أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن محمد حدثني أبي قال: (أتينا
يقول النسائي رحمه الله: ترك التسمية عند الإحرام. المراد بالتسمية في هذه الترجمة كما يظهر من الحديثين اللذين أوردهما تحتها: هو ترك إعلان النسك، أو تسمية النسك الذي يحرم به، ومن المعلوم: أن الإحرام يكون بالنية، نية النسك، والتلفظ ليس بلازم، يجوز التلفظ بما نوى، بما يتعلق بالإحرام بالحج، أو العمرة، أو القران، ولا يجوز التلفظ في النية في شيء من العبادات إلا في النسك، فلا يتلفظ بالنية في الصلاة، ولا في الطواف، ولا في أي قربة يتقرب بها إلى الله عز وجل، ويقول: نويت كذا وكذا إلا الحج، فإنه جاء فيه كون الإنسان يذكر ما نوى بأن يقول: لبيك عمرة، أو لبيك عمرة وحجاً، أو لبيك حجاً، فإن هذا سائغ، لكن التسمية للنسك، وذكرها على اللسان ليس بلازم، بل المعتبر هو النية، وكون الإنسان يعقد قلبه وعزمه في قلبه على أنه داخل في النسك فإنه يكون بذلك دخل في الإحرام، وليس من شرطه أو مما يجب فيه أن يسمي ما يحرم به من الأنساك، فلا يلزمه أن يقول: لبيك عمرة، أو يتلفظ بالعمرة، أو بالحج، أو بالعمرة والحج، بل يكفي أن ينوي بقلبه أنه دخل بالعمرة إن كان متمتعاً، أو دخل بالحج إن كان مفرداً، أو دخل بالحج والعمرة إن كان قارناً.
وعلى هذا فالواضح أن المقصود من قوله: (ترك التسمية)، أي: تسمية النسك الذي يريده من عمرة، أو حج، أو عمرة وحج مع بعض، الذي هو: القران، وبه يعلم أن المقصود أن التسمية ليست بلازمة، وأن المهم هو النية والنية محلها القلب والتلفظ بها بدعة في العبادات إلا في الحج والعمرة فيجوز التلفظ بما نوى، هذا هو المقصود من ذكر التسمية أو ترك التسمية هنا، وليس المقصود من ترك التسمية، يعني: بسم الله الرحمن الرحيم، أنه لا يأتي بـ بسم الله الرحمن الرحيم، ليس هذا هو المقصود؛ لأنه أولاً لا يؤتى بالتسمية عند الإحرام، وإنما الإنسان ينوي بقلبه ويقول: لبيك عمرة، أو لبيك حجاً؛ لأن المقصود بالتسمية هو كون العمل يبدأ بذكر الله، والتلبية هي ذكر لله عز وجل، مثل الخطبة تبدأ بالحمد لله، ولا يلزم أن تبدأ بـ بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الحمد ثناء على الله عز وجل، وذكر لله سبحانه وتعالى، ومثل باقي الصلاة بالله أكبر، فإنه ذكرٌ لله عز وجل، ولا يؤتى بالتسمية، قبل ما يقول: الله أكبر يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. أو قبل أن يقول: لبيك عمرة يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. أو قبل أن يأتي بعمل يبدأه بالبسملة أو الخطبة يبدأها بـ بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الخطبة تبدأ بالحمد، والحمد ثناء، والصلاة تبدأ بالتكبير، والتكبير ثناء، والحج أو العمرة يبدآن بلبيك عمرة، أو لبيك حجاً إذا تلفظ وهو ثناء.
فإذاً: ليس المقصود من الترجمة ترك التسمية يعني: ترك بسم الله الرحمن الرحيم عند الإحرام، وإنما المقصود ترك تسمية النسك الذي هو عمرة، أو حج، أو قران، ولهذا أورد النسائي الحديثين وفي كل واحد منهما: (لا ننوي إلا الحج)، والنية محلها القلب، معناه: أن نيتهم، وعقد عزمهم وما عقدوا عليه قلوبهم، إنما هو الحج، فما جاء في الحديث: (لا ننوي إلا الحج)، أي: أنهم نووا في قلوبهم أنهم حجاج، أو أنهم يريدون الحج، وهذا هو المقصود من الترجمة، وهذا هو محل الشاهد من الحديثين للترجمة.
أورد أولاً حديث: جابر بن عبد الله في قصة خروجهم مع النبي عليه الصلاة والسلام للحج، وأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد الحج، أو أنه مكث تسع حجج تسع سنوات، والحجج هي السنوات، ومنه قول الله عز وجل في حق موسى وصهره: عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص:27]، يعني: ثمان سنوات، فيطلق على السنة حجة؛ لأنه يكون في كل سنة حجة، والحج مرة واحدة في السنة، مثل ما يقال عن الأسبوع: جمعة، فيطلق لفظ الجمعة ويراد به الأسبوع، هنا ذكر حجة، أي: سنة؛ لأن الحج يأتي في السنة مرة واحدة، فإذا قيل: تسع حجج، يعني: تسع سنوات، والرسول صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنوات، ثم أعلن في السنة العاشرة قبيل الحج في شهر ذي القعدة بأنه حاج، والحديث: (أعلن أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حاج هذا العام)، وهنا (في حاجٍ هذا العام)، و(في) هذه زائدة، الموجود في السنن الكبرى بدون (في)، ولا معنى لوجود (في) في الحديث، وإنما (أعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام)، ولو كانت (في) موجودة بعد (حاج) لاستقام المعنى، يعني: (حاج في هذا العام)، لكن الذي في السنن الكبرى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام)، بدون حرف (في) الذي هو قبل كلمة (حاج).
فلما أعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم حاج هذا العام، نزل إلى المدينة خلق كثير، توافدوا إلى المدينة يريدون أن يصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته وفي حجته، ويقتدون به ويتلقون عنه كيفية الحج، فتوافدوا إلى المدينة، وكثر الواردون إليها ليصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الحج، فخرج عليه الصلاة والسلام لخمس بقين من ذي القعدة، وخرج بعد أن صلى الظهر في المدينة أربع ركعات، ثم جاء ذا الحليفة وصلى فيه العصر ركعتين، وجلس فيه يوماً وليلة، وصلى فيه خمسة فروض: العصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، والظهر، وبعد صلاة الظهر ارتحل وأحرم صلى الله عليه وسلم، وذكرت فيما مضى أنه فعل ذلك، وأنه مكث هذه المدة ليلحق الناس به، وليجتمع الناس، وليتوافد الناس إلى ذلك المكان فيكونون مع النبي صلى الله عليه وسلم من حين ما يبدأ بالحج الذي يبدأ بالإحرام.
إذاً فالذهاب إلى ذي الحليفة والمكث فيه يوم وليلة، ليس هذا سنة، وأنه يستحب للإنسان أن يجلس في ذي الحليفة يوم وليلة إذا أراد أن يحج؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، هو إمام المسلمين، وقد جلس في ذلك المكان ليلحق به الناس، وليجتمع عليه الناس، وليصحبه الناس من أول عمل يقوم به في الحج؛ لأنه لو ذهب ماراً بذي الحليفة ومشى رأساً، ما لحقه الناس، وما تمكن الناس من أن يرافقوه من أول دخوله في النسك، بل من كان معه وقريباً منه هذا هو الذي يتمكن، والذين في المدينة لم يلحقوا من أول الرحلة، لكنه صلى الله عليه وسلم مكث يوماً وليلة ليلحق به الناس وليجتمع الناس عليه، ثم يحرم وينطلق بهم، ويبدءوا بمعرفة أعمال الحج من بدايتها وهم معه صلى الله عليه وسلم.
قوله: [قال جابر: (ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرنا، عليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا)].
والرسول صلى الله عليه وسلم ينزل عليه القرآن، وهو يعرف تأويله، أي: تفسيره، ومن المعلوم أن القرآن يبينه القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخير ما يفسر به القرآن القرآن والسنة، كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم هو الذي يفسر به كلام الله، ثم يلي ذلك تفسير الصحابة وسلف هذه الأمة، لكن خير ما يفسر به القرآن، القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال جابر: (ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ينزل عليه القرآن وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا)، يعني: فنحن نقتدي به، وهو ينفذ ما جاء في القرآن، ويطبق ما جاء في القرآن، وينفذ ما أمر به في القرآن، ونحن نتابعه فيما يأتي به.
ومن المعلوم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء أثر عن عائشة: (كان خلقه القرآن)، يتأدب بآداب القرآن، ويمتثل ما جاء في القرآن، ولهذا جاء عنها أنها قالت: (لما نزل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن أنزلت عليه هذه السورة إلا وهو يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، يتأول القرآن)، أي: ينفذ، ويطبق ما جاء في القرآن؛ لأنه قيل له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، فكان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)، (سبحانك اللهم وبحمدك)، تنفيذاً لقوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ، وقوله: (اللهم اغفر لي)، تنفيذاً لقوله: وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر:3]، وهو يعلم تأويله من حيث تفسيره، ومن حيث تطبيقه، ويأتي به تفسيراً، وإيضاحاً، وبياناً، ويأتي به تطبيقاً وتنفيذاً، وهنا في قول عائشة: (يتأول القرآن)، يعني: ينفذ ما جاء في القرآن.
قوله: [(فخرجنا لا ننوي إلا الحج)].
وهذا هو محل الشاهد (لا ننوي إلا الحج)، يعني: بقلوبنا، وفسر بأن هذا كان في أول الأمر، أنهم خرجوا من المدينة منطلقين لا يريدون إلا الحج، ولا ينوون إلا الحج؛ لأن هذا زمن الحج وهم خرجوا حجاجاً لأداء الحج، ففسر بأنهم لا ينوون إلا الحج، أو أن المقصود بذلك أنهم وإن كان فيهم من هو قارن، وفيهم من هو متمتع، وعائشة كانت متمتعة، لكن لما كان المقصود الأصلي بالخروج هو الحج، والعمرة قرنت أو أتي بها قبله، فيكون المقصود من ذكر الحج لكونه المقصود الأصلي للخروج؛ لأن هذه رحلة حج، لكنه قد يكون حج مفرداً، وقد يكون حج معه عمرة، أو حج مسبوقاً بعمرة، أو أن المقصود من ذلك ما حصل من غالبية الصحابة الذين كانوا محرمين بالحج، أو قارنين إليه العمرة، وعائشة رضي الله عنها، كانت متمتعة ومحرمةً بالعمرة، وحصل لها الحيض، وجاء الحج وهي لم تطهر، فأمرها بأن تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة.
إذاً: فمحل الشاهد من إيراد الحديث في باب: ترك التسمية عند الإهلال، أي: ترك تسمية النسك؛ لأنه قال: (لا ننوي إلا الحج)، والنية تكون محلها القلب، وقد عرفنا أن النية في القلب لا بد منها، وأن التلفظ جائز، وليس بواجبٍ، ولا شرطٍ، ولا لازم، ولو لم يتلفظ جاز، لكن لو لم ينو بقلبه أنه دخل بعمرة، أو بحج، أو بحج وعمرة، ما يعتبر دخل في النسك؛ لأن الأعمال بالنيات، (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والنية محلها القلب، إذاً هذا هو المقصود من قول النسائي: ترك التسمية عند الإهلال، ومحل الشاهد قوله: (لا ننوي إلا الحج).
وهو: يعقوب بن إبراهيم هو الدورقي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا يحيى بن سعيد].
وهو: يحيى بن سعيد القطان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جعفر بن محمد].
وهو: جعفر بن محمد الملقب الصادق، وقال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، فقيه، إمام، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ينزلونه منزلته التي تليق به، وهو إمام من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون بهم، ويصفونهم بصفات لا يوصف بها الأنبياء والمرسلون، حيث يفضلونهم على الأنبياء والمرسلين كما جاء عن زعيمهم الذي هلك قبل سنوات وهو الخميني، حيث قال في كتابه الحكومة الإسلامية، وفي صفحة اثنين وخمسين يقول: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل!، هذا هو الغلو المتناهي وتجاوز الحدود، حيث جعلوهم أفضل من الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، وكيف يكون ذلك وهم إنما حصل لهم الهدى عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يصل الأمر إلى أن يكونوا خيراً من الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقربين، هذا هو الضلال المبين، وهذا هو الباطل الواضح الجلي، وهذا هو الغلو المتناهي، أما أهل السنة فيتولون أهل البيت، وينزلونهم منازلهم، ومن كان منهم صحابياً يحبونه لصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، ولقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كان منهم غير صحابي، وهو من المؤمنين المتقين، يحبونه لتقواه، ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب الصادق، صدوق، خرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[حدثني أبي].
وأبوه: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب الباقر، وهو إمام من أئمة أهل السنة، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو إمام من الأئمة الإثنا عشر للرافضة، الذين قالوا فيهم ما قالوا، والذين غلوا فيهم، وتجاوزوا الحدود فيهم، وذكرت الكلمة التي قالها فيهم الخميني، وهي المقتضية تفضيلهم على الأنبياء، والمرسلين، والملائكة المقربين.
[أتينا جابر].
وهو: جابر بن عبد الله الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا الإسناد الذي هو جعفر عن محمد عن جابر هو الذي جاء فيه حديث جابر الطويل في صفة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قطعة منه، وحديث جابر في صفة حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أطول حديث في حجة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي جمع، وبين ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، من البداية حتى النهاية.
ثم أورد النسائي حديث: عائشة رضي الله عنها، قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج)، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث؛ لأنه نفس اللفظ الذي جاء في حديث جابر: (لا ننوي إلا الحج)، أي: أن المعتبر هو النية، والمعتبر ما يقوم بالقلب، والتلفظ بما نواه في الحج جائز وليس بلازمٍ ولا واجب، فالتلفظ بما نوى في الحج سائغ، وأما في غير الحج فهو بدعة، فكون الإنسان يتلفظ بنية الصلاة، أو يتلفظ بنية الطواف، أو يتلفظ بأي قربة يتقرب بها ما عدا الحج، فإن هذا من البدع، لكن التلفظ ليس بلازم، بل العبرة بما يكون بالقلب، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات)، والنيات محلها القلوب، وليست محلها الألسنة، لكن يجوز التلفظ بما نوى بما يتعلق بالأنساك، ولا يجوز التلفظ بما نوى في القربات الأخرى التي في غير الحج، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت متمتعة، ولما كانوا بسرف حاضت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: (إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)، يعني: لا تبكي، وهذا شيءٍ ليس إليها وليس بيدها، وإنما هذا شيء مكتوب وقدره الله وقضى بأنه يكون، والمقصود بالكتابة هنا: الكتابة القدرية، وليست الكتابة الشرعية؛ لأن الكتابة تأتي بمعنى القدر، وتأتي بمعنى الشرع، فهنا: (كتبه الله على بنات آدم)، أي: قدر وقضى أنه يحصل لبنات آدم أنهن يحضن، وأما الكتابة الشرعية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]، فرض عليكم القصاص، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183]، فرض عليكم الصيام، هذه كتابة شرعية، وكتابة كونية قدرية هي هذه، لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51]، يعني: كتابة قدرية، وهنا (شيء كتبه الله على بنات آدم)، يعني: كتابة قدرية، قدر وقضى أن النساء يكن على هذا الوصف قضاءً وقدراً، فهو يهون عليها حين بكت، وقال: (إن هذا شيء مكتوب، وعليك أن تعملي ما يعمل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت)، يعني: كل ما يعمله الحاج تفعلينه، ولما جاء الحج ولم تطهر، أمرها بأن تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة؛ لأن العمرة نوتها من الميقات، والحج نوته عندما جاء وقت الحج فأدخلته على العمرة فصارت قارنة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ومحل الشاهد كما ذكرت: (لا ننوي إلا الحج)، وهو نفس الذي جاء في حديث جابر: (لا ننوي إلا الحج).
وهو: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين].
الحارث بن مسكين، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ لـمحمد]
واللفظ لـمحمد يعني هذا على خلاف الغالب على عادة النسائي أنه عندما يأتي الحارث بن مسكين ومعه غيره يكون اللفظ للحارث بن مسكين، لكن هنا اللفظ ليس للحارث بن مسكين بل هو لـمحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ الأول للشيخ الأول؛ لأنه يذكر غالباً عندما يذكر النسائي الحارث بن مسكين ومعه شخصاً آخر، يبدأ بالشخص الآخر ويثني بـالحارث بن مسكين، ويقول: قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، غالباً ما يقول هذا، لكنه هنا قال: قراءةً عليه وأنا أسمع واللفظ لـمحمد، أي: الشيخ الأول، فهذا على خلاف الغالب المعتاد عند النسائي من أن اللفظ يكون للحارث بن مسكين عندما يقرن معه شخصاً آخر، هنا اللفظ لـمحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ المكي.
[حدثنا سفيان].
وهو: سفيان بن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الرحمن بن القاسم].
وهو: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
وهو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة].
وهي: عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آياتٍ تتلى من سورة النور، وهي الصحابية التي وعت الكثير، وحفظت الكثير من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة أخبرني قيس بن مسلم سمعت طارق بن شهاب قال: قال أبو موسى رضي الله عنهما: (أقبلت من اليمن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم منيخ بالبطحاء حيث حج، فقال: أحججت؟ قلت: نعم، قال: كيف قلت؟ قال: قلت: لبيك بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فطف بالبيت وبالصفا والمروة، وأحل، ففعلت، ثم أتيت امرأة ففلت رأسي فجعلت أفتي الناس بذلك، حتى كان في خلافة
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الحج بغير نية شيء يقصده المحرم؛ لأن في السنن الكبرى ذكر شيء، وهي التي يرجع إليها الضمير في قوله: يقصده، فضمير يقصده يرجع إلى شيءٍ، وهذه الترجمة موجودة في السنن الكبرى، وفيها إضافة كلمة شيء، وبها يتبين مرجع الضمير من قوله: يقصده، أي: شيءٍ يقصده، والمقصود بالترجمة: أنه يحرم بغير نية شيء معين يقصده من عمرة، أو حج، أو قران؛ لأنه قال: (كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، وهو لا يعرف إهلال النبي صلى الله عليه وسلم، كيف هو، يعني على الإبهام وليس على التعيين والتحديد للنسك الذي يريده؛ لأنه يريد أن يكون فعله مطابقاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يدري ما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: (لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، وهذا هو المقصود بالترجمة الحج بغير نية شيء -أي: من الأنساك الثلاثة- يقصده المحرم؛ لأنه ما قصد عمرةً، أو حجاً، أو عمرةً وحجاً على التحديد، بل أبهم وجعل ذلك تابعاً لما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأورد النسائي حديث: أبي موسى الأشعري الذي قال: (أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، هذا هو المقصود من إيراد الحديث، (أهللت بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، الحديث طبعاً فيه: شيءٍ مضاف إلى عمر، وشيء مضاف إلى أبي موسى.
سبق أن مر بنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، سأله: (هل معك هدي؟ قال: لا)، فأمره بأن يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، وأن يحل؛ لأنه ما معه هدي، أحرم بقران، لأنه أحرم بإحرامٍ كإحرام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قران، ولكنه ما ساق الهدي، تبين بأنه قران، ولكنه ما ساق الهدي، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم، الذين قرنوا، أو أفردوا، ولم يسوقوا هدياً أن يتحولوا إلى عمرة، وأن يكونوا متمتعين، فأرشد أبا موسى إلى أن يتحول إلى عمرة، وأن يكون متمتعاً، لكن المقصود من إيراد الحديث في الترجمة أنه لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا قلت؟ -أي: في إحرامك- قال: قلت: أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، ما قال: أهللت بعمرة، أو أهللت بحج أو أهللت بحج وعمرة، قال: (أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، إهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فإذاً يكون هو قارن، لكنه ما ساق الهدي، والنبي صلى الله عليه وسلم أرشد كل من كان قارناً، أو مفرداً، ولم يسق الهدي أن يفسخ إحرامه إلى عمرة، وأن يكون متمتعاً، وأبو موسى أمر بذلك، كما أمر الناس الذين جاءوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا قارنين، أو مفردين، بأن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة، وأن يكونوا متمتعين، فكان أبو موسى يفتي بهذا الذي أرشده إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو التمتع.
فلما كان في زمن عمر جاءه رجل وقال: رويدك ببعض فتياك، تمهل، ألا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك، فقال: يا أيها الناس! من أفتيناه بشيء فليتئد، فإن أمير المؤمنين قادم فأتموا به، وهذا من الأدب، وعدم الخلاف، وإظهار الخلاف؛ يعني لا يريد أن يظهر شيئاً فيه مخالفة للإمام، أو يرشد الناس إلى أن يفعلوا بفعل يخالف ما أرشدهم إليه الإمام؛ لأن كلاً من القران والإفراد والتمتع جائز.
فأمير المؤمنين اجتهد ورأى أن المصلحة للناس أن يأتوا مفردين حتى يأتوا للعمرة مرة أخرى، ولو أتوا قارنين، أو أتوا متمتعين، أدوا نسكين في سفرة واحدة، فلا يأتي الإنسان ليؤدي العمرة؛ لأنه قد أداها مع الحج، فهو اجتهد ورأى أن المصلحة للناس في هذا، وكل من الأنساك الثلاثة حق وثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن لا شك أن أفضلها، وأكملها هو التمتع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين لا هدي معهم من القارنين والمفردين أن يفسخوا إلى عمرة، وأن يكون عليهم الهدي، وهو لا يرشد إلا إلى ما هو الأفضل صلى الله عليه وسلم، ولما راجعوه في ذلك، وكونه باقياً على إحرامه، بين لهم السبب وقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولولا أن معي الهدي لأحللت ولجعلتها عمرة).
إذاً: الأنساك الثلاثة كلها سائغة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان هؤلاء الخلفاء الراشدون الثلاثة كلهم يأتون بالإفراد، ويرشدون إلى الإفراد، ومقصودهم هو ما أشرت إليه من الرغبة والحرص على تكرار مجيء الناس إلى البيت، وأن كل نسك يأتون به بسفرة ليحصل تردادهم على البيت؛ لأن في ذلك الفائدة لهم، والعبرة والعظة، والمصلحة الكبيرة، وقوة الصلة بهذا البيت، والترداد عليه، والطواف فيه، وشهود هذه المشاهد، والوقوف بعرفة، وما إلى ذلك من الأعمال التي تكون في الحج.
فلما جاء عمر وسأله قال: إن نأخذ بالكتاب فإن الله تعالى يأمرنا بالتمام، يعني في قوله: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]، وهذا يدل على التمتع، سواءً كان قراناً، أو تمتعاً الذي هو قسيم القران والإفراد؛ لأن الأنساك ثلاثة: إفراد، وقران، وتمتع، والقرآن يقال له: تمتع، قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196]، يراد بها التمتع، وأيضاً يمكن أن يراد بها القران، ولهذا استدلوا بهذه الآية على وجوب الهدي على القارن، قالوا: لأنه متمتع، حيث أتى بنسكين في سفرة واحدة، وممن استدل بهذه الآية على وجوب الهدي على القارن؛ لأنه متمتع ابن كثير في تفسيره، فإنه استدل بهذه الآية على وجوب الهدي على القارن، وأن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم (لم يحل حتى بلغ الهدي محله)، يعني: وكان قارناً، ولكن عمر رأى أن يرشد الناس إلى هذا النسك الذي هو الإفراد لمصلحة كبيرة تعود إليهم، وقد اجتهد في ذلك، وسبقه إلى ذلك أبو بكر، وتبعه في ذلك عثمان رضي الله تعالى عن الجميع.
وهو: محمد بن عبد الأعلى الصنعاني البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي وابن ماجه.
[حدثنا خالد].
وهو: خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة أخبرني قيس بن مسلم الخولاني].
شعبة هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[سمعت طارق بن شهاب].
وطارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي موسى].
وهو: عبد الله بن قيس الأشعري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشهور بكنيته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[وعمر].
وعمر أيضاً؛ لأن الحديث أوله من مسند أبي موسى، وآخره من مسند عمر، وعمر هو: أمير المؤمنين، وهو أول من تسمى بأمير المؤمنين؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما توفاه الله وبايع المسلمون أبا بكر خليفةً لرسول الله، كانوا يخاطبونه بخليفة رسول الله: يا خليفة رسول الله، وما كانوا يلقبونه بأمير المؤمنين، وإنما يضيفونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيقولون: يا خليفة رسول الله! فلما جاء عمر، وهو خليفة خليفة رسول الله، صار هناك إضافتان، ويأتي عثمان يصير هناك ثلاث إضافات: خليفة، خليفة، خليفة، فأتوا بلقب أمير المؤمنين حتى لا يكون فيه هذه الإضافات الطويلة، فصار لقباً لـعمر ومن بعده، يخاطب الإمام بأنه أمير المؤمنين: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وهكذا يخاطبون الخلفاء بأمير المؤمنين، وأول من لقب بهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وهو صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهو الذي ولي الخلافة بعهدٍ من أبي بكر إليه، ومكث فيها عشر سنوات وأشهر، حصل فيها الفتوحات العظيمة، والقضاء على الدولتين العظميين في ذلك الزمان دولة فارس، والروم، وأنفقت كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله كما أخبر بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكان تقسيمها على يدي الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ثم أورد النسائي حديث: جابر رضي الله عنه، في قصة قدوم علي من اليمن، وأنه أهل بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في الترجمة: الحج بغير نية شيءٍ يقصده المحرم، يعني: نية شيء معين؛ لأنه أحرم على الإبهام، قال: إهلالاً كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام سأله: (بم أهللت؟ قال: بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، وكان معه هدي، فأمره أن يبقى على إحرامه.
إذاً فـأبو موسى، وعلي كل منهما جاء من اليمن، وأبو موسى لكونه ما ساق هدياً أمر بأن يفسخ إلى عمرة، وعلي لكونه ساق هدياً أمره بأن يبقى على إحرامه إلى يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، والمقصود من إيراد الحديث: (أهللت بإهلالٍ كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم)، أي: على الإبهام وعدم التعيين.
وهو: محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب الزمن، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.
[حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر].
وقد مر ذكرهم.
ثم أورد النسائي حديث جابر من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، يعني: في مطابقته للترجمة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأن يبقى على إحرامه؛ لأنه قد ساق الهدي.
قوله: [أخبرنا عمران بن يزيد].
وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا شعيب].
وهو: شعيب بن إسحاق، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب، إلا الترمذي.
[عن ابن جريج].
وهو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال عطاء].
وهو: عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال جابر].
وقد مر ذكره.
ثم أورد النسائي حديث: البراء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، في قصة قدومه من اليمن، وأنه أهل بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لما قدم وجد فاطمة قد نضحت البيت بنضوح، يعني: طيبته بطيب، وسبق أن مر بنا في حديث جابر أنها لبست ثوباً صبيغاً واكتحلت، وأنها قد حلت، وكان هذا منها تجملاً لـعلي رضي الله عنه، ولما جاء علي تخطى البيت وتجاوزه ولم يدخل، قالت: ما لك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالإحلال؟ فقال: إني أهللت كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بأنه أهل كإهلاله، فأمره أن يبقى على إحرامه؛ لأنه قد ساق الهدي، والذي يسوق الهدي يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.
وهو: أحمد بن محمد بن جعفر الطرسوسي، صدوق، أخرج له النسائي وحده
[حدثني يحيى بن معين].
هو: يحيى بن معين، وهو ثقة، إمام في الجرح والتعديل، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حجاج].
وهو: حجاج بن محمد الأعور المصيصي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يونس بن أبي إسحاق].
هو: يونس بن أبي إسحاق، وهو صدوق يهم قليلاً، وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
وهو: أبو إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء].
وهو: البراء بن عازب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[كنت مع علي].
وهو: علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وصهره على ابنته فاطمة، وأبو الحسن، والحسين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، رابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع: (أن
ثم أورد النسائي هذه الترجمة: إذا أهل بعمرة هل يجعل معها حجاً، يعني: إذا أتى بالعمرة هل يجعل معها حجاً ويدخله عليها؟ هذا هو المقصود من هذه الترجمة، وقد أورد النسائي حديث: ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنه أراد الحج عام نزل
قوله: [(أشهدكم أنني أوجبت حجاً مع عمرتي)].
أي: أدخل الحج على العمرة فصار قارناً، وساق هدياً اشتراه من قديد من الطريق، ولما وصل إلى مكة طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة.
قوله: [(ولم ينحر، ولم يحلق، ولم يقصر)].
ما حصل منه إحلال تحلل، وما حصل منه نحر الهدي، وما حصل منه الحلق ولا التقصير، وإنما بقي على إحرامه حتى جاء يوم النحر، فذهب إلى منى وإلى عرفة ثم رجع إلى مزدلفة، ثم جاء إلى منى، ورمى الجمرة، ونحر هديه وحلق رأسه.
قوله: [(طواف الحج والعمرة بطوافه الأول)].
المقصود بالطواف هنا: السعي بين الصفا والمروة، وليس المقصود طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن بإجماع العلماء، وهو ركن في حق الجميع، وهو الذي أمر الله تعالى به في القرآن: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، فطواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، وهو بإجماع العلماء.
إذاً فالمقصود بالطواف الأول الذي اكتفى به هو السعي بين الصفا والمروة، ولهذا قال: (هكذا فعل رسول الله)، أحال على فعل الرسول، ومن المعلوم أن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه طاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة أولاً، ولما نزل من عرفة، ومزدلفة، ورمى الجمرة، ونحر، وحلق، نزل وطاف طواف الإفاضة، وما سعى بين الصفا والمروة، اكتفى بالسعي الأول، فإذاً المراد بالطواف في الحديث هو السعي، وليس المقصود به طواف الإفاضة؛ لأن طواف الإفاضة ركن في حق الجميع، ولا يسقط عن أحد، ولا يغني عنه شيء، وإنما السعي بعد القدوم إن فعله بعد القدوم كفى، وإن لم يفعله فلا بد أن يفعله بعد الإفاضة؛ لأن القارن عليه سعي واحد، وطواف واحد، طواف لحجه وعمرته، الذي هو طواف الإفاضة، وسعي لحجه وعمرته، إن فعله مع القدوم كفى، وإن لم يفعله تعين عليه أن يفعله بعد الإفاضة.
إذاً: هنا الطواف لا شك أن المراد به: السعي، والسعي بين الصفا والمروة يقال له: سعي، وقد مر في حديث ابن عمر نفسه، الحديث الذي مر في أول التمتع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كذا وطاف بالبيت سبعة أشواط، يرمل في الثلاثة الأشواط الأول، وحتى قال: ذهب إلى الصفا، وطاف بين الصفا والمروة سبعة أطواف، وهو قد أحال في هذا الحديث على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفس الحديث يقول: أحال على فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وفعل الرسول عليه الصلاة والسلام معلوم أنه طاف طواف الإفاضة، لكن ما سعى بين الصفا والمروة وكفاه السعي الأول.
إذاً: الطواف الموجود في الحديث هو الطواف بين الصفا والمروة، وليس الطواف بالبيت الذي هو طواف الإفاضة.
وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الليث].
وهو: الليث بن سعد المصري، وهو محدث، فقيه، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن نافع].
مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أن ابن عمر].
هو: عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا الحديث من الرباعيات عند النسائي، من أعلى الأسانيد عند النسائي؛ لأن بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص: قتيبة، والليث، ونافع، وابن عمر.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر