لوجوب الحج، والحج واجب، وركن من أركان الإسلام، وهو فرض لازم لمن توفرت فيه شروطه وكان أهلاً له، ومن المعلوم أنه من حيث الفرض لا يجب إلا على المكلف المستطيع، وأما من حيث الصحة والوقوع، فإنه يقع من غير المكلف إذا كان صبياً، أو عبداً، أو ما إلى ذلك ولكنه يكون نفلاً، فإذا بلغ الصغير أو عتق العبد فإنه يجب عليه أن يؤدي حجة الإسلام، وتكون الحجة التي أداها في حال صغره وفي حال عبوديته نفلاً ولا تكون فرضاً، فالحج ركن من أركان الإسلام الذي يقوم عليه هذا الدين الحنيف والذي قال فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما قال: (أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً).
وفي حديث ابن عمر المتفق على صحته (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا الله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان).
فهو فرض فرضه الله عز وجل على عباده وقد فرضه في العمر مرة واحدة، والعبادات التي هي الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، فرضت على أوجه مختلفة، فالصلاة فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، والزكاة فرضت في السنة مرة واحدة على من تجب عليه الزكاة، إذا كان الخارج من الأرض من الثمار فتجب الزكاة عند حصول الحصاد والجذاذ، وإذا كان نقوداً أو عروض تجارة فتجب الزكاة عند حولان الحول وفي كل ذلك لا بد من النصاب، فإذاً الزكاة تجب على بعض الناس وهم الأغنياء ولكنها بشروط معينة وهي كونه يبلغ النصاب وكونه يحول عليه الحول، إذا لم يكن من الأشياء الخارجة من الأرض فلا يجب في كل وقت وفي كل حين في أيام السنة وفي أشهر السنة وإنما يجب في السنة مرة واحدة، والصيام يجب في السنة شهراً واحداً، والحج يجب في العمر مرة واحدة، وما زاد على ذلك فهو تطوع.
وقد أورد النسائي للاستدلال على وجوب الحج: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (إن الله فرض عليكم الحج) الرسول صلى الله عليه وسلم خطب الناس وأعلمهم بهذه الأحكام على المنبر، وهذا من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام أنه بين للناس الأحكام على المنابر حتى يكثر سامعوها، وحتى يفهمها الناس ويعقلها الناس.
ومن المعلوم أن بيان الأحكام يكون بالخطب وغيرها ويكون بالحديث للشخص الواحد، وبغير ذلك، لكنه إذا جاء عن طريق الخطب يكون أحسن لأن هذا من الأشياء أو من الأمور التي تعم ويكثر سامعوها ويكثر آخذوها، وهو من كمال بيانه عليه الصلاة والسلام ونصحه لأمته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
قال بعض العلماء: إن قوله: لو قلت: نعم لوجبت، إن هذا يدل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يأتي بالشيء ويفوض إليه تقدير ذلك الشيء -أي كونه يكون مرة أو يكون كل سنة فهذا يرجع إليه، وهذا الذي قالوه ليس بواضح؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام: كل ما يأتي به هو من الله سبحانه وتعالى وقد يحصل منه الاجتهاد ولكنه إما يقر عليه أولا كما جاء عتابه في قصص متعددة بما يتعلق بأسرى بدر، وكذلك فيما يتعلق بقصة ابن أم مكتوم، عَبَسَ وَتَوَلَّى [عبس:1]، وفي غير ذلك من الأشياء التي جاء بيانها في القرآن، فدل هذا على أن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يأتي بالشيء عن الله، ولو قال: نعم فإنما يقوله عن الله -يعني أن الله تعالى يوحي إليه بذلك- لكن كونه يقول من تلقاء نفسه وبدون وحي الله عز وجل إليه، هذا لا يحصل؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].
ثم يدل على ذلك الحديث الذي سبق أن مر بنا في بيان فرائض الصدقة والتفاصيل التي فيه بالنسبة للإبل، والبقر، والغنم، ومقاديرها، وقد جاء في أوله فريضة الصدقة التي أمر الله تعالى بها رسوله، يعني أن هذه الفرائض وهذه التفصيلات إنما هي من الله سبحانه وتعالى والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بها، وهو مبلغ عن الله سبحانه وتعالى، وكذلك من الأدلة ما جاء في الحديث: (أنه يغفر للشهيد كل شيء)، قال بعد ذلك: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، هذا استثناء، وأن الدين لا بد من أدائه لأهله.
فهو من الأمور التي يلزم أداءها إلى أهلها وأنها لا تغفر، لأنها حق للناس، وليست حق لله عز وجل، قال: (إلا الدين سارني به جبريل آنفاً)، معناه أن جبريل جاءه وسره بهذا الاستثناء فهو وحي من الله عز وجل، والسنة وحي وهي من الله وليست من الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداءً بل هي من الله عز وجل، والكتاب والسنة هما من الله، لقول الرسول عليه اصلاة والسلام: (أنا أوتيت القرآن ومثله معه)، فالكتاب والسنة كلاهما وحي من الله، إلا أن القرآن وحي متلو والسنة وحي غير متلو، ولكن التعبد والتقرب إلى الله عز وجل بالجميع -بما جاء في الكتاب والسنة- ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن، والله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، فما آتاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو منه سبحانه وتعالى، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام لما بين أن هذا السؤال ما كان ينبغي أن يسأل عنه، وأنه لو قال: نعم لوجبت ولو وجبت ما استطاعوا، قال: (ذروني ما تركتكم)، يعني مثل هذه الأسئلة التي فيها تكلف وفيها تشدد لا ينبغي أن يشتغل بها ولا ينبغي أن يسأل عنها، فإن الناس يأخذون بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وبما يقتضيه كلامه ولا يحتاجون إلى استفسار يترتب عليه مضرة ومشقة، مثل ما حصل لبني إسرائيل، الذين شددوا فشدد الله عليهم، في قصة البقرة، التي أمروا بأن يذبحوها، وأن يأخذوا قطعة منها، ويرموا بها على جسد القتيل، فسألوا أسئلة، وشددوا في أسئلتهم فشدد عليهم، فصار الحصول على نوع البقرة، أو على عين البقرة التي يريدونها صعبا، مع إنه كان بإمكانهم أن يذبحوا أي بقرة، لأنها داخلة في حكم إن الله يأمركم أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، لكن شددوا فشدد عليهم، فالأسئلة التي فيها تشدد وتعنت قد يترتب عليها مضرة، هذه لا تصلح لا سيما في زمن الوحي الذي يحصل فيه التشريع، إذ قد يحصل للناس شيء فيه مشقة عليهم بسبب السؤال الذي يسأل عنه.
ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى أن الأوامر التي تأتي عنه فإنها في باب المأمورات يؤتى بها على قدر طاقة الإنسان، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وأما المناهي فقد أمر أ/راً جازماً بتركها؛ لأنها في وسع الإنسان وفي طاقته فتترك والترك سهل لمن وفقه الله عز وجل ولهذا قال: (فإذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم)، فالله تعالى إذا أمر بأمر من الأمور، ليس معناه أن يلزم الإنسان في كل وقت وفي كل حين على جميع أحواله، لا، هناك أشياء قد يستطيعها الإنسان في وقت، وقد لا يستطيعها في وقت، كالصلاة، فإن الإنسان يستطيع أن يصلي قائماً في حال صحته وعافيته، لكن قد يصيبه مرض، فلا يستطيع أن يصلي قائماً، فليس ملزماً بأن يصلي قائماً أبداً ولو كان مريضاً، ولو كان لا يستطيع، بل الإنسان يصلي على قدر طاقته يأتي بالأمر وينفذه على قدر طاقته، فإذا كان يستطيع أن يصلي قائماً فلا يجوز أن يصلي قاعداً، وهذا في حال الفرض، ولو صلى قاعداً وهو قادر على القيام، لا تصح صلاته، (إذا أمرتكم بالشيء فخذوا منه ما استطعتم)، معناه: اجعلوه على قدر طاقتكم، لستم ملزمين بأن تأتوا بالشيء وأنتم لا تقدرون عليه، بل هناك فرق بين حال الصحة، وحال المرض، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يوضح ذلك بالنسبة للصلاة حيث قال: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)، وبالنسبة للصيام، إذا كان الإنسان مريضاً يفطر، ويقضي أيام فطره، مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[البقرة:184]، ليس ملزماً بأن يصوم، وهو لا يستطيع.
إذاً: الأوامر تكاليف، والتكاليف يمكن للإنسان أن يأتي بها في حالة صحته، وعافيته، وقدرته، وقد لا يتمكن لحصول مرض طرأ عليه، فلا يلزم بالفعل في جميع الأحوال، بل هو معذور في حال مرضه، وله أن يصلي قاعداً، وله أن يفطر إذا كان مريضاً ويقضي بدل الأيام في رمضان التي يفطرها أيام أخر، (إذا أمرتكم بالشيء، فخذوا منه ما استطعتم)، ما قال: افعلوه لازماً افعلوه بدون قيد أو شرط بل قيده بالاستطاعة، لكن لما جاء النواهي ما قال: ما استطعتم، قال: (اجتنبوه)، ولم يقيده بالاستطاعة لماذا؟ لأن الترك مستطاع، ما هو مثل الأمر يستطاع أو قد لا يستطاع، وأما الترك فهو مستطاع، إذا قال: صل فقد تستطيع قائماً وقد تستطيع قاعداً أو على جنب، لكن إذا قال: لا تزن لا تسرق لا تفعل كذا، فأنت تستطيع ألا تفعل، ما هو مثل الأمر الذي فيه تحمل فقد يقدر عليه، وقد لا يقدر عليه، أما الترك فيستطيع أن يتركه؛ لأن الترك مستطاع، ولهذا جاء التقييد بالفعل بالاستطاعة ولم يقيد الترك بالاستطاعة، بل قال: (اجتنبوه)، أي كونوا في جانب بعيد هو في جانب وأنت في جانب بأن تبتعدوا عنه ولا تقربوه، وهذا مثل لو أن إنساناً قال: احمل هذه الصخرة -أي انقلها- قد يستطيع الإنسان حملها وقد لا يستطيع؛ لأن الحمل فعل، لكن إذا قال لك: لا تدخل من هذا الباب يستطع ألا يدخل من هذا الباب فكذلك لا تزني لا تسرق لا تفعل هذه تستطاع؛ لأنها تروك والتروك مستطاعة، وإنما التي قد تستطاع ولا تستطاع هي الأوامر والتكاليف وهي التي فيها مشقة، والإنسان يؤدي ما أمر بفعله ولو شق فعله عن النفس، ولا يقدم على المعصية ولو مالت إليها النفس، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) حفت الجنة بالمكاره فيها أفعال تحتاج إلى صبر، حفت النار بالشهوات، ما تميل إليه النفوس تشتهيه النفوس، لكن التكاليف التي يصبر الإنسان عليها ولو شقت على النفوس تعقبها الفائدة والنتائج الطيبة والعواقب الحميدة، وأما المعاصي التي تشتهيها النفوس وتميل إليها النفوس فإن هذه لذة عاجلة محرمة تتبعها الحسرة والندامة والعذاب، فالجنة حفت بالمكاره فالطريق إليها يحتاج إلى صبر والأوامر تحتاج إلى صبر عليها، والطريق إلى النار محفوف بالشهوات فهو يحتاج إلى صبر عنها.
ولهذا فالصبر يكون على أقسام أو على أنواع: صبر على طاعة الله ولو شقت على النفوس، فالإنسان عندما يكون في فراشه في آخر الليل في فراش وثير، في مكان دافئ، والجو بارد، ثم يسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، فإنه يهب، وإن كانت النفوس تميل إلى الراحة، وتميل إلى الفراش وإلى النوم، وإلى الاطمئنان الذي فيه الإنسان، لكن ما يدعى إليه الإنسان خير مما هو فيه، أي: هذا الذي أنتم متلذذون فيه وهو النوم، فإن ما تدعون إليه وهو الصلاة خير منه، الصلاة خير من النوم، هذا الذي طاب لكم واستحسنتموه ما تدعون إليه خير، فهبوا واذهبوا إلى المسجد، وصلوا وإن كان الجو بارداً وإن كان عليكم مشقة؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، وتحتاجوا إلى صبر على الطاعات، ولو شقت على النفوس، فلا بد من الصبر على طاعة الله، ولا بد من الصبر عن معاصي الله ولو مالت إليه النفوس، ولابد من الصبر على أقدار الله المؤلمة إذا حصل قضاء وقدر ومصائب حلت على الإنسان، فيصبر الإنسان، يصبر الإنسان عند المصيبة، ولا يجزع ولا يحصل منه تسخط ولا الكلام في القضاء والقدر، فالصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معاصي الله، وصبر على أقدار الله، فيصبر على الطاعات ولو شقت على النفوس، ويصبر على المعاصي ولو مالت إليه النفوس، ويصبر على أقدار الله المؤلمة، كالحوادث، والمصائب، التي تحصل للناس من فقد الآباء والأبناء، وحصول الكوارث المالية، وما إلى ذلك من المصائب الذي تحصل للإنسان والتي لابد أن يصبر عليها.
فهذا الحديث الذي معنا هو من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، لا سيما قوله في آخره: (فإذا أمرتكم بالشيء فأتوا منه ما استطعتم: وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فالأمر مقيد بالاستطاعة؛ لأنه قد يستطاع وقد لا يستطاع، والنهي مستطاع ولهذا لم يقيد بالاستطاعة فمن يوفقه الله عز وجل البعد عن المعاصي وترك المعاصي فإنه لا يتحمل مشقة يتكلفها إلا مجاهدة النفس، ولكنه ترك لا يقدم على أي فعل والكل يستطيع ألا يفعل، لكن افعل، قد يستطيع وقد لا يستطيع.
ثقة، حافظ، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
[عن أبي هشام واسمه المغيرة بن سلمة].
هو أبو هشام المغيرة بن سلمة، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن الربيع بن مسلم].
هو الربيع بن مسلم الجمحي، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
[عن محمد بن زياد].
هو محمد بن زياد الجمحي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب الرسول عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام، بل هو أكثرهم، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:
والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر
وأنس والبحر
أي ابن عباس:
كالخدري وجابر وزوجة النبي
يعني عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم المعروفون بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام والمتميزون على غيرهم بالكثرة.
أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله في الجملة أن الرسول قام -يعني خطب الناس- فقال: (إن الله تعالى كتب عليكم الحج فقال
فهذا الحديث فيه: بيان الذي سأل هذا السؤال؛ لأن الحديث لم يعين من هو السائل، وهنا ذكر من هو السائل، وأنه الأقرع بن حابس التميمي، وأنه قال: في كل عام يا رسول الله، وبين عليه الصلاة والسلام أنه حجة واحدة، وأن الواجب على الناس أنه حجة واحدة في العمر، والذي يزيد على ذلك إنما هو تطوع، ومن باب التطوع.
ثم قوله: [(كتب)] هو بمعنى فرض، لأن هذه يدل على الوجوب، والحديث الذي تقدم فرض عليكم الحج، وهنا كتب عليكم الحج، وكلها تدل على الوجوب، وهي بلفظ الخبر، وهو لفظ يدل على وجوب الشيء وليس بصيغة الأمر، بل بلفظ الكتابة والفرض، وهو من الألفاظ الدالة على الوجوب، وفي آخر الحديث قال: (ثم إذاً لا تسمعون ولا تطيعون) يعني لا تسمعون سماع قبول؛ لأنهم سيقعون في مشقة بتكرار ذلك ولا يطيعون يعني لا ينفذون، ولكنه حجة واحدة، وهذا من تيسير الله عز وجل في شرعه، إذ شرع ويسر، ولم يكلف الناس ما لا يطيقون، بل كلفهم ما يطيقون.
هو الذهلي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سعيد بن أبي مريم].
هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم المصري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن موسى بن سلمة].
هو موسى بن سلمة المصري، وهو مقبول، أخرج له أحاديثه النسائي وحده.
[عن عبد الجليل بن حميد].
هو عبد الجليل بن حميد المصري، وهو لا بأس به، أخرج أحاديثه النسائي وحده، ولا بأس عند الحافظ ابن حجر تعادل صدوق، والمعنى أن من خف ضبطه عن التمكن وعن القوة فحديثه يكون حسناً على الأقل هذا هو الصدوق الذي خف ضبطه، وكلمة لا بأس به تعادل صدوق، وهذا مشهور إلا عند يحيى بن معين، فإن كلمة لا بأس به تعادل ثقة، وهذا في اصطلاح ابن معين، ولهذا يقولون: لا بأس به عند ابن معين توثيق، وإذا قال ابن معين عن شخص: لا بأس به كأنه قال: ثقة، ولهذا يأتي جهابذة متمكنون، في الحفظ فيصفهم ابن معين بلا بأس به، فلا يستغرب ذلك؛ لأن هذا اصطلاحه أن يطلق لا بأس به على الثقة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، مكثر من الرواية، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سنان الدؤلي].
هو يزيد بن أمية، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه. وهو مشهور بكنيته أبي سنان.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، والذين ذكرتهم آنفاً عند ذكر أبي هريرة رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة سمعت النعمان بن سالم سمعت عمرو بن أوس يحدث عن أبي رزين أنه قال: (يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: فحج عن أبيك واعتمر)].
والعمرة اختلف فيها فمن العلماء من قال: بأنها واجبة في العمر مرة واحدة ومنهم من قال: بأنها غير واجبة وإنما هي مستحبة، والذين يقولون بوجوبها يستدلون بهذا الحديث، الذي فيه أن أبا رزين العقيلي رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن أبي لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟) -يعني لا يستطيع السير ولا الركوب والانتقال- فقال: (حج عن أبيك واعتمر)، ففيه الأمر بالحج والأمر بالعمرة إلا أن الذين يقولون بعدم الوجوب يقولون: إنما هو خطاب للفاعل الذي سيفعل عنه ولا يجب على الفاعل أن يفعل عن غيره شيئاً، فدل على أنه على سبيل الندب، يعني كون إنسان على غيره دين أو على أبيه حج أو عمرة أو على قريبه أو يكون عليه صوم، قالوا: إنما يندب ويشرع له ويستحب له أن يصوم عنه فأحاديث (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)، و(حج عن أبيك واعتمر)، هذه على سبيل الندب، قالوا: ولا تكون العمرة واجبة، والقول بالوجوب لا شك أنه هو الأحوط، والحج واجب وهذا لا خلاف فيه وهو أمر معلوم بالضرورة، وأما العمرة ففيها خلاف مشهور بين أهل العلم، لكن يستطيع الإنسان أن يسقط فرض العمرة على القول به بأن يحج قارناً أو ممتنعاً، فيكون حاجاً معتمراً في رحلته للحج يؤدي العمرة ويؤدي الحج وهذا أحوط له -كونه يأتي بالعمرة ويفعلها- فالقول بالوجوب هو الأحوط، وهو وينبغي أن لا يستهان بها.
قوله: [(إن أبي شيخ كبير)] يعني هذا تمهيد لبيان عذر أبيه أنه شيخ وكبير ولا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن أي: السير والانتقال أو الركوب، فقال: (حج عن أبيك واعتمر)، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان حياً فإنه يمكن أن يحج عنه أو يعتمر كأن كان لا يستطيع السفر كهذا الذي جاء في الحديث: (ولا الظعن) فيحج عن الحي في حالتين أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع السفر أو يكون مريضاً مرضاً لا يرجى برؤه فهذا يحج عنه وهو حي، أما الميت فهو يحج عنه.
هو محمد بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[عن خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن النعمان بن سالم].
ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن عمرو بن أوس].
هو عمرو بن أوس بن أبي أوس تابعي كبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رزين العقيلي].
هو لقيط بن صبرة صحابي مشهور، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
أخبرنا عبدة بن عبد الله الصفار البصري حدثنا سويد وهو ابن عمرو الكلبي عن زهير أنه قال: حدثنا سهيل عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحجة المبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي فضل الحج المبرور، أي أن صاحبه له الجنة وأن جزاؤه الجنة، والمقصود بذلك أن الله تعالى يجازيه عليه بالجنة من أول وهلة؛ لأن الجنة هي لكل من مات على الإسلام، فكل من مات على الإسلام ولم يكن من أهل الكفر ولم يمت كافراً فإنه لا بد وأن ينتهي أمره ويؤول أمره إلى الجنة، وإن دخل وبقي في النار مدة طويلة؛ لأن أهل الكبائر عندما يدخلون النار، يخرجون منها بشفاعة الشافعين، وبعفو أرحم الراحمين سبحانه وتعالى، فهذا فضل الحج المبرور، وما هو الحج المبرور؟ الحج المبرور هو الذي يأتي به الإنسان طبقاً لما جاء به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وسالماً فيه من الإثم ومن المعاصي، ويكون علامته أن يكون بعده خيراً منه مما كان قبله، معناه: يحدث تحولاً في حياة الإنسان، وفي سلوك الإنسان، من الحسن إلى الأحسن، ومن السيء إلى الحسن، علامة الحج المبرور أن الإنسان ينظر إلى حاله قبل الحج فإن كانت حاله قبل الحج سيء وتحولت إلى حال حسنة فهذه علامة الحج المبرور، وإن كان على حالة حسنة وتحول إلى حالة أحسن، فهذه علامة أن الحج مبرور أي الذي هو مبني على بر وصلاح وطاعة واستقامة على سبيل الحق والهدى.
وقوله: [(الحجة المبرورة ليس لها جزاء إلا الجنة والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)]، لما ذكر فضل الحج ذكر فضل العمرة وأن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وهذا يدل على فضل العمرة وعلى فضل تكرار العمر، لكنها العمر التي تكرر بالسفر لها كما فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يعني أنه يجلس في مكة ويتردد على التنعيم ويأتي في اليوم خمس مرات، ست مرات سبع مرات، ويقول هذه عمر، أو اعتمرت عشر مرات وخمس مرات، فهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، بل العمرة المشروعة المستحبة هي التي يسافر فيها الإنسان إلى مكة يقصد العمرة.
وهذا الحديث يدل على فضلها؛ لأنه قال: (والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)، فكل عمرة تكفر ما بينها وبين العمرة التي قبلها، وهذا التكفير إنما هو للصغائر وأما الكبائر فلا بد من التوبة، كون الإنسان يذهب معتمراً، وهو مصر على المعصية ويقترف المعاصي ويتمنى المعاصي ويفكر في المعاصي فلا يقال: إن العمرة تكفر هذه المعاصي الكبيرة التي هو مصر عليها ومقترفها، بل العمرة تكفر السيئات الصغائر، ولهذا جاء في الحديث (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، والصلوات الخمس مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، ويقول الله عز وجل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، لكن إذا كانت العمرة أو الحج معهما توبة، فلا شك أن الإنسان يخرج بحجته التي تاب فيها من المعاصي نقياً من الذنوب الكبيرة والصغيرة، هذا إذا كان مع الحج توبة.
ثقة، خرج له البخاري، وأصحاب السنن.
[عن سويد وهو ابن عمرو الكلبي].
ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وكلمة هو ابن عمرو الكلبي هذه زادها غير التلميذ، من أجل إيضاح من هو سويد؛ لأن التلميذ الذي هو عبدة ما زاد عن كلمة سويد لكن غيره الذي هو النسائي أو من دون النسائي أضافوا هذا التوضيح والبيان وأتوا بكلمة وهو حتى يعرف بأنه ليست من التلميذ؛ لأن التلميذ ينسب شيخه كما يريد ما يحتاج أن يقول: سويد هو ابن فلان وإنما يقول: سويد بن فلان بن فلان بن فلان، يمكن يطيل في نسبه ويمكن أن يختصر في نسبه.
[عن زهير].
هو زهير بن معاوية أبو خيثمة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل].
هو سهيل بن أبي صالح السمان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سمي].
هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح].
هو ذكوان السمان، أبو صالح مشهور بكنيته، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال: الزيات، لأنه كان يجلب الزيت ويجلب السمن فيقال له: السمان ويقال له: الزيات، فيأتي في بعض الأحاديث يقال: الزيات وفي بعضها يقال: السمان، ولا تنافي بينها، بل هو يلقب بهذا وبهذا، وهو منسوب إلى الحرفة يعني لقب بسبب الحرفة والمهنة، وهي كونه يبيع الزيت ويبيع السمن، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
وقد مر ذكره.
ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة عن طريق أخرى وهو مثل الذي قبله إلا أنه قال: (الحجة المبرور ليس لها ثواب)، ثم قال: مثله سواء، إلا في هذا اللفظ المتقدم، ثم أيضاً بالنسبة للعبارة قال: (فإنها تكفر ما بينها وبين العمرة الأخرى)، والرواية السابقة كفارة، إذاً الفرق في العبارة هو أن الأولى فيها ذكر الجزاء والثانية فيها ذكر الثواب، وبالنسبة للعبارة الثانية بدل كفارة لما بينها تكفر، فالرواية الأولى بلفظ الكفارة والرواية الثانية بلفظ تكفر.
هو النسائي، هو ثقة، أخرج أحاديثه النسائي وحده.
[عن حجاج].
هو الحجاج بن المنهال، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة بن الحجاج].
وقد مر ذكره.
[عن سهيل عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة].
وقد مر ذكر هؤلاء الأربعة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر