أخبرنا محمد بن العلاء أخبرنا ابن إدريس عن عبيد الله وابن جريج ومالك عن المقبري عن عبيد بن جريج قلت لـابن عمر رضي الله عنهما: (رأيتك لا تستلم من الأركان إلا هذين الركنين اليمانيين؟ قال: لم أر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستلم إلا هذين الركنين)، مختصر].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك استلام الركنين الآخرين، يعني: الركنان اللذان من جهة الحِجْر، أورد في ذلك حديث ابن عمر أنه قال له عبيد بن جريج: لم أرك تستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين؟ قال: (لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم إلا هذين الركنين)، يعني: الركنين الآخرين لا يستلمهما، وقد مر في حديث عائشة: أن ابن عمر لما بلغه حديث عائشة في قصة البيت وبنائه وأنه يعيده على قواعد إبراهيم، قال ابن عمر: لم أر يعني: أن الذي يمنع من استلام الركنين الآخرين إلا كونهما ليسا على قواعد إبراهيم، لكن لو بنيت الكعبة، وأدخل الذي في الحِجْر إليها، لا يشرع استلام الركنين؛ لأنه لم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو بنيت على قواعد إبراهيم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما استلم إلا هذين، ولو كان استلامهما مشروعاً لبين النبي صلى الله عليه وسلم ولشرع للناس أن يستلموا الركنين الشاميين اللذين من جهة الحجر، فكون النبي صلى الله عليه وسلم ما تعرض لحكمهما وكان ما يستلم إلا الركنين، يقتصر على الركنين اليمانيين.
هو محمد بن العلاء أبو كريب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا ابن إدريس].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر، وقد مر ذكره.
[وابن جريج].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد مر ذكره.
[ومالك].
هو مالك بن أنس، وقد مر ذكره.
وهؤلاء الثلاثة الذين هم: عبيد الله، وابن جريج، ومالك، يروون عن المقبري.
[عن المقبري].
وهو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد].
هو عبيد بن جريج المدني وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي فخرج له في الشمائل.
[عن ابن عمر].
وقد مر ذكره.
ترجم النسائي: ترك استلام الركنين الآخرين، أي: غير الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر الأسود، هذان الركنان هما اللذان يستلمان، الحجر الأسود، والركن اليماني، والركنان الآخران الشاميان اللذان هما من جهة الحجر لا يستلمان؛ لأن السنة إنما جاءت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم باستلام الركنين اليمانيين الحجر الأسود، والركن اليماني.
وقد أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يستلم من الأركان إلا الحجر الأسود والركن الذي من نحو دور الجمحيين، والمقصود من ذلك: الركن اليماني؛ لأن الحجر الأسود، الركنان اللذان يليانه أحدهما قبله، والثاني بعده، والذي قبله هو الركن اليماني، والذي بعده هو أحد الركنين الشاميين الذي من جهة الحجر، فالمقصود أن الركن اليماني هو: الذي قبل الحجر الأسود، وهو من جهة دار الجمحيين؛ يعني دور لألئك الناس، وكانت في تلك الجهة، فالركن اليماني هو في جهتها بالنسبة للحجر الأسود.
ومن المعلوم: أن الحجر الأسود أقرب الأركان إليه الركن اليماني، والركن الذي في الجهة الشرقية الشمالية من الركنين الآخرين الشاميين؛ لأن الكعبة لها أربعة أركان: الركنان اليمانيان، والركنان الشاميان، فالركنان الشاميان من جهة الحِجْر، وهما ليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن نهاية الكعبة وراءهما من جهة الشمال مقدار خمسة أذرع من الحجر، والركنان اليمانيان هما: الحجر الأسود، والركن الذي قبله وهو الركن اليماني، فعندما يطوف الإنسان يبدأ من الحجر الأسود، ويدور حول الكعبة؛ لأن زوايا البيت أربع الحجر الأسود في الزاوية التي هي شرقية، وجنوبية، والركن اليماني في الزاوية التي هي جنوبية غربية، فهذان الركنان هما اللذان يستلمان، واستلامهما إنما هو اتباع للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ولو لم يستلمهما النبي صلى الله عليه وسلم ما استلمناهما، كما قال عمر رضي الله عنه في الحجر الأسود: إنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
هو أحمد بن عمرو بن أبي السرح أبو الطاهر المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين].
وهو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني يونس].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، من صغار التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سالم].
هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.
[عن أبيه].
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أورد النسائي حديث ابن عمر، وأنه كان ملازماً لاستلام الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني منذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما دائماً وأبداً، فهو ملازم لذلك اتباعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، وهو يدلنا على ما كان عليه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام من الحرص على اتباع النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ومتابعته فيما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، فهي سنة سنها رسول الله، وهو أمر مستحب.
وقد عرفنا فيما مضى أنه إذا كان هناك ضرر في الوصول إليهما، فإنه لا يوصل إليهما ولا يذهب الإنسان إليهما؛ لأن استلامهما سنة، وإيذاء الناس حرام، ولا يفعل الأمر المحرم من أجل الوصول إلى سنة، أما إذا أمكن الوصول إليهما من غير إيذاء لأحد، فالمستحب للإنسان أن يحرص على استلامهما، وأن يستلمهما اتباعاً للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وابن عمر رضي الله عنه وأرضاه يخبر أنه ما كان يترك استلامهما منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستلمهما، لا في شدة ولا في رخاء، يعني: دائماً وأبداً.
هو: عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
[حدثنا يحيى].
هو: يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله].
هو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والمصغر تمييز له عن أخيه عبد الله بن عمر المكبر، فإن المكبر ضعيف.
[عن نافع].
وهو: مولى ابن عمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث ابن عمر، وهو يتعلق بالحجر الأسود، وأن ابن عمر ما كان يترك استلامه منذ رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه، لا في شدة ولا في رخاء، وهو من جنس الذي قبله، إلا أن الذي قبله فيه التنصيص على الركنين: الحجر، والركن اليماني، وهذا فيه التنصيص على الحجر الأسود وحده.
وهو صدوق، أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[حدثنا عبد الوارث].
هو: عبد الوارث بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أيوب].
هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
وقد مر ذكرهما.
أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، وسليمان بن داود عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن)].
أورد النسائي ترجمة فيها استلام الركن بمحجن. الركن، أي: الحجر الأسود، استلامه بمحجن: وهي العصا المحنية الرأس، وكان يفعل ذلك؛ لأنه راكبٌ على البعير وهو يطوف، فإذا حاذى الحجر الأسود مد هذه العصا المحنية الرأس إلى الحجر الأسود يستلمه بها.
والحديث سبق أن مر، وأورده هنا من أجل الاستدلال به على الاستلام بالواسطة، أي: بواسطة العصا المحنية الرأس التي يقال لها: المحجن، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك للحاجة إليه؛ لأنه كان راكباً، ولا تصل يده إلى الحجر إلا بهذه الواسطة.
هو: يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[و سليمان بن داود].
هو: سليمان بن داود أبو الربيع المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب].
وقد مر ذكرهم قريباً.
[عن عبيد الله بن عبد الله].
هو: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسليمان بن يسار، وسعيد بن المسيب، هؤلاء ستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
[عن ابن عباس].
هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
أخبرنا بشر بن هلال حدثنا عبد الوارث عن خالد عن عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف بالبيت على راحلته، فإذا انتهى إلى الركن أشار إليه)].
أورد النسائي: الإشارة إلى الركن، يعني: أنه عندما يحاذيه يشير إليه، إذا ما تمكن من الاستلام؛ لأن الأحوال التي تكون مع الركن الأسود ثلاث حالات: التقبيل، والمسح باليد، والإشارة عند المحاذاة، فإذا تمكن أن يقبله قبله، وإذا ما تمكن لمسه، ومسحه بيده، وإذا ما تمكن لا من هذا، ولا من هذا، يحاذيه، ويشير إليه ويكبر، أما الركن اليماني، فإنه لا يقبل، ولا يشار إليه، وإنما يمسح فقط، ويستلم فقط باليد، إذا وصل إليه الإنسان.
وقد أورد النسائي حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، وكان إذا حاذى الركن أشار إليه، ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الذي قبل هذا كان يستلمه بمحجن، ومعنى هذا: أنه أحياناً يفعل ذلك بالمحجن، وأحياناً يشير إليه عليه الصلاة والسلام، فهو إذا لم يستلمه أشار إليه، هذه هي السنة في حق الحجر الأسود، تقبيل، واستلام، وإشارة، إن حصل التقبيل فهو الأولى، وإلا فإنه يستلمه بيده، وإن لم يكن هذا، ولا هذا، فإنه يشير إليه ويكبر عند محاذاته، أما الركن اليماني فهو إن تمكن من استلامه بيده استلمه، وإن لم يتمكن مضى وليس في حقه لا تقبيل ولا إشارة.
هو: بشر بن هلال الصواف، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
[حدثنا عبد الوارث].
هو: عبد الوارث بن سعيد، وقد مر ذكره.
[عن خالد].
هو: خالد بن مهران الحذاء، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عكرمة].
هو: عكرمة مولى ابن عباس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
الشيخ: التكبير عند الإشارة، أما التقبيل ما أعرف أنه يكبر عند التقبيل أو عند اللمس، لا ما فيه أبداً فقط استلام. وأما الركن اليماني ليس فيه شيء من التكبير وإنما استلام فقط.
ليس فيه إشارة؛ لأن الإشارة هي مع التكبير، ولا يقبل، فالإنسان إذا وصل إليه مسحه بيده فقط، ولا يقبله، وإن لم يصل إليه لا يشير إليه، ولا يكبر.
أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن سلمة سمعت مسلماً البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله، قال: فنزلت خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31])].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: قول الله عز وجل: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، والمقصود من هذه الترجمة: بيان سبب نزول هذه الآية، وأن أصلها أن الكفار في الجاهلية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك بعد بعثته إلى أن نادى أو أمر من ينادي في الناس في السنة التاسعة: (ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، فكانوا يطوفون وهم عراة.
وقد أورد النسائي حديث ابن عباس، [(كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله، وما بدا منه فلا أحله)]، معناه: أنها لا تحل النظر إليه، وكانوا يعتقدون هذه العقيدة أنهم يطوفون وهم عراة، فجاء الإسلام، ومنع من ذلك، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام أرسل في السنة التاسعة أبا بكر ليحج بالناس، وأمره على الناس في الحج، وأمر بأن ينادى في الموسم: (ألا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان)، وفيه أنها نزلت هذه الآية: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، يعني: أنهم يلبسون الزينة، وعندما يأتون للمساجد يأتون بزينتهم، وبلباسهم، وساتر عوراتهم، وعلى أحسن هيئة، وعلى أكمل هيئة، هذا هو الذي أمروا به، وأرشدوا إليه، على خلاف ما كانوا عليه في الجاهلية من التعري، وعدم لبس الزينة، وأخذ الزينة، فنزلت هذه الآية مبينةً إبطال ما كانوا عليه في الجاهلية، وفيها أمر الناس بأن يأخذوا الزينة عند الإتيان للمساجد.
هو: محمد بن بشار الملقب بندار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا محمد].
وهو: ابن جعفر الملقب غندر البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سلمة].
هو: سلمة بن كهيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت مسلم البطين].
هو: مسلم بن عمران البطين، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن جبير].
سعيد بن جبير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن عباس].
وقد مر ذكره.
أورد النسائي حديث أبي هريرة عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما: أن النبي عليه الصلاة والسلام في السنة التاسعة أمرّه على الناس، يعني: على الحج، وأرسله أميراً، وكان من جملة ما كلف به أن ينادى في الموسم: (ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، يعني: هذه السنة التي جاء الناس فيها، وفيهم العراة، وكانوا على ما كانوا عليه في الجاهلية، نودي بهم على ألا يفعلوا شيئاً من ذلك في السنة القادمة بعد هذا العام، وأن هذا أمر قد انتهى، فلا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، والمقصود من ذلك قوله: [(ولا يطوف بالبيت عريان)]؛ لأن هذا هو سبب نزول الآية: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، كما جاء في الحديث الذي قبل هذا.
هو: أبو داود سليمان بن سيف الحراني، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[حدثنا يعقوب].
هو: يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبي].
هو: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن صالح].
هو: صالح بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب].
ابن شهاب، وقد مر ذكره.
[أن حميد بن عبد الرحمن].
هو: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبره أن أبا هريرة].
هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأكثر أصحابه حديثاً عنه، وهو أكثرهم على الإطلاق؛ لأن الذين عرفوا بكثرة الحديث سبعة، وأبو هريرة هو أكثر هؤلاء السبعة.
[أبي بكر].
أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو: عبد الله بن عثمان التيمي، كنيته أبو بكر، وكنية أبيه أبو قحافة، فهو أبو بكر بن أبي قحافة.
أفضل هذه الأمة، وخيرها، أفضل من مشى على الأرض بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وهو الذي لازم النبي عليه الصلاة والسلام، قبل البعثة، وصديقاً له ورفيقاً له عليه الصلاة والسلام قبل أن يبعث رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما بعثه الله كان أول من آمن به ولازمه في مكة ثلاثة عشر عاماً من حين البعثة إلى أن انتقل منها إلى المدينة، ولما هاجر رافقه في الطريق إلى المدينة، وأنزل الله تعالى فيه قرآناً يتلى وسماه الله صاحب رسول الله، وقال عنه: ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40]، إذ يقول الله عز وجل: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، فهو أحد الاثنين، وهو صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولازمه في المدينة عشر سنوات، وشهد المشاهد كلها معه عليه الصلاة والسلام إلى أن توفى الله نبيه عليه الصلاة والسلام، فبايعه المسلمون خليفةً لرسول الله عليه الصلاة والسلام، ومكث في الخلافة سنتين وأشهرا قاتل فيها المرتدين، وعمل على إرجاعهم إلى ما كانوا عليه في زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ولما توفاه الله عز وجل دفن بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بعث يكون معه في الجنة، فهو ملازم له في الحياة الدنيا، ومجاور له في القبر، ويكون معه في الجنة بعد البعث والنشور، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله سبحانه وتعالى ذو الفضل العظيم.
ولهذا: فإن محبة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وسائر الصحابة هي علامة الإيمان، وبغضهم والوقيعة بهم علامة النفاق، وعلامة الخذلان؛ لأن الصحابة هم خير هذه الأمة، وهم الواسطة بين الناس، وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، ما عرف الناس كتاباً، وسنة، ولا عرف الناس هدياً إلا عن طريق الصحابة، فإذا قدح في الصحابة قدح في الكتاب، والسنة، وإذا لم يقبل ما جاء عن الصحابة، فالذي جاء عنهم الكتاب والسنة فهي غير مقبولة، والقدح في الناقل قدح في المنقول كما جاء عن أبي زرعة الرازي رحمة الله عليه أنه قال: إذا رأيتم أحداً ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فاعلموا أنه زنديق.
وذلك أن الكتاب حق، والرسول حق، وإنما أدى إلينا الكتاب والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء -أي: الذين يقدحون فيهم- يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة؛ فالقدح في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قدح في الكتاب والسنة، ولهذا فإن محبة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هي علامة الإيمان، وبغضهم علامة الخذلان.
أورد النسائي حديث أبي هريرة: أنه كان في الرهط، وفي الجماعة الذين ينادون في الموسم بكون: [(لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)]، وأن من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فأمده أربعة أشهر، وهذا فيه اختصار، وإلا فإن الذي كان ينادى به والذي جاء به القرآن أن الكفار قسمان: قسم بينهم، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فهؤلاء أمدهم إلى عهدهم المدة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هي باقية كما جاء في القرآن، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ [التوبة:4]، ومن لم يكن هناك عهد، فالمدة التي أمامه أربعة أشهر، وهذه الأربعة الأشهر هي أشهر المهلة، والتيسير، وليست الأشهر الحرم، وإنما هذه مدة يترك الكفار فيها، وبعد ذلك ما فيه إلا القتل، والقتال، فإذاً: الذي كان ينادى به أن الكفار قسمان: قسم لهم عهد، ولهم مدة بموجب العهد الذي لهم، فهؤلاء يتموا عهدهم إلى مدتهم، وجماعة ليس لهم عهد، بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء لهم أربعة أشهر، وبعدها يسلمون أو يقاتلون، فهذا هو الذي كانوا ينادون به، وما جاء في أولها، وأنه [(لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)]، فهذا النداء، وهذه البراءة من المشركين، وإعلانها، وإعطاء الناس أربعة أشهر لمن لم يكن له عهد، ومن له عهد يوصل إلى عهده، وإلى غاية عهده، هذا حصل في تلك السنة فقط، ولم يحصل بعد ذلك، لا في السنة العاشرة، ولا بعد ذلك.
ولهذا فإن ما يفعله بعض المخذولين من الرافضة من كونهم يؤذون الحجيج، ويتذرعون بإيذائهم إلى أنهم يبرأون من المشركين، وأنهم يعلنون الشيء الذي أعلنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ليس على منهج الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وأعلن ذلك في السنة التاسعة في حجة الصديق؛ حتى لا يحصل في حجته، في السنة التي يحج فيها وهي العاشرة، بأن يأتي المشركون، ويأتي العراة، وأن الناس قد أعلن لهم أن من كان له عهد بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيتم له عهده ومدته، ومن لم يكن له عهد، فأمامه أربعة أشهر يفكر فيها، ويتأمل، فإن دخل في الإسلام، وإلا يقاتل.
هذا هو الذي كان يعلن في السنة التاسعة، أما فعل هؤلاء، فإنه لا يأتي بشيء إلا بإيذاء الحجاج، ولا يترتب عليه إلا إيذاء المسلمين، وإيذاء الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق، ويأتون من كل جهة، لا يحصل من وراء هذا التصرف الشائن الخبيث إلا الإضرار بالمسلمين الذين يأتون إلى الحج، ويؤدون هذه الشعيرة التي فرضها الله عز وجل، والتي أمرهم الله عز وجل بها، فلا وجه إطلاقاً للتشبث بهذا العمل المؤذي بما جاء في القرآن؛ لأن هذا فيه إيذاء للناس، والذي جاء في القرآن حصل في سنة واحدة، وبعد ذلك بعد أربعة أشهر ما فيه إلا القتال على الدخول في الإسلام.
قوله: [(حتى صحل صوتي)].
يعني: أنه تأثر صوته الذي كان يرفعه، وبح، وضعف، وما كان يستطيع في الآخر ما يستطيعه في الأول؛ لأن في الأول كان يرفع صوته، وبهذا الرفع، وكثرة الرفع ضعف صوته بعد ذلك.
قوله: [(كنا ننادي: أنه لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة)].
يعني: الجنة لا يدخلها إلا المؤمنون، سواءً كان المؤمنون الكاملي الإيمان، أو الذين هم ناقصوا الإيمان، فمن كان مؤمناً ومات على الإيمان، فهو إما أن يدخل الجنة من أول وهلة، وإما أن يعذب في النار على ما عنده من كبائر، وذنوب، ولكنه لا بد، وأن يخرج من النار، ويدخل الجنة، ولا يبقى في النار أبد الآباد إلا الكفار الذين هم أهل النار، فالجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة.
محمد بن بشار، وهو: بندار، وقد مر ذكره.
[حدثنا محمد].
[وعثمان بن عمر].
وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة].
قد مر ذكره.
[عن المغيرة].
هو: المغيرة بن مقسم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والمغيرة هذا هو الذي ذكروا في ترجمته: أنه احتلم وعمره ثلاثة عشر عاماً، يعني أنه بلغ وهو صغير عمره ثلاثة عشر عاماً.
[عن الشعبي].
هو: عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المحرر بن أبي هريرة].
هو: المحرر بن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
[عن أبيه].
هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً على الإطلاق، كما أشرت إلى ذلك آنفاً.
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى عن ابن جريج عن كثير بن كثير عن أبيه عن المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين فرغ من سبعه جاء حاشية المطاف، فصلى ركعتين، وليس بينه وبين الطوافين أحد)].
أورد النسائي: أين يصلي ركعتي الطواف؟، أي: عندما يطوف أين يصليهما؟ يصليهما خلف المقام، وهذا هو المستحب وهذا هو الأولى، وإن صلاهما في أي مكان من المسجد صح ذلك، وساغ ذلك، لكن الأولى، والأفضل أن يكون ذلك خلف المقام، وقد أورد النسائي حديث المطلب بن أبي وداعة.
معناه: أنه ليس أمامه إلا من يطوفون، وهو يصلي، لكن لا يلزم أن يكون ذلك معناه: أنه متصلاً بهم، ولو حصل ذلك، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الطائفين لهم حق الطواف في هذه البقعة، وإذا صلى الإنسان خلف المقام أو في ناحية المقام، وطاف الناس أمامه أو قريبين منه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الضرورة تقتضي هذا؛ ولأن الطائفين لهم حق المرور وحق الطواف في ذلك المكان الذي هو البقعة، وإذا كثر الطائفون فهم أحق من المصلين، ليس لهم أن يصلوا خلف المقام إذا امتلأ الذي بين المقام والكعبة، واحتاجوا إلى أن يطوفوا بعد المقام، فعليهم أي المصلين أن يذهبوا إلى جهات بعيدة، ويصلون.
هو: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى].
هو: يحيى القطان، وقد مر ذكره.
[عن ابن جريج].
هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن كثير بن كثير].
هو: كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن أبيه].
كثير بن المطلب، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[عن المطلب بن أبي وداعة].
صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
أورد النسائي حديث ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى البيت، واستلم الحجر، وطاف به سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين. هنا قال: صلى خلف المقام ركعتين، ثم أتى الحجر، فاستلمه، ثم ذهب وسعى بين الصفا، والمروة، والمقصود قوله: صلى خلف المقام ركعتين.
هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. وبغلان قرية من قرى بلخ.
[حدثنا سفيان].
هو: سفيان بن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو].
هو: عمرو بن دينار المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال عبد الله بن عمر].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد مر ذكره.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب أخبرنا الليث عن ابن الهاد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت سبعاً، رمل منها ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم قام عند المقام فصلى ركعتين، ثم قرأ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، ورفع صوته يسمع الناس، ثم انصرف فاستلم، ثم ذهب فقال: نبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليها، حتى بدا له البيت، فقال ثلاث مرات: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير، فكبر الله وحمده، ثم دعا بما قدر له، ثم نزل ماشياً حتى تصوبت قدماه في بطن المسيل، فسعى حتى صعدت قدماه، ثم مشى حتى أتى المروة فصعد فيها، ثم بدا له البيت فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، قال ذلك ثلاث مرات، ثم ذكر الله وسبحه وحمده، ثم دعا عليها بما شاء الله، فعل هذا حتى فرغ من الطواف)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: القول بعد ركعتي الطواف، القول، أي: الشيء الذي يقال بعد ركعتي الطواف، والمقصود من ذلك: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، يعني: هذه الآية كون النبي صلى الله عليه وسلم تلاها ورفع بها صوته يسمع الناس، هذا هو المقصود بالترجمة، وقد جاء في هذه الرواية: أنه بعد الركعتين، وجاء في بعض الروايات: أنه قبل الركعتين، يعني: عندما أراد أن يصلي واتجه قال: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، فصلى ركعتين، ومعنى هذا أنه تلا هذه الآية، وقام بتنفيذ ما أمر به بقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، وأنه يصلي في ذلك المكان، والمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلاها عندما نفذ هذا الذي أمر به عليه الصلاة والسلام.
وهذا هو تأويل القرآن، تنفيذه كما جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً بعد إذ أنزلت عليه إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1]، إلا قال في ركوعه، وسجوده: سبحانك اللهم بحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن)، معناه: ينفذه، ويطبقه، فهنا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، جاء وصلى في هذا المكان امتثالاً لما جاء في القرآن، ولما أمر به في القرآن صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
أول ما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت، ورمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، وأتى المقام، وصلى خلفه ركعتين، وتلا الآية، ورفع بها صوته يسمع الناس، ثم جاء الحجر واستلمه، ثم ذهب إلى الصفا وبدأ بالصفا وقال: (أبدأ بما بدأ الله به)، أبدأ بما بدأ الله به ذكراً، أبدأ به عملاً؛ لأن الله قدم الصفا على المروة فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ [البقرة:158]، وقد بدأ عليه الصلاة والسلام بالعمل في الطواف بينهما بالصفا، وختم بالمروة، فيبدأ بالصفا بالسعي إلى المروة شوط، ثم من المروة إلى الصفا شوط، وهكذا يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، فبداية الشوط الأول من الصفا، ونهاية الشوط الأخير بالمروة، فهو ليس من الصفا إلى الصفا شوط، بل من الصفا إلى المروة شوط، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر، ورقى النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا حتى رأى البيت فذكر الله عز وجل وقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير)، ثم حمد الله، وكبره، ودعا ما شاء أن يدعو، ثم نزل من الصفا حتى جاء إلى الوادي، وكان فيه وادي مسيل يمشي معه السيل، فأسرع في ذلك المكان، والآن علامة هذا المكان، طلاء أخضر، وإضاءة خضراء، طلاء أخضر في الجدار، وإضاءة خضراء، هذه علامة المكان الذي يسرع فيه، سواءً كان ذاهب إلى المروة أو ذاهب إلى الصفا، يمشي مشياً حتى يأتي في هذا المكان الذي جعل في أطرافه طلاء أخضر، وإضاءة خضراء، فيسرع في هذا المكان، وما عدا ذلك يمشي مشياً، سواءً جهة المروة أو جهة الصفا، وبين هذين العلمين الأخضرين الذي هو بطن المسيل الذي جاء في الحديث يسرع، ثم يفعل على المروة كما فعل على الصفا.
هو: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، هو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن شعيب].
هو: شعيب بن الليث بن سعد، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[أخبرنا الليث].
هو: الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن الهاد].
وهو: يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، مشهور بالنسبة إلى جده الهاد، وهو ثقة مكثر، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر بن محمد].
وهو: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، إمام من أئمة أهل السنة، وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق بهم ولا يرضونها هم لأنفسهم، وطريقة أهل السنة في أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم يجلونهم، ويعظمونهم، ويحبونهم، فإذا كان الشخص من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أقربائه، فيحبونه لصحبته ولقربه من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا كان ليس صحابياً، وهو من المؤمنين المتقين، وهو من أقرباء الرسول عليه الصلاة والسلام، يحبونه لتقواه، ولقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدوة أهل السنة في ذلك، وأسبق الناس إلى تعظيم أهل البيت، ومعرفة قدرهم: أبو بكر، وعمر رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما.
فإن أبا بكر كان يقول: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ أن أصل من قرابتي. وهذا أثر في صحيح البخاري، يعني: يحب أن يصل قرابة رسول الله أعظم من صلته لقرابته، وكذلك الأثر عنه في صحيح البخاري أيضاً: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. أما عمر رضي الله عنه وأرضاه، فإنه كان يقول للعباس: والله لإسلامك يوم أسلمت أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك. فهذا كلام الخليفتين الراشدين: أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما في بيان منزلة آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم ينزلونهم المنازل التي يستحقونها بالعدل، والإنصاف، ولا يتجاوزون الحدود، لا يجفون، ولا يغلون، وأما الرافضة، فقد غلوا في الأئمة الاثني عشر، وجفوا في أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد قال عنه الحافظ: إنه صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
أبوه هو: محمد بن علي الملقب بـالباقر، فهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو: جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام، وبهذا الإسناد روى الإمام مسلم في صحيحه حديث جابر الطويل في حجة الوداع، وهو أطول حديث فيه وصف حجة الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي: حجة الوداع، وقد جاء في هذا الإسناد: جعفر بن محمد عن أبيه، بل إن جابراً رضي الله عنه وأرضاه، وهذا يدل على تعظيم أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم عند أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لما جاءوا إليه، وكانوا عدداً وسألوه أن يحدثهم، فسألهم عن أسمائهم فلان، وفلان، وفلان، وفيهم محمد بن علي، فقربه وجعل يده على صدره، وجعل يحدثهم بالحديث الطويل، وهو قرب هذا الرجل الذي هو محمد؛ لأنه من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل ما تقدم، وفيه: أنه طاف سبعاً رمل ثلاثاً، ومشى أربعاً، وأتى المقام وقال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125])، وصلى سجدتين، والمقصود به: الركعتين؛ لأنه يطلق على الركعة سجدة.
قوله: [(ثم استلم الركن ثم خرج فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، فابدءوا بما بدأ الله به)].
أي: أنهم يبدأون بالصفا ويختمون بالمروة، وهنا الآية قبل الركعتين، والذي مر أنه بعد الركعتين، يفهم منه تقديم القول على الركعتين؛ لأنه قال: ثم قرأ الآية فصلى خلف المقام ركعتين، وهو يحتمل بخلاف ذاك؛ لأن ذاك فيه ثم الدالة على الترتيب والتراخي.
هو: علي بن حجر بن إياس المروزي السعدي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
[حدثنا إسماعيل].
هو: إسماعيل بن جعفر، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر].
وقد مر ذكرهم.
مداخلة: هل للمرأة يا شيخ أن تسعى في بطن المسيل؟
الشيخ: لا، المرأة ما تسعى، بل تمشي على مهل لضعفها، ولما يخشى من ظهور شيء منها بسبب سعيها.
الجواب: لا، ما يجب، فإذا حذرت من بدعة وذكرت البدعة، فهذا هو المطلوب، ولا يلزم أنك تذكر الحسنات، وإنما للإنسان أن يذكر البدعة، ويحذر منها، وأنه لا يغتر بها.
الجواب: يجوز، بل قوله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما)، يدل على فضل واستحباب إكثار العمر وموالاتها، والترداد إلى البيت لا بأس بذلك، كونه يكررها في السنة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر