أخبرنا قتيبة وهناد بن السري عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال
فقد سبق في عدد من الطرق المتعلقة بحديث عائشة رضي الله عنها في قصة تطييبها للنبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت، فقد مضت طرق عديدة لهذا الحديث عند النسائي، وقد بقيت طرق أخرى تتعلق بهذا الحديث، أولها هذه الطريق التي فيها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم ادهن بأطيب ما يجده حتى أرى وبيصه في رأسه ولحيته). وقد جاء في الروايات السابقة: أنها كانت تطيبه بيديها، وأنها هي التي تباشر ذلك بنفسها.
وقد عرفنا أن الحديث دال على جواز التطيب لمن يريد الإحرام قبل إحرامه، وأنه يكون الطيب على جسده وليس على ثيابه، وأنه لو بقي أثر الطيب على جسده بعد إحرامه فإن ذلك لا بأس به؛ لأن استدامة الطيب التي كانت قبل الإحرام سائغة، وأما ابتداء الطيب بعد الإحرام فلا يجوز؛ لما جاء في ذلك من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: [(ادهن بأطيب ما يجده، حتى أرى وبيصه في رأسه ولحيته)].
(حتى أرى وبيصه) أي: بريقه ولمعانه (في رأسه ولحيته).
والترجمة السابقة هي موضع الطيب، والمقصود أنها تكون بالرأس واللحية، وهذا الحديث دال على أن التطييب يكون للرأس واللحية، وأنه يكون للجسد، وليس للباس الإحرام.
وفي أول الحديث ذكر النسائي أنه خرجه عن شيخين له هما: قتيبة بن سعيد، وهناد بن السري، ولكنه قال في أول الحديث: إنهما اختلفا في إطلاق اللقب على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال قتيبة: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال هناد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الفرق بين قتيبة وهناد: أن قتيبة في حديثه عبر بالنبي عليه الصلاة والسلام، وهناد عبر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما وصفان للنبي عليه الصلاة والسلام.
ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام نبي ورسول، جمع بين النبوة والرسالة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكنيته أبا القاسم حسن، وذكره بوصفه أي: النبوة والرسالة أحسن. يعني كونه يقال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وآله وسلم، هذا حسن، وكونه يقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا أحسن؛ لأن هذا فيه وصفه بالرسالة ووصفه بالنبوة، فيكون أحسن من كونه يقال: أبو القاسم، وكل منهما يقال له: صلى الله عليه وسلم.
[تابعه إسرائيل على هذا الكلام]، هذا سيأتي في السند الذي بعده؛ لأنه يذكر الإسناد الذي فيه هذه المتابعة لـإسرائيل، متابعة إسرائيل، لـيحيى بن آدم في الرواية عن أبي إسحاق السبيعي.
هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[وهناد بن السري].
هناد في التقريب أظنه مثل قتيبة ولد في زمن مبكر.
كل من هناد وقتيبة بن سعيد عمر؛ لأن هذا عاش إحدى وتسعين، وكانت وفاته سنة ثلاثة وأربعين ومائتين، أي أن ولادته سنة اثنين وخمسين ومائة، وأما قتيبة بن سعيد فكانت ولادته سنة مائة وخمسين، ووفاته سنة مائتين وأربعين، وعمره تسعون سنة، فهما معمران، وقد أدركا المتقدمين، ولهذا رويا عن أبي الأحوص، وأبو الأحوص وفاته سنة مائة وتسع وسبعون، أي: أنهما أدركا ما يقرب من ثمان وعشرين سنة من حياة أبي الأحوص، فهما معمران، وقد أدركا المتقدمين الذين كانت وفاتهم في هذا الوقت الذي هو تسع وسبعين ومائة.
وهناد بن السري أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وهو: هناد بن السري أبو السري، كنيته توافق اسم أبيه، وهو نوع من أنواع علوم الحديث، وفائدة معرفته ألا يظن التصحيف؛ لأنه لو جاء في الإسناد في بعض الأسانيد هناد أبو السري، فالذي لا يعرف أن كنيته أبو السري، ويعرف أن هناد بن السري يظن أن ابن صحفت وجاءت أبو بدل ابن، ولا تصحيف في ذلك، إن قيل: هناد بن السري فهو هناد بن السري أبوه السري، وإن قيل: هناد أبو السري فهو هناد أبو السري ابنه السري، أو يكنى بـأبي السري.
[عن أبي الأحوص].
وهو: سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهمدان نسبة إلى قبيلة وهي نسبة عامة، وسبيع نسبة خاصة، مثل ما يقال: الأنصاري الخزرجي، أو الأنصاري الأوسي؛ لأن الأنصار نسبة عامة، والخزرج نسبة خاصة؛ لأن سبيع هم جزء، أو بطن من همدان، ولكنه مشهور بالنسبة للأخصية التي هي السبيعي، فهو مشهور بـأبي إسحاق السبيعي، وهذه النسبة نسبة إلى قبيلة، وهي نسبة خاصة، ويقال له: أبو إسحاق الهمداني، وهي نسبة عامة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود].
وهو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، مخضرم، مكثر من الرواية، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والمخضرمون، هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم الأسود هذا، ومنهم: أبو وائل شقيق بن سلمة، ومنهم الصنابحي، ومنهم سويد بن غفلة، ومنهم المعرور بن سويد، وجماعة وصفوا بأنهم مخضرمون، أي: أدركوا الجاهلية وأدركوا الإسلام، ولكنهم لم يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم.
[عن عائشة].
وهي: أم المؤمنين رضي الله عنها، الصديقة بنت الصديق، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيما الأحاديث أو السنن التي لا يطلع عليها إلا النساء، وذلك فيما يكون بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فإنها حفظت ووعت الكثير من السنن؛ ولهذا تعتبر واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ستة رجال وامرأة واحدة، وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فلم ترو امرأة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما روت عائشة عنه في كثرة الحديث رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
وهي التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، برأها الله عز وجل وأنزل براءتها في هذه الآيات، ومع هذا الشرف لها، ومع علو المنزلة لها، وأن الله تعالى أنزل فيها قرآناً يتلى، كانت تتواضع لله عز وجل، وتقول كما جاء في بعض روايات أحاديث رميها بالإفك أو قصة رميها بالإفك، كانت تقول رضي الله عنها: كنت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، في منامه رؤيا يبرئني الله بها، ورؤيا الأنبياء حق، وقد نزل بها قرآن، ثم قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله تعالى فيّ آيات تتلى، أنا أستحق أن ينزل فيّ قرآن؟! هذا هو التواضع لله عز وجل، (من تواضع لله رفعه الله)، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -لا سيما ساداتهم ومقدموهم- كانوا يتواضعون لله عز وجل مع علو شأنهم ورفعة منازلهم، وهذا هو شأن أولياء الله: يجمعون بين الإيمان والخوف، ويجمعون بين الإيمان والتواضع، وتحصل لهم المنازل العالية، والشرف العظيم، ويتواضعون لله عز وجل.
ولهذا قالت: ولشأني في نفسي أهون من أن ينزل الله فيّ آيات تتلى، أي: أنها تريد أنها ما تستحق أن ينزل فيها قرآن، وهذا من باب التواضع وهضم النفس، والابتعاد عن التكبر والتعالي والترفع.
ولهذا ابن القيم رحمه الله في كتابه جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، وهو من أحسن ما كتب فيما يتعلق بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خاص بهذه العبادة وهي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه عندما جاء ذكر (وآله) لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكرهن، وترجم بتراجم مختصرة لهن، وبين بشيء من مناقبهن ومنازلهن العالية الرفيعة، ولما جاء عند ذكر عائشة ذكر هذا التواضع لها الذي قالته عن نفسها، ثم قال: فإذا كان هذا شأن أمهات المؤمنين، فما بال من يصوم يوماً أو يصلي ليلة ثم يقول: أنا فلان وأنا فلان، يظهر عمله، ويتحدث عن عمله، ويتبجح بعمله، هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل لهم ما يحصل ويتواضعون لله عز وجل.
يقول هذا الكلام ويتواضع لله عز وجل: وددت أن يكون ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي، وهذا من باب التواضع، وهذا شأن أولياء الله، أعطوا كمالاً ورفعةً ومع ذلك يتواضعون، كما قال الله عز وجل عنهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون:60]، فجمعوا بين الإيمان والخوف من الله عز وجل، يعملون الأعمال الصالحة، ويخشون ألا تتقبل منهم، فهم يحرصون عليها، ويؤدون الأعمال، ومع ذلك هم خائفون وجلون من الله سبحانه وتعالى.
هذا هو شأن أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاه، وقد برأها الله تعالى بما رميت به من الإفك، فمن وصفها بهذا العيب الذي برأها الله منه فإنه كافر، ومرتد عن الإسلام، إن كان داخلاً في الإسلام؛ لأنه مكذب بالقرآن، الذي فيه إثبات براءتها مما رميت به من الإفك.
أورد النسائي حديث عائشة أيضاً: كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم، بأطيب ما تجد من الطيب، وترى وبيص الطيب على رأسه ولحيته قبل أن يحرم. يعني: أنها تطيبه قبل أن يحرم، وترى ذلك قبل الإحرام وبعد الإحرام؛ لأنه من حين وجد الطيب، تراه قبل الإحرام.. قبل أن يدخل، وبعد أن يدخل في النسك، كما جاء في بعض الروايات، وهذا يدل على استدامة الطيب بعد الإحرام كما عرفنا ذلك من قبل.
وهو: عبدة بن عبد الله الصفار، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا يحيى بن آدم].
وهو: يحيى بن آدم الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن إسرائيل].
وهو: إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
وهو: أبو إسحاق السبيعي، وقد مر ذكره.
[عن عبد الرحمن بن الأسود].
هو: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه عن عائشة].
وقد مر ذكرهما.
إذاً قوله: [تابعه إسرائيل] يعود على يحيى بن آدم الذي روى عن أبي إسحاق؛ لأن يحيى بن آدم روى عن أبي إسحاق، وإسرائيل في السند الثاني روى عن أبي إسحاق، يعني أن إسرائيل تابع يحيى بن آدم في روايته عن أبي إسحاق السبيعي.
أورد النسائي حديث عائشة، وأنها كانت ترى وبيص الطيب في مفارقه صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث، يعني: من تطييبها إياه أن الطيب مكث هذه المدة، وهذا فيه أن الطيب موجود بعد الإحرام؛ لأن كونه يرى بعد هذه المدة وهو إنما تطيب قبيل أن يحرم، فاستمر معه الطيب هذه المدة، معناه أن الطيب موجود بعد الإحرام.
وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا علي بن حجر].
هو: علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وهو يروي عنه مباشرة، لكنه يروي عنه بواسطة كما هنا، فإنه هنا روى عنه بواسطة، وهو من شيوخه، أي: علي بن حجر من شيوخ النسائي، ويروي عنه كثيراً بغير واسطة، وهنا روى عنه بواسطة.
[أخبرنا سفيان بن عيينة].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء بن السائب].
وهو صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
[عن إبراهيم].
وهو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
أورد حديث عائشة من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا علي بن حجر].
وهو: علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي.
[حدثنا شريك].
وهو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، منذ ولي القضاء تغير حفظه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، الذي ذكرته لما بلغها أن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، يقول: [(لأن أطلي بالقطران أحب إليّ من ذلك)]، يعني: من الطيب.
يعني: من أن أتطيب وأنا محرم، أو عند الإحرام، فقالت عائشة رضي الله عنها: (يرحم الله
قوله: [(فيطوف في نسائه)]، يعني: يطوف عليهن، أي على نسائه، والمفهوم أنه يعني يطوف عليهن، فيحتمل أنه كان يجامعهن، ثم يصبح ينضح طيباً، ومعلوم أن هذا التطييب حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل دخوله في الإحرام، ويبقى هذا الطيب الذي طيبته به قبيل الإحرام بعد الإحرام، فإذاً النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وقد ثبت ذلك بالطرق الكثيرة عنها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتطيب قبل أن يحرم، فلا مانع منه، ولا بأس به، وقد ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو: البصري، صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن بشر يعني ابن المفضل].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر].
وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو: محمد بن المنتشر، وهو كذلك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وقد مر ذكرها.
أورد النسائي حديث عائشة من طريق أخرى، وهو يتعلق بذكرها الحديث بمناسبة ما سمعته عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما من كراهته أو امتناعه من الطيب عند الإحرام، وأنها بينت السنة، والدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على أنه عندما يذكر الخلاف أنه يبين الدليل، ويبين السنن، وأن المسألة إذا قيل فيها قول ليس قد وجد الدليل على خلافه فإنه يذكر الدليل الذي يدل على خلافه؛ لأن عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما بلغها ذلك عن عبد الله بن عمر أخبرت بالسنة، وأنها طيبت رسول الله عليه الصلاة والسلام، والسنة إنما هي اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، ومعرفة ما يثبت عنه قولاً أو فعلاً أو تقريراً، فيقتدى به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: (مطلياً بقطران). القطران: هو طلاء يدهن به من الجرب، وتدهن به الإبل من الجرب، يعني معناه هذا مبالغة في كراهية التطيب في هذه الحال.
مر ذكره.
[عن وكيع].
وهو: وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسعر].
وهو: مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[و سفيان].
هو: الثوري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن عائشة].
وقد مر ذكرهم.
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن إسماعيل عن عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتزعفر الرجل)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي الزعفران للمحرم، أي: أنه لا يستعمله؛ لأنه نوع من الطيب، وأيضاً قد جاءت الأحاديث مطلقة في النهي عن التزعفر، قالوا: وهي لا تختص بالإحرام، فلا يتزعفر الإنسان، ولا يستعمل الصبغ بالزعفران، ولا التطيب بالزعفران، والترجمة هنا الزعفران للمحرم، وإذا كان المنع من التزعفر مطلقاً، فمن باب أولى أن يكون الإنسان محرماً، يعني: إذا كان يمنع مطلقاً، فكونه يمنع في الإحرام من باب أولى، وأورد فيه حديث أنس بن مالك : [(نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل)].
أي: أن يستعمل الزعفران يعني في طيب أو صبغ للباس، وأما استعماله في الأكل والشرب فلا بأس بذلك، لكنه في حال الإحرام لا يستعمله الإنسان؛ لأنه نوع من الطيب.
هو: ابن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
[عن إسماعيل].
وهو: ابن علية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز].
هو: عبد العزيز بن صهيب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس].
هو: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث رباعي الإسناد، إسحاق بن إبراهيم عن إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وهذا من أعلى الأسانيد عند النسائي، وهو ما يكون فيه بين النسائي وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
أورد النسائي حديث أنس رضي الله عنه من طريق أخرى، و(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التزعفر)، أي: استعمال الزعفران في التطيب، وفي صبغ الثياب بالزعفران، وهو مثل الذي قبله، وهو مطلق، ويدخل المحرم، أو حال الإحرام في ذلك من باب أولى كما أشرت في الطريق السابقة.
وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
[عن بقية].
وهو: بقية بن الوليد، وهو صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن شعبة].
وقد مر ذكره.
[حدثني إسماعيل].
وهو: ابن علية، وقد مر ذكره. وهذا إسناد نازل بالنسبة للإسناد الذي قبله؛ لأن الإسناد الذي قبله بين النسائي وبين إسماعيل شخص واحد، وهنا بين النسائي وبين إسماعيل بن علية ثلاثة أشخاص هم: كثير، وبقية، وشعبة.
[عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس].
وقد مر ذكرهم.
أورد النسائي حديث أنس، وهو مثل الذي قبله، (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر).
[قال حماد].
أي: أحد رجال الإسناد، حماد بن زيد: يعني: النهي عن التزعفر في حق الرجال، وهو مثل الذي قبله.
قوله: [أخبرنا قتيبة].
وقد مر ذكره.
[حدثنا حماد].
هو: حماد بن زيد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد العزيز عن أنس].
وقد مر ذكرهم.
وهذا إسناد رباعي كالإسناد الأول، إلا أن الأول فيه إسحاق وإسماعيل بن علية، وهذا فيه قتيبة وحماد بن زيد.
أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه: (أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أهل بعمرة، وعليه مقطعات، وهو متضمخٌ بخلوق، فقال: أهللت بعمرةٍ فما أصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما كنت صانعاً في حجك؟ قال: كنت أتقي هذا وأغسله، فقال: ما كنت صانعاً في حجك فاصنعه في عمرتك)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: في الخلوق للمحرم، والخلوق: هو نوع من الطيب، قيل: إن فيه زعفران، وعلى هذا إذا كان هذا هو المقصود به وأن فيه زعفران، فالتزعفر قد منع منه في الإحرام وفي غير الإحرام، وفي الإحرام يكون من باب أولى، والتطيب بالنسبة للمحرم مطلقاً، سواءً كان تزعفر أو غير تزعفر، لكن جاء الترجمة للخلوق؛ لأنه جاء في الحديث وقيل في تفسيره: أنه نوع من الطيب مركب فيه الزعفران، أو من مركباته الزعفران، وهو يدل على الامتناع من الطيب مطلقاً، وقد عرفنا أن ما جاء من النهي عن التطيب قبل الإحرام إنما كان في هذه القصة، وهي كانت في السنة الثامنة حيث كان بالجعرانة، وما جاء في حديث عائشة كان في حجة الوداع، وأنها كانت تطيبه صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، أو أنه يكون المقصود به الخلوق، والخلوق لا يستعمله الرجل لا في الإحرام ولا في غيره إذا كان مركباً من الزعفران؛ لأن الرسول نهى عن التزعفر.
وعلى هذا فيكون التوفيق بين ما جاء في حديث يعلى وحديث عائشة من وجهين:
أولهما: أن ما جاء في حديث يعلى متقدم، وما جاء في حديث عائشة متأخر، ويكون ناسخاً له، أو أنه يكون النهي يتعلق بنوع من الطيب خاص، وهو المركب من الزعفران وغيره، والتزعفر ممنوع منه الرجال مطلقاً في حال الإحرام وفي غير حال الإحرام، فيكون التوفيق بين الحديثين من هاتين الناحيتين: إما أن هذا متقدم وهذا متأخر، والمتأخر ناسخ للمتقدم، أو أن ما جاء في حديث عائشة هو يختلف عما جاء في حديث يعلى ؛ لأن هذا نوع من الطيب منع منه الرجال مطلقاً في حال الإحرام، وفي غير حال الإحرام.
ثم جاء في هذه الرواية أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل يعلى [(ما كنت صانعاً في حجك؟ قال: كنت أتقي هذا وأغسله)]، يعني: يتقي اللبس للمخيط، ويغسل الطيب، فقال: (ما كنت صانعاً في حجك اصنعه في عمرتك)، قيل: وكأنهم كانوا في الجاهلية؛ لأن هذا كما هو معلوم قبل أن يأتي الحج، وقبل أن تأتي حجة الصديق وحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا في الجاهلية يحجون، وكانوا يتركون الألبسة المعتادة وكذلك الطيب، ويتساهلون في العمرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأله: (ماذا كنت فاعلاً في حجك؟ قال: كنت أتقي هذا وأغسله، قال: ما كنت فاعلاً في حجك اصنعه في عمرتك)، يعني: أن العمرة أو الإحرام في العمرة مثل الإحرام في الحج، فيتجنب الإنسان في العمرة ما كان يتجنبه في الحج، ولا فرق بين الحج والعمرة.
هو: الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[حدثنا سفيان].
هو: ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو عن أبيه].
هو: عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عطاء].
هو: عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن صفوان بن يعلى عن أبيه ].
وهو: صفوان بن يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي، وهو حليف قريش، وهو يعلى بن منية، وهي أم صحابي مشهور، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وقد ذكر: أن المزي ما ذكر ابن ماجه، لكن الرمز له بأنه خرج له أصحاب الكتب الستة صحيح؛ لأن هناك أحاديث عند ابن ماجه، وذكره المزي في تحفة الأشراف فيما يتعلق بالاضطباع: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً، وقد أشار إليه ابن حجر في ترجمة صفوان في تهذيب التهذيب، حيث قال: وحديثه عند ابن ماجه في الحج، وهو موجود في الاضطباع في حال الطواف، يعني كون الإنسان يضطبع ويطوف الطواف الأول، وكان من طريق ابن يعلى غير مسمى، ما قيل: صفوان بن يعلى، لكن ذكره المزي في ترجمة صفوان، وجزم بأنه صفوان ؛ لأنه ذكره في ترجمته، وعلى هذا فيكون صفوان من رجال ابن ماجه، وقد جاء في إسناد هذا الحديث الذي هو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً)، وهذا الحديث رقمه عند ابن ماجه ألفين وتسعمائة وأربعة وخمسين، ورقمه في تحفة الأشراف إحدى عشر ألف وثمانمائة وتسعة وثلاثين، وعلى هذا فـصفوان بن يعلى خرج له أصحاب الكتب الستة.
وعلى كل فهذا الإسناد كل رجاله مكيون إلا يعلى فما أدري عنه؛ لأن هؤلاء وهم: محمد بن منصور، وسفيان بن عيينة، وعمرو بن دينار، وعطاء بن أبي رباح، وصفوان، هؤلاء خمسة كلهم مكيون.
ويعلى بن أمية صاحب الرسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة كابنه صفوان.
أورد حديث يعلى بن أمية، في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الجعرانة، وهو متضمخ بالطيب، ومصفر لحيته ورأسه، ولابس جبة، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اغسل الطيب، وانزع الجبة، واصنع في عمرتك ما كنت تصنعه في حجك)، وهي رواية أخرى للحديث، وهي مثل ما تقدم، وقد سبق أن مر في الروايات السابقة أنه نزل عليه الوحي، وأنه كان سكت، وكان يوحى إليه، وأن يعلى كان يتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، وأن عمر لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل وكان يوحى إليه، وكان ظلل عليه بثوب وستر بثوب، فنادى يعلى بن أمية وجعله ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، يعني هذا مر في الروايات السابقة، وهنا ذكر الحديث مختصراً ليس فيه ذكر الوحي.
هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا وهب بن جرير].
هو: وهب بن جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
وهو: جرير بن حازم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت قيس بن سعد].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه].
وقد مر ذكرهم.
أخبرنا قتيبة حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن أبيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (في المحرم إذا اشتكى رأسه وعينيه أن يضمدهما بصبر)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي الكحل للمحرم، وأنه لا بأس به، إذا احتاج أن يكتحل فله أن يكتحل. وأورد النسائي حديث عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه: قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (في المحرم إذا اشتكى رأسه وعينيه).
قوله: (إذا اشتكى رأسه وعينيه أن يضمدهما بصبر)، وهذا فيه الدلالة على جواز الاكتحال؛ لأنه إذا كان يضمدهما بصبر للعلاج وللدواء، فكذلك له أن يكتحل، ولا بأس بالاكتحال للمحرم ولا مانع منه، وهذا يدل في الجملة عليه، وإن كان ليس نصاً في الاكتحال إلا أنه فيه استعمال الدواء في العين، وهو مثل الكحل.
هو: قتيبة بن سعيد، وقد مر ذكره.
[حدثنا سفيان].
هو: ابن عيينة، وقد مر ذكره.
[عن أيوب بن موسى].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن نبيه بن وهب].
وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبان بن عثمان].
وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن أبيه].
وهو: عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، ذو النورين، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو الذي قام بجمع القرآن هذه الجمعة التي بين أيدينا، والتي حفظ الله تعالى بها كتابه، وتحقق بها ما أخبر الله عز وجل عن القرآن بحفظه إياه حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فإن الجمعة الأخيرة كانت على يديه، والجمعة الأولى كانت على يدي الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ومناقبه جمة كثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر