أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يزيد حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح قال: عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: نسخت هذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] ].
يقول النسائي رحمه الله: الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت، سبق أن مر أن المتوفى عنها زوجها تعتد وتمكث في بيت زوجها مدة العدة، وقد سبق الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أمر المرأة المتوفى عنها زوجها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، أي: حتى تصل إلى نهاية العدة، ثم أورد النسائي بعد ذلك هذه الترجمة وهي: الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت، يعني: سواء في بيت زوجها أو في غير ذلك، وأن الأمر يرجع إليها، وقد أورد في ذلك أثراً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو أن هذه الآية نسخت اعتداد المرأة في أهلها، وذلك في قوله الله عز وجل: غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] ومقصوده من هذا ما بعد هذه الجملة وهي قول الله عز وجل: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240] يعني: أنهن إن خرجن فلهن ذلك، وبعض أهل العلم قال: إن المقصود من هذا الذي جاء في الآية وهو الترخيص لها في أن تخرج هو ما زاد على أربعة أشهر وعشر؛ لأن الآية جاءت في ذكر الحول وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ [البقرة:240] أي: أنهن يتربصن ويمكثن، أو أنه أوصاهن أن يبقين هذه المدة وأن الأمر يرجع إليهن في الخروج، قال: فمدة الأربعة الأشهر والعشر هذه تمكثها وليس لها الخيار كما جاءت بذلك السنة، وما زاد على ذلك فإن هذا إليها، إذا أرادت أن تخرج فلها ذلك، إن أخذت بالوصية أخذت، وإن لم تأخذ فإن لها أن تخرج وأن تسكن حيث شاءت.
والنسائي رحمه الله أطلق الترجمة، ويفهم منه أن الأمر يرجع إليها مطلقاً في مدة العدة كلها، مدة الأربعة الأشهر، وبعض أهل العلم يقول: إن الأربعة الأشهر والعشر هذه ليس لها الخيار، بل تمكث في بيت زوجها، وما زاد على ذلك إذا خرجت فلا جناح عليها، هذا هو الذي تقتضيه هذه الآية، وهي منسوخة في حق الحول، ولكن بالنسبة للمدة أربعة أشهر وعشر وهي الآية التي قبلها فإنها نسختها، وهي أنها تعتد أربعة أشهر وعشراً ولا تعتد حولاً، ولكن من حيث الوصية في السكنى، فإن الواجب هو سكناها أربعة أشهر وعشر، وما زاد على ذلك إن خرجت فلا جناح عليها.
هو المشهور أبوه بـابن علية، وهو ثقة، أخرج له النسائي وحده.
[ عن يزيد ].
هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ورقاء ].
هو ورقاء بن عمر اليشكري، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي نجيح ].
هو عبد الله، وهو ثقة، ربما دلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
وابن أبي نجيح بالفتح، أي: ضبط القلم فقط، لكن في ترجمته ما ضبط بالحروف.
[ عن عطاء ].
هو ابن أبي رباح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وهم عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهو أحد السبعة المشهورين والمعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سعد بن إسحاق حدثتني زينب بنت كعب حدثتني فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري قالت: ( توفي زوجي بالقدوم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن دارنا شاسعة فأذن لها، ثم دعاها فقال: امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشراً حتى يبلغ الكتاب أجله ) ].
ذكر النسائي هذه الترجمة وهي: عدة المتوفى عنها زوجها من يوم يأتيها الخبر.
مقتضى هذه الترجمة، أنها تبدأ بالعدة من حين مجيء الخبر إليها، لكن ليس في الحديث الذي أورده دلالة على هذا، وإنما العدة تبدأ من حين الوفاة، سواء بلغها الخبر أو ما بلغها الخبر، وإذا بلغها الخبر فإنها تحد المدة الباقية إلى نهاية الأربعة أشهر وعشر أو إلى وضع الحمل، ولو لم يأتها الخبر إلا بعد انتهاء العدة، فإنه لا تعتد شيئاً وراء ذلك، بل لو بلغها الخبر بعد مضي أربعة أشهر وعشر، فإنها قد انقضت عدتها، ولا تبدأ بعدة جديدة من حين وصول الخبر إليها، لأنه ليس هناك شيء يقتضيه، والمقصود من ذلك تربص أربعة أشهر وعشراً بعد الوفاة، وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة:234] فالتربص إنما هو امتناع عن الزواج، وامتناع عن الزينة مدة العدة حتى يبلغ الكتاب أجله، وهو مضي أربعة أشهر وعشر إن كانت غير حامل، ووضع الحمل إن كانت حاملاً، وعلى هذا فليس هناك دليل يدل على أن الحساب بالنسبة للعدة يبدأ من حين بلوغ الخبر، بل العدة تبدأ من الوفاة، وإذا بلغ الخبر من أول الأمر فكل هذه المدة إحداد مع التربص، وإذا لم يبلغ إلا في أثنائها، فإنها تحد فيما بقي، وإذا بلغ الكتاب أجله الذي هو أربعة أشهر وعشر إن كانت غير حامل، فإنها تكون قد انقضت عدتها، وإن كان الخبر لم يبلغها إلا بعد انقضاء العدة ولا يلزمها أن تمكث أربعة أشهر وعشراً أخرى بعد وفاته على اعتبار أنه مضت أربعة أشهر وعشراً وهو ما بلغها الخبر، فليس هناك شيء يدل على هذا، والحديث الذي أورده النسائي هنا لا يدل على هذه الترجمة.
والحديث الذي أورده حديث فريعة أن زوجها توفي بالقدوم وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فكانت تستأذن أن تخرج من بيتها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرها بأن تعتد في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فليس فيه دلالة أنها تعتد من حين بلوغ الخبر، بل العدة تبدأ من الوفاة، بلغ الخبر لها ووصلها في وقت مبكر أو تأخر مدة من العدة أو بعد العدة كلها، فإن العدة هي أربعة أشهر وعشر من حين الوفاة وليست من حين بلوغ الخبر.
هو إسحاق بن منصور الكوسج، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
[ عن عبد الرحمن ].
هو ابن مهدي البصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو ابن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعد بن إسحاق ].
هو سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[ عن زينب بنت كعب ].
هي زينب بنت كعب بن عجرة، وهي مقبولة، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة.
[ عن فريعة بنت مالك ].
صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة.
أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له أنبأنا ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة، قالت زينب : ( دخلت على
[ قالت زينب: ( ثم دخلت على
ثم أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ترك الزينة للحادة المسلمة غير اليهودية والنصرانية، هذه الترجمة المقصود بها هو أن الزوجة المسلمة المتوفى عنها زوجها تبتعد عن الزينة، وهذا هو الإحداد؛ لأن الإحداد هو ترك الزينة مدة العدة، وقال: غير اليهودية والنصرانية، فإنها ليست كالمسلمة وأن لها أن تتزين؛ لأن الحديث جاء فيه ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد سبق أن مر أن الكتابية، أو الذمية يسقط عنها الإحداد، وقد عرفنا فيما مضى أنه ليس هناك دليل يدل على سقوط الإحداد عن الذمية، لأن قوله عليه الصلاة والسلام: تؤمن بالله واليوم الآخر أو تؤمن بالله ورسوله، هذا إشارة إلى أن المسلم هو الذي يبادر وهو الذي ينفذ، لكن لا يعني ذلك، أن غير المسلم لا يخاطب بالأحكام والفروع، فالكفار مخاطبون بفروع الشريعة على القول الصحيح، أي: أنهم مخاطبون بالأصول والفروع، لكن إتيانهم بالفروع مطلوب منهم أن يأتوا قبله بالأصول، وأن يأتوا معه بالأصول، لكن لو فعلوا الأمور التي هي فروع كالصلاة وغيرها فإنها لا تقبل منهم؛ لأنه لا بد أن يسبقها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفائدة كونهم مكلفين بالفروع مع أنهم لا يثابون عليها لو فعلوها -لأنه لا بد أن يسبقها الإسلام- أنهم يعاقبون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فيكون لهم زيادة في العذاب على ترك الفروع مع تركهم للأصول، ولهذا فالكفار يتفاوتون في الشر، وبعضهم أشد من بعض، وأسوأ من بعض، كما أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان، وبعضهم أعلى من بعض درجة، فهؤلاء يتفاوتون في الكفر، ويتفاوتون في الشر، وبعضهم أسفل من بعض وبعضهم أنزل من بعض، والكفر دركات بعضه أحط من بعض وأسوأ من بعض، ولهذا يقول الله عز وجل: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العَذَابِ [النحل:88] ولهذا فالذي هو كافر ولا يؤذي المسلمين أهون وأخف من الكافر الذي يلحق الأذى بالمسلمين، فهذا يعاقب على كفره وعلى إيذائه، وهذا يعاقب على كفره، كما أن الإيمان درجات بعضه أعلى من بعض، والمؤمنون بعضهم أعلى من بعض في الدرجات وفي الإيمان، وفي ثمرات الإيمان وفي نتائجه في الدار الآخرة، والكفار متفاوتون في ذلك في الدنيا والآخرة.
وعلى هذا فهذا الذي ذكره النسائي في هذه الترجمة كالذي ذكره في الترجمة السابقة في سقوط الإحداد، وليس هناك دليل واضح يدل على هذا إلا ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا لا يعني: أن الكتابية لا تحد على زوجها، وإنما ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر لأن المؤمن هو الذي يمتثل، وهو الذي يرجو الثواب ويخشى العقاب، فذكر الإيمان بالله واليوم الآخر يدفعه إلى أن يمتثل ما أمر به وينتهي عما نهي عنه، ولكن لا يعني ذلك أن هذه الأحكام لا تجري على الكفار وعلى الزوجة الذمية التي زوجها مسلم بحيث لا تحد عليه، بل تحد عليه، والكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما ذكرت على القول الراجح من قولي أهل العلم في المسألة، كما أنهم مخاطبون بالأصول، لكن لا تنفعهم الفروع إذا عملوها وهم لم يأتوا بالأصول؛ لأن الله تعالى يقول: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]، فلا بد من فعل الأصول ولا بد من فعل الفروع، ولكن فعل الفروع وحدها لا ينفع عند الله عز وجل؛ لأن من شرط قبول العمل الصالح للكافر أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وأم حبيبة رضي الله عنها لما توفي أبوها دعت بطيب وطيبت جارية ومست على عارضيها، يعني: جانبي خدها، وقالت: إنها ليس لها بالطيب من حاجة، يعني: ما قصدها أن تتطيب، ولكن تريد أن تنفذ أو تريد ألا تمسك عن الطيب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ).
ثم كما ذكرت ذكر الثلاث لا يعني أن الإحداد ثلاثة أيام أمر مطلوب وأنه لا بد منه، بل هذا بيان للغاية التي لا يجوز تجاوزها، ولو وجد الإحداد قبل ذلك ما هناك شيء يمنع منه، وإنما هو بيان للغاية التي لا يجوز تجاوزها، ولهذا قال: لا يحد فوق ثلاث، أي: أن الثلاث ليست متعينة، ولكن المتعين عدم تجاوزها، فهي أرادت أن تبين أنها لا تفعل كما تفعل الحادة التي توفي عنها زوجها، بل تتطيب.
ثم التطيب بعد ثلاث في حق التي مات عنها ميت غير الزوج، ليس مأموراً به أنها تتطيب بعد الثلاث، ولكن المقصود منها أنها لا تقصد الإحداد هذه المدة؛ لأن الطيب قد لا يكون موجوداً عندها بعد ثلاث، فليست مكلفة بأن تبحث عن طيب وتتطيب بعد ثلاث، ولكن المقصود منها أنها تعزم وتنوي أنها لا تزيد على هذه المدة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الإحداد على غير الزوج.
قوله: [ قالت زينب: ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها ].
هذا هو الحديث الثاني من الأحاديث الثلاثة؛ لأنه في أول الحديث قال حميد: حدثتني بالأحاديث الثلاثة، ثم بعدها بالأول فقال: قالت زينب، ثم قال: وقالت زينب، ثم بعد ذلك قال: وقالت زينب، فهي ثلاثة أحاديث إسنادها واحد، أحدها يتعلق بـأم حبيبة، والثاني يتعلق بـزينب بنت جحش، والثالث يتعلق بـأم سلمة.
وهو مثل الذي قبله، فالأول عمل أم حبيبة وهذا عمل زينب بنت جحش وهما من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن وحديث زينب بنت جحش أخرجه أصحاب الكتب الستة.
هو المرادي المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[ والحارث بن مسكين ].
ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[ عن ابن القاسم ].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن أبي بكر ].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حميد بن نافع ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن زينب ].
هي زينب بنت أم سلمة وهي صحابية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم حبيبة ].
هي رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي الحديث الثالث من الأحاديث الثلاثة وهو حديث أم سلمة وهو يتعلق بقصة المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: إن ابنتها اشتكت عينها وأنها تريد أن تكحلها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا؛ لأن الكحل جمال وزينة يعني: في العينين، وقال: إنما هي أربعة أشهر وعشر، يعني: المدة التي أوجبها الله عز وجل مدة قليلة بالنسبة إلى الذي كان موجوداً في الجاهلية وأن الواحدة من النساء كانت إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً، وهو البيت الصغير الضيق ولم تمس طيباً ولا شيء فيه زينة، وبقيت حولاً كاملاً، أي: في ذلك المكان فتكون منتنة، وبعد ذلك تؤتى بشيء تفتض به يعني: تمسح به جسدها، وما حصل مما علق بجسدها في هذه المدة الطويلة في ذلك المكان الضيق مع بعدها عن التزين والنظافة، فقلما تفتض بشيء يعني: تتمسح به، وتدلك به نفسها إلا مات من خبث الرائحة المنتنة التي في جسدها لمكثها هذه المدة الطويلة.
وقوله: [طير أو حمار أو دابة ] يعني: أنها تؤتى بشيء صغير تدلك به جسدها يعني: من هذه الدواب وقلما يسلم ذلك الذي تمسح به من شدة نتن رائحتها لانحباسها هذه المدة الطويلة، ثم تؤتى ببعرة فترمي بها، إشارة إلى أنها انتهت من هذه المدة التي هي مدة حول كامل، وأن ذلك في حق الزوج، وهو سهل عليها كسهولة رميها بهذه البعرة، هذه السنة الكاملة التي انحبست فيها بنتنها وبعدها عن الطيب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين أن الأمر هين بالنسبة لما جاء به الإسلام لما كان موجوداً في الجاهلية من هذه الصفات الذميمة وهذه الهيئات الكريهة والقبيحة.
ثم ذكر بعد ذلك عن الإمام مالك تفسير: تفتض أي: تمسح جسدها يعني: بذلك الحيوان، وأن الحفش هو: الخص وهو كله يراد به البيت الضيق الصغير.
وهذا هو الحديث الثالث من الأحاديث التي روتها زينب بنت أم سلمة أو بنت أبي سلمة رضي الله عنها وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية وهي صحابية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أخبرنا حسين بن محمد حدثنا خالد حدثنا هشام عن حفصة عن أم عطية أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمتشط، ولا تمس طيباً إلا عند طهرها حين تطهر نبذاً من قسط وأظفار ) ].
أورد النسائي ما تجتنبه الحادة من الثياب المصبغة، يعني: أنها لا تستعمل الثياب المصبغة التي هي من ثياب الجمال، وقد أورد النسائي حديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ( لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ولا ثوب عصب ) ].
قوله: [( ولا تلبس ثوباً مصبوغاً )] هذا هو محل الشاهد في الترجمة، لأن الثوب المصبوغ من ثياب الزينة.
قوله: [( ولا ثوب عصب ) ] أي: ولا ثوب عصب وهي برد يمنية.
قوله: [ ( ولا تكتحل ولا تمتشط ) ]؛ لأن هذا زينة، وكذلك لا تمتشط.
قوله: [ ( ولا تمس طيباً إلا عند طهرها حين تطهر نبذاً من قسط وأظفار ) يعني: لا تتطيب إلا عندما تطهر من حيضها، وتأتي إلى الاغتسال من الحيض، فإنها تستعمل هذا النوع الذي هو قسط وأظفار، وهو: شيء يذهب الرائحة الكريهة، وإن لم يكن من الطيب الذي يتطيب به.
هو حسين بن محمد البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
[ عن خالد ].
هو خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن هشام ].
هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حفصة ].
هي حفصة بنت سيرين، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم عطية ].
هي نسيبة بنت الحارث، صحابية مشهورة بكنيتها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
أورد النسائي حديث أم سلمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا تختضب، ولا تكتحل ) تحت ترجمة: ما تجتنبه الحادة من الثياب المصبغة، والممشقة كما في الحاشية: اسم مفعول من التفعيل، المصبوغ بطين أحمر يسمى مشقى بكسر الميم، وهو نوع من أنواع الصبغ.
قوله: [(ولا تلبس المعصفر من الثياب)] الذي صبغ بالعصفر.
قوله: [(ولا تختضب)] أي: ولا تختضب بالحنا، (ولا تكتحل) لأن هذا كله من الزينة.
السيوطي يقول: الممشقة: المصبوغة بالمشق، وهو بالكسر المغرة. المغرة مثل المسك، وتحتاج إلى تفسير.
مر ذكره.
[ عن يحيى بن أبي بكير ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن إبراهيم بن طهمان ].
ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن بديل ].
هو بديل بن ميسرة العقيلي وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[ عن الحسن بن مسلم ].
هو الحسن بن مسلم بن يناق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.
[ عن صفية بنت شيبة ].
أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
[ عن أم سلمة ].
وقد مر ذكرها.
أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا عاصم عن حفصة عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ) ].
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: باب الخضاب للحادة، يعني: أنه لا يجوز، والخضاب هو: استعمال الحناء؛ لأنه نوع من الزينة، وهو من جمال وزينة النساء، فتجتنبه المرأة الحادة ولا تفعله، وقد أورد النسائي حديث أم عطية رضي الله عنها الذي يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج، ولا تكتحل، ولا تختضب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً) ].
قوله: (ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوباً مصبوغاً) يعني: كل هذه الأمور هي من الزينة وتجتنبها الحادة.
هو محمد بن منصور المكي الجواز، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
[ عن سفيان ].
هو ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عاصم ].
هو عاصم بن سليمان الأحول، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حفصة ].
هي حفصة بنت سيرين وقد مر ذكرها.
[ عن أم عطية ].
وقد مر ذكرها.
أخبرنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه سمعت المغيرة بن الضحاك يقول: ( حدثتني
أورد النسائي هذه الترجمة وهي: الرخصة للحادة أن تمتشط بالسدر، ومقصود النسائي من هذه الترجمة أن الحادة مرخص لها أن تمتشط بالسدر وعمدته في ذلك هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي فيه: عن أم حكيم عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها فتكتحل الجلاء، وهو: الإثمد، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة تسألها عن ذلك فقالت: لا تكتحل إلا لأمر لا بد منه، ثم أخبرت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه دخل عليها وهي حادة على أبي سلمة، وقد جعلت في عينها صبراً، فسألها فقالت: إنه لا طيب فيه، فقال: إنه يشب الوجه.
قوله: [ ( فلا تجعليه إلا بالليل ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب ) ] يعني: وهو من الجمال، ( قالت: بأي شيء أمتشط؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك ) والحديث كما هو معلوم فيه أمور مخالفة لما سبق، من أن المرأة لا تكتحل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل قال: ( إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن تمكث حولاً كاملاً ) وهذا فيه ما يخالف ما تقدم، والإسناد فيه من هو مجهول الحال وليس بثابت، فلا يعارض ما تقدم.
هو أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[ عن ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مخرمة ].
هو مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج المصري، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
[ عن أبيه ].
هو بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المغيرة بن الضحاك ].
مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[ عن أم حكيم ].
لا يعرف حالها، وحديثها أخرجه أبو داود، والنسائي.
[ عن أمها ].
قال الحافظ ابن حجر: إنه لا يعرف اسمها، وحديثها أخرجه أبو داود، والنسائي، ففيه مجهول، وفيه مقبول، يعني: يحتاج إلى متابعة، فهو غير ثابت، والثابت ما تقدم من أنها لا تقرب الكحل ولا تكتحل.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر