أخبرني عمران بن يزيد حدثنا عيسى وهو ابن يونس حدثنا الأعمش عن مسلم البطين عن علي بن حسين عن مروان بن الحكم أنه قال: (كنت جالساً عند
سبق أن مر بعض الأحاديث المتعلقة بالقران، والقران هو أحد الأنساك الثلاثة التي هي: الإفراد، والقران، والتمتع. وقد مضى الإفراد، ثم مضى بعض الأحاديث المتعلقة بالقران. وقد عرفنا فيما مضى أن الإفراد هو: أن يحرم بالحج من الميقات، ويقول: لبيك حجاً، وإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة وبقي على إحرامه حتى يأتي من عرفة ومزدلفة، ويرمي جمرة العقبة يوم العيد، ويحلق رأسه ويتحلل التحلل الأول، ثم ينزل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، ولا يسعى بين الصفا والمروة ما دام أنه قد سعى مع طواف القدوم، أما إذا كان عند قدومه لم يسع بعد الطواف، فإنه يتعين عليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة؛ لأن المفرد عليه سعي واحد بحجه، إن أتى به بعد القدوم لا يأتي بعد الإفاضة، وإن لم يأت به بعد القدوم تعين عليه أن يأتي به بعد الإفاضة، هذا هو الإفراد، ولا هدي عليه.
وأما القران: فهو مثله في الأعمال، إلا أنه يختلف عنه في شيئين:
الأول: هو النية، وهو أن القارن ينوي نسكين: العمرة والحج، ويقرن بينهما، والمفرد ينوي نسكاً واحداً، وهو الحج ليس معه عمرة.
والأمر الثاني: أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه، أما بقية الأعمال فهي واحدة، أي أنه يحرم من الميقات بالعمرة والحج معاً، ويلبي بهما، وإذا وصل إلى مكة طاف طواف القدوم، وسعى بين الصفا والمروة، وذلك السعي لعمرته وحجه، ويبقى على إحرامه، وإذا جاء الحج ذهب إلى عرفة، ثم أتى إلى مزدلفة، ثم رجع إلى منى ورمى الجمرة، وحلق رأسه وتحلل، ثم نزل إلى مكة وطاف طواف الإفاضة، ولا يسعى بين الصفا والمروة؛ لأنه سعى مع طواف القدوم، وإن أخر السعي عن طواف القدوم أو لم يدخل مكة قبل الحج ولكنه جاء إلى عرفة، فإذا نزل منها يطوف ويسعى.
والحاصل: أن الحجاج كلهم عليهم طواف الإفاضة، سواء كانوا قارنين، أو مفردين، أو متمتعين، وأما السعي فالقارن والمفرد ليس عليهما إلا سعي واحد، وله محلان: محل بعد القدوم، ومحل بعد الإفاضة، فإن أتى به في المحل الأول لم يأت به في المحل الثاني، وإن لم يأت به في المحل الأول، أو كان لم يدخل مكة إلا بعد عرفة، فإنه يأتي بالسعي بعد طواف الإفاضة، وقد عرفنا الفرق بين الإفراد والقران، وأن الفرق بينهما بالنية، الإفراد ينوي نسكاً واحداً هو الحج، والقران ينوي نسكين هما: الحج والعمرة، والقارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه.
وقد مرت بعض الأحاديث المتعلقة بالقران، وهذا الذي ذكره المصنف منها، وهو حديث علي رضي الله تعالى عنه وهو أن علياً رضي الله عنه، أحرم بحج وعمرة، فقال له عثمان: (ألم نكن ننهى عن ذلك؟)، وفي بعض الروايات: (ألم تكن تنهى عن ذلك؟ فقال: بلى، ولكن لم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك ). ومحل الشاهد: أن علياً لبى بالحج والعمرة، وقال: إن هذا هو ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يترك ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام ويفعل ما جاء عن عثمان، وعثمان رضي الله عنه وأرضاه إنما كان يأمر بالإفراد وينهى عن القران والتمتع من أجل أن يتردد الناس على البيت، ويكثر تردادهم على البيت، وتقوى صلتهم به، وهذا شأن الخليفتين من قبله: أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؛ وذلك أن القارن وكذلك المتمتع إذا أتى بسفرته إلى الحج في عمرةٍ -إما مستقلة في التمتع، أو مقرونة مع الحج في القران- فإنه لا يأتي مرة أخرى لأنه أدى عمرته وحجه، ولكنه إذا جاء يؤدي نسكاً واحداً وهو الحج ستكون العمرة بقيت عليه، فيأتي بها بسفرةٍ أخرى. ولهذا كان الخلفاء الراشدون الثلاثة: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون بالإفراد، وينهون الناس عن أن يأتوا بغيره لهذه المصلحة، ولهذه الفائدة التي تكون للناس، وهي أن تقوى صلتهم بالبيت، ويكثر تردادهم على البيت، وذلك فيه الفائدة والعبرة والعظة لهم.
فهذه المحاورة التي جرت بين علي رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه، حيث أن علياً أحرم بالحج والعمرة جميعاً، وعثمان كان يرشد الناس إلى أن يحرموا مفردين ليكثر تردادهم على البيت، فقال عثمان لـعلي: ألم نكن ننهى عن ذلك؟ قال: بلى، ولكن لم أكن أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك.
إذاً: القران مستفاد من كون علي رضي الله عنه قرن وقال: إنه متبع في ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كلهم متبعون لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحريصون على اتباع ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، عثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، ولكنهم يجتهدون في الإرشاد إلى ما هو الأفضل، وإلى ما هو الأكمل، وكل اجتهد، والخلفاء الراشدون الثلاثة الذين يأمرون بالإفراد مقصودهم واضح، والفائدة فيه واضحة، لكن ما دام ثبت الدليل، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسويغ القران، وكذلك التمتع، بل بتفضيل التمتع، فإن أي فعلٍ منها يكون أفضل، ولكن التمتع الذي سيأتي هو أفضلها كما هو واضح من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن الترجمة وهي القران، الحديث دال عليها من جهة فعل علي، ومن جهة إضافته ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
وهو: ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش].
وهو: سليمان بن مهران الكاهلي، وفي النسخة خطأ: الأشعث بدل الأعمش، وهو موجود في السنن الكبرى، وموجود في تحفة الأشراف الأعمش وليس الأشعث، والأعمش لقب لـسليمان بن مهران الكاهلي، الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن مسلم البطين].
وهو: مسلم بن عمران الملقب البطين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الحسين].
وهو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو: زين العابدين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الأئمة الاثنا عشر عند الرافضة.
وهو إمام من أئمة أهل السنة، ينزلونه وغيره من أهل البيت منازلهم، ولكنهم لا يغلون ولا يجفون؛ لا يغلون كما تغلو الروافض الذين يصفون الأئمة الاثني عشر بصفاتٍ لا يصفون بها الملائكة والأنبياء، بل يجعلونهم في منزلة أعلى من منزلة الملائكة والأنبياء، وهذا من أوضح الواضحات بأنه في غاية البطلان، وليس هذا الكلام بكلام ليس له مستند من كلام الرافضة، بل زعيم الرافضة في هذا العصر الذي هلك قبل سنوات وهو: الخميني هو الذي قال هذا الكلام، حيث قال في كتابه الحكومة الإسلامية في صفحة اثنين وخمسين من نفس الكتاب، يقول: وإنما من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل. هذا هو كلام هذا الزعيم من زعمائهم، وأما أهل السنة فإنهم يقدرون أهل البيت وينزلونهم منازلهم، ويحبون من كان منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يحبونه لكونه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحبونه لكونه من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون جمع بين الشرفين: شرف النسب والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فهم يحبون أهل البيت ويتولونهم، وإذا كان الواحد منهم صحابياً يحبونه لقرابته ولصحبته، وإذا كان ليس صحابياً وهو مؤمنٌ تقي يحبونه لإيمانه ولقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يغلون ولا يتجاوزون الحدود، ولا يجفون، بل يعتدلون ويتوسطون، فـعلي بن الحسين إمام من أئمة أهل السنة، ولكنهم لا يغلون به، ولا يصفونه بالصفات التي لا تليق به، والتي يصف الرافضة بها الأئمة الاثني عشر الذين منهم: علي بن الحسين الذي معنا في الإسناد، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن مروان].
وهو: ابن الحكم الخليفة، أحد خلفاء بني أمية، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة. وبعض العلماء قال: لا يتهم في الحديث، معناه حديثه حجة، وما دام البخاري احتج به، فمعلوم أن البخاري لا يحتج إلا بمن هو حجة.
[عن علي رضي الله عنه].
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وصهره؛ زوج ابنته فاطمة، وأبو الحسنين؛ الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، وهو ذو المناقب الجمة، والفضائل ، والخصال الحميدة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، لم يمش على الأرض بعد أبي بكر وعمر وعثمان خير من علي رضي الله تعالى عنه وعن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين.
ثم أورد حديث: علي من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه: الإشارة إلى أن عثمان كان ينهى عن المتعة وعن القران -يعني: كون الإنسان يأتي بنسكين في سفرة واحدة، سواء كان قارناً أو متمتعاً- ويأمر بالإفراد، وقد عرفنا مقصوده ومراده، وهو أنه يتردد الناس على البيت، وأن تكثر زيارتهم للبيت، وأن تقوى صلتهم به؛ لأن ذلك فيه زيادة الدرجات، وزيادة الثواب، وفيه: قوة الصلة بالبيت لكثرة الترداد عليه، وأن يكون الناس دائماً على صلةٍ به، وقد ذكر هنا الاثنين: القران والتمتع، وأنه كان ينهى عن ذلك ويأمر بالإفراد.
قوله: [(قال
وهو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو لقب من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه فإنه لم يخرج له شيئاً.
[عن أبي عامر].
وهو: أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وهو: شعبة بن الحجاج الواسطي ، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم].
وهو: الحكم بن عتيبة الكندي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن علي بن الحسين عن مروان عن علي رضي الله عنه].
وقد مر ذكر الثلاثة في الطريق التي قبل هذه الطريق.
ثم ذكر إسناداً آخر ذكر فيه ثلاثة من رجال الإسناد، وأحال على ما قبله في بقية الإسناد وفي المتن، حيث قال: مثله، أي: من حيث بقية الإسناد ومن حيث المتن، فهذه الطريقة التي لم يذكر بقية إسنادها ولا متنها، وأحال فيها على ما قبلها حيث قال: مثله، أي: مثل ما تقدم في بقية الإسناد والمتن، وكلمة مثله عندما تأتي يراد بها المطابقة في اللفظ والمعنى لما قبله، أما إذا قيل: نحوه ، فالمراد: أنه يتفق مع الذي قبله في المعنى ويختلف معه في بعض الألفاظ، هذا هو الفرق بين: نحوه ومثله، فمثله تقتضي المماثلة، ونحوه تقتضي المقاربة، أي أن لفظ هذا قريب من هذا، وأما مثله تعني: أن هذا مثل هذا.
مر ذكره في الإسناد الذي قبله.
[عن النضر].
وهو: ابن شميل، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن شعبة].
وقد مر.
ثم أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه، وهو أنه قدم من اليمن، الرسول صلى الله عليه وسلم أمره على اليمن وجاء للحج، فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء من المدينة وعلي جاء من اليمن، وأهل بإهلال الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: ما عين نسكاً، وإنما قال: أهللت بإهلال النبي عليه الصلاة والسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله قال: أهللت بإهلالك، وكان قد ساق هدياً، والنبي صلى الله عليه وسلم قارن فهو قارن، والنبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً وقد ساق الهدي، وعلي حج بإهلال الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ساق الهدي فهو قارن، ومحل الشاهد من إيراد الحديث في القران: أن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال له علي: أهللت بإهلالك، قال: أنا سقت الهدي وقرنت، يعني: قرن بين الحج والعمرة في نسكٍ واحد، وهو من أدلة القران، ودالٌ على الترجمة، وهو إثبات القران، وأن النبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً، ولكنه عليه الصلاة والسلام لما وصل إلى مكة أمر القارنين والمفردين الذين لا هدي معهم -أي: لم يسوقوا هدياً- أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة وأن يكونوا متمتعين، فلما راجعوه وقالوا: كيف نحل من إحرامنا وأنت باق على إحرامك؟! بين لهم السبب، فقال عليه الصلاة والسلام: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي)، أي: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأحللت معكم ولم أسق الهدي، لكنني سقت الهدي وقرنت، والقارن إذا ساق الهدي فإن عليه أن يبقى على إحرامه إلى يوم النحر، وكذلك المفرد إذا ساق الهدي عليه أن يبقى على إحرامه إلى يوم النحر، ولا يجوز له أن يفسخه إلى عمرة وقد ساق الهدي، أما الذين لم يسوقوا الهدي وقد أحرموا بالقران والإفراد، فإن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة وأن يكونوا متمتعين.
وهو: معاوية بن صالح الأشعري، وهو صدوق، أخرج له النسائي وحده.
[حدثني يحيى بن معين].
يحيى بن معين، وهو ثقة، حافظ، إمام من أئمة الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج].
وهو: حجاج بن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس].
وهو: يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي إسحاق].
وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
وهو: البراء بن عازب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[كنت مع علي رضي الله عنه].
وقد مر ذكره.
ثم أورد النسائي حديث: عمران بن حصين رضي الله عنه، وفيه أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع بين الحج والعمرة، وأن هذا الحكم باق لم ينسخ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام توفي ولم ينزل قرآن ينسخه، ولم تأت سنة بتحريمه، وإنما هو باق، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا حكم سار محكم، لم يأت ما ينسخه لا من كتاب ولا سنة، هذا هو مقصود عمران بن حصين رضي الله عنه.
والمقصود: أن الحديث دال على الترجمة وهي القران؛ لأن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن، وفيه: زيادة إيضاح، وهو أن هذا الحكم باق ومحكم غير منسوخ؛ لأنه لم ينزل قرآن ينسخه، ولم تأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تحرمه، بل هو حكم باق سائغ.
وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
وهو: خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
وقد مر ذكره.
[حدثني حميد بن هلال].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت مطرف].
وهو: مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال لي عمران بن حصين].
وهو: عمران بن حصين أبي نجيد ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
ثم أورد حديث: عمران بن حصين من طريق أخرى، وفيه مثل الذي قبله، وفيه: بيان أن هذا الكلام الذي قاله لكونه لم ينزل قرآن ينسخ ذلك، ولم تأت سنة تحرمه، ثم قال: قال رجل برأيه ما شاء، يعني بذلك عمر، يعني: الذي كان يأمر الناس بالإفراد، وينهاهم عن المتعة والقران، وقد عرفنا السبب في ذلك، وهذا الذي جاء عن عمر، جاء عن أبي بكر ، وعن عثمان، والثلاثة كلهم يريدون من وراء ذلك أن يكثر ترداد الناس على البيت، وأن يكثر زيارتهم للبيت؛ لأنه كما عرفنا: إذا كان الإنسان بسفرة واحدة أتى بالحج ، والعمرة أدى ما عليه، لكن إذا جاء للحج بسفرة، يأتي للعمرة بسفرة أخرى، فيكون هذا فيه فائدة للإنسان الذي يتردد على البيت.
وهو: الفلاس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا خالد].
وهو: ابن الحارث الذي تقدم.
[حدثنا شعبة].
قد مر ذكره.
[عن قتادة].
وهو: قتادة بن دعامة السدوسي، البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكهما.
ثم أورد النسائي حديث: عمران بن حصين رضي الله عنه، وفيه قوله: (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وأورده هنا في كتاب القران، وفيه: ذكر التمتع؛ لأنه قال: (تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والمقصود من إيراده هنا: أن المراد به القران، وهو التمتع؛ لأن فيه جمع نسكين في سفرةٍ واحدة، وكلٌ من القران والتمتع يقال له: تمتع، إلا أنه اشتهر أو الذي غلب عليه استعمال التمتع، هو الإتيان بالعمرة وحدها مستقلة ثم يحرم بالحج بعدها، ويأتي أيضاً القران يراد به التمتع؛ لأنه يتفق مع التمتع بأن الكل فيه أداء نسكين في سفرةٍ واحدة، إلا أن القران قرن بين النسكين، والتمتع فرق بين النسكين، أتي بالعمرة أولاً مستقلة بإحرامها، وطوافها، وسعيها، وتحللها، ثم يؤتى بالحج في اليوم الثامن بإحرامه وطوافه، وسعيه، وتحلله، فهما نسكان في سفرةٍ واحدة إلا أنهما مفرقان، والقران تمتع يؤتى بهما في سفرة واحدة إلا أنهما مقرونان بدون تفريق بينهما، ولهذا مما استدلوا به على وجوب الهدي على القارن بقوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، قالوا: والقران تمتع، وقد ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره، وذكره غيره عند تفسيره هذه الآية، وقالوا: هذه الآية فيها دليل على الهدي على القارن؛ لأن القارن متمتع أتى بنسكين في سفرة واحدة، فعليه هدي، كما أن المتمتع الذي أتى بالنسكين مفرقين أيضاً عليه هديٌ، فالذي أتى بهما مجتمعين بإحرام واحد وبسفرة واحدة أيضاً عليه هدي.
فالحاصل: أن إيراد الحديث وهو بلفظ التمتع، والحديث في القران؛ لأن التمتع يأتي بمعنى القران.
وهو: سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي.
[حدثنا مسلم بن إبراهيم].
وهو: مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن مسلم].
وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي.
ثم إن النسائي في آخر الحديث قال: مسلم بن إبراهيم ثلاثاً، فذكر هذا الذي في الإسناد، وقال: إنه لا بأس به، وذكر شخصاً آخر قال: لا بأس به، وذكر شخصاً ثالثاً قال: إنه متروك، يعني أنهم كلهم يقال لهم: إسماعيل بن مسلم، اثنان قال: لا بأس بهما، وواحد قال عنه: متروك.
[حدثنا محمد بن واسع].
وهو: محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس الأزدي أبو بكر، وهو ثقة، عابد، كثير المناقب، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
[عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين].
وقد مر ذكرهما.
ثم أورد النسائي حديث: أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو الذي أورده في كتاب القران، وهو دال على الترجمة؛ لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك عمرة وحجاً)، أي: أنه قارن بينهما؛ لأنه لو كان محرماً بالحج لقال: لبيك حجاً فقط، ولو كان متمتعاً لقال: لبيك عمرة، لكنه لما قال: (لبيك عمرةً وحجاً) علم بأنه قارن، أي: قرن بين النسكين، وهما الحج والعمرة.
وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[عن هشيم].
وهو: هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، كثير التدليس والإرسال الخفي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والتدليس هو: رواية الراوي عن شيخه ما لم يسمعه منه بلفظ موهم السماع كعن أو قال، ما يقول: سمعت ولا حدثني ولا أخبرني؛ لأنه لو قال المدلس: سمعت، ولا حدثني ولا أخبرني زال التدليس، وإنما التدليس يأتي بلفظ عن أو قال التي فيها احتمال الاتصال، واحتمال الانقطاع، واحتمال الواسطة.
وأما الإرسال الخفي فهو: أن يروي عمن عاصره ولم يلقه، إذاً: الفرق بين التدليس والإرسال الخفي: أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، أما إن عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي؛ لأنه ما دام أنه معاصر له يخفى الإرسال، بخلاف ما إذا كان ما أدرك عصره فالإرسال واضح، إذا كان واحداً منهم ولد بعد التلميذ، أو الراوي ولد بعد وفاة الشيخ الذي يروي عنه، فالإرسال جلي واضح، لكن إذا كان معاصر له ولم يلقه، ولم يسمع منه، ثم روى عنه، فإنه يوهم أنه سمع؛ لأن الاحتمال قائم من حيث المعاصرة، لكنه ما لقيه، فإذاً: هناك إرسال خفي وإرسال جلي، فالإرسال الجلي يروي الإنسان عن شخص ما أدرك عصره، معروف فيه انقطاع، لكن كونه يروي عن شخص عاصره، ولم يرو عنه، ولم يسمع منه، فهذا الإرسال خفي.
[عن يحيى].
وهو: ابن أبي إسحاق، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[وحميد الطويل].
وهو: حميد بن أبي حميد الطويل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقالوا في ترجمته: إنه مات فجأة في الصلاة وهو ساجد.
[(ح) وأخبرنا يعقوب بن إبراهيم].
ثم أتى بـ (ح) التحويل الدالة على التحول من إسناد إلى إسناد، ويعقوب بن إبراهيم هو: الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[ابن أبي إسحاق كلهم عن أنس].
وهؤلاء مروا في الطريق السابقة، وأنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي روى الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، هو خادمه، وأحد السبعة الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وأنس، وأم المؤمنين عائشة، هؤلاء السبعة عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم أورد حديث أنس من طريق أخرى، وفيه قوله: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما)، أي: بالحج والعمرة، أي: أنه قارن، والحديث أورد في باب القران، فهو دال على الترجمة كالطريق التي قبله، ومعنى: يلبي بهما، يقول: لبيك عمرةً وحجاً.
وهو: أبو السري، وهو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبي الأحوص].
وهو: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي إسحاق].
وهو: أبو إسحاق السبيعي، وقد مر ذكره.
[عن أبي أسماء].
أبو أسماء وهو مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن أنس].
وهو: أنس بن مالك، وقد مر ذكره.
وجهالة أبو أسماء لا تؤثر في هذا الإسناد؛ لأن الحديث جاء عن أنس من طرق متعددة، فإذاً هو ثابت وإن كان هذا الشخص فيه جهالة.
ثم أورد النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، والذي فيه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة، وبكر بن عبد الله المزني جاء إلى أنس وقال له: إن ابن عمر يقول: إنه أحرم بالحج وحده، قال: ما تعدوننا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك عمرةً وحجاً معاً) أي: يجمع بينهما، وهو دال: على ما تقدم من القران، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، وأما ما جاء عن ابن عمر من أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وحده، فهذا كما عرفنا فيما مضى من الأحاديث التي لا شك فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قارناً، وما جاء من أنه تمتع فالمقصود به: التمتع الذي هو القران؛ لأن القران يقال له: تمتع كما عرفنا ذلك آنفاً، وأيضاً ما جاء عنه أنه أفرد، فسر بأن بعض الصحابة سمع منه كلمة الحج وحدها، ولم يسمع كلمة العمرة، فروى أنه حج مفرداً، وبهذا يجمع بين ما جاء من الإفراد والتمتع والقران، وأن الذي حصل هو الحج قارناً، وما جاء من أنه تمتع يفسر بالتمتع الذي هو القران؛ لأنه يقال له: تمتع، وما جاء في الإفراد على أنه سمعه بعض الصحابة يلبي بالحج، وأنس بن مالك أكد ذلك وقال: ما تعدوننا إلا صبياناً، يعني معناه: أننا كنا صغاراً، ولكننا تلقينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنكم لذلك يحصل منكم هذا الأخذ والرد، والذهاب والإياب، أو الإخبار بأن فلان حدث، مع أن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه هو أيضاً من صغار الصحابة؛ لأنه استصغر يوم أحد، عرض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأراد أن يجاهد، فالرسول صلى الله عليه وسلم رده لأنه صغير، ولكنه في السنة التي بعدها أجازه؛ لأنه بلغ خمس عشرة سنة، لكن قال هذا لما قيل له: إن فلاناً قال كذا وكذا، وأكد ذلك بقوله: إنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما معاً، ويقول: (لبيك عمرةً وحجاً)، أي: معاً ليس واحدة دون الأخرى.
وهؤلاء مر ذكرهم إلا بكر بن عبد الله المزني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وقد ذكر في ترجمته كلمة جميلة وهي قوله: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت أثمت، وهو سوء الظن بأخيك؛ لأن الإنسان إن أصاب فلا يؤجر، وإن أخطأ أثم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر