أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد عن عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه: (أنه تزوج امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أتزوجت يا
يقول النسائي رحمه الله: على ما تنكح المرأة، يعني المقصود من هذه الترجمة ذكر البواعث التي تبعث الرجل على الزواج بالمرأة أو تحمله على الزواج بالمرأة، هذا هو المقصود منها كما جاء الحديث في ذلك الذي أورده النسائي، وهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي جاء في آخره: (أنها تنكح المرأة لمالها، وجمالها، ولدينها)، وحديث جابر هذا مر ذكر أوله في بعض الروايات المتقدمة في نكاح الأبكار، وأورده هنا من أجل ما جاء في آخره من ذكر الأمور التي تبعث وتحمل الناس على الزواج، وهي الدين والمال والجمال، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سأل جابراً: (بكراً أم ثيباً؟ أجابه بأنها ثيب، فقال: هلا بكراً تلاعبك؟)، فأخبر رضي الله عنه أن الذي بعثه على اختيار الثيب والعدول عن البكر هو أن له أخوات وخشي أن تدخل بينه وبينهن، وذلك أن البكر تكون صغيرة ولا يكون عندها من العقل والرزانة مثل ما عند الكبيرة، فقد يكون هناك اختلافٌ بينها وبين أخواتها الصغار اللاتي هي قريبةٌ منهن، فيكون هناك شيءٌ من الأمور التي تنفر، ولا تجعل المودة، والوفاق، أو ما يترتب على ذلك من إلحاق ضرراً بأخواته، فمن أجل ذلك اختار كبيرة أرجح منهن عقلاً وترعاهن وتحسن إليهن وتقوم بما يلزم لهن، فالرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال: (فذاك إذاً) يعني هذا الذي عملته يعني هو المناسب وهو خيرٌ وهو طيب، وأنه مقصد حسن من أجل أنها تكون كبيرة تحسن إلى أخواته ولا تكون صغيرة تكون مثل أخواته في العقل، فيكون بينها وبين أخواته شيء من الوحشة، وفي الحديث بيان ما كان عليه جابر رضي الله عنه من الإحسان والبر بأخواته، إذ آثر مصلحتهن في اختيار زوجةً ثيب تحسن إليهن على مصلحته، في كونه يختار بكراً يكون الاستمتاع بها أحسن ويكون الوئام والاستفادة منها أكثر من الثيب، لكنه آثر مصلحة أخواته على مصلحته رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام بين البواعث التي تبعث على النكاح أو على اختيار النساء فقال: (تنكح المرأة على أربع على مالها، وجمالها، ودينها).
يعني هذه الأمور التي تبعث على الزواج وتبعث على اختيار الزوجة، ولكن المهم في الأمر هو الدين، ولهذا قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك)، (فاظفر بذات الدين)، يعني احرص عليها؛ لأن الدين هو الذي يحرص على صاحبته من تكون ذات دين، وأما الجمال إذا كان مع غير الدين فهو خطير، وكذلك المال إذا كان مع غير الدين فضرره كبير، لكنه إذا وجد الدين فسواء إن ضاف إليه غيره أو بقي وحده فهو خير وبركة، وهذا هو الذي ينبغي أن يحرص عليه ويفرح به، وقوله: [(تربت يداك)]، هذه كلمة اعتادها العرب أنهم يقولونها ولا يريدون معناها من جهة أن معنى: (تربت يداك) أنك افتقرت، أو لصقت بالتراب من الفقر، فهي كلمة جارية على الألسنة ولا يراد معناها، وهي من جنس الكلمات الأخرى التي هي كثكلتك أمك، وعقرى حلقى، وما إلى ذلك من الكلمات التي تذكر ولا يراد معناها.
هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن خالد].
هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الملك].
هو عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
[عن عطاء].
هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وأبو سعيد الخدري، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
أخبرنا عبد الرحمن بن خالد حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا المستلم بن سعيد عن منصور بن زاذان عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار رضي الله عنه أنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إني أصبت امرأةً ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد، أفأتزوجها؟ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا الولود الودود فإني مكاثرٌ بكم)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: كراهة تزويج العقيم؛ لأنه يفوت مع الزواج بالعقيم عدم حصول النسل الذي رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال إنه (مكاثرٌ بهم الأمم)، وأورد النسائي فيها حديث معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه: أنه جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن امرأةً لا تلد وأنه يريد الزواج منها، ويسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، ثم عاد إليه فنهاه، وقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)، أي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى المقصد الذي ينبغي أن يحرص على الزواج من أجله وهو جود النسل الذي يحصل به كثرة الأمة، ويحصل به أيضاً وجود من يحسن إليه عند كبره وعند حاجته إلى غيره، ثم أيضاً ما يحصل له من الأجر والثواب بسببه فيما إذا أحسن إليه في بعد وفاته من الصدقة عنه أو كان يدعو له كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٌ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٌ صالح يدعو له)، وهناك فوائد كثيرة وعظيمة تحصل للإنسان وتحصل لهذه الأمة، تحصل في الأمة أنها تكثر، ويحصل للإنسان فوائد في حياته عند حاجته وشيخوخته وكذلك بعد وفاته كما جاء ذلك مبيناً في الأحاديث عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وقوله: إنها لا تلد. يمكن أن يكون فهم ذلك من كونها لا تحيض، أو أنها متزوجة من قبل. وأنها لم تلد، والحاصل أنه علم عنها أنها لا تلد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوج بها، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بأنه مكاثر بهذه الأمة الأمم يوم القيامة، لكن لا يعني ذلك أنه يحرم أن تتزوج العقيم فالنساء بحاجة إلى الرجال والرجال بحاجة إلى النساء، لكن عند الاختيار يختار الإنسان من تلد ومن يحصل من ورائها أو بالزواج منها كثرة النسل، ويعرف كثرة النسل عن طريق معرفة أقاربها وقريباتها وأنهن من بيت منجب، فإن هذه من العلامات التي يستدل بها على كثرة الإنجاب.
هو عبد الرحمن بن خالد الواسطي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
[عن يزيد بن هارون].
هو يزيد بن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن المستلم بن سعيد].
صدوق ربما وهم، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن منصور بن زاذان].
ثقة، عابد، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وقد ذكر في ترجمته من كثرة عبادته، واجتهاده في العبادة، أن قال بعض أهل العلم عنه: لو قيل لـمنصور بن زاذان: إن ملك الموت بالباب لم يكن بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعله من قبل أن يخبر بهذا الخبر، يعني إشارة إلى كثرة عبادته وملازمته للطاعة وأنه لو حضره الموت أو لو قيل له: إن الموت وصل إليك، لم يكن عنده شيء يزيد فيه على ما كان يفعله، إشارة إلى كثرة عبادته وإلى ملازمته للطاعة رحمة الله عليه.
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن معقل بن يسار].
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا إبراهيم بن محمد التيمي حدثنا يحيى وهو ابن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: (أن
أورد النسائي رحمه الله باب تزويج الزناة، والمقصود من هذه الترجمة أن الزانية لا يتزوج بها وذلك لما هي متلبسةٌ به من الفجور، والوقوع في الفاحشة، والزواج بالزانية يترتب عليه تلويث الفراش واختلاط الأنساب وأن يلحق بالرجل ما ليس منه، فمن يعلم زناها ولم يعلم لها توبة فإنه لا يجوز للإنسان أن يتزوجها، لكن إذا تابت وحسنت توبتها وعرف صلاحها واستقامتها فإن التزويج منها لا بأس به، وإنما المحظور فيما إذا كانت لم يعرف لها توبة أو لم تحصل منها التوبة، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أخبر أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان رجلاً شديداً -يعني قوياً نشيطاً عنده جلد وصبر- وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة ويذهب بهم خفية، وكان في مكة وكان واعد رجلاً ليحمله وجلس في في ضوء القمر في ظل جدار، وكان هناك امرأة بغي يقال لها: عناق ورأت سواده -أي: رأت شخصه- فجاءت إليه، والسواد المقصود به الشخص الذي لا يعرف، وإنما يعرف شخصه ولا تعرف عينه، فلما رأت سواده جاءت إليه وعرفته وكان صديقاً لها -يعني كان يزني بها-، وكان بينه وبينها معرفة، فقالت: مرثد؟ قال: مرثد، قالت: مرحباً وأهلاً اذهب فبت معنا في الرحل -فمعناه تريد أنه يبيت عندها ليزني بها كما اعتادته من قبل-، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الزنا، فلما رأته على هيئةٍ تخالف ما كانت تألف منه من الموافقة على ما تريد منه وامتنع من ذلك، وأخذ بما ذكره من أن النبي عليه الصلاة والسلام جاء بتحريم الزنا غضبت عليه إذ لم يحقق لها ما تريد، ولم يستجب لها فقامت ونادت في الناس: هذا الدلدل الذي يحمل أسراكم، والدلدل قيل: هو القنفذ الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار، فهرب فلحقه ثمانية يبحثون عنه، فصاروا قريبين منه حتى حصل البول من بعضهم فطار عليه ولكن الله تعالى أعماهم عنه فلم يهتدوا إليه، ثم إنه جاء إلى صاحبه الذي كان تواعد معه على أن يحمله وهو أسير مكبل بالحديد فجاء وحمله وسلك طريقاً يقال لها: الخندمة حتى جاء الأراك -يعني شجر- ففك قيده الذي كان قد قيد به أي ذلك الأسير وذهب به إلى المدينة، حتى وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنكح عناقاً؟ يعني هل أتزوجها، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلا عليه الآية ونهاه عن نكاحها، وهذا يدل على أن الزانية لا يجوز التزوج بها؛ لما يحصل على التزوج بالزانيات من المفاسد الكثيرة، ومن أعظمها وأشدها وأسوأها اختلاط الأنساب، وأن يضاف إلى الرجل من ليس منه بسبب الفراش وبسبب كونه زوجاً، لكونها تزني قد تحمل من الزاني فيضاف إلى صاحب الفراش، فالرسول صلى الله عليه وسلم دعاه وتلا عليه الآية، ونهاه عن زواجها، وهذا يدل على تحريم ذلك، وهذا فيما إذا لم تتب، أما إذا تابت فإن الله تعالى يتوب على من تاب ويصح الزواج حينئذ.
إبراهيم بن محمد التيمي وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبيد الله بن الأخنس].
عبيد الله بن الأخنس، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمرو بن شعيب].
هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صدوق، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
هو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، وهو كذلك صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وفي جزء القراءة، وكذلك أصحاب السنن الأربعة.
[عن جده].
هو عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير بن العوام، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين.
وهذا الإسناد الذي هو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف العلماء فيه، وأحسن ما قيل فيه: أنه إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فإنه يكون حديثاً حسناً، فإن حديثه يكون حسناً إذا صح الإسناد إليه، قالوا: والمراد بأبيه عن جده، يعني أن عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده هو عبد الله بن عمرو، ولا يروي عن أبيه محمد الذي هو جد عمرو، وإنما عمرو يروي عن أبيه شعيب، وشعيب يروي عن جده عبد الله بن عمرو، وليس محمداً؛ لأنه لو كانت الرواية عن محمد لكان مرسلاً؛ لأن محمداً لم يدرك الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الرواية هي من شعيب عن عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه صح سماعه من جده عبد الله بن عمرو بن العاص، فيكون الإسناد إذا صح إليه يكون من قبيل الحديث الحسن؛ لأن عمراً صدوق، وشعيباً صدوق.
الشيخ: الآية ذكر في تفسيرها أن الزاني لا يطاوعه على الزنا إلا زانية مثله أو مشركة لا تمانع وترى حل ذلك، وليس عندها دين ووازع يمنعها من ذلك، فقالوا: وأن المقصود بها المطاوعة وأنه لا يحصل منه الوطء وتمكينه من ذلك إلا من مثله أو من مشركة لا تبالي، وكذلك أيضاً من حيث الزواج أن الزاني يرغب بالزانية، ولكن من حيث التزوج المشركة لا يجوز التزوج بها من مسلم مطلقاً، لكن الذي عنده المعصية فهو يرغب في مثله، وكما يقولون: الطيور على أشباهها تقع فالزاني يرغب بالزانية، والذي ذكره ابن كثير وغيره وعزاه إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن معناها أن الذي يتفق بالنسبة للزانية والمشركة هو الرغبة، الزاني لا يطاوعه على زناه إلا مثله من هو عاص أو من كان مشركاً.
أورد النسائي حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن امرأتي لا ترد يد لامس، فقال: طلقها، قال: لا أصبر عنها، قال: استمتع بها)، وأورد النسائي هذا الحديث في باب تزويج الزناة؛ لأن له علاقة به من جهة الاحتمال لا من جهة النص، وقد قالوا في معنى إنها لا ترد يد لامس يعني من يراودها على شيء فإنها توافقه، ومنهم من قال: إن عندها تساهل في الكلام مع الرجال والممازحة معهم فيكون عندها هذه الأمور التي هي محظورة، ولكنها لا تصل إلى حد الفاحشة ولا يحصل منها فعل الفاحشة، وأنه كره منها هذا الشيء، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عنها فقال: [(طلقها)] يعني هذه المرأة التي تكون هكذا مع الرجال أمره بتطليقها، فقال: إنه لا يستطيع الصبر عنها قال: امسكها، فقال العلماء: فلو كانت زانية ما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم للإبقاء على الزانية؛ لأن بقاء الزانية في عصمة الرجل سبب في تلويث فراشه وإضافة نسلٍ إليه ليس منه وهي مفسدة عظيمة ومضرة كبيرة، ولهذا قال بعض أهل العلم: والأولى أن يكون هذا معنى الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرشده على الإبقاء عليها، ولا يرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبقي على زانية تمكن غيره من نفسها، وتلوثه فراشه، وإنما المقصود من ذلك أمورٌ تحصل منها فيها تساهل وعدم احتشام من الرجال، لكن لا يصل إلى حد الزنا والعياذ بالله، وهذا هو الذي يناسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم له إلى أن يستمتع بها وأن يبقي عليها، والعلماء اختلفوا في ثبوت الحديث والنسائي ذكر أنه غير ثابت، وعلى هذا فيكون معناه أنه قد يكون المراد به الزنا، ولكنه غير ثابت فلا يحتج به، ولا عبرة به فلا يدل على أن الزاني أو أن الزانية يتزوجها الإنسان؛ لأن الحديث غير ثابت لكن من أثبت الحديث حمله على ما ذكرت، ومنهم من فسره بتفسيرٍ آخر، وهو لامس يعني مبتغٍ مالاً، قالوا: وهذا لا يستقيم؛ لأن هذا لا يناسب هذا المعنى، بل الذي يناسبه هو ملتمس؛ لأن الذي يطلب المال يلتمس ولا يلمس، ثم أيضاً إعطاء المال وبذل المال -يعني إن كان بغير موافقته-، فيمكنه أن يحفظ ماله عنها وألا يمكنها من ماله ويأخذ احتياطاتٍ أخرى، لكن الموضوع يتعلق بالمس.
والحديث جاء من طرق أخرى غير هذه الطريق التي ضعفها النسائي وقد ذكر ابن كثير في تفسيره طرقاً أخرى من غير هذا الطريق، وهي من رواية عكرمة عن ابن عباس، ولهذا صحح جماعةٌ من أهل العلم هذا الحديث واعتبروه ثابتاً، ولم يضعفوه كما ذكر النسائي، لكن يحمل معناه على ما أشرت إليه مما ذكره بعضهم من أن المقصود من ذلك ما عندها من التساهل وعدم الاحتشام من الرجال وأنها لا تبالي بالكلام مع الرجال والضحك معهم، واللعب معهم، ومغامزتهم وما إلى ذلك، لكن لا يصل إلى حد الفاحشة، ولهذا أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإبقاء عليها.
هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[عن يزيد].
هو ابن هارون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حماد بن سلمة].
هو حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[وغيره].
وغيره، يعني معه غيره.
[عن هارون بن رئاب].
هارون بن رئاب، هو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي.
[عن عبد الله بن عبيد بن عمير].
عبد الله بن عبيد بن عمير، هو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[وعبد الكريم].
عبد الكريم، يعني هذا معطوف على الذي قبله حماد بن سلمة؛ لأنه قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب، يعني يصير عن هارون، وعن عبد الكريم، وعبد الكريم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، معناه أن حماد بن زيد يرويه من طريقين من طريق هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس ولا يذكر ابن عباس يعني مرسلاً، ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن ابن عباس مسنداً موصولاً، وعبد الكريم بن أبي المخارق هذا ضعيف، وقد ذكر الحافظ أنه رمز له في البخاري، ومسلم، وأبو داود في المسائل، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، لكن البخاري ليس له عنده إلا زيادة في حديثٍ واحد في قيام الليل، ومسلم في المقدمة وقال: إن النسائي روى عنه أحاديث قليلة، ثم ذكر النسائي أن حديث هارون أولى بالصواب؛ لأنه ثقة وهذا ليس بالقوي وهو ضعيف، والثقة أرسل ولم يسند، والذي أسند هو الضعيف الذي هو عبد الكريم بن أبي المخارق، لكن كما ذكرت جاء من طرقٍ أخرى موصولاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها طريق عكرمة عن ابن عباس، وقال الحافظ ابن كثير: إن هذا إسنادٍ جيد.
[عن ابن عباس].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس، وهارون لم يرفعه، يعني الرفع هنا ليس المراد الاصطلاحي.
أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تنكح النساء لأربعة: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي باب كراهية تزويج الزناة، وهذا إذا لم يتوبوا وأما إذا تابوا فإن الله تعالى يتوب على من تاب، ومن تاب من الذنب وصدق في توبته فهو كمن لا ذنب له.
وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: [(تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)]، يعني هذا ليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن ينكحوا النساء لهذه الأربع، وإنما هذا إخبار عن البواعث التي تبعث الناس على اختيار النساء، فمنهم من يختار المرأة لمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يختارها لجمالها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم من يبحث عن حسبها ولا يبحث عن شيءٍ آخر، ومنهم يتزوجها لدينها وهذا هو المهم، سواء وجد وحده أو وجد ومعه غيره، فليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينكح الناس النساء من أجل هذه الأمور وإنما هذا إخبار بالبواعث التي تبعث الناس، ولما كانت هذه بواعث الناس أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الذي يحرص عليه والذي يفرح به ويرغب به وهو ذات الدين، وإذا وجد مع الدين أمور أخرى طيبة فذاك خير إلى خير، لكن إذا كانت الرغبة في غير الدين، فقد تكون تلك الأسباب يترتب عليها مضرة من جهة المال، ومن جهة الجمال، ومن جهة الحسب، لكن إذا وجدت هذه الأشياء مع الدين وكان المقصود هو الدين وغير الدين تابع له فهذا حسن.
هو عبيد الله بن سعيد اليشكري السرخسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.
[عن يحيى].
هو القطان، وقد مر ذكره.
[عن عبيد الله].
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سعيد بن أبي سعيد].
هو سعيد بن أبي سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبيه].
هو كيسان أبو سعيد المقبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
وإيراد الحديث النسائي في هذه الترجمة من جهة أنه أرشد إلى الحرص على ذات الدين، والتي تكون زانية هي بخلاف ذات الدين فيكون مرغباً عنها، الذي يبدو أنها للتحريم إذا كان من غير توبة؛ لأنه كما عرفنا يكون فيه تلويث الفراش.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر