أخبرنا أحمد بن عبد الواحد حدثنا مروان وهو ابن محمد حدثنا خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه أنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام)].
يقول النسائي رحمه الله: كتاب الخيل، المقصود من الترجمة ذكر الأحاديث التي وردت مشتملة على بيان أحكام الخيل، وفي بعض النسخ: كتاب الخيل والسبق والرمي، وهذان لهما صلة بالخيل من جهة أن الخيل يكون فيها الاستعداد للجهاد في سبيل الله، والسبق والرمي أيضاً فيه تمرن واستعداد لمعرفة القتال في مثل هذه الآلات والوسائل.
وذكر الخيل أو كتاب الخيل في هذا الموضع بعد كتاب الطلاق، وقبل كتاب الإحباس -الوقف- ليس له مناسبة، والمناسبة التامة أن يكون كتاب الخيل والسبق والرمي بعد كتاب الجهاد؛ لأنه هو الألصق به؛ ولأنه متعلق به، وهو كذلك موجود في السنن الكبرى على هذا الترتيب؛ بحيث أورد كتاب الخيل بعد كتاب الجهاد، وهذا هو الأليق الأنسب، والكتابان بعضها متصل ببعض، مثل اتصال كتاب الطلاق بكتاب النكاح، وهما يتعلقان بأحكام النساء، والجهاد والخيل مرتبط بعضهما ببعض، ومتصل بعضهما ببعض، فالترتيب الذي في السنن الكبرى، وهو كون كتاب الخيل يأتي عقب كتاب الجهاد مباشرة، هو الأليق والأنسب.
ثم أورد النسائي حديث [سلمة بن نفيل الكندي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رجل: يا رسول الله! أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال)].
فقوله: [(أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح)]، قيل: معناه أنهم امتهنوها واستسهلوا في شأنها، فأهانوها، ولم يحترموها ويوقروها، ولم يعنوا بها العناية التامة، بل إنهم تركوها وأرسلوها، فلم يربطوها ويعدوها للجهاد في سبيل الله عز وجل.
[وضعت الحرب أوزارها]، أي: انتهت الحرب، ولم يكن هناك جهاد، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كذبوا)، أي: لم ينته الجهاد، ولم تضع الحرب أوزارها، بل الآن جاء القتال؛ لأن المقصود من ذلك أنه في أول الأمر كان القتال في نفس البلاد التي هي حول المدينة، ومن ذلك فتح مكة، ثم إن الناس بعد ذلك هم بحاجة إلى أن يخرجوا من ديارهم، وأن يتجهوا إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الله عز وجل، ويدخلوهم في هذا الدين الحنيف، ويخرجوهُم بإذن ربهم من الظلمات إلى النور، فالجهاد باق ولا ينقطع ولا ينتهي، فقولهم: إن الحرب قد قد وضعت أوزارها، وأنه لا جهاد، هذا كذب وليس بصحيح، بل الآن جاء القتال؛ لأن المسلمين عندما حصلت لهم القوة والتمكن والغلبة في بلاد العرب، فإنهم ينتقلون إلى بلاد أخرى، ويقاتلون الكفار، ويخرجون الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.
ومن المعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ذهبوا إلى بلاد فارس والروم، وقضوا على الدولتين العظميين في ذلك الزمان؛ دولة فارس ودولة الروم، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن كنوز كسرى وقيصر ستنفق في سبيل الله، وقد أنفقت في سبيل الله على يد الفاروق، الخليفة الراشد الثاني من الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، حيث جاءت الكنور، وأتي بالذهب والفضة إلى هذه المدينة، وقسمه عمر رضي الله عنه وصرفه في مصالح المسلمين كما أمر الله عز وجل، وكما جاء في سنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق)]، أي: لا يزال في هذه الأمة من يقاتل على الحق، ومن يعنى بنشر هذا الدين، ويحرص على نشره، ولا ينقطع ذلك ولا ينتهي حتى يأتي أمر الله، أي: عند قرب قيام الساعة، وعند نهاية الدنيا، إلى الوقت الذي تخرج فيه الريح اللينة التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ولا يبقى بعد ذلك إلا شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة، فلا يزال أمر الله ماضياً، ولا يزال الحق له من ينصره ويؤيده، ولا تخلو الأرض من قائم لله بحجته، فلا يحصل في وقت من الأوقات أن تخلو الأرض من الحق وأهله بحيث يسود الباطل، ولا يبقى للحق وجود، ولا يبقى له نفوذ.. لا يكون هذا، ولكن الأمر يختلف في بعض الأوقات من حال إلى حال، فقد يضعف في بعض الأحوال، وقد يقوى في بعض الأحوال، والغالب أن كل زمان دون الذي قبله، وقد يأتي زمان يكون أشد وأعظم نفعاً من الذي قبله.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، ليس على إطلاقه، بل قد يأتي أعوام أحسن وأفضل من التي قبلها، بمعنى أن بعض الناس يرى أن في هذا خللاً، وأن هذا لم يحصل استمرار ذلك، ثم يتكلم في الحديث أو يقدح فيه، وهو في صحيح البخاري؛ لأن العلماء من قديم الزمان فسروه وفهموه، وقالوا: هو من العام المخصوص، وليس من العام الباقي على عمومه، وأنه ما من عام إلا وهو أسوأ من الذي قبله، ولا يكون خلاف ذلك أبداً؛ لأن ابن حبان رحمه الله قال: وما جاء في هذا الحديث مخصوص في بعض الأحوال، ومن ذلك ما جاء في أحاديث المهدي، وأنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ونقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فالزمان الذي ملئت فيه الأرض عدلاً، هو أحسن من الذي قبله، الذي ملئت فيه الأرض جوراً، ومعنى هذا أن قوله: (لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه)، المقصود به أن هذا في غالب الأحوال وأكثرها، وقد يكون في بعض الأحوال الأمر بخلاف ذلك.
وهنا قال: [(حتى يأتي أمر الله)]، وأمر الله المقصود به واحد الأمور، وليس واحد الأوامر؛ لأن الأمر قد يأتي ويراد به واحد الأوامر، مثل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، فهذا المقصود الأوامر التي هي ضد النواهي، وقد يأتي الأمر ويراد به الشأن والحال، ومنه: (حتى يأتي أمر الله)، يعني: حتى يأتي الشيء الذي أراده الله وقدره، من أنه تخرج ريح لينة روح تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم لا يبقى إلا شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.
أي: من أجل جهادهم، وكونه يحصل لهم الزيغ فيحصل جهادهم، ويحصل لهم الأجر بجهادهم، ويحصل لهم الغنيمة المعجلة في الدنيا، وهي رزق الله عز وجل لهم من هؤلاء الذين يقاتلونهم من أجل إدخالهم في هذا الدين، فهذا مصدر رزق عظيم، وهو رزق المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث جاء في الحديث: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، أي: أنه من الغنائم ومن الفيء الذي يفيء الله على المسلمين، وهذا في الجهاد في سبيل الله، قال: (وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وهو حديث عظيم رواه الإمام أحمد في المسند، وشرحه الحافظ ابن رجب في جزء لطيف، وهو من أجزائه الحديثية اللطيفة التي تشتمل على حكم وآثار كثيرة عن السلف، وهو المعنون: الحكم الجديرة بالإشاعة في شرح حديث: (بعثت بين يدي الساعة)، وبالمناسبة فالأجزاء الحديثية لـابن رجب هي أجزاء مفيدة ونفيسة، وتشتمل على الآثار والحكم، وعلى الكلمات الجميلة التي تؤثر عن سلف هذه الأمة في مختلف الموضوعات.
قوله: [(ويرزقهم منهم)]، أي: بالجهاد، فالغنائم يغنمونها حيث يقاتلونهم ويعملون على إخراجهم من الظلمات إلى النور، فيدخل من يدخل في الإسلام، ويدفع الجزية من يدفع الجزية، ويغنمون ما يغنمون من الكفار، وذلك هو خير مصادر الرزق.
وهذا محل الشاهد من إيراد الحديث في كتاب الخيل، قال: (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وهذا يدل على عظم شأن الخيل وأهميتها، وأن الخير معقود في نواصيها، وأنه لا ينتهي الأمر باستغناء الناس عنها في وقت من الأوقات، فقد يأتي الوقت الذي يحتاجون فيه إلى الخيل، بل قد جاء في الأحاديث ما يدل على استعمال الخيل والجهاد عليها في سبيل الله في آخر الزمان، فقوله صلى الله عليه وسلم: (معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، معناه أنها لا تنتهي الحاجة إليها، ولا ينتهي الانتفاع بها، ولا ينتهي كونها وسيلة من وسائل الجهاد في سبيل الله؛ فإن الأمر وإن حصل في هذا الزمان من وجود الوسائل الحديثة، فلا يعني ذلك أن الخيل والحاجة إليها قد انتهت، وأنه لا اعتبار لها في المستقبل؛ لأن بعض المغرورين عندما يسمع بعض الأحاديث التي تتعلق بهذه الوسائل التي كانت موجودة بعد زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده بفترة طويلة، ووجود الأمور التي تغيرت، والصناعات الحديثة، هذا يجعل بعض الناس يقدم على بعض النصوص فيقدح فيها ويقول: إنها موضوعة، وإنها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنها في صحيح البخاري وصحيح مسلم، مثلما جاء عن محمد فريد وجدي صاحب دائرة معارف القرن العشرين، عندما ذكر أحاديث الدجال، وجاء ذكر الدجال، مع أن الدجال أحاديثه متواترة، بل شرع الدعاء في الصلاة بالاستعاذة من فتنة المسيح الدجال، ثم يأتي مثل هذا الشخص ويتكلم ويقول: إن الأحاديث عند الدجال كلها موضوعة وملفقة، وهي غير صحيحة، ثم يأتي إلى حديث قصة يأجوج ومأجوج، وأنهم (يرمون بنبلهم، ويقولون: قضينا على من في الأرض فلنقض على من في السماء، فيرسلون نبلهم إلى السماء فترجع إليهم مخضوبة دماً)، فيقول: إن الذي وضع هذا الحديث لم يدر أنه لن يمض كذا إلا ويحصل كذا، وأنه لا يمضي كذا إلا وحصل من الطائرات والقنابل والأشياء كذا وكذا.. إلى آخره، قال: فهذا يدل على وضع الحديث، وأن الذي وضعه قاصر نظر..، والحديث في صحيح مسلم ! لكن وجدي ما يدري أن هذه الوسائل يمكن أن يأتي عليها وقت من الأوقات تتوقف، ولا تحصل الفائدة منها، وهذه الوسائل الحديثة من الطائرات والسيارات لو انقطع النفط لبقيت في الأرض ركاماً من الحديد البارد، لا يستفاد منها بشيء، وما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، من الأحاديث يجب تصديقه، وأن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم حق وصدق، وأنه لا يغتر بكلام الذين يحكمون عقولهم، ويقدمون على الأحاديث فيقدحون فيها -وهي صحيحة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بمجرد أنهم فهموا فهماً خاطئاً، وتصوروا تصوراً خاطئاً، وحكموا على أن المستقبل لابد وأن يكون دائماً على ما عقلوه وشاهدوه، فقد يتغير الحال ويرجع الناس إلى تلك الوسائل، بل قد جاء ما يدل على استخدامهم لتلك الوسائل، وهو كونهم يغزون على الخيل في سبيل الله عز وجل في آخر الزمان.
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، يعني: معناه إلى نهاية الدنيا، والخير فسر بأنه الأجر والمغنم كما جاء في بعض الأحاديث التي ستأتي، والأجر هو: أجر من يجاهد عليها في سبيل الله، وكذلك الغنيمة التي يحصلونها، وهي أحسن الرزق وأجمله وأفضله، والتي هي رزق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضاً ما يحصل للمسلمين من العزة والقوة والغلبة على أعدائهم، ففيه دحر الأعداء وظهور المسلمين، وفيه حصول الأجر للمجاهدين، وفيه حصول الغنيمة التي يغنمونها في الجهاد في سبيل الله.
فقوله عليه الصلاة والسلام: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) يدل على أن نفعها لا ينقطع ولا ينتهي، وأنه لا يكون زمن تنتهي فيه الحاجة إليها، فالأحاديث جاءت بأنها ستستخدم، وأنها سيجاهد عليها في سبيل الله، وهذا الحديث يدل على استمرار ذلك إلى يوم القيامة.
وقوله: [(والخيل معقود في نواصيها)]، ليس هذا تخصيص لها، فالناصية هي مقدمتها، وهي التي جاء فيها أحاديث تخصها، وأيضاً عندما يذكر الشيء من أنه يؤخذ بناصيته، فيؤخذ بناصيتها عندما تقاد، وكذلك عندما يمسح عليها كما سيأتي فيما يتعلق بنواصيها، أنه يمسح عليها ويفتلها، يعني: يحركها بأصابعه كهيئة الفاتل، فيمكن والله أعلم أن المقصود به ليس هو الخصوص، وإنما المقصود الخيل كلها فيها الخير، ولكن ذكرت النواصي لأنها هي المقدمة، ولهذا عندما يؤخذ بشيء قال: يؤخذ بناصيته: فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ [الرحمن:41].
قوله: [(وهو يوحي إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفناداً)].
وهو عليه الصلاة والسلام يوحى إليه أنه مقبوض: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وهو لم يعمر، والخلد ليس لأحد، ولو كان الخلد لأحد لكان أولى الناس به رسول الله عليه الصلاة والسلام، والله تعالى يقول: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء:34]، بل لابد من الموت، وكل حي من المخلوقين سيموت، ولابد للناس أن يموتوا، طالت أعمارهم أو قصرت، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق، يموت الموتة التي هي: الانتقال من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة وإلى البرزخ، ولكنه يكون في قبره حياً حياة برزخية أكمل من حياة الشهداء، لكنها تختلف عن الحياة التي كان عليها في الدنيا؛ لأن حياة الآخرة غير حياة الدنيا، والنعيم والعذاب الذي يكون في القبر، يختلف عن النعيم والعذاب الذي يكون في الدنيا، فالعذاب الذي يكون في الدنيا يكون مشاهداً ومحسوساً، والعذاب الذي يكون في القبر والنعيم الذي يكون في القبر يحصل وإن لم يشاهد الناس ذلك، بحيث لو فتحوا القبر لا يجدون فيه جنة ولا ناراً، مع أن الجنة والنار موجودة، ولكنها أمور مغيبة، فهو عليه الصلاة والسلام مقبوض غير ملبث، أي: غير خالد، وغير باق، وغير لابث في الدنيا إلى نهايتها، وإنما له أجل ينتهي إليه، وقد انتهى أجله بعد أن كان عمره ثلاثاً وستين سنة صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
ومثله أبو بكر رضي الله عنه، توفي وعمره ثلاث وستون سنة، وعمر رضي الله عنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة، وعلي رضي الله عنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون الثلاثة عمر كل واحد منهم ثلاث وستون سنة، أما عثمان رضي الله عنه فعمره زاد على الثمانين، ولهذا بعض الكتاب يقدحون في خلافته، ويتكلمون في خلافته في القرن الرابع عشر، ويقولون: أدركته الشيخوخة، فكانت خلافته فيها ما فيها، وهذا كما قال بعض أهل العلم: قائل ذلك لا يضر إلا نفسه، أي: القدح في أحد من الصحابة لا يضر الصحابة شيئاً، وإنما يضر القادح نفسه، حيث يتكلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يليق وبما لا ينبغي، فخلافته خلافة نبوة، وهو على هدى وعلى صراط مستقيم، وهو أحد الخلفاء الراشدين الهادين المهديين الذين أمرنا باتباعهم، والسير على منوالهم في قوله عليه الصلاة والسلام: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة).
قوله: [(وأنتم تتبعوني أفناداً)]، أي: جماعات يتبع بعضهم بعضاً، ويحصل أن بعضهم يضرب رقاب بعض، ويحصل أن بعضهم يقتل بعضاً.
وقوله: [(وعقر دار المؤمنين الشام)]، أي: أصل دار المؤمنين، فالعقر هو الأصل، والمقصود من ذلك أن الشام في وقت الفتن وفي آخر الزمان هي التي يكون فيها الحشر الدنيوي، حيث يذهبون إلى الشام ويجتمعون هناك، فهذا من الأحاديث الدالة على فضلها، أي: فضل الشام، وستكون في آخر الزمان هي الموئل الذي يفد إليه المسلمون، ويحشرون إليه.
أحمد بن عبد الواحد صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن مروان].
وهو مروان بن محمد الدمشقي، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري].
خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه.
[عن إبراهيم بن أبي عبلة].
إبراهيم بن أبي عبلة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي.
[عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي].
الوليد بن عبد الرحمن الجرشي هو ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن جبير بن نفير].
جبير بن نفير ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
[عن سلمة بن نفيل الكندي].
سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه النسائي وحده.
ثم أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث، ثم ذكر أنها ثلاثة أقسام، أي: ثلاثة أصناف، وأصحابها أيضاً ثلاثة أصناف، هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، يعني: أحد تكون له أجراً، وأحد تكون له ستراً، وأحد تكون عليه وزراً، ثم ذكر بعض ما يتعلق بذلك، وهو الصنف الأول الذي تكون له أجراً، فقال: (فأما الذي هي له أجر فالذي يحتبسها في سبيل الله فيتخذها له)، أي: يوقفها؛ لأن الحبس هو التوقيف، يحتبسها معناه: يوقفها للجهاد في سبيل الله، ومنه ما جاء في حديث قصة ابن جميل وخالد، قال: (إنكم تظلمون
قوله: [(ولا تغيب في بطونها شيئاً)]، يعني: لا تأكل ولا تدخل في بطونها شيئاً، سواء كان مرعى أو ماء، سواء كان مأكولاً أو مشروباً، إلا كان له بذلك الذي غيبته في بطونها أجر على ذلك، (ولو عرضت له مرج)، المرج هي الروضة أو الأرض الواسعة التي فيها نبات، أي: فأكلت منها، فإنه يكون فيما أكلته يكون له فيه أجر.
ثم قال: وساق الحديث، فلم يسقه بتمامه، لكن الحديث الذي بعده عن أبي هريرة في الطريق الثانية هي التي ساق فيها ألفاظه بتمامها، فأورد تفصيل ما يتعلق بالقسم الأول الذي تكون له أجراً، والقسم الثاني الذي تكون له ستراً، والقسم الثالث الذي تكون عليه وزراً.
عمرو بن يحيى بن الحارث هو الحمصي، ثقة، أخرج له النسائي.
[عن محبوب بن موسى].
محبوب بن موسى صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
أبو إسحاق الفزاري هو إبراهيم بن محمد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهيل بن أبي صالح].
سهيل بن أبي صالح حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، والبخاري روى له تعليقاً ومقروناً، أي: أنه لم يورد له استقلالاً، ولكنه جاء مقروناً، ذكروه ضمن رجال البخاري، فرمز له المزي ومن تبعه بأنه من رجال الجماعة، والبخاري إنما خرج له مقروناً، وهذا يدلنا على أن المزي ومن تبعه عندما يكون الإنسان جاء في الأصول وفي الأسانيد، ولو لم يكن مستقلاً ومنفرداً بالرواية، وإنما جاء مقروناً مع غيره، فإنه يعتبر من رجال الجماعة، ولهذا قال الحافظ في التقريب: روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، ورمز لكونه من رجال الجماعة، أي: لم يرمز له بالتعليق فقط؛ لأنه وجد كونه من رجال الأصول، ولكن ليس على سبيل الاستقلال، بل على سبيل كونه مقروناً مع غيره في الإسناد، يعني: حدثنا فلان وفلان، أخبرنا فلان وفلان.
[عن أبيه].
وهو أبو صالح، واسمه ذكوان، ولقبه السمان، ويقال: الزيات، نسبة إلى بيع السمن وإلى بيع الزيت، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنه وعن الصحابة أجمعين.
قوله: [(فأطال لها في مرج أو روضة)].
وأطال لها أي: ربطها وأطال الرباط بحيث وضع وتداً ثابتاً في الأرض، أو في شجرة غليظة بحيث يربط فيها طرف الخيط أو طرف الحبل، والطرف الآخر يكون في يد الفرس، فتستدير حول هذه المنطقة وترعى، ولا تذهب على رأسها أو تنفلت، ولكنه يطيل حتى يكون عندها مجال واسع، بحيث تأكل من هذه الأرض التي حولها، فما حصل لها في ذلك التحرك في ضمن هذه الدائرة المحدودة التي هي في حدود الحبل الذي جعله طويلاً حتى يكون لها مجال، إلا كان له حسنات، يعني: ما تأكله وما تتحركه، كل ذلك يكون له حسنات.
(فأطال لها في مرج أو روضة)، الروضة هي: الأرض التي فيها خضرة، والمرج هو الأرض الواسعة التي فيها خضرة وفيها نبات، فمعناهما واحد، يعني: إما كذا أو كذا، فالمرج هو الروضة، والروضة هي المرج.
قوله: [(فما أصابت في طيلها ذلك في المرج أو الروضة كان له حسنات)].
أي: حدود هذا الحبل الذي تستدير فيه في هذه الدائرة، كل ما تصيبه في ذلك يكون له حسنات.
(ولو أنها قطعت طيلها)، يعني: هذا الحبل لو قطعته ثم أسرعت وجرت شرفاً أو شرفين فيما إذا انطلقت؛ لأن المربوط إذا أطلق يجري ويسرع، ولهذا يقولون عن البعير إذا أرادوه أن يتحرك، خاصة إذا كان فيه هزال مثلاً، يشدون عليه في العقال ثم يطلقونه، وإذا انطلق يكون ذلك أدعى إلى كونه يقوم، ولهذا يقولون: كأنما نشط من عقال، يعني: مثل يضرب على الإنسان يصير عنده نشاط، فيكون مثل ذلك البعير الذي تربط يده بالعقال ثم تحل، فإنه عندما تحل يسرع ويحاول أن يقوم، وكذلك الذي هو مربوط في دائرة إذا انقطع رباطه، فإنه يجري، فما يحصل منه لو انقطع رباطه.
(واستن شرفاً أو شرفين)، استن: أسرع وجرى، (شرفاً أو شرفين)، يعني: إما مكان عال؛ لأن الشرف هو المكان العالي، أو جرى على أي حالة كانت، فإن الله يكتب آثاره، أي: خطواته التي يخطوها، وفي بعض الروايات: وأرواثه، كل ذلك يكتب له حسنات.
قوله: [(ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن تسقى، كان ذلك حسنات فهي له أجر)].
ولو أنه مر بنهر يريد أن يجتاز، ولكنها أرادت الماء فانعطفت على الماء، وهو ما كان في نيته أنه يسقيها، ولكنها هي نفسها أرادت الماء فشربت، فله أجر بذلك، وإذا كان هذا في الشيء الذي ما قصده، فمن باب أولى أن الشيء الذي قصده يكون له فيه أجر، ولا يعارض الحديث العام الذي يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، وهو ما نوى أنه يعمل هذا الشيء بالنسبة لها؛ لأن نيته أصلاً في تحبيسها، يعني: أن كل ما تفعله يرجع إليه أجره، فالنية العامة موجودة في أصل التحبيس والتوقيف، وفي أصل ربطها لهذا الغرض ولهذا الخصوص، فيكون له أجر، ولكن ذكر كونه يؤجر على ذلك وهو لم يقصد ذلك بالخصوص، وإن كان قد أراده في أصل التحبيس، ففيه إشارة وتنبيه إلى أنه إذا كان هذا في شيء ما قصده، فمن باب أولى أن يكون كل شيء أراده، وكل شيء قصده أنه يؤجر عليه، فهي لمن يكون كذلك أجر، هي لرجل أجر، فهذه الصفات والأحوال التي يكون فيها الأجر لمن ربطها واحتبسها في سبيل الله.
قوله: [(ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله عز وجل في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك ستر)].
ورجل هي له ستر، الإنسان الذي ربطها لحاجته، وإظهار لغناه وعدم حاجته للناس، (وتعففاً)، أي: استغناء عن الناس، وعن كونه يطلب من الناس أموالهم أن يستفيد بها، فعنده ما يكفيه، وربط شيئاً يكفيه، ولم ينس أيضاً حق الله في ظهورها ورقابها، بأنه إذا حصل أمر يستدعي أنه يجعلها في الجهاد في سبيل الله، وكذلك من جهة أنه يحسن إلى الناس بالإعارة، أو بكونه يعير الفحل لينزوا على أنثى لغيره، كل هذا يدخل تحت كونه يستفيد ويفيد، فهو يستفيد بنفسه ويستغني عن الناس، ويتعفف فلا يحتاج إلى الناس، ويكون عنده ما يغنيه ويكفيه، وكذلك أيضاً لا ينسى أن يعدي النفع إلى الغير، وأن يحسن إلى الناس، فهي لهذا ستر؛ لأنه ستر يقيه، أي: كونه يحتاج إلى الناس ويضايق الناس في أموالهم، أو يطلب منهم شيئاً قد يكون في نفوسهم شيء من عدم الإعطاء، فهو يستغني بذلك عن الناس، وإذا احتيج إليه فعنده الاستعداد لأن يفيد غيره كما أفاد نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس).
وقوله: [(ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام، فهي على ذلك وزر)].
ورجل ربطها فخراً ورياء ونواء لأهل الإسلام، يعني: معاداة لهم، أو نكاية بهم، أو ما إلى ذلك، فهي لهذا وزر، وليست له أجر؛ لأنه ما ربطها للجهاد ولا للاستغناء بها، وإنما للفخر والخيلاء والرياء والكيد بأهل الإسلام، ومعاداة أهل الإسلام.
ثم سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحمير بعدما ذكر الخيل، وما فيها من الأجر، وأن الخيل معقود بنواصيها، وأن الناس فيها ثلاثة أصناف، سئل عن الحمير؟ يعني: كيف الحال فيها؟ قال: ما عندي فيها، أو لم ينزل علي فيها ولا في غيرها إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، الإنسان إذا أحسن إلى ما في يده، فإنه يؤجر على ذلك، وهذه ليست خاصة بالحمير، بل هي عامة في كل إحسان، من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره؛ لأنها في جميع وجوه الخير وفي جميع وجوه الشر، فالخير ولو كان قليلاً، إذا قدمه أمامه وجده، والشر ولو كان قليلاً، فإنه إذا قدمه يجده أمامه.
وقوله: الجامعة؛ لأنها عامة تشمل كل شيء، ويدخل في ذلك الحمير، وإفادة الناس ونفعهم بها، والفاذة: المنفردة التي هي جامعة، ومع ذلك منفردة في عموم ما فيها من النفع، وما فيها من الخير.
وأما السيارات فلا شك أن كون الإنسان يصير عنده وسيلة من الوسائل، ويحسن إليها ويحسن فيها، هي داخلة في هذه الآية الفاذة الجامعة.
هو محمد بن سلمة المرادي المصري، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
[والحارث بن مسكين].
هو الحارث بن مسكين المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
[عن ابن القاسم].
هو عبد الرحمن بن القاسم صاحب الإمام مالك، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
[عن مالك بن أنس].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث الفقيه، الإمام المشهور، صاحب أحد المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن زيد بن أسلم].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة].
وقد مر ذكرهما.
الجواب: معلوم أن الجهاد في سبيل الله قائم ومستمر، لكن إذا حصل الجهاد في سبيل الله لا يكره الناس على أن يدخلوا في الدين، بل إذا أعطوا الجزية ورضخوا لأحكام الإسلام، ودخلوا في أحكام الإسلام، فإنهم يتركون على ما هم عليه ولا يقاتلون؛ لأنه قد يكون دفعهم الجزية وسيلة إلى أنهم يشاهدون أحكام الإسلام، وما جاء في الإسلام من الخير، فيكون ذلك أدعى إلى دخولهم في الإسلام، وإلى دخولهم في هذا الدين الحنيف، وأيضاً المسلمون عندما يمسكون أي إنسان لا يقال: إما أن تسلم، وإما قتلناك، فلا يكون الأمر كذلك، وبالمقابل لا يعني أن الناس يجلسون في دورهم وفي أماكنهم ولا يخرجون لقتال الناس وجهادهم في سبيل الله عز وجل، حتى يخرجوا من دين الضلالة إلى دين الهدى.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر