أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان
يقول النسائي رحمه الله تعالى: باب حج المرأة عن الرجل، هذه الترجمة معقودة لبيان أن المرأة تحج عن الرجل وأنه لا يلزم أن يكون الذي يحج عن الرجل رجل ولا الذي يحج عن المرأة امرأة، بل يمكن أن يحج الرجل عن المرأة وأن تحج المرأة عن الرجل، وقد أورد النسائي في هذا حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن أخاه الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرافه من مزدلفه، وفي أثناء الطريق اعترضتهم امرأة من خثعم فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أباها شيخاً كبيراً لا يستطيع الركوب وسألته: هل تحج عنه؟ فأذن لها عليه الصلاة والسلام أن تحج عن أبيها، وجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، والنبي عليه الصلاة والسلام يصرف وجهه إلى الشق الآخر: أي الذي ليس فيه المرأة.
والحديث دال على ما ترجم له المصنف من جهة حج المرأة عن الرجل؛ لأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجها عن أبيها فأذن لها بأن تحج، فدل هذا على أن للمرأة أن تحج عن الرجل وهو مطابق للترجمة، والحديث فيه دليل على جواز سماع كلام المرأة وصوتها عند الحاجة والضرورة كالاستفتاء وغير ذلك، أما إذا كان يترتب على ذلك مضرة أو أن الكلام يجر إلى أمورٍ محرمة فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وهو يدل على أن صوت المرأة ليس بعورة، وأنه يمكن التحدث معها فيما إذا كان هناك ضرورة تقتضيه، أما إذا لم يكن هناك غير ضرورة فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وفي الحديث أيضاً أنه يحرم النظر إلى الأجنبيات وأنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا المرأة أن تنظر إلى الرجل؛ لأن الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنه كان ينظر إليها والنبي صلى الله عليه وسلم أدار وجهه إلى الشق الآخر، فدل هذا على عدم جواز النظر إلى الأجنبيات وأن ذلك محرم سواء كان بشهوة أو بغير شهوة، وأما المحارم فالنظر إليهن سائغ لكن لا يجوز أن يكون النظر إليهن بشهوة، أي إذا كانت قريبته وكان محرماً لها فإنه لا يجوز النظر إليها بشهوة، أما الأجنبية فإن الإنسان لا ينظر إليها لا بشهوة ولا بغير شهوة لا يجوز له أن ينظر إليها مطلقاً؛ لأن النظر بغير شهوة قد يجر إلى النظر بشهوة، أو مع المداومة يكون حصول الشهوة وتحرك النفس للأمر المحرم الذي لا يسوغ ولا يجوز.
ففي البلاد التي ابتليت بهذا حصل لها بسبب ذلك التوسع الانغماس في الأمور المحرمة، بل تبذلت النساء، وتكشفت وتعرت، والرجال أسبلوا ثيابهم ولا يبدون كعابهم بل يغطونها، وأما النساء فإنها تكشف عن سوقها وعن بعض أفخاذها وعن صدورها، هذا هو الذي حصل، ولا شك أن نتيجته ومن أسبابه التساهل والتهاون في كشف الوجه؛ لأنه إذا حصل كشف الوجه ذهب الحياء وقلّ الحياء وزاد الطين بله وزاد الشر شروراً، وحصلت أضرار كثيرة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(كان
فيه جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مردفاً الفضل بن عباس، وفيه عظم مكانة الفضل بن عباس وعظم منزلته عند الرسول صلى الله عليه وسلم حيث حظي بالركوب معه وكان هذا بالانصراف من مزدلفة، وأما بالانصراف من عرفة كان رديفه أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه.
قوله: [(فجاءته امرأةٌ من خثعم تستفتيه، وجعل
فيه سؤال النساء واستفتاؤهن وحصول ذلك منهن للرجال مباشرةً وأن ذلك سائغ عند الحاجة بشرط ألا يحصل منهن ما لا يسوغ وما لا يجوز وأن يكون كلام المرأة مع الرجال في حدود الأمور الضرورية التي لا بد منها وألا يستهان بذلك ويتوسع في ذلك؛ لأن الكلام يجر إلى الضحك والضحك يجر إلى التواعد على الشر وما إلى ذلك، ولكن الجواز أي جواز الكلام مع الأجانب إنما هو في حدود الضرورة وما تقتضيه الحاجة التي لا بد منها، وإذا كان ذلك لغير حاجة، فإن ذلك لا يسوغ ولا يجوز.
قوله: [(وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصرف وجه
وفي هذا إنكار المنكر بالفعل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث معها أدار رأس الفضل بيده حتى تحول إلى الشق الآخر، وهذا فيه إنكار المنكر، فإنكار المنكر يكون بالقول ويكون بالفعل وهذا من إنكار المنكر بالفعل.
وفي هذا الحديث دليل على أن القدرة ليست مقيدة بالزاد والراحلة وقوة المال فقط، بل أيضاً قوة البدن، فإنه مع صعوبة أو مع عدم قدرة الإنسان على الحركة والانتقال فإنه يحج عنه ولا يسقط عنه الحج، وإذا كان صاحب مال فعليه أن يحج عن نفسه، وإذا كان لا يستطيع الانتقال ولا يستطيع الحركة فلا يسقط عنه الحج؛ لأنه إذا كان لعجزه وعدم قدرته على الحركة لا يلزمه لقال الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه لا حج عليه ما دام أنه وصل إلى هذا الحد، لكنه عليه الصلاة والسلام أوجب أن ينيب غيره عنه. وفي هذا على الإنسان مع صحة بدنه أن يبارد إلى الحج إذا استطاع الزاد والراحلة والسبيل إلى ذلك، والإنسان إذا كان غير قادر ببدنه فلا يسقط الحج عنه، بل إن كان غنياً فإنه ينيب عنه من يحج عنه، أو يحج عنه من يقوم بذلك متبرعاً إذا كان هناك بعض أقاربه الذين يريدون أن يحسنوا إليه وأن يقوموا بأداء هذا العمل عنه.
ثم أيضاً استدل بالحديث بعض أهل العلم على أن حج الغير عن الغير إنما يكون في حق الولد يحج عن الوالد وأن غير الولد لا يحج، وقد قال الحافظ ابن حجر: إن هذا جمود على ما ورد به النص لهذه المسألة وقد جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أنه يحج غير الابن، وذلك في حديث قصة الرجل الذي كان يلبي ويقول: (لبيك عن
ثم بعض أهل العلم استدل بإطلاق الحديث، وكذلك في غيره من الأحاديث أن الإنسان يمكن أن يحج عن غيره وإن لم يحج عن نفسه وهذا ليس بصحيح؛ لأن حديث شبرمة الذي أشرت إليه يدل على أن الإنسان لا يحج عن غيره إلا إذا حج عن نفسه، وكذلك لا يعتمر عن غيره إلا إذا اعتمر عن نفسه لأن من شرط النائب الذي ينوب عن الغير في الحج أو العمرة أن يكون أدى الفرض في الحج والعمرة عن نفسه، وأنه إن لم يؤده فإنه يبدأ بنفسه أولاً ثم بعد ذلك يمكنه أن يحج عن نفسه تطوعاً وأن يحج عن غيره سواء كان ذلك عن فرض أو عن تطوع.
وكان هذا في حجة الوداع يعني هذا الذي حصل في حجة الوداع، ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما حج إلا مرةً واحدة، ما حج إلا هذه الحجة التي هي حجة الوداع، وكان هذا اللقاء وهذا الذي حصل إنما هو في تلك الحجة.
محمد بن سلمة المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. والحارث بن مسكين هو المصري أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[قراءةً عليه وأنا أسمع].
أي قراءةً على الحارث بن مسكين وأنا أسمع أي النسائي أخذه عنه على سبيل العرض حيث يقرأ عليه وهو يسمع، والقراءة على الشيخ والتلقي عنه بهذه الحال تسمى عرضاً، أي أنه يعرض عليه ويتلى عليه ويروي القارئ الذي يقرأ عليه، وكذلك يروي من سمع القراءة عليه، الكل يروون بهذه الطريقة ويسمى التحمل بهذه الطريقة عرضاً.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك].
عن مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وكان محدثاً، فقيهاً، وإماماً عظيماً، وقال عنه الحافظ ابن حجر: رأس المتقنين وكبير المثبتين فهو عالي المنزلة ورفيع المنزلة رحمة الله عليه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري وهو ثقة، فقيه، مكثر من رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار].
سليمان بن يسار وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا الحديث مما تحمله ابن عباس فيعتبر من مرسل الصحابي، إما أن يكون أخذه عن أخيه أو من غير أخيه؛ لأنه ما كان معهم عند الانصراف من مزدلفة؛ لأنه ممن أذن له في الذهاب في آخر الليل مع النساء اللاتي أذن لهن في الانصراف من مزدلفة إلى منى، والقصة إنما كانت والرسول صلى الله عليه وسلم منصرف من مزدلفة إلى منى وابن عباس لم يكن معه، وإذاً فهذا الحديث الذي حدث به أخذه عن غيره وسمعه عن غيره من الصحابة فهو من مراسيل الصحابة.
ثم أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله ودال على ما دل عليه الذي قبله وهو أورده كما أورد غيره من الأحاديث تحت ترجمة حج المرأة عن الرجل.
قوله: [أخبرنا أبو داود].
هو سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يعقوب بن إبراهيم].
هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح بن كيسان].
هو صالح بن كيسان المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.
[عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهم.
أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد وهو ابن هارون أخبرنا هشام عن محمد عن يحيى بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عباس رضي الله عنهما أنه: (كان رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءه رجل فقال: يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة وإن حملتها لم تستمسك وإن ربطتها خشيت أن أقتلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم. قال: فحج عن أمك)].
ثم أورد النسائي رحمه الله تعالى هذه الترجمة وهي باب حج الرجل عن المرأة، وأورد فيه حديث: الفضل بن عباس وأن رجلاً جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أمه أنها لا تستطيع السفر واستأذنه أن يحج عنها فأذن له وقال: (أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. فحج عن أمك)، والحديث هنا عن الفضل بن عباس والحديث الذي مر عن عبد الله بن عباس، والذي سأل امرأة في حديث عبد الله المتقدم وهنا السائل رجل والمسئول عنه امرأة وقد قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) يتحصل من مجموع الأحاديث الواردة في ذلك أن المرأة الخثعمية كان معها أبوها وأنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيها والمقصود من ذلك جدها وأبوها كان معها، وأن أباها سأل أيضاً عن الحج عن أمه وعن أبيه، فجاءت تلك الروايات المتفرقة فيها ذكر حج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل، قال: فيتحصل من مجموع هذه الروايات أن الاستفتاء حصل من المرأة ومن أبيها وأن أباها كان معها، وأنه حصل الاستفتاء منها ومنه هو أيضاً، فلما جاءت الروايات متفرقة جاء ذكر كل شيءٍ على حدة، وقال: وبهذا الوجه يوفق بين الروايات التي جاءت هل السائل رجل والمسئول عنها امرأة أو السائل رجل والمسئول عنه رجل أو امرأة، ثم هنا سليمان بن يسار يروي عن الفضل بن عباس، والفضل بن عباس متقدم، وذكر المزي أن سليمان لم يدرك الفضل وقال: إنه توفي في طاعون عمواس سنة ثمانية عشر، وهذا الذي هو سليمان بن يسار توفي بعد المائة أو قبلها، يعني أن بين وفاتيهما مقدار ثمانين سنة، وجاء في بعض الروايات أن ابن عباس هو الذي يروي القصة، وعلى هذا فيكون هناك واسطة بين سليمان بن يسار والفضل بن عباس، إما عبد الله بن عباس أو غيره، وأما بالنسبة للرواية هذه فإن سليمان لم يدرك الفضل وإنما أدرك أخاه عبد الله الذي تأخرت وفاته إلى بعد الستين وأما الفضل فقد توفي قبل العشرين في سنة ثمانية عشر، أي في سنة الطاعون المشهور بطاعون عمواس، الحديث دالٌ على ما دل عليه الذي قبله، من جهة الحج عن الغير ومن جهة حج الرجل عن المرأة ومن جهة أيضاً كون الحي يمكن أن يحج عنه إن كان عاجزاً بالبدن؛ لأنه لا يسقط عنه الحج، بل إما أن ينيب إذا كان عنده مال أو أن يقوم غيره بتأدية الحج عنه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما قال: إن الحج سقط عن أبيك أو أنه لا حج له أو لا حج عليه.
هو أحمد بن سليمان الرهاوي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وكلمة هو ابن هارون زادها النسائي أو من دون النسائي.
[عن هشام].
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، من أثبت الناس في محمد بن سيرين، وقد أخرج حديثه أصحاب الكتب.
[عن محمد].
هو ابن سيرين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي إسحاق].
ويحيى بن أبي إسحاق، صدوق ربما أخطأ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار].
وقد مر ذكره.
[عن الفضل بن عباس].
هو ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأكبر أولاد العباس ويكنى به يقال له: أبو الفضل، ولبابة بنت الحارث الهلالية تكنى به أيضاً فهو أكبر أولادها، وهي التي بينت للناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان صائماً يوم عرفة حيث أخذت قدحاً وأرسلته إليه فشرب وهو على راحلته والناس يرون فعلموا أنه غير صائم يوم عرفة وهو في عرفة، ولبابة بنت الحارث الهلالية هي أخت أم المؤمنين ميمونة به تكنى أيضاً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن يوسف عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل: (أنت أكبر ولد أبيك فحج عنه)].
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب ما يستحب أن يحج عن الرجل أكبر ولده؛ لأن الولد الأكبر هو الأولى والأحق بأن يبادر إلى البر وأن يكون غيره تبعاً له لا أن يكون تبعاً لغيره ممن هو دونه، فهو الأحق وهو الأولى بأن يبادر إلى ذلك وأن يحصل منه ذلك، وقد مر الحديث وفيه أن رجلاً سأل الرسول عن الحج عن أبيه: وقال: (أنت أكبر ولده؟ قال: نعم فأجابه بأن يحج عنه)، وليس المقصود أنه لا يحج عنه إلا أكبر الأولاد بل يمكن أن يحج عنه أي واحد من الأولاد ويحج عنه أيضاً غير الأولاد من الإخوة والأقارب وكذلك الأباعد يمكن أن يحج عن الغير مطلقاً.
وأورد في هذه الترجمة: حديث ابن الزبير رضي الله عنه في قصة الرجل الذي سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، والحديث سبق أن مر مطولاً وهنا ورد مختصراً، وفيه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أنت أكبر ولده؟ فقال: نعم. قال: حج عنه).
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة بل هو شيخٌ لأصحاب الكتب الستة وهو أحد الثلاثة الذين ماتوا في سنة واحدة، وهم من صغار شيوخ البخاري، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة، وهم محمد بن بشار، ومحمد بن المثنى، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي هذا إذ كانت وفاة الثلاثة في سنة اثنتين وخمسين ومائتين أي قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.
[عن عبد الرحمن].
هو عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، ثبت، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن منصور].
هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مجاهد].
هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن يوسف بن الزبير].
هو مولى آل الزبير المكي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن ابن الزبير].
هو عبد الله بن الزبير بن العوام أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى حدثنا سفيان عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة رفعت صبياً لها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: (يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي الحج بالصغير، يعني كونه يحج به غيره، أي يحج به أبوه أو أمه أو من يكون في رفقته ممن هو وال عليه فله أن يحج به، وهذا الحج إنما هو نفل له أي للحاج الذي هو الصغير ولكنه لا يكفي عن حجة الإسلام، بل إذا بلغ لا بد أن يحج حجة الإسلام، وهذه من المسائل التي يقال فيها: إنه يصح فيها النفل قبل الفرض؛ لأن الفرض لا يمكن أن يصح ممن هو في حال الصغر والنفل يصح منه في حال صغره، فالحج الفرض لا يصح منه بل عليه إذا بلغ أن يحج حجة الإسلام.
وقد أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفعت إليه امرأة صبياً، يعني في يديها دلالة على صغره بأنه شخص محمول رفعته بين يديها، وقالت: (ألهذا حج يا رسول الله قال: نعم ولك أجرٌ)، يعني له حج إذا حج به، ولك أجر على تحجيجك إياه وقيامك بما يلزم له، من كونها تعمل له أعمال الحج وتنوي له الحج وتعامله معاملة الحجاج، فإنها تؤجر على ذلك ولها أجرٌ على قيامها بهذا العمل وليس معنى ذلك أن حجه لها بل حجه له ولكنها مأجورة على قيامها بهذا العمل الذي عملته له.
فالحديث دال على الحج بالصغير، وقد جاء عن عددٍ من الصحابة الحج بهم وهم صغار، والسائب بن يزيد قال: حج بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن سبع سنين أو ست سنين، فكان الصغار يحج بهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو دالٌ على صحة الحج من الصغير وأنه يكون نفلا وأن وليه يمكن إذا ذهب به أن يحج به، ولا يلزمه ذلك، بل لو ذهب به معه ولم يحرم له ولم يجعله متلبساً بالحج، لا سيما إذا كان يخشى عليه بسبب الزحام، وما إلى ذلك، فليس عليه شيء.
هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بـالزمن وكنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة وهو أحد الثلاثة الذين أشرت إليهم آنفاً أنهم من شيوخ أصحاب الكتب الستة وماتوا في سنة واحدة وهم محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي.
[عن يحيى].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان الثوري، وهو ثقة، وقد مر ذكره، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن كريب].
هو مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
ثم أورد النسائي الحديث من طريق أخرى، وفيه أنها في هودج يعني كانت راكبة على البعير في هودجها -وهو المركب الذي يهيأ للمرأة تكون فيه كالخباء الذي تختبئ به وتستر به- فأخرجت من الهودج الصبي ورفعته بين يديها وقالت: (يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر)، فالحديث هو نفس الحديث السابق وفيه زيادة أنها راكبة وأنها في هودج.
قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].
هو محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود.
[عن بشر بن السري].
وبشر بن السري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سفيان].
هو سفيان الثوري، وقد مر ذكره.
[عن محمد بن عقبة عن كريب عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي: الحديث من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم يعني مثل الطريق الأولى، (امرأة رفعت صبياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، فهو مثل ما تقدم.
قوله: [أخبرنا عمرو بن منصور].
وهو عمرو بن منصور النسائي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أبي نعيم].
هو الفضل بن دكين الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ومشهور بكنيته أبي نعيم، وممن اشتهر بـأبي نعيم من المتأخرين بعد ذلك، بعده بزمن طويل أبو نعيم الأصبهاني، صاحب (الحلية)، والكتب الكثيرة، وكانت وفاته سنة أربعمائة وثلاثين، فهذا مشهور بكنيته كذلك وهو متأخر، لكن الذي في هذا السند هو من طبقة شيوخ شيوخ النسائي، وهو من طبقة شيوخ البخاري، الذي هو أبو نعيم من شيوخ البخاري، ويروي عنه النسائي بواسطة وقد وصف بالتشيع وأنه كان يتشيع، لكن جاء عنه أنه قال: ما كتبت علي الحفظة أنني سببت معاوية. وهذا يدلنا على سلامته من ذلك الذي وصف به وهو التشيع.
[عن سفيان].
وقد مر ذكره.
[عن إبراهيم بن عقبة].
وإبراهيم بن عقبة، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وموسى بن عقبة، ومحمد بن عقبة، وإبراهيم بن عقبة، فهؤلاء ثلاثة إخوة وهم محدثون ومن حملة الحديث، وموسى بن عقبة هو صاحب (المغازي) المشهور الذي يقال: إن مغازيه أصح المغازي.
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه أن اللقاء كان بالروحاء يعني هذا اللقي الذي حصل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وهذا الركب الذين فيهم هذه المرأة، وفيه أنها أخرجت صبياً من المحفة والمقصود بها الهودج؛ لأنها كالرواية السابقة يعني هنا التعبير بالمحفة والسابقة التعبير بالهودج وهما بمعنىً واحد، وسألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصبي الذي رفعته إليه وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر)، وفي الحديث أيضاً أنهم سألوا هؤلاء القوم من أنتم؟ قالوا: مسلمون وسألوا الجماعة الذين فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنتم؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولما علمت بأن فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعت إليه الصبي وسألته هل له حجٌ؟ فأجابها بأن نعم، ولها أجر على قيامها بالحج به.
قوله: [أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن].
هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المخرمي بن المسور الزهري، ينتهي نسبه إلى المسور بن مخرمة، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
[عن سفيان].
هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن عقبة (ح).
إبراهيم بن عقبة قد مر ذكره، ثم أتى بـ (ح) وهي التحول من إسنادٍ إلى إسناد.
[حدثنا الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له].
الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ له، يعني: لما ذكر الطريق الأولى ذكر الطريق الثانية، وذكر أيضاً أن اللفظ الذي ذكره إنما هو لفظ شيخه الثاني الذي هو الحارث بن مسكين وكان ذلك قراءةً عليه وهو يسمع أنه قال: (حدثنا) وهذا فيه دلالة على أنه يمكن أن يعبر (بحدثنا) و(أخبرنا) في ما كان عرضاً وفيما كان سماعاً، ولكن الغالب في الاصطلاح أن حدثنا تستعمل في السماع وأخبرنا تستعمل في العرض، وقد تستعمل حدثنا في السماع والعرض وأخبرنا تستعمل في السماع والعرض، ومن العلماء من لا يفرق بين حدثنا وأخبرنا في الاصطلاح بل يسوي بينهما، وهذا فيه التعبير بقوله: حدثنا مع أنه قراءةً عليه وليس سماعاً منه.
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم أن الرسول مر بركب أو جماعة وفيهم (امرأة أخرجت صبياً من خدرها وقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر)، والمراد بالخدر هو الهودج أو المحفة التي مرت في الطريقين السابقتين هذا هو المقصود بالخدر وهو المراد منه.
سليمان بن داود، هو أبو الربيع بن أخي رشدين بن سعد، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
في هذا كما هو معلوم أن الراوي يذكر شيخه بما يريد، يمكن أن يطيل في نسبه وأن يأتي بما فيه الإيضاح والبيان ويمكن أن يختصر، والنسائي هنا أتى بمقدار سطر تقريباً كله عن شيخه، يعني هذا الذي اسمه سليمان بن داود أبو الربيع بن أخي رشدين بن سعد، كل هذا توضيح لهذا الرجل ومعنى هذا أن التلميذ عندما يروي عن شيخه يمكن أن يطيل في نسبه ويمكن أن يختصر في نسبه.
[الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن وهب].
وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مالك عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس].
وقد مر ذكرهم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر